حكم تبني الوليد : إذا ولدت امرأة على فراش الرجل لأكثر من ستة أشهر فصاعداً لزمه قبوله ، ويحرم عليه نفيه منه ، وإن ولدت لأقلّ من ذلك وليداً حيّاً سوياً ينبغي نفيه منه ، فإن أقرّ به قُبل منه ، ولم يسعه بعد ذلك الانتفاء منه(1).
الرضاع : حليب الاُم هو الغذاء الأمثل للطفل ، فهو (أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه) (2) ، وأفضل من يمنحه الحنان ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً ، فيستحب ارضاع الطفل من حليب أُمّه ، قال الإمام عليه عليه السلام : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (3). وهذا ما يؤكده العلم الحديث وهو يكشف مناسبة حليب الاُم لحاجة الرضيع من حيث مكوناته ، ومن حيث درجة حرارته أيضاً ، فإن مكوناته وحرارته تتغير مع نحو الطفل ، وبحسب ما يتطلبه النمو السليم. وعلى الرغم من استحباب إرضاع الطفل من حليب أُمّه إلاّ أنّه لايتوجب عليها إرضاعه (4) ، سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن الرضاع فقال : « لاتجبر الحرّة على رضاع الولد ، وتجبر أُمّ الولد » (5).
1 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 317. وجواهر الكلام 31 : 224. ومنهاج الصالحين ـ المعاملات : 112 ـ 113. 2 ـ الحدائق الناضرة 25 : 71. 3 ـ الكافي 6 : 40. 4 ـ الحدائق الناضرة 25 : 71. وجواهر الكلام 31 : 272. والصراط القويم : 214. 5 ـ الكافي 6 : 41.
(53)
وعدم الوجوب مشروط بوجود الأب وقدرته على دفع الاُجرة ، أو عدم تبرع الاُمّ ، أو وجود مال للولد ، ووجود مرضعة أُخرى ، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط ، يجب على الاُمّ إرضاعه ، كما يجب عليها الانفاق عليه إذا كان الأب معسراً أو مفقوداً (1). وفي الظروف الاستثنائية التي تقف حائلاً دون ارضاع الاُمّ لطفلها بسبب قلّة الحليب ، أو مرض الاُمّ ، أو موتها ، أو رفضها للرضاعة مجاناً ، يستحبّ اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « اُنظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبُّ عليه » (2) ويستحب اختيار المرأة المرضعة التي تتوفر فيها أربع خصال : العاقلة ، المسلمة ، العفيفة ، الوضيئة (3). قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي » (4). وقال عليه السلام : « عليكم بالوضاء من الظؤرة ، فإنّ اللبن يعدي » (5). ويكره استرضاع الحمقاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن الولد يشبُّ عليه » (6).
1 ـ الحدائق الناضرة 25 : 72. وجواهر الكلام 31 : 272. 2 ـ الكافي 6 : 44. وجواهر الكلام 29 : 307. 3 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 316. وجامع المقاصد 12 : 208. وجواهر الكلام 29 : 306. 4 ـ الكافي 6 : 44. وجواهر الكلام 29 : 306. 5 ـ الكافي 6 : 44. 6 ـ مكارم الاخلاق : 237. وجواهر الكلام 29 : 306.
(54)
وكذا البغيّة والمجنونة ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة ، فإنّ اللبن يعدي » (1). ويجوز استرضاع الكتابيات على كراهية ، وفي حال عدم وجود مرضعة مسلمة ، وترتفع الكراهة في حال منعهنَّ من شرب الخمر ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إذا أرضعن لكم ، فامنعوهنَّ من شرب الخمر » (2). وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير اللبن على الطفل ، ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ... فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن » (3). ومن أجل تحسين حليب الطفل ، يستحبُّ اطعام النساء في نفاسهنَّ التمر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب » (4). ويفضّل اطعام نوع خاص من التمر وهو البرني ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « أطعموا البرني نساءكم في نفاسهنَّ ، تحلم أولادكم » (5). وللاُم حق الارضاع لطفلها إن رضي الأب بغير أُجرة ، ولها حق الامتناع من الرضاعة ، إمّا إذا كانت مطلقة ، فهي أولى برضاعه سواء رضي الأب أم لم يرض ، ولها أُجرة المثل ، فإن طلبت أُجرة زائدة على ما يرضى به
1 ـ مكارم الاخلاق : 223. وجواهر الكلام 29 : 306 ، 308. 2 ـ الكافي 6 : 42. وجواهر الكلام 29 : 307. 3 ـ الكافي 6 : 43. 4 ـ الكافي 6 : 22. 5 ـ الكافي 6 : 22.
