متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
عقد الحقارة .. مظاهرها ونتائجها
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
عقد الحقارة .. مظاهرها ونتائجها

    اكثر الامراض الجسدية حينما يتحدث عنها الطب فانه يتحدث عن اعراضها ، فحينما يتحدث الاطباء عن مرض السكي مثلاً : فمثلاً فانهم يذكرون اعراضه وكذلك الملاريا والتيفوئيد وسائر الامراض لان المرض اساسه جرثومة او ميكروب او خلل داخلي فلا يصفون لك الجرثومة او الخلل ، وانما يجبرونك بأعراض المرض ومشخصاته فتدرك حينئذ هل انك مصاب بذلك المرض فعلاً ام لا ؟
    وكذلك الامراض النفسية انما تعرف بأعراضها ومضارها السلوكية فهي ليست شيئاً مادياً داخل جسم الانسان يمكن اكتشافه بالفحوصات والاشعة بل هي حالات نفسية تعرف بظواهر السلوك.
    ولعقدة الحقارة امراض ومظاهر هي محصلة ونتائج لتلك العقدة ، فلنستعرض بعض آثارها في حياة الانسان.

    1 / الانطواء والانعزال :
    يعزف الانسان المصاب بعقدة الحقارة والنقص عن مخالطة الناس ويميل الى الابتعاد عنهم وينغلق على ذاته ، ذلك لان اختلاطه بالناس يذكره بنقصه الذي يعتقده ، فحينما يجتمع معهم ويراهم كاملين امامه يتذكر نقصه ويتألم ، لذلك يفضل الابتعاد.


(192)

    ولعل سبب انعزال كثير من الناس عن الاخرين هو اصابتهم بمرض عقدة الحقارة بيد ان ذلك لا ينسحب على الجميع طبعاً.
    والانسان الذي يمارس بعض الذنوب والمعاصي ايضا يحاول ان يتبعد عن المجتمع حتى لا يثأر شيء يذكره بذنوبه ومعاصيه ، لذلك نرى بعض الانحرافات بشكل مباشر تدعو الانسان الى العزلة ، فكما يذكر علماء النفس ان ممارسة العادة السرية ـ على سبيل المثال ـ وهي الاستمناء المحرم تجر الانسان الى العزلة والوحدة.
    وهناك احاديث كثيرة تشير الى هذه الحقيقة التي اثبتها العلم. فعن الامام الصادق عليه السلام قال : ( الرجل يجزع من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير ) (1).
    عندما يصاب الانسان بذلة داخلية ويشعر انه اصغر من الاخرين هذا الامر يجره الى الاصابة بمذلة كبيرة ، حيث يعتزل الناس مع علمه بفوائد الالتقاء والاجتماع بهم ، وتتضح هذه الحالة اكثر حينما يكون هناك فوارق ومميزات بين الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه كما اذا كان ملوناً وسط البيض العنصريين او كانت لغته مختلفة او انتماؤه المذهبي مختلفاً فانه لا يمتلك الجرأة على الاختلاط بالاخرين لشعوره بالضعف والعجز امامهم ، بينما الانسان الواثق من نفسه القوي الشخصية لا يخالجه اي شعور بالنقص يمنعه من الاختلاط مع الناس مهما كانت الفوارق بينه وبينهم ..
    بقى ان نشير الى ان هناك احاديث تشجع على العزلة عن الناس ولكنها تختص بما اذا كان المجتمع فاسداً بحيث يخشى الانسان على نفسه الانحراف عن الاختلاط به والا فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه


1 ـ ميزان الحكمة : ج 3 ص 443.


(193)

    قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم افضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم ) (1).
    وروي انه صلى الله عليه وآله وسلم فقد رجلاً فسأل عنه فجاء فقال : يا رسول الله اني اردت ان آتي هذا الجبل فاخلوا فيه فأتعبد.
    فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لصبر احدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الاسلام خير من عبادته خالياً اربعين سنة ) (2)

