متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة السادسة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الجهة السادسة

    اختلفوا في أن الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعددة هل هو راجع إلى الجميع أو إلى خصوص الأخيرة ؟ وذلك بعد الفراغ منهم على مرجعية الأخيرة لكونها القدر المتيقن في المرجعية ، وظاهر عنوان البحث يقتضي تخصيص النزاع بما لو كان المخصص متصلا ، بان كان الخاص والجمل المتعددة في كلام واحد ، والا ففي فرض انفصاله وكونهما في كلامين مستقلين لا مجال لعنوان البحث بالاستثناء ولا لدعوى القطع بمرجعية الأخيرة بكونها القدر المتيقن من التخصيص ، إذ حينئذ يكون نسبة المخصص إلى الأخيرة والى غيرها على حد سواء ، فيحتاج تعين الأخيرة كغيرها إلى قرينة معينة ، والا فيسقط الجميع عن الحجية من جهة العلم الاجمالي بتخصيص الجميع أو احديها المرددة بين الأخيرة وغيرها ، فلابد حينئذ من الحكم عليها بالاجمال.


(541)

    ولكن محل الكلام كما عرفت حسب عنوانهم البحث بالاستثناء انما هو في فرض اتصال المخصص ، وعليه فلا كلام في مرجعية الأخيرة لكونها القدر المتيقن من التخصيص وانما الكلام في رجوعه إلى غيرها من الجمل الاخر ، والكلام فيه أيضا يقع تارة في أصل امكان رجوعه إلى الجميع ثبوتا ، وأخرى عن في وقوعه وترجيح احتمال الرجوع إلى الجميع على احتمال عدمه بعد الفراغ عن أصل امكان رجوعه إلى الجميع ، فهنا مقامان :
    اما المقام الأول : فقد يقال بعدم امكان رجوعه إلى الجميع باعتبار استلزامه لمحذور استعمال الا في اخراجات متعددة باستعمال واحد ، ولزوم هذا المحذور انما هو من جهة خصوصية الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف والهيئات. ولكن فيه انه مضافا إلى منع أصل المبني كما قررناه في محله من عموم الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف كالوضع لايكاد يتم فيما لو كان الاستثناء بغير الحروف من الأسماء الموضوعة للاخراج كغير وسوى وعدا وخلا ونحو ذلك ، حيث إنها باعتبار عمومية الموضوع له فيها يمكن رجوعهما إلى الجميع باستعمالها في طبيعة الاخراج غايته احتياجه في إرادة الخصوصيات إلى تعدد الدال والمدلول.
    وعلى فرض كون الاستثناء بمثل الا وتسليم خصوص الموضوع له فيها نقول : بان ما ذكر من المحذور انما يتوجه إذا أريد كل واحدة من الإضافات الخروجية من اللفظ بالاستقلال والا ففي فرض لحاظ المجموع بلحاظ واحد فلا محذور يرد عليه ، وبيان ذلك هو ان المعاني الحرفية بعد ما كانت من سنخ النسب والإضافات المتقومة بالطرفين ففي مثل الفرض تارة يلاحظ في مقام الاستعمال الإضافة الخروجية بين شيء وبين أمور متعددة بنحو يكون كل واحد من تلك الأمور طرفا للإضافة في لحاظه بالاستقلال ويلزمه استقلال كل واحد من تلك الإضافات الاخراجية في مقام اللحاظ وأخرى يلاحظ الإضافة الاخراجية بينه وبين مجموع أمور متعددة بجعل المجموع طرفا للإضافة في لحاظه ، نظير ملاحظة نسبة التقابل بين الشيء وصف من العسكر من حيث لحاظ نسبة التقابل تارة بينه وبين كل واحد من افراد داك الصف بالاستقلال ، وأخرى لحاظها بينه وبين مجموع الصف.
    وبعد ذلك نقول : بان الاشكال المزبور انما يتوجه على الفرض الأول من لحاظ اخراجات متعددة على الاستقلال ، والا فعلى الفرض الثاني من لحاظ الجمل المتعددة


