متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الثاني : منهج الاستخلاف ودوره في ربط النشاط الاقتصادي بالقيم والضوابط
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

المبحث الثاني : منهج الاستخلاف ، ودَوره في ربْط النشاط الاقتصادي بالقيَم والضوابط

يسمّى التصوّر الإسلامي للملكيّة بمنهج الاستخلاف ، وهو قائم على قوانين مركزيّة ثلاثة :

الأوّل : إنّ الله هو المالك الحقيقيّ للثروة ، وقد دلّت على ذلك آيات عديدة .

الثاني : إنّ الكون كلّه مخلوق مسخّر للإنسان ينتفع به في ما أحلّه الله له ( 104 ) .

الثالث : إنّ مركز الإنسان القانونيّ ( مركز النائب ) هو مركز الوكيل المستخلَف على المال والثروة .

وبملاحظة أثر هذا التصوّر الإسلامي الشامل ، فإنّ الإنسان لا يملك صلاحيّات الأصيل ( المالك المُطلق ) ، بل يتقيّد بأنّ المِلك يزول زوالاً تكوينيّاً


الصفحة 174

أو تشريعيّاً بإساءة التصرّف به أو فيه ، طالما أنّ الله هو المالك ، والإنسان هو الوكيل .

وإنّ من نِعَم الله تسخير هذا الكون للإنسان .. ، فواجب أخلاقيّ عليه أن يتقيّد بشُكر العظَمة ، والشكر في أظهر مصاديقه إرضاء المنعم ؛ لذلك يتميّز التصوّر الإسلامي الاقتصاديّ بأنّه تصوّر قيميّ ، خلافاً لكلّ التصوّرات الوضعيّة ..

فالإسلام يجعل الهدف من الخلق كلّه ونشاطات المخلوقين صِدق عبادة المعبود ، قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات : 56] .

وهكذا نجد الربْط المحكَم والوثيق بين النشاط الاقتصاديّ والقيَم والمعايير الأخلاقيّة ، ويُبنى كلّ ذلك على قاعدة الإيمان بالله ، واستشعار رقابته في السرّ والعَلَن ، نيّةً أو تنفيذاً .

وهذا عنصر نفسيّ يمنع المسلم من التصرّف بالمال بما يخالف قواعد الحلال والحرام ، بوصفها الوجه السلوكي لمفهوم العبادة ، وفي ضوء ذلك نستطيع الحكم على صحّة التصرّف العامّ والشخصي .

ولم يقف المشرّع عند هذا ، بل أدخل إلى جنب الضوابط مفهوم البدائل ... ، فهو حين حرّم الربا لم يكتفِ بالتحريم ؛ إذ قد يحتاج المجتمع إلى تداول المال ، وبه ستقف عجلة الاستثمار ، أو الطلب الفعّال عند توقّف القروض الاستهلاكيّة ، لكنّه جعل القرض الحسَن أو المضاربة وسائل بديلة لتمويل النشاط الاقتصادي ؛ وبذلك أغلق الباب نفسيّاً وعمليّاً على ارتكاب فعلٍ محرّم جعله في باب الجرائم .

لذلك فإنّ للإسلام معياراً محدّداً منضبطاً هادفاً لتقرير سلامة التصرّف ، والهدف معيار واضح معلَن متسلسل وفْق سُلّم هرميّ من المحرّم إلى الواجب ، تدعمه قوى نفسيّة هي مراقبة الله في السرّ والعَلن ، وتدعمه جزاءات دنيويّة وأُخرويّة ، فهو فلسفة شاملة تُلاحق التصرّف من معالجة الموادّ الخام إلى توزيع أثمان سلعها .


الصفحة 175

إنّ هذه القواعد تتدخّل في الكثير من مفاصل التصرّف بوسائل الإنتاج والثروة ، ولنأخذ على ذلك مثلاً واحداً ، وهو مفهوم العائد :

إنّ مفهوم العائد في الاقتصادات المعاصرة مفهوم مادّيّ ورقميّ ربحيّ محْض ، بينما هو في الإسلام ما سمّاه القرآن إقراضَ الله قرضاً حسناً ، فيدخل فيه النفع العامّ ، والوقف ، والتكافل ، والأمر بالمعروف ، ونشر العلم والفضيلة ، والخسارة كذلك ، فيدخل فيها كلّ عمل ألحَقَ ضرراً بالمجتمع الإسلامي ، وإن حقّق ربحاً مادّياً ، سواء كان هذا الضرر في العقيدة أمْ في الأخلاق أمْ في كرامة الإنسان وحقوقه في الحياة .

وهذا المفهوم يوسّع مصطلح الفورات الخارجيّة إلى ما هو معنوي وروحي .

 

------------------

( 104 ) للتفصيلات اُنظر : الحسب ( فاضل ) ، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي ، والسبهاني ( عبـد الجبّـار ) ، الاستخلاف والتركيب الاجتماعي .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net