متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الخاتمة
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

الخاتمة

ملامح نظريّة الإنتاج الإسلاميّة من مبحث إحياء الأراضي المَوات

1 ـ اتّضح من خلال البحث أنّ الإسلام ـ بمباحث متعدّدة في الفقه الإسلامي ـ يُنظّر للإنتاج ، فهو ليس مجموعة من الوصايا الأخلاقيّة في البِرّ بالفقراء والإحسان إليهم ، ممّا يفتقر إلى محتوى أُطروحة اقتصاديّة ، وأنّ الجهود المشار إليها في صدر البحث والرامية إلى إشاعة هذا التصوّر الخاطئ جهود ليست مُحايدة ولا موضوعيّة ، وبالتالي غيـر علميّـة ؛ حيث إنّها ذات أهداف خاصّة وعدائيّة .

فإذا كان مفهوم الإنتاج يتمثّل في تحويل المادّة الخام إلى سِلع تشبع حاجة ما ، أو ما يعبّر عنه بخلْق المنافع ، فإنّ الهيكل الحقوقي في الفقه الإسلامي يدفع بهذا الاتّجاه وينظّمه .. ، وبإمكان الباحثين تلمّس الهيكل النظري للإنتاج في الإسلام من حيث هو صياغة اقتصاديّة للحاجات المقترنة بالقدرة والرغبة في دفع ثمن مشجّع على إنتاج السلعة .

2 ـ عرّف الفقه الإسلامي الإنتاج بأوسع معانيه منذ السنوات الأُولى لنشوئه ، فقد وسع مفهوم الإحياء لما يشمل النشاطات الزراعيّة والصناعيّة والحيوانيّة وصناعات التعدين .. ، في حين يقصر ( الفيروقراط ) حتى القرن ( 18 ) الإنتاج على النشاط الزراعي ؛ لاعتبار أنّه الوحيد الذي يُعطي ناتجاً ( 59 ) .


الصفحة 99

3 ـ لا تبدأ آليّة الأُطروحة الاقتصاديّة الإسلاميّة في الإنتاج منه ، بل من توزيع عناصره المستند على معيار المعاوضة ( العمل ) ، ومعيار الحاجة ، مع طرح معيار القوّة ومعيار القيَم الاجتماعيّة التي يستند إليها في الاستيلاء على الموارد ( 60 ) ، ويقرّر اكتساب ملكيّة عناصر الإنتاج في الإسلام الحكم الشرعي فقط ، فلا السلطة العامّة لها حقّ منعه أو منحه ولا الفرد ، فالملكيّة ـ من هذا التصوّر ـ تعدّ نتيجة للحكم الشرعي ، فهي ليست حقّاً طبيعيّاً ، أو وظيفةً اجتماعيّة ، على أنّ مفهوم اكتسابها يستوعب تلبية الفطرة الإنسانيّة ، ويكفيها لكي تؤدّي وظائف عباديّة واجتماعيّة .

4 ـ تنسجم نظريّة الإنتاج الإسلاميّة مع فلسفة الاستخلاف ، فلا فاصل بين النظرة الشموليّة للموارد والاستفادة منها ، وبين الهيكل النظري للإنتاج ؛ الأمر الذي يفهم منه أنّ النظام الاقتصاديّ الإسلاميّ يعمل كلاًّ متكاملاً ، ويظهر من موضوع البحث أنّ الإنتاج في الشريعة يُقلّل من كُلفة الرَيع ، ويعدّ رأس المال عنصراً ثانوياً ، ويعتمد في معادلة الإنتاج على طرفين : العمل والموارد المسخّرة .

5 ـ لتحديد ملامح نظريّة الإنتاج لا بدّ من بحث ( ماذا ننتج ؟ ) ، فنجد أنّ الإحياء يرد على إنتاج السِلع النافعة المباحة شرعاً التي يطلق عليها القرآن مصطلح الطيّبات ، وإلاّ فرقبة الأرض للدولة ، تسحبها متى أخلّ المكلّف بضوابط الاستخلاف ، وتبحث فيها أهداف الإنتاج ، فيتجاوز المشرّع الإسلامي هدف الرخاء الفردي ، أو رخاء المُجتمع إلى أهداف عباديّة وفكريّة تجعل من الكفاية الفرديّة للعيش وقدرة المجتمع وسائل لتلك الأهداف ، وتبحث في الملامح ( كيفيّة الإنتاج ) ، فنُلاحظ أنّ صرامة حقوقيّة تبرز في أجر الأجير وحصّة الشريك في المزارعة والمضاربة والمُساقاة ، وتوزيع عناصر الدَخل ، بعد ترحيل الفوائض الشرعيّة ( الزكاة ، الخُمس ، الخَراج ) لمصلحة المجتمع . ثمّ كيف نتصرّف بالإنتاج الفائض ،


الصفحة 100

فإنّ المشرّع الإسلامي يرى المسلمين مسؤولين عن الجياع في العالم ؛ لتصوّره أنّ المشكلة الاقتصاديّة ليست قائمة على الندرة .

