متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

ومن التقسيمات تقسيم الواجب إلى النفسي

    والغيري فالغيري هو الذي يكون الغرض من ايجابه التوصل به إلى وجود واجب آخر ، والنفسي ما لايكون كذلك كالمعرفة بالله سبحانه والصلاة والصوم والحج ونحوها من العباديات والتوصليات.
    ثم إن وجود هذين القسمين في الواجبات وان كان وجدانيا غير قابل للانكار ولكن الظاهر هو كون الغرض من ذلك دفع ما يتوهم وروده من الاشكال من لزوم ترتب مثوبات وعقوبات كذلك على فعل واجب واحد له مقدمات عديدة نظرا إلى تخيل ان المثوبة والعقوبة تابعتان لفعل مطلق الواجب وتركه ، إذ يستشكل حينئذ بأنه على الملازمة من وجوب المقدمة أيضا يلزم ترتب مثوبات متعددة على فعل واجب واحد له مقدمات متعددة وعقوبات كذلك على تركه بما له من المقدمات ، لأنه ترك واجبات متعددة ، فمن اجل ذلك صاروا بصدد هذا التقسيم فقسموا الواجب إلى الغيري والنفسي للتنبيه على أنه ليس مطلق الواجب مما يترتب عليه فعلا وتركا استحقاق المثوبة والعقوبة حتى يتوجه الاشكال المزبور وان الذي يترتب عليه ذلك انما هو خصوص الواجب النفسي واما الواجب الغيري فحيث انه كان وجوبه لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر فلايكاد يترتب عليه فعلا أو تركا استحقاق المثوبة والعقوبة بوجه


(325)

أصلا وحينئذ فلاينافي القول بوجوب المقدمة شرعا وحدة المثوبة والعقوبة على فعل الواجب وتركه كي يكون مجال للاشكال المزبور ، هذا.
    أقول : ولكن لايخفى عليك ما في هذا الجواب والاشكال المزبور ، حيث إنه مبني على كون مدار استحقاق المثوبة والعقوبة على عنوان الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، والا فبناء على كونهما من تبعات عنوان التسليم للمولى وعنوان الطغيان عليه بما انه ابراز للجرئة عليه والتمرد عن امره ونهيه الجامعين بين الانقياد والإطاعة والتجري والعصيان كما هو التحقيق على ما حققناه في مبحث التجري فلا مجال لهذا الجواب ولا موقع أيضا للاشكال المزبور ، نظرا إلى امكان الحكم حينئذ بترتب المثوبة والعقوبة على موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا مع الالتزام بعدم تعدد المثوبة والعقوبة عند تعدد المقدمات بلحاظ كونهما تابعتين في الوحدة والتعدد لتعدد التسليم والطغيان ووحدتيهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده ، وذلك انما هو من جهة وضوح انه كما يتحقق عنوان التسليم والطغيان بموافقة الأوامر النفسية ومخالفتها كذلك يتحقق أيضا بموافقة الأوامر الغيرية ومخالفتها ، ومن ذلك بمجرد كونه في صراط الإطاعة وشروعه في مقدمات المأمور به ترى انه يمدحونه العقلاء ويحكمون باستحقاقه الأجر والثواب من دون انتظار منهم في المدح وحكمهم باستحقاق الأجر والثواب إلى وقت اتيانه بما هو المطلوب النفسي للمولى كما لايخفى ، ومعلوم انه لايكون له وجه الا ما ذكرنا من تحقق عنوان التسليم بموافقة الامر الغيري أيضا كتحققه بموافقة الامر النفسي ، والا لكان اللازم عدم الحكم باستحقاق الأجر والثواب فعلا الا بعد اتيانه بما هو المطلوب النفسي. وهكذا الامر في طرف الطغيان فإنه أيضا مما يتحقق بمجرد شروعه في مقدمات الحرام أو تركه لما هو مقدمة الواجب حيث إنه يصدق عليه بأنه ممن أبرز الجرئة على المولى وصار بصدد التمرد عن امره ونهيه ، ومن اجل ذلك يصير موردا للتوبيخ والذم من العقلاء بلا حالة منتظرة أيضا في ذلك إلى وقت فوت الواجب النفسي ، كما فيمن رمى سهما لقتل مؤمن مع كون السهم يبلغ إليه بعد ساعة فإنه من الحين يصير هذا الرمي موردا للذم عند العقلاء ، كما هو واضح.
    وعلى ذلك نقول : بأنه إذا كان مدار المئوية والعقوبة على عنوان التسليم والطغيان لا على عنوان الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي ومخالفته وكان التسليم أيضا


