بين الحب والخوف : وهناك فرق شاسع بين حب الله والخوف منه ، بين ان يحب الانسان ربه سبحانه وتعالى لذاته ولصفاته ولاهليته ، وبين من يعبد الله خوفاً من ناره او طمعاً في جنته. وقد صنف الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) العباد على انواع ثلاثة فقال : « ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وان قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الاحرار وهي افضل العبادة » (2). وروى ان عيسى ( عليه السلام ) مر بثلاثة نفر قد نحلت ابدانهم وتغير الوانهم فقال لهم ما الذي بلغ بكم ما ارى ؟ فقالوا : الخوف من النار فقال حق على الله ان يؤمن الخائف ، ثم جاوزهم الى ثلاثة اخرى ، فاذا هم اشد نحولاً وتغيراً ، فقال لهم : ما الذي بلغ بكم ما ارى ؟ فقالوا : الشوق الى الجنة ، فقال حق على الله ان يعطيكم ما ترجون ، ثم جاوزهم الى ثلاثة اخرى ، فاذا هم اشد نحولاً وتغيراً ، كأن على وجوههم المرايا من النور ، فقال : ما الذي بلغ بكم ما ارى ؟ قالوا : حب الله عزوجل فقال انتم المقربون » (3). عن الامام الرضا ( عليه السلام ) : لم لم يخوف الله الناس بجنة ونار
2 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 17. 3 ـ جامع السعادات : ج 3 ص 151.
(112)
لكان الواجب عليهم ان يطيعوه ولا يعصوه لتفضله عليهم واحسانه اليهم ، وما بداهم به من انعامه الذي ما استحقوه » (1). الامام علي ( عليه السلام ) يقول مخاطباً ربه عزوجل : « وعزتك وجلالك ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ولكن وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك » (2). اذن هناك فرق كما اوضحته الاحاديث والروايات بين الحب وبين الخوف والطمع ، اذ ينطلق الحب من العلاقة القوية والمتينة والمعرفة الثاقبة بالله سبحانه وتعالى بغض النظر عن الجنة والنار فيصبح الخضوع لله سبحانه والالتزام باوامره هواية ولذة وليس واجباً وتكليفاً فحينما تستضيف حبيباً عزيزاً على قلبك فانك تبذل كل جهد ممكن لخدمته وضيافته دون احساس بالتعب او الانزعاج بل ترتاح نفسيا بذلك وتشكره لانه اتاح لك فرصة خدمته اليس كذلك ؟ وهكذا احباء الله يلتذون بخدمته ويبحثون عن فرص طاعته ولا يشعرون بالملل والتعب من طل العبادة ونصبها وفي هذه المرتبة حتى لو ضمن المحب لله الجنة وتأكد من نجاته من النار فانه لن يتوقف او يخفف من عبادته لربه ، فرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حينما سئل عن سبب كثرة عبادته مع ان الله قد غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه ؟ قال : اولا اكون عبداً شكورا ؟ .. وقديما قال الشاعر :
واذا حلت الهداية قلباً |
|
نشطت للعبادة الاعضاء |
1 و 2 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 18.
(113)
الامام الصادق ( عليه السلام ) : « الحب افضل من الخوف » (1). ومما جاء في صحيفة ادريس : « طوبى لقوم عبدوني حباً واتخذوني الها ورباً وسهروا الليل ، وادوا النهار طلبا لوجهي ، من غير رهبة ولا رغبة ولا لنار ولا جنة بل للمحبة الصحيحة والارادة الصريحة والانقطاع عن الكل لي » (2).
1 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 214. 2 ـ بحار الانوار : ج 95 ص 467.
|