ويمكن دراسة البناء التحتي لنظريّة الإنتاج ، للبحوث التي تُكمِل هذا الجُهد في مباحث : ما يجوز الاكتساب به وما لا يجوز ، ومباحث الصيد والذباحة ، ومباحث البيوع وأنواعها ، ومباحث الشِركة وأقسامها ، ومباحث إحياء الموات ( الأراضي وما عليها ، والأراضي وما تضمّ ) ، والأجواء لتملّك السلع الحرّة .

6 ـ يتّضح طرف المعادلة الآخر في اكتساب حقوق المنتِج من خلال تفريق الباحث بين الاستثمار على أرض عامرة فُتحت عُنوةً ، وأرض مَوات كذلك ، فعلى الأُولى يتمّ الاستثمار مثقلاً بدفع الرَيع لمصلحة المجتمع ( بيت المال ... الخَـراج ) ، بينما لا يكون ذلك ضرورة في الاستثمار على النمط الثاني ؛ بسبب أنّ الأُولى فرصة عمل مُهيّأة ، والثانية فُرصة عمل غير مُكتشفة أو غير مهيّأة ، والعمل لاكتشافها أو تهيئتها أكسب المُحيي حقّ اختصاص أعفاه مِن الرَيع ؛ لأنّه يحقّق للمجتمع منافع أُخرى ، ولربط هيكل الإنتاج بالوسائل الاقتصاديّة لإدارته يعني في مجال السياسة الاقتصاديّة أنّه يحقّ لوليّ الأمر أن يعفي :

أ ـ المشاريع المبتكرة من قِبَل الأفراد والشركات .

ب ـ المشاريع التي يتطلّب الشروع فيها تهيئة مُكلفة ( العمل ، رأس المال ) من الالتزامات الماليّة إزاء المجتمع ؛ لأنّها ستضيف كمّاً لطبيعة الإنتاج أو نوعاً يزيد وتائر الدخل القومي ، وبالتالي دخول الأفراد فيترحّل مزيد من الفوائض من دخولهم ، سواء من قناة الزكاة أو الخُمس أو الخَراج ، وإن شئت قُل : إنّ لوليّ الأمر أن يمدّ يد العون المالي والخبرة لمثل هذه المشاريع ، للغرض السابق ذكره .

7 ـ رجّح البحث ملكيّة الأرض الموات للدولة ، وأعطاها حقّ منح الامتياز للأفراد إحياءً أو إقطاعاً ، وقياساً عليه ؛ ولتوفّر العلّة في الشركات


الصفحة 101

المساهمة ، لا مانع من منح الشركات موارد من الموات إحياءً أو إقطاعاً إذا توفّرت المصلحة .

وعليه يمكن القول : إنّ تنظيم الإنتاج في الإسلام لا يرفض شكلاً من أشكاله الثلاثة ( المشروع الخاصّ ( فرداً / مساهماً ) ، المختلط ، العام ) .

كما أنّه يستلزم أن تُعطى للدولة مسؤوليّة التخطيط ، ويجعل ذلك من مهامّ وظائفها الاقتصاديّة .

8 ـ يلحظ من خلال آراء الفقهاء في تضييق فترة التحجير أنّ الهيكل النظري يدفع باتّجاه تحقّق الكفاءة الإنتاجيّة ، ويعدّ بقاء الموارد معطّلة من الآثام ، ويحافظ على توزيع عناصر الإنتاج على قوّة العمل خاصّة ، وقد ألغى آثار الوكالة والإجارة في الاستيلاء على المُباح ؛ ليصل إلى تحقيق الحجم الأمثل للسكّان ، لا من خلال تحديد النسل ، بل مِن خلال زيادة فُرص العمل ؛ لأنّ الحجم الأمثل هو العدد الذي يجعل الدخل الحقيقيّ للفرد المتوسّط يصل إلى أعلى قدَر مُمكن ( أي يُحقّق أكبر إشباع ممكن لحاجاته ) باستثمار الموارد الطبيعيّة المُتاحة ، كما يسهل الإحياء بإلغائه للريع ، وإلغاء الإسلام للفائدة ( الربا ) في تقليل الكُلَف ، وبالتالي تقليل الأسعار ؛ الأمر الذي يُساعد على حصول تراكم مالي يُعادل الاندثار والنموّ السكّاني ، ويتوازن النموّ في جانب العَرض مع النموّ في جانب الطَلَب .

بهذا القَدَر أستطيع القول إنّ هذه الملامح ليست ممّا يغني هيكل النظريّة الإنتاجيّة في الإسلام ما لم تبحث الموضوعات الفقهيّة الأُخرى المشار إليها في البحث .

أرجو أن يتّسع المجال لإخواني أوْ لي للوقوف عند معطياتها الفكريّة ؛ لمواصلة البناء النظريّ لتحديد ( أُطروحة الإنتاج في الفكر الاقتصادي الإسلامي ) . والله المستعان ، وله الحمد أوّلاً وآخِراً .



الصفحة 102

 

----------------

( 59 ) المحجوب ( محمّد ) ، الاقتصاد السياسي : 1/261 .

( 60 ) للتفاصيل اُنظر : الزرقا ( أنس ) ، ( م . س ) ، مجلّة أبحاث الاقتصادي الإسلامي : العدد 1 / مجلّد 2 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net