(326)

يتحقق بموافقة الامر الغيري ومخالفته كتحققهما بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، فلا قصور في الحكم بترتب المثوبة والعقوبة على الواجبات الغيرية التوصلية أيضا بل وترتب القرب عليها أيضا فيما لو كان الاتيان بها بداعي أمرها ، ومن ذلك قلنا سابقا في مبحث قصد القربة باشتراك الواجبات التوصلية مع التعبدية من جهة المقربية نظرا إلى عدم انفكاك الامر بها عن القربة وعدم اتصاف المأتى به فيها بعنوان المأمور به الا باتيانها عن دعوة أمرها ، وان تمام الفرق بين التوصلي والتعبدي انما كان من جهة مدخلية حيث القرب في سقوط الامر وسقوط الغرض في العبادات وعدم مدخلية في التوصليات ، من جهة سقوط أمرها وحصول الغرض فيها بمحض حصول العمل وتحققه كيفما اتفق ولولا عن داع قربى ، كما هو واضح.
    واما اشكال لزوم تعدد المثوبة والعقوبة في فعل واجب واحد له مقدمات وتركه بترك ما له من المقدمات ، فغير وارد ، من جهة ما عرفت من أن وحدة المثوبة والعقوبة تابعة وحدة التسليم والطغيان وتعددهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده ، فإذا لايكون الغرض حينئذ الا واحدا لايكون له الا تسليم واحد وطغيان كذلك ، ومعه لايكاد يترتب عليه الا مثوبة واحدة وعقوبة كذلك وان كان له مقدمات عديدة لا تحصى ، وعلى ذلك فالتسليم وان كان يتحقق بمجرد شروع العبد في المقدمة ويستحق عليه المثوبة ، ولكنه لما كان الغرض واحدا فلا محالة يكون التسليم أيضا واحدا ويمتد هذا التسليم الواحد إلى زمان الاتيان بذيها الذي هو المطلوب النفسي ، كما أنه كذلك أيضا في طرف الطغيان حيث إنه يتحقق بمجرد الشروع في المقدمة ويمتد إلى زمان تحقق الحرام في الخارج ، لا انه يتعدد التسليم والطغيان بتعدد المقدمات حتى يلزمه تعدد المثوبة والعقوبة أيضا كما هو واضح ، كوضوح ان استحقاقه للمثوبة والعقوبة على التسليم والطغيان بشروعه في مقدمات الواجب أو الحرام أيضا انما يكون فيما إذا استمر على ذلك ولم يحصل له البداء بعد ذلك في العصيان أو الإطاعة ، والا فلو حصل له البداء بعد ذلك وحصل منه الطغيان بترك الواجب يكون طغيانه ذلك بعكس التوبة من الحين رافعا لما استحقه على تسليمه السابق بحيث كأنه لم يفعل شيئا ولم يتحقق منه التسليم أصلا مع صدور هذا الطغيان منه ، كما أنه في صورة العكس يكون الامر بالعكس. فإذا كان بصدد ترك الواجب أو فعل الحرام وأتى ببعض المقدمات ثم ندم واتى بالواجب أو ترك الحرام


(327)