(55)
غيرها ، كان للأب حقّ انتزاعه من يدها (1). ولا يجوز للأب أن يسلم الطفل إلى مرضعة تذهب به إلى منزلها إلاّ برضى الاُمّ (2). ومدة الرضاع هي سنتان ، وأقلّه واحد وعشرون شهراً ، ويجوز الزيادة على السنتين مقدار شهرين ، والزيادة لا أُجرة فيها (3). ويستحسن في مرحلة الرضاع مناغاة الطفل ، لأنّها تؤثر على سرعة النطق ، ونموّه اللغوي والعاطفي في المستقبل ، حيث يشعر من خلال المناغاة بوجود الأمن والطمأنينية والهدوء ، ولنا في سُنّة أهل البيت عليهم السلام خير منار واقتداء ، فكانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام تناغي الحسن عليه السلام في هذه المرحلة وتقول :
أشبه أباك يا حسن واعبد إلهاً ذا منن |
| واخلع عن الحق الرّسن ولا توالِ ذا الإحَـــنْ |
وكانت تناغي الحسين عليه السلام :
أنت شبيه بأبي |
|
لست شبيهاً بعـــليّ (4) |
الفطام : حددت الشريعة الإسلامية مدة الارضاع التامة بأربع وعشرين شهراً
1 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316. 2 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316. ومنهاج الصالحين ، المعاملات : 120. 3 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316. والصراط القويم : 214. 4 ـ بحار الأنوار 43 : 286.
(56)
كما جاء في قوله تعالى : ( والوالِداتُ يُرضِعنَ أولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلينَ لِمن أرادَ أن يُتمَّ الرَّضَاعةَ ... ) (1). واقل الرضاع ـ كما تقدّم ـ واحد وعشرون شهراً ، وينبغي على الوالدين ان أرادا فطام الصبي في هذه المدة أن يتشاورا فيما بينهما ، قال تعالى : ( ... فإن أرادَا فِصَالاً عن تراضٍ مِّنهما وتَشاورٍ فلا جُناحَ عَليهِما.. ) (2). ويجوز تأخير الرضاع إلى شهر أو شهرين بعد مدة التمام وهي أربع وعشرون شهراً ، ويحرم الرضاع بعد ذلك ، لأنّ لبن المرأة يصير من الخبائث ومن فضلات مالا يُؤكل لحمه ، فيحرم على المكلف شربه ، وكل ما حرّم على المكلف شربه يحرم إعطاؤه لغير المكلف (3). فيجب على الاُم أو الأب المستأجر لمرضعة مراعاة وقت الرضاع ووقت الفطام ، بلا افراط ولا تفريط ، فيحسن ارضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ولا ينبغي ارضاعه أقل من ذلك (4) ، قال الامام الصادق عليه السلام : « الرضاع واحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور على الصبي » (5) ، ذلك لأنّ الطفل بحاجة إلى اللبن في هذه المدة ، وبحاجة إلى الدفء العاطفي والحنان على حدٍّ سواء.
1 ـ سورة البقرة : 2 / 233. 2 ـ سورة البقرة : 2 / 233. 3 ـ مهذب الاحكام 25 : 275. 4 ـ منهاج الصالحين ، المعاملات : 120. 5 ـ الكافي 6 : 40.
(57)
الحضانة : الحضانة هي الولاية على الطفل لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته (1) ، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني واللغوي والعقلي والأخلاقي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين ابداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته ، وتوفير ما يحتاجه من مقومات النموّ البدنية والروحية ، ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع. والاُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع ، فلا يجوز للاب أن يأخذه في هذه المدة منها ، فإذا انقضت مدة الرضاع ، فالأب أحق بالذكر ، والاُمّ أحق بالاُنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثم يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير ، فلو تزوجت سقط حقّها ، وكانت الحضانة للأب (2). قال الإمام الصادق عليه السلام : « المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج » (3). وعنه عليه السلام قال : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحقُّ به من الاُمّ ، فإذا مات الأب فالاُمّ أحقُّ به من العصبة ... » (4). وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدماً على غيره
1 ـ الحدائق الناضرة 25 : 83. 2 ـ مهذب الاحكام 25 : 278. 3 ـ وسائل الشيعة 21 : 471. 4 ـ الكافي 6 : 45.
(58)
من الاخوة والأجداد (1). وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب الطفل على ترتيب مراتب الارث الأقرب منهم يمنع الأبعد (2). ومن شروط حق الحضانة للاُمّ (3) : 1 ـ أن تكون مسلمة. 2 ـ أن تكون عاقلة. 3 ـ أن تكون سالمة من الأمراض المعدية. 4 ـ أن تكون فارغة من حقوق الزوج ، فلو تزوّجت سقط حقها من الحضانة. 5 ـ أن تكون أمينة. 6 ـ وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق الاُمّ (4). ولا يجوز للاُم الحاضنة أن تسافر بالولد إلى بلد بغير رضا أبيه ، ولايجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه (5).
1 ـ الحدائق الناضرة 25 : 96. 2 ـ مهذب الاحكام 25 : 281. 3 ـ الحدائق الناضرة 25 : 90 ـ 91 ، 93. والصراط القويم : 214. 4 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 288. 5 ـ مهذب الاحكام 25 : 283.
(59)
|