متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خطر السقوط
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
الفصل الثالث
خطر السقوط



(64)


(65)

    لماذا نردد في صلاتنا مرارا كل يوم ( اهدنا الصراط المستقيم ) ؟. أو لسنا الان باعتبارنا مسلمين مؤمنين نسلك الصراط المستقيم ؟ هل نشك في الخط الذي نسير عليه ونحتمل في انفسنا الضلال ؟ ام ماذا ؟.
    في الواقع : ان الصراط المستقيم ليس طريقاً يبحث عنه الانسان عند مفترق طرق فاذا ما اهتدى اليه سلكه واستمر في السير عليه مرة واحدة الى الاخير ...
    بل ان الانسان في كل لحظة وامام اي موقف او قضية او كلمة يجد امامه طرقا كثيرة وخيارات عدة احدها يمثل الصراط المستقيم بينما البقية طرق ملتوية معوجة ..
    وفي كل لحظة يتعرض الانسان لخطر الانحراف والتنكب عن الصراط المستقيم الذي يسير عليه ولذلك يردد دائماً : ( اهدنا الصراط المستقيم ... ). فالمطلوب ليس مجرد اكتشاف الخط الصحيح في الحياة والبدء باليسير عليه بل المطلوب هو استقامة السير والاستمرار فيه.
    ان الله تعالى يلفتنا ان نطلب منه الوقاية والسلامة من الزيغ والضلال بعد الهداية والصلاح فيعلمنا ان نقول : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد ان هديتنا وهب


(66)

لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ) (1).
    وفي مورد آخر يذكرنا الباري جل وعلا بقصة ذلك العالم الاسرائيلي الكبير بلعم بن باعوراء كنموذج سيء للسقوط في اوحال الكفر والضلال بعد ان كان متسنما لذروة الهداية والصلاح يقول عنه تعالى :
    ( واتل عليهم نبأ الذي اتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فملثه كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص لعلهم يتفكرون ) (2).
    وابليس الم يكن عابداً لله خاضعاً حتى رفعه الله الى درجة الكمال مع انه من الجن كما يقول تعالى : ( ان ابليس كان من الجن ) ولكنه في لحظة انحراف واحدة اصبح رمز الشقاء والضلال الى يوم القيامة « وكان قد عبد الله ستة الاف سنة لا يدري امن سني الدنيا ام من سني الاخرة » (3) كما يقول الامام علي ( عليه السلام ).
    وتحدثنا الروايات عن بعض النماذج التاريخية التي اصابها السقوط والانحراف بعد ان قطعت شوطاً طويلاً من السير على خط الهداية والصلاح ، فمثلاً ( برصيصا ) ذلك العابد الزاهد الذي كان قدوة في الخشوع والخضوع لاحد مجتمعات بني اسرائيل ولفضله ومكانته عند الله كان مستجاب الدعاء يؤتى بالمجانين والمرضى فيدعو لهم ويعوذهم فيطيبون على


1 ـ سورة آل عمران : ـ 8.
2 ـ سورة الاعراف : 175 ـ 176.
3 ـ نهج البلاغة خطبة : 192.


(67)

يديه.
    وذات مرة جيء له بأمرأة جميلة ذات شرف قج اصابها الجنون وتركها اخوتها في صومعته ليشفيها الله ببركة انفاسه ودعائه ...
    وفي لحظة سيئة واذا بذلك العابد الزاهد يمارس الجريمة مع تلك المريضة المجنونة !!!
    وانتبه على نفسه بعد الجريمة فلعل المرأة قد حملت منه !!!
    يا للفضيحة والعار ...
    وهنا قرر ان يقتلها ويدفنها في الصحراء ليتخلص من الفضيحة !!!
    ولكنها فضيحة مكشوفة وجريمة ثابتة لا يمكن التنصل منها فقد اضطر للاعتراف بذلك امام السلطة وحكم عليه بالاعدام مصلوباً بعد ادانته بجريمتين الزنا والقتل ...
    فأتى الشيطان وهو مصلوب على الخشبة ينتظر لحظة الموت ليستريح من حياة الخزي والعار فوسوس اليه الشيطان قائلاً : انا الذي القيتك في هذا فاسجد لي سجدة واحدة حتى اخلصك ...
    قال العابد ( المجرم الشقي ) مستجيبا لطلب الشيطان كيف اسجد لك وانا على هذه الحالة ؟
    فأجابه الشيطان اكتفي منك بالايماء.
    فأومأ بالسجود للشيطان ... وبعدها مباشرة لفظ آخر نفس من انفاس حياته ... (1)
    لقد انتهت حياته ويداه ملطختان بأبشع الجرائم فقد مارس جريمة الزنا


1 ـ سفينة البحار : ج 1 ص 71.


(68)

ثم قام بجريمة القتل ثم كفر بالله وسجد للشيطان ... بعد ان كان عابداً مستجاب الدعوة عند الله ...
    هكذا يكون الانسان مهما كان درجة ايمانه معرضاً لخطر السقوط والانحراف في كل لحظة من لحظات حياته يقول الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقن الوصول الى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه » (1).
    بل ان هناك نصوصاً واحاديث تشير الى ان المؤمن ليس معرضاً لخطر الضلال والانحراف كسائر الناس بل ان وضعه اخطر وتعرضه لمحاولات الانحراف والضلال اكثر من الاخرين ...
    يقول امامنا جعفر الصادق ( عليه السلام ) في اول وصيته لعبد الله بن جندب : « يا عبد الله لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها الا اولياءنا » (2).
    وفي حديث آخر قال ( عليه السلام ) : « ان الشيطان ليأتي الرجل من اوليائنا عند موته يأتيه عن يمنيه وعن يساره ليصده عما هو عليه ... » (3).
    ومرة سئل احد الائمة ( عليهم السلام ) من قبل احد تلامذته المجاهدين : قال : يا بن رسول الله اتخاف علينا من الشيطان ؟
    فأجابه الامام : وهل الخوف من الشيطان الا عليكم اما غيركم فقد خلص منهم ...
    وعن الامام الباقر ( عليه السلام ) : « اذا مات المؤمن خلى على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر كانوا مشتغلين به » (4)


1 ـ المصدر السابق : ج 2 ص 209.
2 ـ بصائر وهدى للمؤلف : ص 85.
3 ـ سفينة البحار : ج 1 ص 699.
4 ـ ميزان الحكمة : ج 5 ص 81.


(69)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net