مؤمن آل فرعون
الذي عاش في آل فرعون ، ولم يكن يؤول أمرُه إليه ، بلْ آل إلى ربِّه بالطاعة . فآمن بالله ربَّاً ، وكفر بفرعون .
ولكنْ .. مَن هو مؤمن آل فرعون ؟!
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( كان ( حِزقيل ) مؤمنُ آل فرعون ، يدعو قومَ فرعون إلى توحيد الله ونبوَّة موسى ، وتفضيل محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) على جميع رُسُل الله وخَلْقه ، وتفضيل عليِّ بن أبي طالب والخيار مِن الأئمَّة ( عليهم السلام ) على سائر أوصياء النبيِّين ، وإلى البراءة مِن ربوبيَّة فرعون .
فوشى به واشون إلى فرعونَ ، وقالوا : إنَّ حزقيل يدعو إلى مُخالفتك ، ويُعين أعداءَك على مُضادَّتك . فقال لهم فرعون : إنَّه ابن عمِّي ، وخليفتي على مُلكي ، ووليُّ عهدي ، إنْ فعل ما قلتم فقد استحقَّ العذاب على كُفره نعمتي ! وإنْ كنتـُم كاذبين فقد استحققتـُم أشدَّ العذاب لإيثاركمُ الدخولَ في مَساءته .
فجاء بحِزقيل ، وجاء بهم فكاشفوه وقالوا : أنت تَجحد ربوبيَّة
الصفحة 13
فرعون وتكفر نعماءَه ؟ فقال حزقيل : أيُّها المَلِك ! هل جرَّبت عَلَيَّ كذباً قطُّ ؟ قال : لا ، قال : فسَلهم مَن ربُّهم ؟ فقالوا : فرعون ، قال : ومَن خالقكم ؟ قالوا : فرعون ، قال : ومَن رازقكم؟ الكافل لمَعاشكم والدافع عنكم مكارهَكم ؟ قالوا: فرعون هذا ، قال حزقيل: أيَّها المَلك ! فاشهد ومَن حضرك أنَّ ربَّهم ربِّي ، وخالقهم هو خالقي ، ورازقُهم هو رازقي ، لا ربَّ لي وخالق ولا رازق غيرُ ربِّهم وخالقهم ورازقهم ، وأُشهِدك ومَن حضرك أنَّ كلَّ ربٍّ وخالق سوى ربِّهم فأنا بريءٌ منه ومِن ربوبيَّته ، كافر بإلهيَّته .
يقول حزقيلُ هذا ، وهو يعني أنَّ ربَّهم هو الله ربِّي ، ولم يقل : إنَّ الذي قالوا ربُّهم هو ربِّي .
وخفيَ هذا المعنى على فرعونَ ومَن حضره ، وتوهَّموا أنَّه يقول : فرعون ربِّي وخالقي ورازقي . فقال لهم فرعون : يا طُلاَّبَ الفساد في مُلكي ، و مُريدي الفتنة بيني وبين ابن عمِّي وهو عَضدي !
أنتم المُستحقُّون لعذابي ؛ لإرادتكم فسادَ أمري و إهلاكَ ابن عمِّي .
ثمَّ أمر بالأوتاد ، فجُعِل في ساق كلِّ واحدٍ منهم وَتَدٌ ، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقُّوا بها لحومهم مِن أبدانهم .
فلذلك ما قال الله تعالى : ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ... ) ، به لمَّا وشوا
الصفحة 14
به إلى فرعون ليُهلكوه ، ( ... وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) ( 1 ) ، وهُمُ الذين وَشوا بحزقيل إليه لمَّا أوتد فيهم الأوتاد ، ومشَّط عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط ) ( 2 ) .
* وفي رواية أُخرى : ( ( فَوَقَاهُ اللَّهُ ... ) ، أي : صرف اللهُ عنه سوءَ مكرهم ، فجاء مع موسى ( عليه السلام ) حتـَّى عَبر البحر ) ( 3 ) .
* ولكنْ .. هنالك مَن يروي أنَّ مؤمن آل فرعون قد وُفِّق للشهادة ، فكان ذلك وقايةً مِن الفتنة .
* قال أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : ( ولقد قطَّعوه إرْباً إرباً ، ولكنْ وقاه الله أنْ يفتنوه في دينه ) ( 4 ) .
* وعن البرقي عن أبيه ، عن عليّ بن النعمان ، عن أيّوب بن الحُرِّ ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله : ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ... ) قال : ( أما لقد سَطَوا عليه وقتلوه ، ولكنْ .. أتدرونَ ما وقاه ؟! وقاه أنْ يفتنوه في دينه ) ( 5 ) .
ونمضي مع حزقيل ( رضوان الله تعالى عليه ) ، فنسمع مِن الرواة
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ غافر ( المؤمن ) : 45.
2 ـ قصص الأنبياء والمرسلين ، للسيد نعمة الله الجزائري ـ الفصل الخامس: 258.
3 ـ قَصص الأنبياء والمُرسلين ، للسيِّد نعمة الله الجزائري ـ الفصل الخامس : 258.
4 ـ قَصص الأنبياء ، للجزائري : 260.
5 ـ تفسير نور الثقلين ، للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي 4 : 521 ح 52 عن ( المحاسن ) للبرقي ، و( أُصول الكافي ) للشيخ الكليني .
الصفحة 15
أنََّه كان نجَّاراً ، وهو الذي نجر التابوت لأُمِّ موسى حين قذفتـْه في البحر . وأنَّه كان خازناً لفرعونَ مئة سنة ، وكان مؤمناً مُخلصاً يكتم إيمانه إلى أنْ ظهر موسى ( عليه السلام ) على السحرة ، فأظهر حزقيل يومئذ إيمانه ( 1 ) ، فأُخِذ وقُتِل مع السَّحرةِ صَلْباً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تُراجَع الآيات مِن 36 ـ 45 مِن السورة المُسمَّاة بـ ( غافر ) أو ( المؤمن ) نسبة إلى مؤمن آل فرعون .
الصفحة 16
|