(542)

بمجموعها طرفا للإضافة الاخراجية فلايتوجه الاشكال ، حيث إنه عليه لايكون في البين الا إضافة واحدة شخصية قائمة بالمخرج ومجموع الجمل ، ولايكون الأداة أيضا الا مستعملة في اخراج واحد شخصي ومجرد تعدد المخرج منه والمخرج مثلا خارجا حينئذ لايوجب تعددا في الإضافة الاخراجية القائمة بالمجموع ، كما هو واضح. وعليه فلا مجال للاشكال في امكان رجوع الاستثناء إلى الجميع بمثل البيان المزبور.
    وحينئذ فالأولى في الاشكال في المقام هو الاشكال عليه من جهة المستثنى في مثل قوله : أكرم العلماء والشعراء والتجار الا زيدا ، مريدا به خروج زيد عن كل واحد من العمومات ، حيث إنه يلزمه حينئذ إرادة معان متعددة من لفظ واحد وهو زيد ، ومن هذه الجهة يتعين رجوعه إلى الأخيرة لا غيرها ، هذا.
    ولكن يمكن ان يدفع ذلك أيضا بإرادة المسمى بزيد من اللفظ المزبور ولو كان بعيدا في نفسه ، حيث إنه عليه يكون زيد مستعملا في معنى كلي له مصاديق متعددة ، غايته انه يحتاج إلى توسيط دوال أخر على إرادة الخصوصيات ، ولكن مع ذلك كله يبعد جدا الحمل على المسمى ، فلا محيص في مثله بعد بعد الحمل المزبور من تعين رجوعه إلى خصوص الأخيرة.
    ثم إن ذلك أيضا إذا لم يكن في البين من هو مجمع العناوين الثلاث ، والا فمع وجوده فلا بأس باخراجه من الجميع ، كما لو فرض كون المسمى بزيد منحصرا في زيد بن عمرو وكان ذلك مجمعا للعناوين الثلاث ، حيث إن في هذا الفرض يصح اخراجه من الجمل المتعددة ، من دون استلزامه لمحذور أصلا ولا احتياج إلى التأويل بالمسمى ، كما هو واضح.
    ومن ذلك ظهر الحال أيضا فيما لو كان الاستثناء من قبيل الصنف كالفساق مثلا حيث يجوز رجوعه حينئذ إلى الجميع أيضا من غير استلزامه لمحذور استعمال اللفظ في أكثر من واحد.
    ثم انه بعد الفراغ عن أصل امكان رجوع الاستثناء المتعقب لجمل متعددة إلى الجميع يبقى الكلام في المقام الثاني في مقام اثبات ذلك واستظهاره ، وفي ذلك نقول : انه قد عرفت ان الأخيرة هي القدر المتيقن في المرجعية لأنه على كل تقدير يعلم بتخصيصها ، واما غير الأخيرة فلا ظهور للكلام يقتضى رجوعه إليه ، وفي مثله لو بنينا على حجية أصالة


(543)

