ثانياً : حقوق الجيران
لرابطة الجوار دور كبير في حركة المجتمع التكاملية ، فهي تأتي في المرتبة الثانية من بعد رابطة الأرحام ، إذ للجوار تأثير متبادل على سير الاُسرة ، فهو المحيط الاجتماعي المصغّر الذي تعيش فيه الاُسرة
(109)
وتنعكس عليها مظاهره وممارساته التربوية والسلوكية ، ولهذا نجد أنّ المنهج الاسلامي أبدى فيه عناية خاصة ، فقد قرن القرآن الكريم عبادة الله تعالى والاحسان إلى الوالدين والارحام بالاحسان إلى الجار كما في قوله تعالى : ( واعبدُوا اللهَ ولا تُشرِكُوا بهِ شَيئاً وبالوالِدَينِ إحساناً وبذي القُربى واليتَامى والمَساكينِ والجارِ ذي القُربى والجارِ الجُنُبِ والصّاحبِ بالجَنبِ ) (1). فقد رسم القرآن الكريم منهجاً موضوعياً في العلاقات الاجتماعية يجمعه الاحسان إلى أفراد المجتمع وخصوصاً المرتبطين برابطة الجوار. وحق الجوار لا ينظر فيه إلى الانتماء العقائدي والمذهبي ، بل هو شامل لمطلق الانسان مسلماً كان أم غير مسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الجيران ثلاثة : فمنهم من له ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة، ومنهم من له حقّان : حق الإسلام ، وحق الجوار ، ومنهم من له حق واحد : الكافر له حق الجوار » (2).
الوصايا الشريفة : أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته بمراعاة حق الجوار ، والسعي إلى تحقيقه في الواقع ، وركز على ذلك باعتباره من وصايا الله تعالى له ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « مازال جبرئيل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه » (3) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصية نبيكم ،
1 ـ سورة النساء : 4 / 36. 2 ـ جامع السعادات / النراقي 2 : 267. 3 ـ بحار الانوار 74 : 94.
(110)
مازال يوصي بهم حتى ظنّنا أنه سيورّثهم » (1). وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل المدينة : « إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وحرمة الجار على الجار كحرمة أُمّه » (2). وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إكرام الجار من علامات الايمان فقال : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره » (3). واستعاذ صلى الله عليه وآله وسلم من جار السوء الذي أطبقت الانانية على مشاعره ومواقفه فقال : « اعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة ، تراك عيناه ويرعاك قلبه ، إن رآك بخير ساءه ، وإن رآك بشر سرّه » (4). حسن الجوار : إنّ حسن الجوار من الأوامر الالهية ، كما قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « عليكم بحسن الجوار ، فإنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بذلك » (5). وحسن الجوار ليس كف الأذى فحسب ، وإنّما هو الصبر على الأذى من أجل إدامة العلاقات ، وعدم حدوث القطيعة ، قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام : « ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر
1 ـ نهج البلاغة : 422 ، كتاب : 47. 2 ـ الكافي 2 : 666. 3 ـ المحجة البيضاء 3 : 422. 4 ـ الكافي 2 : 669. 5 ـ بحار الانوار 74 : 150.
(111)
على الأذى » (1). ودعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى تفقد أحوال الجيران وتفقّد حاجاتهم ، فقال : « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع » (2). وحثّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام على حسن الجوار لما فيه من تأثيرات إيجابية واقعية تعود بالنفع على المحسن لجاره ، فقال : « حسن الجوار يعمّر الديار ، ويزيد في الأعمار » (3). وقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه « لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه » ، فنادوا بها ثلاثاً، ثم أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله (4). والاعتداء على الجار موجب للحرمان من الجنة ، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « من كان مؤذياً لجاره من غير حقّ ، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار ، ألا وإن الله عزَّ وجلَّ يسأل الرجل عن حق جاره ، ومن ضيّع حق جاره فليس منّا » (5). ومن يطّلع على بيت جاره ويتطلّب عوراته يحشر مع المنافقين يوم القيامة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة
1 ـ تحف العقول : 306. 2 ـ جامع السعادات 2 : 268. 3 ـ الكافي 2 : 667. 4 ـ الكافي 2 : 666. 5 ـ بحار الانوار 76 : 362.
(112)
رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها ، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا ، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله ويبدي عورته للناس في الآخرة » (1). ويحرم الاعتداء على ممتلكات الجار ، ومن اعتدى فالنار مصيره ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن خان جاره شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين ناراً حتى يدخله نار جهنّم » (2). وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بالتكافل الاجتماعي والنظر إلى حوائج الجار والعمل على إشباعها فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه منعه الله فضله يوم القيامة ، ووكله إلى نفسه ، ومن وكله الله إلى نفسه هلك ، ولا يقبل الله عزَّ وجلَّ له عذراً » (3).
حق الجار في رسالة الحقوق : وضع الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق منهجاً شاملاً للتعامل مع الجيران ، متكاملاً في أُسسه وقواعده ، مؤكداً فيه على تعميق أواصر الاخوة ، مجسداً فيه السير طبقاً لمكارم الأخلاق التي بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل إتمامها ، فقال عليه السلام : « وأمّا حق الجار فحفظه غائباً ، وكرامته شاهداً ، ونصرته ومعونته في الحالين معاً ، لا تتبع له عورة ، ولاتبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولاتكلف ، كنت لما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً ، لو بحثت الأسنة
1 ـ بحار الانوار 76 : 361. 2 ـ بحار الانوار 76 : 361. 3 ـ بحار الأنوار 76 : 363.
(113)
عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه. لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة. تقبل عثرته ، وتغفر زلته ، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلماً له ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النميمة ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا قوة إلاّ بالله » (1).
1 ـ تحف العقول : 191.
|