يكون تسليمه ذلك باتيان الواجب وترك الحرام رافعا لما استحقه على طغيانه من الحين بحيث كأنه لم يتحقق منه الطغيان أبدا ، نعم لو كان عدم حصول الواجب والمأمور به لا من جهة حصول البداء له وطغيانه بل من جهة عدم تمكنه منه خارجا لموت أو مرض أو غير ذلك مع كونه بصدد الامتثال واتيان المأمور به يدخل ذلك حينئذ في الانقياد فيستحق المثوبة حينئذ على انقياده ، كما أنه في فرض العكس يكون الامر بالعكس فيندرج في التجري ، كما هو واضح.
    وعلى كل حال فعلى ما ذكرنا من تبعية المثوبة والعقوبة ودورانهما مدار عنوان التسليم والانقياد للمولى وتبعيتهما أيضا في الوحدة والتعدد مدار تعدد التسليم والطغيان ووحدتهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده يظهر لك عدم المجال أيضا لما أفيد في دفع الاشكال المزبور من تخصيص المثوبة والعقوبة بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، إذ نقول بأنه لا وجه حينئذ لهذا التخصيص بعد صدق عنوان التسليم والطغيان على موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا وان مجرد وحدة المثوبة والعقوبة أيضا على فعل واجب واحد وتركه غير مقتض للالتزام بكونهما من تبعات خصوص موافقة الامر النفسي ومخالفته ، بل يلتزم حينئذ بترتبهما أيضا على موافقة الامر الغيري ومخالفته لمكان تحقق عنوان التسليم والانقياد بذلك ، ويدفع الاشكال المزبور من جهة وحدة التسليم والطغيان ووحدة الغرض بما ذكرناه من البيان ويقال بعدم استحقاقه على فعل واجب له مقدمات الا مثوبة واحدة ولا على تركه بترك ما له من المقدمات ما لا تحصى الا عقوبة واحدة ، كما لايخفى. وعلى ذلك فلو فرض انه يعطى على فعل كل مقدمة ثوابا مستقلا فلابد وأن يكون ذلك من باب التفضل لا من باب الاستحقاق ، كما أنه من ذلك أيضا ما ورد في فضل زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين روحي وارواح العالمين فداه بأنه لكل قدم ثواب حج وعمرة ، وان الامر بقصر الاقدام أيضا انما هو من جهة ان تكثر المقدمات فيزداد بذلك مقام التفضل عليه باعطائه ذلك الأجر والثواب العظيم الذي وعد الله زائريه ، نسأل الله سبحانه ان يكتبنا من زوار قبره الشريف ويحشرنا معه ولا يسلب عنا مجاورة قبر أبيه عليه السلام.
    وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا من قابلية الأوامر الغيرية لترتب المثوبة والعقوبة وقابليتها أيضا للمقربية باتيان متعلقها بداعي أمرها ، يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف


(328)

على الطهارات الثلاث التي ثبت عباديتها من بين المقدمات ، من تقريب انه كيف المجال لمقربيتها ولترتب المثوبة عليها مع أن الامر الغيري بما هو امر غيري من جهة توصليته لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله ، إذ نقول بان ذلك كله مبني على تخصيص المثوبة والعقوبة والقرب والبعد بموافقة الامر النفسي ومخالفته والا فعلى ما ذكرنا من المدار في استحقاق المثوبة والعقوبة بكونه على عنوان التسليم للمولى وبالفارسي ( فرمانبردارى از مولى وتن زير بار مولى دادن ) فلا جرم يندفع تلك الاشكالات وذلك : اما اشكال ترتب المثوبة فمن جهة تحقق موضوعه وهو عنوان التسليم كما أوضحناه ، واما اشكال المقربية فكذلك أيضا من جهة تحقق القرب حينئذ باتيانها بداعي محبوبيتها ومراديتها للمولى ولو بإرادة غيرية.
    وعلى ذلك لايحتاج في التفصي عن الاشكال إلى الجواب عنه تارة بما أفيد في الكفاية من كشف رجحان نفسي في هذه الطهارات بدعوى ان مقربيتها حينئذ انما هي لكونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية وان الاكتفاء بأمرها الغيري لمكان أنه لايدعو الا إلى ما هو عبادة في نفسه ، وأخرى بكشف عنوان بسيط يكون هو المأمور به كما عن الشيخ بدعوى انه ربما لا تكون تلك الحركات والسكنات محصلة لما هو المقصود منها من العنوان الذي صارت بهذا العنوان مقدمة وموقوفا عليها ، فلابد حينئذ في اتيانها بذلك العنوان من حيلة وهي قصد ذلك الامر المقدمي وذلك أيضا لا من جهة اقتضاء الامر الغيري لذلك بل من جهة الإشارة إلى ذلك العنوان نظرا إلى عدم دعوة هذا الامر الا إلى ما هو الموقوف عليه فالاتيان بالطهارات حينئذ بقصد أمرها كان من جهة احراز العنوان الذي لأجله صارت تلك الحركات والسكنات مقدمة وموقوفا عليها ، كي يورد عليه بما في الكفاية من امكان الإشارة الاجمالية حينئذ إلى ذلك العنوان البسيط بوجه آخر ولو بقصد أمرها وصفا لا غاية وداعيا مع كون الداعي إليها شيئا آخر من شهوة أو غيرها ، وعدم وفائه أيضا بدفع اشكال ترتب المثوبة بلحاظ ان قصد الامر لأجل احراز عنوان المقدمة لا لكون المأمور به مطلوبا على جهة التعبد به غير موجب لاستحقاق المثوبة عليه من جهة ، وثالثة بغير ذلك مما هو مذكور في التقريرات وغيره.
    وبالجملة فهذه الأجوبة كلها كما ترى مبنية على عدم قابلية الأوامر الغيرية من جهة


