متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الثامن : إذا تعلق الامر بعنوان فهل يسرى إلى افراده أم الا ؟
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

المبحث الثامن

    في أنه إذا تعلق الامر بعنوان فهل يسري إلى افراده ومصاديقه على نحو يكون الافراد بما لها من الحدود الفردية والخصوصيات الشخصية تحت الطلب والامر أم لا وعلى الثاني من عدم سرايته إلى الخصوصيات الفردية فهل يسرى إلى الحصص المقارنة لخواص


(385)

الافراد كما في الطبيعة السارية أم لا بل الطلب والامر يقف على نفس الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص ؟
    وتوضيح المرام هو أنه لا اشكال في أن الطبيعي إذا كان له افراد يكون كل فرد منه مشتملا على مرتبة من الطبيعي غير المرتبة التي يشتمل عليها الفرد الآخر ومن ذلك يتصور للطبيعي مراتب عديدة حسب تعدد الافراد مغايرة كل مرتبة منه باعتبار محدوديتها بالحدودات الفردية مع المرتبة الأخرى ، كما في الانسان حيث أنه كان الانسانية الموجودة في ضمن زيد بملاحظة محدوديتها وتقارنها لخواصه غير الانسانية الموجودة في ضمن عمرو المقارنة لخواصه ، فهما حصتان ومرتبتان من الانسانية انسانية قارنت خواص زيد وانسانية قارنت خواص عمرو ، وهكذا ، من غير أن ينافي ذلك أيضا اتحاد تلك الحصص بحسب الذات والحقيقة وكون الجميع تحت جنس واحد وفصل فارد من حيث صدق حيوان ناطق على الجميع وعلى كل واحدة من الحصص من الحصص كما لايخفى ، ومن ذلك أيضا قيل واشتهر بأن الطبيعي مع الافراد كنسبة الآباء مع الأولاد ، لا كنسبة الأب الواحد مع الأولاد وان مع كل فرد أبا من الطبيعي غير ما يكون مع الابن الآخر مع اتحاد تلك الآباء على اختلافها وتباينها بحسب المرتبة بحسب الحقيقة والذات واندراج الجميع تحت جنس واحد وفصل وبهذه الجهة أيضا ترى اشتمال هذه الحصص كل واحدة منها على جهات وحيثيات شتى ينتزع بها منها عناوين مقوماتها العالية كالجوهرية والجسمية والنامية والحساسية والحيوانية ، كما في زيد الذي هو فرد الانسان حيث يشتمل على جميع حدود مقوماته العالية من الجوهرية والجسمية إلى أن يبلغ إلى جهة الانسانية التي هي جهة مشتركة بينه وبين عمرو وخالد مع زيادة جهة أخرى فيه التي بها امتيازه عن عمرو وخالد ، وكذلك الانسان بالنسبة إلى الحيوان والجسم النامي والمطلق والجوهر ، وهكذا كل سافل بالنسبة إلى عالية فأنه لابد من اشتماله على جميع مقوماته العالية مع زيادة جهة فيه بها امتياز عن سائر الحصص المشاركة معه في جنسه وفصله القريبين ، وهو معنى قولهم بان كل ما هو مقوم للسافل أيضا ولا عكس ، وعليه أيضا اعتبارهم في التعريف الحقيقي للشيء بلزوم الاخذ بجميع مقوماته من الداني والعالي والاعلى.
    وإذ عرفت ذلك فلنرجع إلى المقصود من سراية الامر من الطبيعي الملحوظ فيه صرف


(386)

