متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أدلة الأقوال في وجوب المقدمة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

أدلة الأقوال في وجوب المقدمة

    وإذ عرفت ذلك فلنشرع في الاستدلال على وجوب المقدمة ، فنقول :
    انه يكفي دليلا على وجوبها الوجدان بان من يريد شيئا ويطلبه يريد بالجبلة مقدماته أيضا بحيث لو التفت إلى المقدمية تفصيلا يجعلها في قالب الطلب ويطلبها أيضا بطلب مستقل مولوي بقوله ادخل السوق واشتر اللحم ، كما أنه يوضح ذلك أيضا لحاظه الإرادات


(352)

التكوينية حيث ترى انه متى تريد شيئا تريد بالجبلة مقدماته أيضا فمتى تعلق إرادتك بشرب الماء لغرض هو رفع العطش تقصد تحصيله فتصير بصدد تحصيله بشراء ونحوه وإذا كان تحصيله يتوقف على المشي إلى مكان تقصد المشي إلى ذلك المكان ، وهكذا غيره من المقدمات ، بخلاف ما لايكون مقدمة من الملازمات القهرية كالمشي تحت السماء ونحوه فإنها وان كانت مما لابد منه عقلا الا انها غير مقصودة ولا مرادة في مشيك بوجه أصلا ، وحينئذ فإذا كان ذلك شأن الإرادات التكوينية المتعلقة بالاغراض كذلك تكون مثلها الإرادات التشريعية ، حيث لا فرق بينهما الا في كون الأولى محركة لنفس المريد والثانية للمأمور نحو المراد ، ففي الإرادات التشريعية أيضا يلازم إرادة الشيء والبعث نحوه البعث نحو مقدماته بحيث مع الالتفات إلى مقدميتها يجعلها في قالب طلب مثله فيبطلها ويأمر بايجادها ، بل قد عرفت سابقا بان ذلك مقتضي أكثر الواجبات في العرفيات والشرعيات حيث كان وجوبها بحسب اللب وجوبا غيريا من جهة انتهائها بالآخرة إلى امر واحد يكون هو المراد والمطلوب النفسي ، وعليه ففي نفس هذا الوجدان والارتكاز غنى وكفاية في اثبات الوجوب الغيري للمقدمات عن الاستدلال على وجوبها بل ولعله هو العمدة في الباب.
    والا فمع الغض عنه لايكاد يتم الاستدلال على وجوبها بالبرهان المعروف عن البصري بأنه لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ فان بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لايطاق والاخراج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.
    وذلك لما فيه بأنه ان أريد من التالي في الشرطية الأولى الإباحة الشرعية فعليه وان صدق الشرطية الثانية حيث لايمكن بقاء الواجب على وجوبه مع ترخيص الشارع في ترك مقدمته الا ان الملازمة حينئذ ممنوعة نظرا إلى عدم اقتضاء مجرد عدم وجوب المقدمة للترخيص في تركها ، وان أريد به مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك من جهة عدم اقتضاء فيه للالزام فهو وان كان صحيحا ولكنه نمنع حينئذ صدق إحدى الشرطيتين وهو لزوم التكليف بما لايطاق أو خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا ، فأنه بعد عدم اقتضاء مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك لخروج الواجب عن القدرة نقول ببقاء الواجب حينئذ على وجوبه ولزوم الاتيان به بايجاد مقدماته بمقتضي اللابدية العقلية هذا بناء على إرادة الجواز وعدم المنع الشرعي عما أضيف إليه الظرف في قوله ( وحينئذ ) ، واما لو


(353)

