الفصل الثاني خطورة النفس في منطق الاسلام
(30)
(31)
(1) النفس أمارة بالسوء
طبيعة النفس بما تنطوي عليه من رغبات وشهوات ، انها تدفع بالانسان نحو المفاسد والانحرافات ، من اجل تحصيل الملذات واشباع الاهواء ، واذا ما سيطرت الشهوات على النفس ، ولم تكن للانسان ارادة رادعة ، ولا مقاومة حصينة ، فستهوي به شهواته الى مكان سحيق ، على حساب مستقبله ، ومختلف جوانب مصلحته الدنيوية والاخروية. وقد قرأت هذه الايام خبراً نشرته جريدة ( الحياة ) التي تصدر في لندن يصلح شاهداً ونموذجاً على مدى ما يصل اليه الانسان من انحطاط وخسة اذا انقاد الى اهواء نفسه وشهواتها. تقول الجريدة في عددها الصادر بتاريخ 27 / 1 / 1991 م 12 / 7 / 1411 هـ ما يلي. من دلائلي التفكك الاجتماعي والضياع الخلقي اللذين يتخبط بهما الجيل الجديد في امريكا ، ما شهدته محكمة شيكاغو الاسبوع الماضي حين اصدرت حكما بالسجن على والدة شابة حبست طفلتها في صندوق سيارتها من اجل دخولها الى الملهى الليلي للقاء « صديقها ». وقد افادت باتريسيا وست ( 29 عاما ) انها كان على موعد مع « صديقها » في احد الملاهي الليلية ولم تتمكن من ايجاد مربية تسهر على
(32)
طفلتها جايني ( ثمانية اشهر ) من زوجها السابق الذي طلقته بعد ثلاثة اشهر من ولادة الطفلة. وقالت في مركز الشرطة : « لا افهم لماذا تظلمونني بهذا الشكل. فقد مددت طفلتي على بساط في صندوق السيارة ، وتركت لها قربها جهاز راديو كي تلهوا بسماع الموسيقى فلا تخاف من الصمت والظلمة ». واكتشف المحققون ان المرأة تركت ابنتها طوال ثلاث ساعات في صندوق السيارة فيما اصرت على انها كانت تتفقد ابنتها كل نصف ساعة : « كنت استأذن صديقي بحجة الذهاب الى الحمام ، واخرج لاتفقد جايني ، لكنه شك في الامر بعد بضع مرات ولم يعد يسمح لي بالخروج ». وافاد الشاهد جون نولاند العامل في مطعم بيتزا انه مر قرب السيارة مرتين ، وسمع صراخ طفلة لكن لم يخطر بباله انه في صندوق السيارة. اما ريجينا جاكسون التي اتصلت بشرطة شيكاغو فقالت في افادتها : « ظننت للوهلة الاولى ان في صندوق السيارة قطة تموء بهذا الصوت المخنوق ، ثم اقتربت اكثر وارهفت السمع حتى تأكدت انه صراخ طفل ». ولدى تلقي المخابرة هرع رجال الشرطة الى المكان وفتحوا صندوق السيارة ليجدوا الطفلة على شفير الاختناق من شدة البكاء وانقطاع الهواء. فاخذوها وسحبوا السيارة بالقاطرة. وبعد دقائق طويلة وصلت باتريسيا تفقد ابنتها فاخذت تصرخ بان ثمة من خطف ابنته وسرق السيارة ، سوى انها لم تصرخ طويلا لان رجال الشرطة كانوا يترصدون على مقربة من المكان فاعتقلوها. وحين اخبروها بانهم اخذوا طفلتها الى بيت الاحداث اخذت تصيح بهم متوعدة بالادعاء عليهم بتهمة خطف ابنتها وسرقة سيارتها ، ولم تهدأ الى على صدمة سماعها من قائد الفرقة : « انت موقوفة ياسيدتي بتهمة اهمال ابنتك وتعريضها للموت ».
