المبحث الثاني
أوّلاً : سِمات الأرض المَوات
يُعرّف الفقهاء ماهّية الأرض الموات بأنّها : ( ما لا يُنتفع به لعطلته ؛ إمّا لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليـه ، أو لاستيجامة ، أو غيرها من موانع الانتفاع ) ( 25 ) ، وعُرّفت بأنّها : ( ما لا مالك لها ولا ينتفـع بهـا أحـد ) ( 26 ) ، وأُضيف لها قيد الخارجة عن العمران .
وقسمّوها إلى موات أصلي وعارض ، فالأصليّ : ما لا مالك له ، وغير المنتفع به لعلّة .
والعارض : ما أحياه شخص وترَكه حتى تأبّد أو اندرس ، فأصبح خراباً لا يُنتفع به . والعارض إمّا أرضٌ ذات أثر جاهلي ولا يُعلم أنّ مسلماً ملَكها فهي مِن الموات ، و إمّا أحياها مسلم ولكنّه غير معيّن ، وفي هذه اختلفت الفقهاء .
فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والإماميّة إلى أنّها تُعدّ من الموات الذي يصحّ إحياؤه ، بينما عدّها الشافعي ومحمّد بن الحسن وسحنون مالاً ضائعاً مرجعه بيت المال . أمّا إذا كان محييها معيّناً وتركها حتى خربت ، فإنّ الإماميّة ـ في مشهور قولهم ـ ومالكاً يعدّونها مواتاً ، بينما يتوقّف في ذلك فقهاء آخرون ( 27 ) .
من خلال ما مرّ ، نجد أنّ المحور الذي ركّز عليه الفقهاء في مصداقيّة الأرض التي تُعدّ مواتاً لتصير موضوعاً للقضاء النبوي ، بأن يتملّكها محييها هو ( العطلة : عدم الانتفاع ) ، الذي ربّما من لوازمه المنفكّة عدم وجود المالك أو إعراضه عنها ، على أن يكون مانع الانتفاع ممّا يزول بالعمل البشري ، والمحور الثاني ( لم يكن عليها يد مالك ، ولم تتحمّل حقوقاً خاصّة أو عامّة ) .
وعلى هذا ، فالأراضي الموات قد تكون :
الصفحة 86
1 ـ مُعطّلة لمانع لا يستطيع العمل البشري إزالته ، كالأهوار العميقة .
2 ـ معطّلة لمانع فقدان وحدات العمل لتهيئتها للانتفاع ، بضابط كونه يجري مرّة واحدة في العمر ، مثل استنباط بئر ماء ، أو إزالة استيلاء الماء عليها .
3 ـ أو مانع من عدم وجود وحدات العمل التي يلزم أن تتكرّر سنويّاً ، كالبذار والكراب والحصاد .
وبذلك يكون الفقه المسلم قد ميّز أنماط التعطّل الأصلي والعارض .
إنّ الباحث ليرى أنّ النوع الثالث قد لا يدخل في مجال الأرض الموات ، طالما هو مهيّأ لاعتبار عدم التعطّل بالمعنى المفيد للعطلة ؛ ولذلك لا يكون الحقّ المكتسب هنا مثيل الحقّ المكتسب على مانع لا يزول إلاّ بكُلَف ماليّة وجهديّة كبيرة ، فيلحق استصلاحاً بالأراضي العامرة التي تقبل من قِبل وليّ الأمر بخراج لمصلحة المسلمين .
روى البخاري ( أنّ عمَر ( رضي الله عنه ) عامل الناس على بياض أرض إن جاءهم عمَر بالبذر من عنده فله الشطر ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا ) ( 28 ) . ولعمري أنّ مكونّات رأس المال في مجال الأرض ـ في الفهْم المعاصر ـ تنطلق من تقسيم الأرض ( مساحة الإقليم ) إلى :
1 ـ مساحة القابل للزراعة منها .
2 ـ ما يحتاج إلى استصلاح من مساحة الإقليم ( وهو مجال الإحياء ) .
3 ـ المخصّص فعليّاً للزراعة ( وهو مجال العُشر أو الخراج ) .
4 ـ المستثمر فعليّاً .
وإذا لاحظنا أنّ بلداً كالعراق ، في عام ( 1970م ) ، يزرع منه فعلاً ( 3 و14% ) ( 29 ) من مساحة القطر ، نجد أنّ مقولة الإحياء ذات أثر فاعل في حركة البناء والإعمار ..
الصفحة 87
-------------------------
( 25 ) النجفي ( محمّد حسن ) ، جواهر الكلام : 38/8 .
( 26 ) اُنظر : زيدان ( عبد الكريم ) ، ( م . س ) ، ص : 255 ، موسوعة عبد الناصر للفقـه الإسلامـي : 4/125 ، الإمام الشافعي ، الأمّ : 4/41 .
( 27 ) جميل ( هاشم ) ، مسائل في الفقه المقارن : 2/73 و74 .
( 28 ) البخاري ، هامش فتح البخاري : 5/10 ، صحيح مسلم ، هامش النووي : 10/8 .
( 29 ) د . هاشم ( جواد ) ، تكوين رأس المال في العراق : 1957 ـ 1970 ، ص : 18 .
|