أريد منه نفس الترك فعليه بعد تقييده بما إذا كان الترك في آخر الوقت بحيث لا يتمكن معه من الواجب نقول بان الواجب وان لم يبق على وجوبه حينئذ الا انه حيثما كان ذلك بالعصيان وسوء الاختيار فلا محالة يستحق عليه العقوبة من جهة تمكنه من الاتيان بالواجب وحكم عقله بلزوم اتيان المقدمة من باب اللابدية ارشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقوبة.
    نعم لو أريد من الجواز اللاحرجية في الفعل والترك شرعا وعقلايترتب عليه أحد المحذورين وهو لزوم خروج الواجب عن وجوبه ولكنك عرفت بالمنع حينئذ عن الملازمة من جهة عدم اقتضاء مجرد عدم الوجوب شرعا جواز تركها شرعا حتى ينافي مع التكليف بالواجب بل وانما غايته هو عدم كونها محكومة بحكم شرعي وحينئذ فيكفي في لزوم الاتيان بها حكم العقل باللابدية كما هو واضح.
    ومن ذلك البيان ظهر الجواب أيضا عما افاده بعض لاثبات وجوبها بأنها لو لم تجب بايجابه يلزم ان لايكون تارك الواجب المطلق عاصيا ومستحقا للعقوبة مع أن التالي باطل قطعا فالمقدم مثله ، إذ نقول بأنه كذلك لولا كون الترك عن سوء اختياره وحكم عقله بلابدية الاتيان ارشادا إلى ما في الترك من العصيان المتتبع للعقوبة كما لايخفى.
    وحينئذ فالعمدة في اثبات وجوبها هو ما ذكرناه من قضية الوجدان والارتكاز في الواجبات العرفية وفى الإرادات التكوينية للانسان المتعلقة بما له مقدمات ، وعليه أيضا لا يفرق في المقدمات بين السبب وغيره من جهة ان ملاك ترشح الوجوب الغيري انما هو كونها مما لها الدخل في المطلوب وفى حصول الغرض ، فإذا كان الشيء مما له الدخل في حصوله وتحققه سواء كان بنحو المؤثرية كما في المقتضى أو بنحو الدخل في القابلية أو غير ذلك يترشح إليه الإرادة الغيرية فيصير واجبا بالوجوب الغيري.
    وعليه فلا وجه لما ذكروه من التفصيل تارة : بين السبب وغيره بتقريبين تارة بان القدرة لما كانت غير حاصلة على المسببات وحدها الا في حال انضمام أسبابها إليها فلا جرم لابد وأن يكون الأسباب أيضا ملحوظة للآمر حال التكليف بالمسببات ، من جهة بعد اختصاص التكليف حينئذ بالمسببات وخروج الأسباب بالمرة عن حيز التكليف ، وأخرى بان التكليف لما كان لايمكن تعلقه الا بأمر مقدور للمكلف ولايكون المقدور الا الأسباب دون المسببات لأنها من الآثار المترتبة على الأسباب فلابد من صرفه عنها


(354)

إلى الأسباب. وأخرى : بين الشرائط الشرعية وغيرها بدعوى وجوب الشرايط الشرعية دون غيرها من تقريب انه لولا وجوبه شرعا لما كان شرطا حيث إنه ليس مما لابد منه عقلا أو عادة.
    إذ فيه ما لايخفى ، اما التفصيل الأول : فان أريد من عدم اختصاص التكليف بالمسبب في التقريب الأول تعلق التكليف بمجموع المسبب والسبب ففساده واضح حيث لايقتضي مجرد عدم القدرة على الشيء الا في حال انضمام أسبابه كون أسبابه أيضا ملحوظة للآمر حال التكليف بحيث يكون تكليفه بمجموع السبب والمسبب ، مع أنه على ذلك يكون السبب واجبا بالوجوب النفسي الضمني لا بالوجوب الغيري الذي هو محل البحث. وان أريد به اقتضاء التكليف بالمسبب حينئذ لتعلق تكليف غيري أيضا بسببه لكونه مما يتوقف عليه وجود المسبب وبدونه لايكاد تحققه في الخارج فهو مما لا يفرق فيه بين السبب وغيره ، فيجري في جميع المقدمات كانت من معطيات الوجود أو من معطيات القابلية واما التقريب الثاني للتفصيل المزبور فهو مع كونه انكارا التفصيل حقيقة من جهة رجوعه إلى تعلق الامر النفسي بدوا في هذه الموارد بالسبب ، نقول بان المسبب حيثما كان مقدورا للمكلف ولو بسببه يكفي هذا المقدار في صحة التكليف به ، فإنه لا يعتبر في صحة التكليف بالشيء أزيد من القدرة عليه ، كانت بلا واسطة أو معها ، ومعه لا وجه لصرف التكليف عن المسبب وارجاعه إلى سببه كما هو واضح.
    واما ما قيل بان العلة والمعلول اما ان يكون لكل منهما وجود ممتاز عن الاخر في الخارج كما في شرب الماء ورفع العطش حيث كانا أمرين ممتازين وجودا في الخارج واما ان يكونا عنوانين لفعل واحد غايته طوليا لا عرضيا ، كالالقاء والاحراق المتصف بهما فعل المكلف في الخارج حيث كان صدق عنوان الالقاء متقدما على صدق عنوان الاحراق. فان كانا من قبيل الأول ففي مثله يتعلق الإرادة الفاعلية بالمعلول أولا لقيام المصلحة به ثم تتعلق بعلته وسببه لتوقفه عليها ، ونحوه الإرادة التشريعية الامرية فأنها أيضا تتعلق أولا بالمعلول والمسبب ثم بعلته وسببه فيصير سببه واجبا بالوجوب الغيري المقدمي. واما ان كانا من قبيل الثاني كما في الالقاء والاحراق وعنوان الغسل والتطهير ونحوهما فيلزمه كون الامر بالمسبب والمعلول عين الامر بسببه وعلته والامر بالسبب عين الامر بالمسبب ، لأنه في تعلق الامر بالمسبب يكون السبب مأخوذا فيه لا


(355)

