متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الأمر الثاني
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الامر الثاني :

    هل المسألة من المسائل الفرعية ، أو هي من المسائل الأصولية العقلية ، أو من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء ، أو من المسائل الكلامية باعتبار رجوعها إلى البحث عن استحقاق المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة ؟ فيه وجوه أبعدها الأخير من جهة وضوح أن المقدمة على القول بوجوبها ليست مما يترتب عليها المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة فان المثوبة والعقوبة كانتا من تبعات موافقة الواجب النفسي ومخالفته لا من تبعات مطلق الواجب ولو غيريا ، وما يرى من استحقاق العقوبة عند ترك المقدمة فإنما هو من جهة تأدية تركها إلى ترك ذيها الذي هو الواجب النفسي لا من جهة انما مما يقتضي مخالفتها في نفسها مع قطع النظر عن ترتب ترك ذيها استحقاق العقوبة عليها ، كما لايخفى. ومعه لا مجال لعد المسألة من المسائل الكلامية ، وحينئذ يدور الامر بين كونها من المسائل الفرعية أو من المسائل الأصولية أو المبادي الاحكامية.
    نعم قد يقال حينئذ بتعين كونها من المسائل الفرعية نظرا إلى ظاهر عنوان البحث وكون المقدمة أيضا فعلا من أفعال المكلف ، فيكون البحث عن وجوبها حينئذ كالبحث عن حكم سائر أفعال المكلف في كونه فرعيا محضا لا أصوليا ، وعليه فكان ذكرها في المقام حينئذ لمحض الاستطراد.
    ولكن فيه أن عنوان البحث وان كان هو البحث عن وجوب المقدمة وعدم وجوبها ولكن المهم المبحوث عنه كما عرفت لما كان ثبوت الملازمة بين حكم شيء بواحد من الأحكام الأربعة وبين حكم مقدماته بلا نظر إلى خصوص الوجوب ، فلا جرم لا تكون من المسائل الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياها في الأصول ، بل عليه تكون المسألة أصولية محضة ، إذ البحث عن الملازمة حينئذ كالبحث عن سائر الأحكام العقلية غير المستقلة فلا ترتبط حينئذ بالمسألة الفرعية.
    ومع الغض عن ذلك والاخذ بظاهر عنوان البحث نقول بعدم ارتباطها أيضا بالمسألة الفرعية لان الملاك في المسألة الفرعية ، على ما يقتضيه الاستقراء في مواردها انما هو


(260)

وحدة الملاك والحكم والموضوع ، فكان المحمول فيها دائما حكما شخصيا متعلقا بموضوع وحداني بملاك خاص كما في مثل الصلاة واجبة في قبال الصوم واجب والحج واجب ، ومثل هذا الملاك غير موجود في المقام فلايكون تعلق الوجوب بعنوان المقدمة من باب تعلق شخص حكم بموضوع وحداني بمناط وحداني خاص ، بل بعد أن كان عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية لا جرم الحكم المحمول على العنوان المزبور يكون حاكيا عن وجوبات متعددة مختلفة شدة وضعفا بموضوعات عديدة بملاكات متعددة ، فكان حال المقدمة حينئذ بعد كون وجوبها بمناط دخلها في ذيها حال كل واجب يترشح إليه الوجوب من جهة دخله في ترتب المصلحة الخاصة عليه ، فيختلف الوجوب فيها حينئذ حقيقة وملاكا باختلاف ما يترتب على المقدمات نظير اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة عليها ، وعليه فلايكون هذا العنوان في المقام حاكيا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاك واحد كما في الصلاة واجبة ، والصوم واجب بل هو يكون حاكيا ومرآة موضوعا ومحمولا عن موضوعات متعددة محكومة بأحكام متعددة بمناطات مختلفة ، ومن المعلوم حينئذ أنه لايكون في البين حينئذ جهة وحدة في البحث المزبور الا حيثية الملازمة التي عرفت كونها محط النظر والبحث ، وعليه لايكاد ارتباطها بالمسألة الفرعية بوجه أصلا ، مضافا إلى ما عرفت أيضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب بل عمومه في مقدمات الحرام والمكروه والمستحب أيضا مع مالها من الاختلاف بحسب المراتب والمناط ، فكان المقام من هذه الجهة من قبيل البحث عن أن فعل المكلف هل يكون محكوما بالأحكام الخمسة أم لا ومعلوم حينئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعية ، كما هو واضح.
    على أنه ينطبق عليه أيضا ميزان المسألة الأصولية ، فان ميزان كون المسألة أصولية كما أفادوه هو ما يكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الفرعي على معنى وقوع نتيجتها كبرى في القياس لصغرى يقيد الحكم الفرعي ، ومثل هذا الميزان ينطبق على المسألة كما في قولك : ( هذه مقدمة الواجب وكل مقدمة الواجب واجبة فهذه واجبة ) كما ينطبق في فرض جعل النزاع في ثبوت الملازمة ، غايته انه على ذلك يحتاج إلى تشكيل قياسين في انتاج الحكم الفرعي ، بخلافه على ظاهر عنوان البحث ، فإنه لايحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد. واما توهم انتقاضه بمثل الشرط المخالف للكتاب والسنة لوقوع نتيجتها أيضا كبرى


