مُعاوية الثاني
ومِن بين المُتميّزين ـ الذين انتشلوا أنفسهم مِن أوساط الكُفر والشِّرك والضلال وأجواء الفساد والإفساد ، وخطوط التضليل والانحراف .. ـ مُعاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سُفيان ، المعروف بـ ( مُعاوية الأصغر ) أو ( مُعاوية الثاني ) .
وقد أحببنا أنْ تكون لنا وقفة خاصَّة على هذه الشخصيَّة ، نمرُّ عليها عِبْر انحدارها العائليّ وسُلالتها الأُسريَّة ، فنتعرَّف على بني أُميَّة .. مَن هو جَدُّهم ؟ ومَن هم كبار عشيرتهم ؟ لنعرف كيف كان مُعاوية بن يزيد ؟ وكيف أصبح وكيف أمسى ؟ وكيف غُمر في تاريخ المسلمين ؟ ذلك لأنَّ أغلب صفحاته قد كتبتْه أقلام البلاط ، ونقله ـ بتحريف وتشويه وتزوير ـ وعَّاظ السلاطين . أمَّا أقلام الأحرار والغيارى فقد كُسِرت ، وأمَّا أيديهم فقد قُيِّدت بالأغلال ، وأمَّا ألسنتهم فقد أُطبِق عليها ، أمَّا أصواتهم فقد خُنِقت . ومَن نجا فقد عاش في الأرض غريباً مُشرَّداً خائفاً يترقَّب ، وكم أُخمِدت أنفاسٌ بسيفٍ غادر ، أو سُمٍّ قاتل ، أو يدٍ كافرة في غياهب السجون
الصفحة 48
وظلم المطامير ، وأعماق الزنزانات الأُمويَّة وألعبَّاسيَّة .
لذا .. لم يحفظ لنا التاريخ عن حياة الأبرار إلاَّ النَّزْرَ اليسير ، ولم يُدوِّن إلاّ أسطُراً تناثرت ـ في غفلةٍ مِن أُمراء الجور والضلال ـ في كُتبٍ تبعثرت ، أتى على بعضها الإحراق ، وعلى بعضها الإغراق .
ومع ذلك كلِّه بقي ما هو حُجَّةٌ علينا .. إنَّ الإنسان يستطيع أنْ يعيش حُرَّ العقيدة ، إذا تجرَّد مِن نوازعه العنصريَّة وتعصُّباته القوميَّة أو الأُسريَّة ، وكان باحثاً عن الحقائق أينما كانت وعند مَن كانت . لا يَفتُر في سعي ، ولا يخشى الله في لومة لائم ، ولا يكون منه وَهْنٌ أمام الأهواء أو التهديدات ... ثمَّ لا يُبالي بعد ذلك أنْ يؤول أمرُه إلى أنَّ يُظلَم حتَّى لو قُتِل ، فتلك الشهادة وهي الشرف الأسمى خاتمةً لحياة العبد . قال رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( أشرف الموت قتلُ الشهادة ) ( 1 ) ، وقال ( صلَّى الله عليه وآله ) ـ أيضاً ـ : ( فوقَ كلِّ بِرٍّ بِرٌّ حتَّى يُقتَلُ الرجلُ في سبيل الله .. فإذا قُتِل في سبيل الله عزَّ وجلَّ فليس فوقه بِرٌّ ) ( 2 ) .
وكان على هذا السبيل رجال ، وكان منهم مُعاوية الثاني ، وهو مِن بَنْي أُميَّة وليس منهم . وهذه شواهد الحقيقة ودلائلها :
ـــــــــــــــــ
1 ـ بحار الأنوار 100: 8 ، عن أمالي الصدوق .
2 ـ الخصال ، للشيخ الصدوق : 9ح 31.
الصفحة 49
|