محالة كما أنه في تعلقه بالسبب يكون معنونا بالمسبب ، فعلى كل تقدير يكون الامر بكل منهما أمرا بالآخر وفى مثله لايكاد اتصاف السبب بالوجوب الغيري بوجه أصلا كما لايخفى ، فمدفوع بان مثل عنوان الالقاء والاحراق عنوانان ممتازان وجودا كل منهما عن الآخر حيث كان الالقاء الذي هو فعل المكلف سببا لملاصقة الخشب مع النار التي هي سبب لتحقق الحرقة في الخارج ، فالحرقة حينئذ لها وجود مستقل في قبال الالقاء الذي هو من فعل المكلف ، نظير حركة اليد وحركة المفتاح اللتين هما وجود ان من الحركة إحديهما معلولة للأخرى ، نعم غاية ما هناك انه ينتزع من وجود المعلول عنوانان : أحدهما عنوان الاحراق بالإضافة إلى الفاعل والآخر عنوان الحرقة بالإضافة إلى نفسه ، نظير الايجاد والوجود ، ولكن مجرد ذلك لايقتضي صدق عنوان الاحراق وانطباقه حقيقة على الالقاء الذي هو فعل المكلف. وعليه فإذا كان العنوانان كل منهما وجودا عن الاخر في الخارج فلا محالة يكون حالهما حال شرب الماء ورفع العطش في اتصاف الالقاء بالوجوب الغيري عند تعلق الامر بالاحراق وعدم كون الامر بالاحراق أمرا حقيقة بالالقاء كما هو واضح.
    ثم إن هذا كله إذا كان المسبب والمعلول من آثار فعل المكلف خاصة على معنى كون فعله علة تامة لتحققه بحيث لايكون لفعل الغير أيضا واختياره دخل في ترتب المسبب والمعلول وتحققه.
    وأما إذا كان لفعل الغير واختياره أيضا دخل في تحققه كعنوان حقيقة البيع مثلا الذي هو مترتب على مجموع ايجاب البايع وقبول المشتري فقد يقال حينئذ بأن التكليف بالمسبب وهو البيع حقيقة تكليف بسببه وهو الايجاب من جهة خروج المسبب حينئذ بعد مدخلية قبول المشتري عن حيز قدرة البايع حتى بالواسطة ، فمن ذلك لو ورد امر بشخص ببيع داره لا جرم لابد بعد خروجه عن حيز قدرته من صرفه إلى سببه وهو ايجابه الناشي منه من جهة امتناع بقائه على ظاهره في التعلق بعنوان البيع ، ولكنه أيضا مدفوع بأنه كذلك إذا كان قضية الامر بالبيع أمرا بايجاده على الاطلاق وأما إذا كان أمرا بحفظ وجوده من قبل ما هو تحت قدرته واختياره فلا يلزم ارجاعه وصرفه عنه إلى سببه ، بل يجعل الامر في تعلقه بالمسبب على حاله حينئذ ويقال بأن والواجب هو حفظ وجوده من قبل ما هو تحت اختياره ، كما هو الشأن أيضا في كلية المقيدات ببعض القيود غير الاختيارية ،


(356)

إذ كان مرجع التكليف بها أيضا إلى التكليف بسد باب عدمه وحفظه من قبل ما هو تحت الاختيار في ظرف انحفاظه من قبل سائر القيود غير الاختيارية وحينئذ فإذا كان الواجب هو حفظ وجود المعلول والمسبب من قبل ما هو فعل اختياري للمكلف وهو ايجابه وكان هذا المقدار من الحفظ بتوسيط القدرة على الايجاب تحت قدرته واختياره فلا جرم يكون الايجاب الذي هو مسبب لهذا المقدار من الحفظ متصفا بالوجوب الغيري لا بالوجوب النفسي كما توهم فتدبر هذا كله في التفصيل الأول.
    واما التفصيل الثاني بين الشرائط الشرعية وغيرها : بدعوى انه لولا وجوبها لما كان شرطا ، ففيه أيضا انه ان أريد كون التكليف والامر من قبيل الواسطة في الثبوت بالنسبة إلى الشرطية والمقدمية بحيث لولا امر الشارع لما كان مقدمة وشرطا ففساده واضح من جهة بداهة ان الامر الغيري انما يتعلق بما هو مقدمة الواجب وشرطه فلو كان مقدميته متوقفة على الامر الغيري بها لدار. وان أريد كون التكليف والامر من قبيل الواسطة في الاثبات بالنسبة إلى المقدمية والشرطية بحيث يكشف امر الشارع به عن كونه مقدمة وشرطا في الواقع ، ففيه مع أنه كثيرا ما يكون دليل الشرطية بغير لسان التكليف كما في قوله : « لا صلاة الا بطهور ، ولا صلاة الا إلى القبلة » نقول بأنه لايكون ذلك تفصيلا في المسألة لان مقتضاه حينئذ هو وجوب كل ما يتوقف عليه الواجب بالوجوب الغيري ولو كان الطريق إلى المقدمية غير امر الشارع كما هو واضح. ثم إن هذا كله في مقدمة الواجب

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net