تأسيس الأصل في المسألة
بقى الكلام في تأسيس الأصل في المسألة عند الشك في الملازمة ووجوب المقدمة وليعلم بأن الشك في وجوب المقدمة وان كان يتصور على وجوه : تارة من جهة الشك في أصل مقدمية شيء للواجب ، وأخرى من جهة الشك في وجوب ذيها مع العلم بأصل المقدمية واصل الملازمة ، وثالثة من جهة الشك في أصل ثبوت الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، الا ان الجهة المبحوث عنها في المقام انما هي خصوص الجهة الأخيرة التي يكون الشك ممحضا في أصل ثبوت الملازمة نظرا إلى خروج ما عداها عن مفروض الكلام في المقام فنقول حينئذ : اما نفس الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها فلا اشكال في أنه لا أصل فيها ، فإنها من جهة كونها أزلية وجودا وعدما لا حالة سابقة لها حتى يجرى فيها الاستصحاب ، وحديث الرفع أيضا غير جار فيها لعدم كونها أمرا شرعيا ولا موضوعا أيضا لاثر شرعي ، لان ترتب فعلية الوجوب عليها حينئذ ترتب عقلي لا شرعي ، كما هو واضح. واما نفس وجوب المقدمة فهو وان كان مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا بحدوث
(351)
وجوب ذي المقدمة الا انه من جهة عدم قابلية المورد لا يجري فيه الأصل أيضا ، لان جريان مثل هذه الأصول انما كان في مورد قابل للوضع الرفع ، ومع كون فعلية الوجوب على الملازمة من اللوازم القهرية لوجوب ذي المقدمة لايكون المحل قابلا للرفع كي يجرى فيه الأصل فيقتضي عدم فعلية وجوبها ، ولئن شئت قلت بالعلم التفصيلي حينئذ بعدم جريان الأصل فيه ، اما لعدم وجوبها واقعا على تقدير عدم ثبوت الملازمة واما لعدم قابلية المورد للرفع على تقدير ثبوت الملازمة كما هو واضح ، نعم لو اغمض عن ذلك وقلنا بجريان الأصل في طرف الوجوب فلا مجال للاشكال عليه من جهة انتفاء الأثر العملي بدعوى انه بعد حكم العقل بلا بدية الاتيان بالمقدمة لايترتب على نفى وجوبها ثمرة أصلا من حيث الحركة والسكون ، وذلك لامكان الجواب عنه بعدم الانحصار الأثر حينئذ بحيث الحركة والسكون وانه يكفي فيه التوسعة في التقرب باتيان المقدمة بداعي مراديتها حيث إنه بنفي وجوبها حينئذ يترتب نفى هذا الأثر فيتضيق بذلك دائرة التقرب. وأما توهم عدم كون مثل هذا الأثر حينئذ شرعيا لأنه من كيفيات الإطاعة التي هي من الآثار العقلية فلايكاد يمكن اثباتها بمثل هذه الأصول التعبدية ، فمدفوع بأنه كنفس الإطاعة من لوازم مطلق وجوب الشيء ولو ظاهرا ، هذا. ولكن مع ذلك كله يشكل الاكتفاء بمثل هذا الأثر في جريان الاستصحاب ينشأ من عدم كونه اثرا للمستصحب حتى يجري الاستصحاب بلحاظه وكونه من آثار نفس الحكم الاستصحابي ، إذ حينئذ جريان الاستصحاب بلحاظ مثل هذا الأثر لعله من المستحيل ، فلابد حينئذ من التماس اثر في البين للمستصحب حتى يكون جريان الاستصحاب بلحاظه ، وحيثما لايكون في البين اثر عملي يترتب على المستصحب فلا مجال لجريانه بوجه أصلا كما لايخفى.
|