ومن التقسيمات تقسيمها إلى مقدمة الوجود ومقدمة الصحة ومقدمة العلم
فالأولى هي ما يتوقف عليه وجود الشئ. والثانية ما يتوقف عليه صحة الشيء بنحو يستحيل اتصاف الذات بها بدونها. والثالثة ما يتوقف عليه العلم بالشيء كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة. ولكن الظاهر عدم كون مقدمة الصحة قسما برأسه لكونها اما راجعة إلى مقدمة الوجوب أو إلى مقدمة الواجب ، من جهة ان دخل الشيء اما ان يكون في اتصاف الذات بالوصف العنواني واما ان يكون دخله في وجود المتصف فارغا عن أصل الاتصاف فعلى الأول يرجع إلى مقدمة الوجوب وسيأتي إن شاء الله تعالى خروجها عن حريم النزاع وعلى الثاني يرجع إلى مقدمة الواجب. واما مقدمة العلم فقد يقال بخروجها أيضا عن حريم النزاع ، لأنه ليس لنا مورد يكون تحصيل العلم واجبا شرعا حتى ينازع في وجوب مقدماته ، وهو كذلك في غير المعارف الاعتقادية المطلوب فيها المعرفة نفسيا كالعلم بوجود الصانع وصفاته الثبوتية والسلبية ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وعقد القلب والانقياد لهم ، واما في الأحكام الشرعية فالامر كما ذكر من خروج مقدمات العلم عن حريم النزاع بناء على التحقيق من عدم وجوب قصد الوجه والتميز شرعا في الواجبات ، إذ حينئذ لايكون لنا مورد في الأحكام الشرعية كان العلم واجبا شرعا حتى ينازع في وجوب مقدماته. وذلك اما في مقام فراغ الذمة عند العلم الاجمالي بالتكليف فواضح ، لان وجوبه حينئذ لايكون الا عقليا محضا ارشادا منه إلى عدم الوقوع في محذور مخالفة التكليف الثابت المنجز بمقتضى العلم الاجمالي.
(272)
واما وجوب الفحص في الشبهات البدوية الحكمية فكذلك أيضا ، فان وجوبه أيضا لايكون الا عقليا محضا ، اما من جهة عدم تحقق موضوع حكمه بالقبح لاختصاصه بالشك المستقر غير الزائل بالفحص عن وجود التكليف ، أو من جهة منجزية احتمال التكليف للواقع على تقدير وجوده وعدم معذورية المكلف لولا الفحص في رجوعه إلى الأصول النافية ، بل حينئذ لو ورد من الشارع حكم فيه بالوجوب لايكون حكمه الا ارشادا محضا كما هو واضح. ومن ذلك أيضا يظهر الحال فيما ورد من الامر بوجوب التعلم كقوله : ( هلا تعلمت ) فإنه أيضا لايكون الا ارشاديا محضا إلى ما يحكم به العقل من وجوب التعرض للأحكام الصادرة من الشارع والفحص عنها بالمقدار اللازم وعدم جواز الرجوع إلى البراءة والايتوجه الجواب عنه أيضا بأنه : ( ما علمت بوجوب التحصيل العلم بالأحكام الشرعية ) كما أجيب عن عدم العمل بالأحكام الشرعية ، فان انقطاع الجواب حينئذ كاشف عن أن وجوب تحصيل العلم من الارتكازات العقلية ، وعليه فلايكون الامر به الا ارشاديا محضا لا شرعيا مولويا. وهكذا الكلام في بعض الشبهات الموضوعية الواجب فيها الفحص كما في باب الزكاة ومسألة الاختبار عند اشتباه الدم وتردده بين العذرة والحيض ، فان الفحص في الثاني انما هو من جهة العلم الاجمالي حينئذ بإحدى الوظيفتين : اما وجوب الصلاة والصوم عليها أو حرمتها وحرمة الدخول في المسجد ، إذ حينئذ يكون وجوب الفحص أيضا واجبا ارشاديا لا مولويا. واما الفحص في الأول فهو وان كان على خلاف القواعد الجارية في كلية الشبهات الموضوعية ، ولكن نقول بان الامر بالتسبيك حينئذ انما هو من جهة رفع احتمال التكليف نظرا إلى منجزية الاحتمال المزبور حينئذ للواقع وعدم معذورية المكلف حينئذ لولاه في الرجوع إلى الأصول النافية ، كما ذكرنا تحقيق الكلام في ذلك في شبهات البراءة عند التعرض لوجوب الفحص عن الاحكام في صحة الرجوع إلى البراءة ، وعليه أيضا لايكون وجوب الفحص الا ارشاديا محضا. وهكذا الكلام في الأوامر الواردة في الفحص عن الماء غلوة أو غلوتين في جواز التيمم ، فان ذلك أيضا لايكون الا ارشاديا محضا إلى حكم العقل باعتبار حكمه بمقتضي قاعدة الاشتغال بلزوم الفحص لرفع احتمال وجود الماء في الانتقال إلى التيمم.
(273)
وحينئذ فبعد ما لايكون في الشرعيات مورد يكون العلم واجبا شرعيا بالوجوب المولوي ، فلا جرم لايبقى مجال للنزاع في مقدمة العلم والبحث عن وجوبها شرعا. نعم لو بنينا على وجوب نية الوجه والتميز في الواجبات فباعتبار توقف الوجه والتميز على العلم بوجه المأمور به ربما يدخل مقدماته حينئذ في حريم النزاع ، ولكن بعد أن كان التحقيق هو عدم وجوبها شرعا فلا محالة يخرج مقدمات العلم بقول مطلق عن حريم النزاع ، كما لايخفى.
|