الدرس الخمسون في الإمهال والإملاء على المسلم والكافر
الإمهال والإملاء : هو إعطاء المهلة للعاصي المسلم أو الكافر ، وتأخير أخذه وعقابه في الدنيا بعد ارتكابه العصيان واستحقاقه الأخذ والعقوبة ، وهو يكون : تارة : لأن الله تعالى قد قضى في حقه بأجل مسمّى فلابد من نفوذ قضائه. واخرى : لأجل رحمته تعالى على نفس العاصي ليتوب ، أو على غيره من حيوان أو انسان ممن يشاركه في نتائج عمله ثواباً أو عقاباً. وثالثة : ليميز الخبيث من الطيّب ، والمؤمن من الكافر ، والمطيع من الفاسق. ورابعة : للإضلال ، والإستدراج ليتم شقاوه ، ونعوذ بالله من ذلك. والإمهال وإ ، كان من فعل الله تعالى إلا أنه يرجع إلى نفس العبد وينشأ من غفلته وغرته وشقائه ، فلا بد لكل إنسان من مراقبة نفسه وأفعاله وأحواله حتى لا يقع فيما لا محيص له من ذلك. وقد ورد في بيان ذلك عدّة وافرة من الآيات الكتابية :
(268)
قال تعالى : ( ولولا أجل مسمّى لجاءهم العذاب ) ، (1) ( ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) (2). ( ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم ) (3). ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ) (4) وقال : ( وربك الغفرو ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً ) (5) وقال : ( ولا تحسبنّ الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادا إثماً ) (6) وقال : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) (7) وقال : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم ) (8) وقال : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيّب ) (9) وقال : ( فلّما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) (10). وورد في النصوص : أن لله في كل يوم وليلة ملكاً ينادي : مهلاً مهلاً عباد الله عن معاصى الله ، فولا بهائم رتّع ، وصبية رضّع ، وشيوخ ركّع ، لصب عليكم العذاب صباً ترضّون رضّاً (11).
1 ـ العنكبوت : 53. 2 ـ فصلت : 45. 3 ـ الشورى : 21. 4 ـ النحل : 61. 5 ـ الكهف : 58. 6 ـ آل عمران : 178. 7 ـ التوبة : 55. 8 ـ الرعد : 32. 9 ـ آل عمران : 179. 10 ـ الأنعام : 44. 11 ـ الكافي : ج2 ، ص276 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص243 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص344 ـ نور الثقلين : ج3 ، ص40.
(269)
وأن الله إذاً أراد أن يصيب أهل الارض بعذاب قال : « لولا الذين يتحابون بجلالي لأنزلت عذاب » (1). وأن الله إذا همّ بعذاب أهل الأرض جميعاً لارتكابهم المعاصي نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات ، والولدان يتعلمون القرآن ، رحمهم ، وأخر عنهم ذلك (2). وأن الله ليدفع بمن يصلي من الشيعة عمن لا يصلي ، وبمن يصوم عمن لا يصوم ، وبمن يزكي عمن لا يزيكي ، وبمن يحج عمن لا يحج ، ولو اجتمعوا على الخلاف والعصيان لهلكوا (3) ، وهو قوله : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) (4). وأنه : ما عذب الله قرية فيها سبعة من المؤمنين (5). وأنه : إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره (6). وأنه : كم من مستدرج بالاحسان إليه ، ومغرور بالستر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه ، وما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له (7).
1 ـ ثواب الأعمال : ص212 ـ علل الشرائع : ص521 ـ من لا يحضره الفقيه : ج1 ، ص473 ـ وسائل الشيعة : ج3 ، ص486 وج4 ، ص1201 وج11 ، ص374 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص382 وج84 ، ص16 وج87 ، ص150. 2 ـ ثواب الأعمال : ص47 ـ علل الشرائع : ص521 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص382 وج92 ، ص185. 3 ـ البرهان : ج1 ، ص238 ـ نور الثقلين : ج1 ، ص253. 4 ـ البقرة : 251. 5 ـ الاختصاص : ص30 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص383. 6 ـ نهج البلاغة الحكمة 25 ـ بحار الأنوار : ج67 ، ص199 وج73 ، ص383. 7 ـ نهج البلاغة : الحكمة 116 و210 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص220 وج73 ، ص100 وج78 ، ص40 ـ نور الثقلاين : ج5 ، ص21. 5
(270)
وأنه ليراكم الله من النعمة وجلين ، كا يراكم من النقمة فرقين (1). وأنه من وسّع عليه في ذات يده ، فلم ير ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً ، ومن ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً (2). وأنه : إذا أراد الله بعبد خيراً فأذنب ذنباً تبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار ، وإذا أراد الله بعبد شراً فأذنب ذنباً تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به ، (3) وهو قوله تعالى : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) (4) بالنعم عند المعاصي.
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 358 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص220 وج73 ، ص383. 2 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص51 وج73 ، ص383 ـ مرآة العقول : ج11 ، ص352 ـ نور الثقلين : ج2 ، ص106. 3 ـ الكافي : ج2 ، ص452 ـ علل الشرائع : ص561 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص354 وج11 ، ص365 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص217 وج67 ، ص229 وج73 ، ص387 ـ نور الثقلين : ج2 ، ص105. 4 ـ الأعراف : 182 ، والقلم : 44.
(271)
|