متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث السادس : في جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
المبحث السادس

    قد اختلفوا في جواز امر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه وعدم جوازه على قولين ، وقد نسب القول بالجواز إلى الأشاعرة ، ولكن الظاهر أن المراد من الشرط المنتفى انما هو شرط وجود المأمور به لا شرط نفس الامر ، لان ذلك مما لا مجال للنزاع فيه ، إذ لاينبغي الاشكال في عدم جوازه حتى من الأشاعرة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين ، نظرا إلى رجوعه حينئذ إلى البحث عن جواز تحقق المعلول بدون علته التامة ، وهو كما ترى لا يتوهمه من له أدنى شعور ، هذا إذا أريد من الانتفاء الانتفاء بقول مطلق ، واما لو أريد انتفاء شرط بعض مراتب الامر فهو أيضا مما لاينبغي الاشكال في جوازه ، فإنه إذا كان للامر مراتب من حيث الانشاء والفعلية والتنجز أمكن لا محالة الامر به بمرتبة انشائه مع انتفاء شرطه بالنسبة إلى مرتبة فعليته أو مرتبة تنجزه أو الامر به بمرتبة فعليته مع انتفاء شرط مرتبة تنجزه ، إذ لا محذور عقلايترتب عليه كي يصار لأجله إلى عدم جوازه وامتناعه ، كيف وان الدليل على امكانه حينئذ هو وقوعه في العرفيات والشرعيات كما في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع ، بل ولعل كثيرا من الاحكام بعد واقفة على مرتبة انشائها ولم تصل إلى مرتبة فعليتها إلى أن يقوم الحجة عجل الله تعالى فرجه كما لعله من ذلك أيضا قوله عليه السلام : « ان الله سبحانه سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا الخ » وحينئذ فيتعين إرادة انتفاء شرط وجود المأمور به ، وعليه أيضا ينبغي تخصيص مورد النزاع بالانتفاء الموجب لسلب قدرة المأمور على الامتثال واتيانه واجدا لشرطه لا مطلق الانتفاء ولو المستند إلى اختيار المكلف مع تمكنه من تحصيله ، فان ذلك أيضا مما لا


(379)

مجال للنزاع فيه ، إذ لا اشكال في جواز ذلك كما في تكليف الجنب بالصلاة عند دخول الوقت مع تمكنه من تحصيل الطهارة ، ومن ذلك كان الواجب عليه حينئذ تحصيل شرطها الذي هي الطهارة ، فإنه لولا وجوب الصلاة عليه لما كان الواجب عليه تحصيل الطهارة ، وهو واضح بعد وضوح كون وجوب الطهارة عليه وجوبا غيريا ترشحيا من وجوب ذيها.
    وعليه فيرجع هذا النزاع إلى النزاع المعروف بين الأشاعرة وغيرهم من جواز تعلق التكليف بالمحال وعدم جوازه من جهة رجوع التكليف بالمشروط حينئذ مع انتفاء شرط المأمور به وعدم تمكن المكلف من تحصيله إلى التكليف بالمحال وبما لايقدر عليه المكلف ، فيندرج حينئذ في ذلك النزاع الذي أثبته الأشاعرة حسب زعمهم الفاسد من انكار التحسين والتقبيح العقليين وتجويزهم على الله سبحانه تكليف عباده بما لا يقدرون عليه. وربما يبتني ذلك أيضا على النزاع المتقدم في مسألة وحدة الطلب والإرادة وتغايرهما ، بجعل الطلب عبارة عن معنى قابل للتعلق بالمحال مع كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال ، كما هو ظاهر استدلالهم بالمغايرة ، إذ حينئذ على القول بالاتحاد كما هو التحقيق يكون عدم جوازه من جهة كون التكليف بنفسه محالا لا من جهة انه تكليف بالمحال ، نظرا إلى وضوح استحالة تعلق الإرادة الفعلية بالممتنع ، بخلافه على القول بالمغايرة فان المحذور فيه انما هو من حيث كونه تكليفا بالمحال وبما لايقدر عليه المكلف ، وفي مثله نقول بأنه على القول بالمغايرة وتسليم هذا المبنى الفاسد لا باس بالقول بالجواز في المقام ، ولكن الذي يسهل الخطب هو فساد أصل المبني لما عرفت في محله من اتحاد حقيقة الطلب والإرادة وانه لايتصور معنى آخر يكون هو الطلب في قبال الإرادة بحيث كان موضوعا للحكم بوجوب الامتثال وكان قابلا أيضا للتعلق بالمحال ، وعليه فكان التحقيق في المقام هو عدم جوازه من جهة ما عرفت من كون مثل هذا التكليف بنفسه محالا ، كما هو واضح.


(380)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net