واما قاعدة الطهارة فيأتي فيها أيضا المحتملات المتصورة في قاعدة الحلية وتقريب الاجزاء فيها أيضا بأحد الامرين : اما بدعوى ترتب الأثر في كبرى الخطاب الواقعي على مطلق الطهارة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية مع الالتزام بأن مفاد
(254)
قاعدة الطهارة اثبات الطهارة الظاهرية الحقيقية ، أو بدعوى كون مفاد القاعدة مع كونها بلسان التنزيل لا بلسان جعل الطهارة الظاهرية هو اثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر بما يعم الطهارة التعبدية التنزيلية أيضا مع الالتزام بظهور الأدلة في خصوص الطهارة الواقعية ، فإنه على هذين التقريبين لا محالة يلزمها الاجزاء وعدم وجوب الإعادة من جهة واجدية المأمور به حينئذ لما هو مصداق الشرط حقيقة ، والا فبناء على فرض اختصاص دليل كبرى الأثر بخصوص الطهارة الواقعية وعدم تكفل القاعدة أيضا أزيد من التعبد بثبوت الطهارة الواقعية في المورد والمعاملة مع المشكوك معاملة الطهارة الواقعية فلا مجال لتوهم الاجزاء فيها بوجه من الوجوه ، من جهة انه بانكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور من حينه فبقى دليل اشتراط الطهارة الواقعية حينئذ على حاله فيقتضي وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه. ولقد عرفت ان التحقيق حينئذ من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير من كون القاعدة ممحضة لمحض اثبات الطهارة تعبدا وتنزيلا بلحاظ المعاملة مع المشكوك معاملة الواقع بلا اقتضائها لا ثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر ولا لا ثبات جعل الطهارة الظاهرية للمشكوك كي يحتاج في صحة التطبيق على شرط المأمور به إلى التصرف في دليل كبرى الأثر بارتكاب خلاف الظاهر فيه ، وذلك لما عرفت آنفا من بعد هذين غاية البعد خصوصا مع استلزامهما لبعض التوالي الفاسدة التي لايمكن الالتزام به من نحو لزوم القول بطهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة حتى بعد انكشاف الخلاف وتبين نجاسة الماء ، وذلك انما هو من جهة انغسال الثوب حينئذ بماء طاهر حقيقي بمقتضى القاعدة وعدم ورود نجاسة عليه بعد ذلك فكان انكشاف الخلاف على هذين المسلكين من قبيل ما لو ورد نجاسة على الماء بعد غسل الثوب به ، فكما ان ورود النجاسة على الماء لايوجب نجاسة الثوب المغسول به في الزمان السابق كذلك انكشاف الخلاف ، فإذا كان الماء بمقتضى القاعدة محكوما بالطهارة الحقيقية وغسل به الثوب المزبور في حال محكوميته بالطهارة يلزمه لا محالة طهارة الثوب بمقتضي ما دل على : ان الثوب النجس إذا غسل بماء طاهر يطهر ، ولازمه عدم مؤثرية انكشاف الخلاف البعدى في زوال الحكم بالطهارة في طرف الثوب ، فيلزمه حينئذ جواز لبسه في الصلاة بعد ذلك على هذين المسلكين وكذا الكلام فيما لو توضأ من الماء المزبور في زمان محكوميته بالطهارة ، فإنه
(255)
على المسلكين المزبورين يلزم القول بجواز الدخول في الصلاة مع ذلك الوضوء حتى بعد انكشاف نجاسة الماء ، وكذا نظائر ذلك ، مع أن ذلك كما ترى لايمكن الالتزام به لاستلزامه تأسيس فقه جديد. وحينئذ كان مثل هذه التوالي الفاسدة مما يكشف بها كشفا قطعيا عن بطلان الوجهين الأولين ومعه يتعين الوجه الأخير ، فإنه على هذا المسلك لايكاد يتوجه شيء من تلك المحاذير ، لان الماء المزبور على هذا المسلك انما كان محكوما بالطهارة تعبدا وتنزيلا ، وحينئذ فبانكشاف الخلاف يرتفع التعبد بالطهارة من حينه وبعد ارتفاعه يبقى دليل شرطية الطهارة الواقعية على حاله ، فيقتضي هذا الدليل بطلان الوضوء المزبور وعدم طهارة الثوب المزبور ، كما يقتضي أيضا وجوب إعادة الصلاة المأتية بذلك الوضوء وفي ذلك الثوب. هذا كله مضافا إلى ما يرد على الوجه الأول أيضا إذ نقول فيه مضافا إلى ما فيه من مخالفته لظاهر الأدلة من الاختصاص بالطهارة الواقعية انه من المستحيل أيضا إرادة الطهارة الواقعية والظاهرية من لفظ واحد في نحو قوله : كل ثوب غسل بماء طاهر فقد طهر ووجهه يظهر بعد ملاحظة طولية المحكيين وهما الحكمان في كون أحدهما في رتبة متأخرة عن الشك بالآخر الموجب لعدم امكان اجتماعهما في لحاظ واحد وامتناع حكاية قوله ( طاهر ) عنهما ، إذ حينئذ في حكايته عن الطهارة الواقعية لم يلحظ الا نفس الحكم الواقعي بخلافه في حكايته عن الطهارة الظاهرية فإنها باعتبار كونها في رتبة متأخرة عن الشك بالواقع يحتاج إلى لحاظ الواقع ولحاظ الشك به أيضا وهو كما ترى ولعل ذلك هو السر أيضا في عدم ذهابهم إلى استفادة التعميم من الأدلة المتكلفة لكبري الأثر كما لايخفى.
|