(329)

توصليتها للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقتها ، والا فعلى ما ذكرنا من قابليتها كالأوامر النفسية لكلا الامرين لايتوجه أصلا هذا الاشكال حتى يحتاج إلى تلك الأجوبة.
    نعم قد يتوجه هنا اشكال آخر على الطهارات ولو مع البناء على قابلية الامر الغيري كالنفسي للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقته وذلك انما هو بتقريب ان الامر الغيري انما يتعلق بالمقدمة فارغا عن كونها مقدمة وموقوفا عليها ، والمقدمة في مثل الوضوء والغسل بعد أن كانت عبادة لابد من عباديتها في رتبة سابقة على الامر حتى يتعلق بها الامر الغيري ، وحينئذ فإذا كانت مقدميتها بما هي عبادة متوقفة خارجا على هذا الامر الغيري يلزم الدور وهو محال. ولكن يدفع هذا الاشكال أيضا بما دفعنا به في مبحث قصد القربة عن كلية العبادات بالالتزام بأمرين يتعلق هذا الامر الغيري بذات الوضوء وذات الغسل باعتبار كونها مما لها الدخل في تحقق ذيها ومما يتوقف عليها وجود الواجب ولو بنحو الضمنية لأنها أيضا مما يلزم من عدمها العدم مع الكشف أيضا عن تعلق امر غيري آخر بوصفها وهو اتيانها بداعي أمرها المتعلق بها ، فإذا اتى المكلف حينئذ بالوضوء في الخارج بداعي امره الغيري يتحقق الوضوء القربى الذي جعل مقدمة للصلاة. وعليه أيضا لايحتاج في الجواب عنه إلى كشف رجحان نفسي في نفس هذه الطهارات كما صنعه في الكفاية كما لايخفى. خصوصا مع ما يرد عليه على مسلكه من عدم اجداء تعدد الرتبة لمحذور اجتماع الحكمين المتماثلين أحدهما الرجحان النفسي القائم بذات المقدمة في رتبة سابقة على الامر الغيري وثانيهما رجحانه الثابت في رتبة متأخرة عن الامر الغيري فتأمل.
    وكيف كان فقد يشكل على التقسيم المزبور بلزوم خروج أكثر الواجبات النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا نظرا إلى غيريتها بحيث لب الإرادة من جهة انتهائها بالآخرة إلى امر واحد هو غرض الاغراض الذي هو في الشرعيات تكميل العباد وقربهم إلى المبدء الاعلى وفى العرفيات استراحة النفس ، كما يتضح ذلك في امرك بشراء اللحم المعلوم كونه لأجل الطبخ الذي هو لغرض الاكل الذي هو لرفع الجوع الذي هو لغرض استراحة النفس ، وهكذا سائر الواجبات العرفية حيث إنها من جهة انتهائها بالآخرة إلى استراحة النفس التي هي غرض الاغراض تكون الإرادة المتعلقة بها إرادة غيرية.