    2 / التكبر وحب الانتقام :
    تكبر الانسان عادة ما يكون دلالة واضحة على شعوره بالنقص وحقده على الاخرين لشعوره انهم سبب هذا النقص ، والمتكبر يظن انه بممارسة هذا السلوك يكون قد اخفى حقيقة ضعفه عن اعين الناس فعن الامام الصادق عليه السلام : ( ما من رجل تكبر او تجبر الا لذلة وجدها في نفسه ) (3). وعنه عليه السلام : ( ما من احد يتيه الا من ذلة يجدها في نفسه ) (4).
    والحقيقة ان الغالبية العظمى من المتكبرين والمتجبرين انما يتكبرون لسد ما يشعرون به داخل انفسهم من نقص ، اما الانسان الذي يعرف قدر نفسه ولا يشعر بهذه الحقارة في داخله لا يرى هنالك داع يجعله يتكبر على الاخرين وانما يطرح نفسه في اوساط المجتمع كما هو.
    ان شعور الانسان بالحقارة يجره الى الحقد على الاخرين وتوجيه النقد لهم وتحطيم شخصياتهم ونشر الشائعات حولهم.
    عن الامام علي عليه السلام : ( ذووا العيوب يحبون اشاعة معايب الناس


1 و 2 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 302.
3 و 4 ـ الكافي : ج 2 ص 312.


(194)

ليتسع لهم العذر في معايبهم ) (1).
    يقول علماء النفس ، يتضح هذا الامر جلياً في صفوف الطلاب ، حيث يوجد فيهم من هو متفوق ومن هو متخلف لاي سبب من الاسباب سواء لعدم نشاطه وجده او لضعف استيعابه وفهمه ، الامر الذي يجعل من هو متخلف يمتلئ حقداً وكرهاً تجاه الافراد المتفوقين عليه ، ولكي لاتبقى هذه صورة مزعجة له فانه يمارس سلوكاً شاذاً لابعاد هذه الصورة عن مخيلته او تحطيمها ، وهذا السلوك عبارة عن السخرية والاستهزاء واشاعة اخطاءهم وابراز الجانب السلبي فيهم لكي يتساووا معه في الموقف ، فاذا كانوا متفوقين في الدراسة فهم متخلفون في جوانب أخر ، واذا كان هو متخلفاً في الدراسة فهو متقدم في جوانب اخر ، فلا فرق اذن ، انه يفعل ذلك ليرضي ويريح نفسه.
    يروي لنا التاريخ انه في يوم من الايام كان المأمون العباسي جالساً في قصره وفي الاثناء مر عليه فقير ثيابه بالية ، وعندما رأى الفقير القصر الجميل المترف وقف جانباً واخذ ينشد بصوت مرتفع :

ياقصر جمع فيك اللؤم والشؤم متى تعربد في اجواءك البوم (2)

    فسمع المأمون ابيات ذلك الفقير فقال آتوني به ، فأتوا به وقال له : ماذا كنت تقول ؟
    فقرأ عليه شعره.
    فقال له المأمون لماذا تدعو على القصر ؟
    فقال يا أمير المؤمنين كيف لا ادعوا عليه وانت ترى حالي انظر الى ثيابي


1 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 312.
2 ـ الشطر الثاني من البيت كناية على خراب القصر وتحوله الى اطلال مهجورة الا من البوم.


(195)

بالية وبطني طاوي من الجوع ، عندما رأيت هذا القصر تخليت ما بداخله من ملابس واطعمة بعيدة المنال فحقدت عليه لانني لا استفيد منه ما دام عامراً ، ولكن لو ان هذا القصر تحول الى خرائب تعشعش فيها البوم لتمكنت من الدخول فيه لاخذ ما اراه يفيدني من خشب وحديد وابيعه واسد جوعي به.

    3 / القلق والاضطراب النفسي :
    وهذا امر طبيعي ونتيجة بارزة لعقدة الحقارة ، ذلك ان الانسان يشعر بذلة وبصغارة داخل نفسه عندما يجد الاخرين متقدمين فانه يصاب بحالة من الصراع الداخلي والاضطراب النفسي وعدم الراحة ، يقول الامام الصادق عليه السلام : ( من ساء خلقه عذب نفسه ) (1). وعن الامام علي عليه السلام : ( سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس ) (2). وسئل امير المؤمنين عليه السلام عن ادوم الناس غماً فقال : ( سوء الخلق ) (2).
    ان المصاب بانحرافات خلقية يتعذب ويغتم وتتحطم اعصابه ويعيش القلق والحيرة والتردد وربما يرتكب جريمة شرب الخمور وتعاطي المخدرات لتهدئة ذلك القلق ولو لفترة قصيرة وربما يلجأ الى الانتحار عند ارتفاع الصراع الداخلي الى ذروته ويفقده اعصابه.