الوجود إلى أفراده ومصاديقه وعدم سرايته ، وفي ذلك نقول بان التحقيق في المقام هو القول الثاني من وقوف الطلب على نفس الطبيعي وعدم سرايته لا إلى الخصوصيات الفردية ولا إلى الحصص الموجودة في ضمن الافراد المقارنة لخواصها ، إذ نقول بأنه يكفي في الدليل لذلك الوجدان عند طلب شيء والامر به كما في طلبك الماء للشرب ، فإنه قاض بداهة بأنه لايكون المطلوب الا صرف الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص من دون مدخلية في ذلك للحصص ، فضلا عن الخصوصيات الفردية كماء الكوز والجرة والحب ونحو ذلك ، ولذلك لو عرض عليك تلك الحصص وهذه الخصوصيات لكنت تنفى الجميع وتقول بأن المطلوب انما كان صرف الطبيعي والقدر المشترك دون الحصص ودون خصوصيات الافراد ، كيف وأن الطلب حسب معلوليته للمصلحة لايتعلق الا بما تقوم به المصلحة فمع قيام بصرف الطبيعي والجامع وعدم سرايتها إلى الحدود الفردية ولا إلى الحصص المقارنة لخواصها يستحيل سراية الطلب إلى الحدود الفردية أو الحصص المقارنة لخواصها ، على أن لازم ذلك هو صيرورة كل واحد من الافراد والحصص واجبا تعيينيا لكونه مقتضي سراية الطلب إليها ، وهو كما ترى ، لايظن توهمه من أحد وحينئذ فيكون ذلك كله برهانا تاما على وقوف الطلب حسب تبعيته للمصلحة على نفس الجامع وعدم سرايته إلى الحصص الفردية فضلا عن سرايته إلى الحدود الفردية ، كما هو واضح.
    ثم إن ما ذكر من عدم سراية الطلب إلى الحصص وخروجها عن دائرة المطلوبية انما هو خروجها بالقياس إلى الحيثية التي بها امتياز هذه الحصص الفردية بعضها عن البعض الاخر المشارك معها في الجنس والفصل القريبين ، واما بالنسبة إلى الحيثية الأخرى التي بها اشتراك هذه الحصص وامتيازها عن افراد النوع الآخر المشاركة معها في جنسها القريب ، وهي الحثيثة التي بها قوام نوعيتها ، فلا بأس بدعوى السراية إليها ، بل ولعله لا محيص عنه ، من جهة ان الحصص بالقياس إلى تلك الحيثية واشتمالها على مقومها العالي ليست الأعين الطبيعي والقدر المشترك ، ومعه لا وجه لدعوى خروجها عن المطلوبية كما لايخفى ، فعلى ذلك تكون الحصص المزبورة كل واحدة منها بالقياس إلى بعض حدودها وهي حدودها الطبيعية تحت الطلب والامر وبالقياس إلى حدودها الخاصة تحت الترخيص وخارجة عن دائرة المطلوبية ، لا أنها على الاطلاق تحت الطلب والامر كما في


(387)

الطبيعة السارية ولا خارجة كذلك عن دائرة الطلب ونتيجة ذلك هو رجوع التخيير بين الحصص والافراد أيضا إلى التخيير الشرعي لا العقلي كما قيل ، إذ بعد أن لم تكن قضية عدم السراية على ما بيناه الا خروج الحصص عن دائرة الطلب بالقياس إلى حدودها الخاصة والجهة التي بها امتياز بعض هذه الحصص عن البعض الاخر المشارك معها في جنسها وفصلها القريبين ، لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدودها الطبيعية التي هي القدر المشترك بينها ، بل كانت الحصص بالقياس إلى هذه الجهة تحت الطلب والامر ، فقهرا يلزمه صيرورتها موردا للوجوب التخييري ، حيث أنه كانت الحصص حينئذ ببعض حدودها تحت الالزام الشرعي وببعض حدودها الأخرى تحت الترخيص ، ومرجع ذلك على ما بيناه مرارا إلى وجوب كل واحدة منها بايجاب ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه ، وهو الترك في حال ترك البقية ، مع كون الترك في حال الوجود تحت الترخيص ، ومقتضاه هو تحقق الإطاعة والامتثال بايجاد فرد واحد منها والعصيان بترك الجميع.
    وعلى ذلك فلا يبقى مجال للالتزام بخروج الافراد عن تحت الالزام الشرعي والمصير فيها إلى التخيير العقلي كما في الكفاية وغيرها ، بل لابد من ارجاع التخيير فيها إلى التخيير الشرعي ، نعم لو قلنا بوقوف الطلب في تلك الواجبات على نفس الطبيعي وصرف الجامع وعدم سرايته إلى الحصص الفردية حتى بالقياس إلى حدودها الطبيعية التي هي القدر المشترك بينها لاتجه القول فيها بالتخيير العقلي إذ لايبقى مجال حينئذ لدعوى وجوب الحصص والافراد بالوجوب الشرعي ، ولكن عمدة الكلام فيه حينئذ في أصل المبني ، والوجه فيه هو ما عرفت من أن الحصص من حيث حدودها الطبيعية لا تكون الا عين الطبيعي والقدر المشترك بينها ، غايته انها كانت محفوظة في ضمن الافراد نظير ما تصورناه في مبحث الوضع من القسم الآخر في تصور عموم الوضع والموضوع له ، ومعه لا وجه لدعوى خروجها عن حيز الطلب ، كما لايخفى.
    واما ما قيل بأن الطلب بعد تعلقه بالعناوين والصور الذهنية لا بالمعنونات الخارجية يستحيل سرايته إلى الحصص الفردية من جهة ان الحصص بصورها الذهنية حينئذ مبائنة مع الطبيعي ولو كانتا ملحوظتين خارجيتين فهما حينئذ صورتان متباينتان في الذهن ومع تباينهما يستحيل سراية الطلب من إحديهما إلى الأخرى ، فمدفوع بأنه كذلك