(330)

    وقد تصدى في الكفاية لدفع الاشكال ، وقال ما حاصله : ان الفرق بينهما من جهة الداعي والباعث فإذا كان الداعي والباعث على طلب شيء وارادته المصلحة الكائنة في نفس العمل فالواجب نفسي وان كان فيه أيضا ملاك المقدمية ، واما لو كان الداعي والباعث على طلبه المصلحة المقدمية فالواجب غيري وان كان فيه أيضا مصلحة مستقلة فإنه يخرج حينئذ عن كونه نفسيا ويكون واجبا غيريا. ولكنه كما ترى فإنه لو فرض تصوره في الشرعيات غير جار في الواجبات العرفية المتداولة بين أنفسنا ، وذلك من جهة وضوح ان الداعي والباعث في جميع الواجبات العرفية هو حيث مقدميتها ومن ذلك ترى انه لو أمرت عبدك باتيان الماء فسألك عن انك لأي غرض أمرت باتيان الماء تقول بأنه لغرض الشرب ولو سأل عن ذلك أيضا تقول بأنه أريد الشرب لغرض رفع العطش وهو لغرض استراحة النفس التي هي غرض الاغراض ، وحينئذ فإذا كان لب الإرادة في جميع الواجبات العرفية غيريا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف الحال لهذا التقسيم.
    وقد أجيب أيضا عن الاشكال بان حقيقة الإرادة التشريعية بعد ما كانت عبارة عن إرادة الفعل من الغير يكون الواجب النفسي عبارة عما كان مرادا من المكلف لا لأجل مراد آخر منه ، والواجب الغيري ما كان مرادا لأجل مراد آخر منه أيضا ، فإذا أراد شراء اللحم من زيد لغرض الطبخ فان كان طبخه أيضا مرادا منه يكون ذلك واجبا غيريا وان لم يكن طبخه مرادا منه يكون واجبا نفسيا ، وعليه فمثل الصلاة والصوم والحج ونحوها مما لم يرد من المكلف مصالحها يكون من الواجب النفسي ، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور ، ولكن فيه ان الإرادة التشريعية ليست الا عبارة عن إرادة وجود العمل بما انه فعل اختياري للمكلف وان إضافة نشو كونه منه انما هو من جهة اقتضاء توجيه التكليف بالايجاد إليه ، وذلك أيضا بلحاظ انه من جهة كونه فعلا الاختياري غير قابل للتحقق الا من قبله والا فلايكون المراد بالإرادة التشريعية الا نفس فعل الغير. وعليه نقول : بأنه إذا لايكون الامر بشراء اللحم من جهة مطلوبية الشراء نفسا مع قطع النظر عن الطبخ بل كان ذلك من جهة مقدميته لغرض الطبخ الذي هو لغرض الاكل فلا جرم لا تكون هذه الإرادة الا غيرية ، ومعه يتوجه الاشكال المزبور من لزوم خروج أكثر الواجبات النفسية كما لايخفى.


(331)

    وحينئذ فالأولى في الجواب انما هو بجعل التقسيم المزبور بلحاظ مقام التحميل ومرحلة البعث والا لزام لا بلحاظ لب الإرادة وعليه يكون الواجب الغيري هو الذي امر به لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر ثبت وجوبه بتحميل مستقل ، والواجب النفسي ما لايكون كذلك ، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور في الواجبات النفسية في مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها في الشرعيات ، ومثل شراء اللحم وسقى الماء في العرفيات ، لأنه فيما لما لم يثبت تحميل وايجاب على ما يترتب عليها من الاغراض كان ايجابها ايجابا نفسيا بحسب مقام التحميل ، وان كان غيريا بحسب لب الإرادة على ما عرفت. ولا منافاة أيضا بين غيرية الشيء ومقدميته بحسب لب الإرادة وبين نفسيته بحسب مرحلة التحميل والايجاب ، إذ يمكن ان يكون الشيء مع كونه غيريا بحسب لب الإرادة نفسيا بحسب مقام التحميل. ثم انه مما يشهد على ما ذكرنا أيضا من كون التقسيم بلحاظ مقام التحميل لا بلحاظ لب الإرادة تعريفهم الواجب الغيري بما ذكرنا ، بأنه ما امر به لأجل التوصل إلى وجود واجب آخر لا ما امر به لأجل التوصل به إلى امر آخر ولو لم يرد تحميل بالنسبة إليه ، كما هو واضح.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net