    4 / الحساسية المفرطة :
    الانسان الذي تمتلكه عقدة الحقارة والضعة يفسر كل كلمة تقال في محضره او تصرف على انه موجه ضد شخصه ، حتى وان كانت تلك الكلمة او ذلك التصرف عفوياً.
    نقل احد الاصدقاء انه كان في مجلسهم شخص اصم وكان الى جانبه


1 ـ ميزان الحكمة : ج 3 ص 154.
2 و 3 ـ المصدر السابق : ج 3 ص 153.


(196)

صديقان يتكلمان مع بعض فخرج الاصم غاضبا منهما متهماً اياهما بالكلام ضده .. مع انهما يتكلمان في مسألة اخرى !!
    ويقول احد العلماء كنت القي حديثاً في احد المجالس وكان في المجلس شخص مصاب في احدى عينيه وكان لي علاقة وثيقة به وفجأة افتقدته من المجلس وسمعت انه يتكلم علي ويستغيبني فطلبت من اصدقائي ان يذهبوا اليه ليعرفوا ماذا جرى له ؟ وما هو الخطأ الذي صدر مني تجاه ؟ وعندما ذهبوا اليه قال لهم انه متأثر لانني اهنته على المنبر حيث استشهدت ببيت شعر يقول :

بليت باعور فعجزت عنه فكيف اذا بليت باعورين

    لم يخالط ذلك الانسان هذا الشعور الا لانه مصاب بعقدة الحقارة والضعة بسبب مرضه الامر الذي يجعله يظن ان كل ما يقال حول الموضع موجه لشخصه ، وان كان المتكلم لا يقصده او غير ملتفت لحضوره اصلاً ..

    5 / الخمول :
    فشعوره بالحقارة والضعف يفقده الثقة بنفسه وقدراته فيتهيب تحمل اي مسؤلية او القيام بأي عمل يتصوره اكبر من قدراته وحتى لا ينكشف فشله وضعفه امام الاخرين .. وقد يعتذر عن كثير من الاعمال بأعذار واهية كالتعب او المرض او الانشغال او ما اشبه وحقيقة الامر تهيبه من القيام بالعمل لضعف ثقته بذاته وشعوره بأنه اصغر من ذلك العمل.
    يقول الامام علي عليه السلام : ( قرنت الهيبة بالخيبة ) (1).
    ومع انه يتهيب من مواجهة الواقع الا انه يبني له احلاماً وآمالاً على رمال


1 ـ نهج البلاغة : ص 471.


(197)

متحركة لا تلبث ان تنهار لاول مواجهة واصطدام فيعود اكثر خمولاً وتراجعاً.

    6 / الاخلاق السيئة :
    الانسان الواثق من نفسه القوي الشخصية لا يتهرب من مسؤلية اعماله وتصرفاته فاذا عمل شيئا لا ينكره بل يواجه نتائجه بشجاعة بينما الذي يحتقر نفسه يتنصل من مسؤلية اعماله حينما تترتب عليها محاسبات او مضاعفات فليجأ للكذب. يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يكذب الكاذب الا من مهانة نفسه عليه ) (1).
    وكما تدفع عقدة الحقارة صاحبها للكذب فانها تورطه في مرض النفاق حيث يجبن عن اعلان ولائه وموقفه الحقيقي ويتظاهر بما لا يؤمن ولا يعتقد بقول الامام علي عليه السلام : ( نفاق المرء من ذل يجده في نفسه ) (2).
    وعادة ما يتذرع من يحتقر نفسه بالتبريرات والاعذار لمواجهة اي خطأ يرتكبه او اي تقصير يمارسه بدلاً من الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن التقصير ..
    وهكذا تفرز عقدة الحقارة العديد من الامراض والاخلاق السيئة لدى صاحبها.


1 ـ ميزان الحكمة : ج 3 ص 347.
2 ـ المصدر السابق : ج 10 ص 151.


(198)


(199)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net