(261)

في القياس في قولك : ( هذا شرط مخالف للكتاب وكل ما هو كذلك فاسد فهذا فاسد ) مع وضوح كونها من أجلي المسائل الفرعية ، فيدفعه شخصية الحكم المحمول فيها ، بخلاف الحكم المحمول في المقام على عنوان المقدمية ، ومعه لا وجه لجعل المسألة من المسائل الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياه في الأصول لمحض الاستطراد.
    ثم إن ذلك كله بناء على الاخذ بظاهر عنوان البحث وهو وجوب المقدمة ، والا فبناء على الاخذ بما هو المهم في المقام من ثبوت الملازمة وعدمها فعدم ارتباطها بالمسألة الفرعية أوضح.
    وعلى ذلك فهل هي من المسائل العقلية كالبحث عن غيرها من الملازمات أم هي من المبادئ الاحكامية باعتبار كونها بحثا عن لوازم وجوب الشيء وانه هل من لوازم وجوب الشيء وجوب مقدماته أم لا كالبحث عن أن من لوازم الشيء حرمة ضده ، فيه وجهان : حيث تناسب المسألة كلا منهما ، فإنه بعد فراغ من دلالة الصيغة على الوجوب كما يناسب البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كذلك يناسب البحث عن لوازم وجوب الشيء وان كان الأنسب هو الأول ، وعليه تكون المسألة من المسائل العقلية الأصولية حيث كانت من الاحكام العقلية غير الاستقلالية وكان ذكرها في المقام للمناسبة المزبورة لا انها كانت لفظية كما ربما يظهر من بعض كصاحب المعالم ( قدس سره ) حسب استدلاله على النفي بانتفاء الدلالات ، اللهم الا ان يقال في وجه ذلك : بأنه من جهة كشف الدلالة عن ثبوت الملازمة وعدم الدلالة عن عدم ثبوتها ، بتقريب أنه على فرض الثبوت لا محالة يكون اللفظ دالا عليها بنحو الالتزام فكان البحث حينئذ في دلالة الصيغة على الوجوب وهو بهذا الاعتبار عين البحث عن ثبوت الملازمة بين الإرادتين. ولايخفى أنه على ذلك لايتوجه عليه اشكال الكفاية : بأنه إذا كان نفس الملازمة ثبوتا محل الاشكال لا مجال لتحرير النزاع في مرحلة الكشف والاثبات ومقام الدلالة بإحدى الدلالات ، لان مقام الدلالة فرع ثبوت أصل المعنى. إذ نقول : بان ما أفيد من عدم المجال لا يراد البحث في مقام الدلالة مع الاشكال في أصل ثبوت المعنى انما يتم بالنسبة إلى المدلول المطابقي الذي يمكن فيه تخلف الدلالة واما بالنسبة إلى المدلول الالتزامي فحيث انه لا ينفك ثبوت الملازمة عن دلالة اللفظ عليها بنحو الالتزام فلا يتم هذا الاشكال ، إذ عليه يكون البحث عن دلالة الصيغة عين البحث عين ثبوت الملازمة و


(262)

يستكشف بنحو الان من دلالة الصيغة عن ثبوت الملازمة ومن عدم دلالتها عن عدم ثبوت الملازمة بين المعنيين. نعم يرد عليه حينئذ أن مجرد ثبوت الملازمة بين معنيين ما لم يكن اللزوم بنحو البين بالمعنى الأخص لايرتبط بمقام الدلالة اللفظية حتى تكون المسألة لفظية وداخلة في مباحث الألفاظ ، وعليه ينحصر الامر في المسألة في كونها عقلية محضة وكان ذكرها في مباحث الألفاظ للمناسبة المزبورة ، فتأمل.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net