العموم من باب التعبد فلا اشكال في أن لازمه جريان أصالة العموم بالنسبة إلى ما عدا الأخيرة ، من جهة الشك في أصل التخصيص بالنسبة إليها. واما لو بنينا على حجيتها من باب الظهور فيشكل جريان أصالة العموم فيها ، من جهة ان اتصالها بما يصلح للقرينية يوجب اجمالا فيها فلا يبقى لها ظهور حتى يتمسك بها عند الشك في تخصيصها ، فلابد حينئذ من الحكم عليها بالاجمال والرجوع فيها إلى ما تقتضيه الأصول العملية من استصحاب ونحوه ، فيما لم تكن الدلالة في طرف العام بالوضع وفى المستثنى بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، والا فيؤخذ فيها بأصالة العموم ولا يعتنى إلى احتمال تخصيصها برجوع الاستثناء إلى الجميع.
    وتوضيح ذلك هو ان الدلالة في كل من العمومات والاستثناء المتصل بها اما ان تكون بالوضع ، واما بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، وثالثة تكون الدلالة في العام بالوضع وفى الاستثناء بالاطلاق ، ورابعة بعكس ذلك.
    فعلى الأولين تسقط العمومات عن الحجية ، لتصادم الظهورات ، ولابد من الرجوع إلى الأصول العملية من استصحاب ونحوه ، من جهة اختلاف الحال حينئذ حسب اختلاف الحالة السابقة ، من حيث العلم بكونه محكوما بحكم العام تارة وبحكم الخاص أخرى والجهل بالحالة السابقة ثالثة.
    وعلى الثالث لابد من الاخذ بالعام وعدم الاعتناء باحتمال رجوع الخاص إليه ، ولا مجال حينئذ أيضا لتوهم اجمال العام باتصاله بالخاص المحتمل رجوعه إليه ، من جهة ان ذلك انما هو في فرض صلاحية الخاص المتصل للقرينية عليه ، وبعد فرض كون الدلالة فيه من جهة الاطلاق لايكاد صلاحيته للقرينية على العام ، بل الامر حينئذ بالعكس ، فان العام من جهة كون الدلالة فيه بالوضع يصلح للبيانية عليه ، فينفي موضوع الاطلاق في طرف الخاص ، لكونه من قبيل الدليل بالنسبة إليه ، كما هو واضح.
    ولئن شئت قلت بان ظهور العام في العموم بعد كونه بالوضع ظهور تنجيزي غير معلق على شيء بخلاف الخاص ، فان ظهوره لما كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة يكون تعليقيا منوطا بعدم ورود بيان على خلافه ، وفي مثله يكون الأثر قهرا للظهور التنجيزي ، فيقدم على الظهور التعليقي من جهة صلاحيته للبيانية عليه ، بخلاف العكس فان صلاحية هذا الظهور التعليقي للقرينية على الظهور التنجيزي دوري ، ففي مثله لايكاد تصل النوبة مع


(544)

هذا العام إلى الظهور الاطلاقي في طرف الخاص ، حتى يجيء فيه احتمال الصلاحية للقرينية على العام ، وهو ظاهر.
    وعلى الرابع يجيء فيه احتمال صلاحية الخاص للقرينية والبيانية للعمومات عند عدم ظهوره في الرجوع إلى الجميع ، فلابد من الحكم في غير الأخيرة من سائر الجمل بالاجمال والرجوع فيها إلى الأصول العملية من استصحاب ونحوه ، هذا كله في الخاص المتصل بالجمل المتعددة.
    واما الخاص المنفصل عنها فقد عرفت عدم تعين مرجعية الأخيرة في مثله ، من جهة تساوي الأخيرة وغيرها في المرجعية ، وعليه فعند الدوران في رجوعه إلى بعضها أو إلى الجميع يسقط الجميع عن الحجية ، من جهة العلم الاجمالي ، ولابد من الحكم عليها أي على الجميع بحكم الاجمال والرجوع إلى الأصول العملية ، من غير فرق في ذلك بين كون الدلالة في كل واحد من العمومات والخاص المنفصل بالوضع ، أو بالاطلاق ، أو كون الدلالة في طرف العمومات بالوضع وفي طرف الخاص بالاطلاق ، أو بالعكس ، وذلك لما سيجيء انشاء الله تعالى من أن عدم البيان الذي هو مقوم الاطلاق انما هو عدم البيان في الكلام الذي وقع به التخاطب لا عدم البيان على الاطلاق ولو في كلام آخر منفصل عن الكلام الذي وقع به التخاطب ، فإذا فرض حينئذ وقوع العام والخاص في كلامين مستقلين فقهرا يستقر الظهور الاطلاقي للمطلق منهما ، من غير صلاحية ما كان الوضع منهما للقرينية والبيانية عليه ، ومع استقرار الظهور فيه فقهرا بمقتضي العلم الاجمالي يتصادم الظهوران ويتساقطان عن الحجية ، ومعه لابد من الرجوع إلى ما يقتضيها الأصول العملية فتدبر.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net