(388)

إذا لايكون الطبيعي مأخوذا لا بشرط والا فقضيته بعد لحاظهما خارجيتين واتحادهما خارجا بحسب المعنون والمنشأ كانت هي السراية لا محالة.
    كاندفاع ما قيل أيضا بان صرف الطبيعي بعد ما كان انطباقه على خصوص أول وجود فلا جرم في ظرف الانطباق لا مجال لدعوى السراية بلحاظ كونه ظرف سقوط الطلب لا ثبوته ، واما في طرف قبل الانطباق فكذلك أيضا من جهة انه حينئذ كما يكون قابلا للانطباق على أول وجود كذلك يكون قابلا أيضا للانطباق على ثاني الوجود وثالثه ، وفي مثله لا مجال لدعوى السراية إلى واحد منهما. وجه الاندفاع : هو انا نفرض الكلام في ظرف قبل الانطباق ونقول بان كل واحد من هذه الافراد إذا فرضناه غير مسبوق في وجوده بفرد آخر فقهرا ينطبق عليه أول وجود وفي مثله يسرى إليه الطلب من جهة انطباق الطبيعي عليه حينئذ من دون احتياج في سراية الطلب إلى الانطباق الفعلي عليه في الخارج حتى يتوجه المحذور المزبور ، وعليه لايبقى مجال التشكيك في سراية الطلب إلى الحصص من حيث حدودها الطبيعية بمثل هذه البيانات ، كما هو واضح.
    واما الانتقاض حينئذ بمورد العلم الاجمالي من حيث وقوف العلم مع كونه أيضا من صفات النفس كالإرادة على نفس الجامع وعدم سرايته إلى الخصوصيات ، بشهادة الشك التفصيلي الوجداني بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين ، فمدفوع أيضا بأنه ان أريد بذلك عدم سرايته إلى الطرفين بخصوصيتهما فهو مسلم ولكنه غير ضائر بما نحن بصدده ، إذ نحن أيضا نسلم ونقول بخروج الحصص الفردية بحدودها الخاصة التي بها امتياز بعض تلك الحصص عن البعض الآخر ، فلايتوجه حينئذ الانتقاض المزبور ، وان أريد بذلك عدم سراية العلم إلى الطرفين على الاطلاق حتى بحدودهما الجامعي فهو ممنوع جدا ، بل نقول فيه أيضا بالسراية إلى الطرفين لكن بحدودهما الجامعي على نحو ما عرفت في الطبيعي وافراده ، فتأمل.
    وعلى ذلك فالطلب المتعلق بالطبيعة ان لو حظ بالقياس إلى نفس الطبيعة اللابشرطية التي هي القدر المشترك بين الحصص يكون طلبا تعيينيا ، وان لو حظ بالقياس إلى الحصص المقارنة مع الخصوصيات يكون طلبا تخييريا ومرجعه على ما عرفت إلى تعلق طلب ناقص بكل واحدة من الحصص الفردية بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه ، وهو الترك من ناحية حدودها الطبيعية التي بها اشتراك هذه الحصص بعضها مع


(389)

بعض آخر ، وحيث إن الترك من هذه الجهة ملازم مع ترك بقية الحصص صح ان يقال بان ترك كل واحدة من الحصص في ظرف ترك البقية كان تحت المنع وفي ظرف وجود حصة منها كان تحت الترخيص ، ونتيجته على ما عرفت هو تحقق الإطاعة والامتثال بايجاد فرد واحد وتحقق العصيان بترك جميع الافراد.
    بل وعلى ما ذكرنا أيضا أمكن المصالحة بين الفريقين بارجاع القول بالسراية إلى الحصص إلى السراية إليها بحدودها المقومة لنوعها ، لا مطلقا حتى بحدودها الخاصة التي بها امتياز حصة عن أخرى ، وارجاع القول بعدم السراية أيضا عدم السراية إلى الحصص لكن بحدودها الخاصة ، لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدودها المقومة لنوعها إذ عليه يتوافق القولان ويرتفع النزاع من البين ، كما هو واضح ، فتأمل.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net