(33)
هكذا تكون النفس امارة بالسوء ، ولذلك تحذرنا النصوص الدينية من هذه الطبيعة المتأصلة في النفس ، وتدعونا الى التسلح بالوعي والارادة ، لنصمد امام الاغراءات ، ونتمرد على اوامر الشهوات والاهواء : 1 ـ يقول القرآن الحكيم نقلاً عن نبي الله يوسف الصديق ( عليه السلام ) ، والذي ضرب اروع الامثلة في الصمود امام الشهوة ، والثبات امام الاغراء ، ولكنه مع ذلك يؤكد الطبيعة النفسية الدافعة نحو السوء ، وان التقوى هي وحدها وسيلة النجاة ، وملجأ الخلاص ، وهي التجسيد لرحمة الله. يقول تعالى : ( وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم ) (1). 2 ـ ويشير الامام علي ( عليه السلام ) ، الى ما يحل بالانسان ويصيبه اذا ما تجاهل طبيعة نفسه الامارة بالسوء ، وتعامل معها بانقياد مطلق وثقة عمياء ، حيث يقول : « ان النفس لامارة بالسوء والفحشاء ، فمن ائتمنها خانته ، ومن استنام اليها اهلكته ، ومن رضي عنها اوردته شر المورد » (2). 3 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « ان هذه النفس لامارة بالسوء فمن اهملها جمحت به المآتم » (3). 4 ـ وتتوسل نفس الانسان بالخداع والاغراء ، لايقاء الانسان في شبك المعصية والحرام ، فعلى الانسان ان يكون يقظاً حذراً ، وان لا يمنح ثقته ويسلم قيادة لاهواء نفسه ، يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « ان نفسك لخدوع ، ان تثق يقتدك الشيطان الى ارتكاب المحارم » (4)
1 ـ سورة يوسف : ـ 53. 2 و 3 و 4 ـ ميزان الحكمة : ج 10 ص 130.
(34)
5 ـ وفي عهده الذي كتبه لمالك الاشتر لما ولاه مصر يقول الامام عليه ( عليه السلام ) : « وامره ان يكسر نفسه من الشهوات ، ويزعها الجمحات ، فان النفس امارة بالسوء الا ما رحم الله » (1). 6 ـ اما الامام زين العابدين علي ابن الحسين ( عليه السلام ) ، فان ينبه الانسان ويحذره من طبيعة نفسه ، باسلوب تربوي حكيم ، عبر المناجاة والتضرع الى الله سبحانه ، فيقول في مناجاته المعروفة بمناجاة الشاكين : « الهي اليك اشكو نفساً بالسوء امارة ، والى الخطيئة مبادرة ، وبمعاصيك مولعة ، ولسخطك متعرضة ، تسلك بي مسالك المهالك ، وتجعلني عندك اهون هالك ، كثيرة العلل ، طويلة الامل ، ان مسها الشر تجزع ، وان مسها الخير تمنع ، مياله الى اللعب واللهو ، مملؤة بالغفلة والسهو ، تسرع بي الى الحوبة ، وتسوفني بالتوبة » (2). 7 ـ وكم في التاريخ من افراد ومن تجمعات كانوا ضحايا وقرابين لانخداعهم واغترارهم بنفوسهم الامارة بالسوء ، وقتلى الخوارج في واقعة النهروان ، والذين يقارب عددهم الاربعة الآف شخصاً ، هم نموذج واضح لهذه الحقيقة ، فقد كانوا من انصار الامام علي ( عليه السلام ) ومن اصحابه ، ولكنهم في لحظة غفلة وضلال ، استحوذ عليهم الشيطان ، واسلموا قيادهم للنفس الامارة بالسوء !! يقول الامام علي ( عليه السلام ) وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان : « بؤساً لكم ، لقد ضركم من غركم ». فقيل له : من غرهم يا أمير المؤمنين ؟
1 ـ نهج البلاغة كتاب : 53. 2 ـ الصحيفة السجادية : المناجاة الثانية.
(35)
فقال : « الشيطان المضل ، والانفس الامارة بالسوء ، غرتهم بالاماني ، وفسحت لم بالمعاصي ، ووعدتهم الاظهار ، فاقتحمت بهم النار » (1).
1 ـ نهج البلاغة : قصار الحكم : 323.
(36)
(37)
|