متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ما استدل به للقول بالتكرار ونقده
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول


    بقى الكلام فيما استدل به للقول بالتكرار وهي أمور :
    منها قوله صلى الله عليه وآله ( إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ) وفيه ما لايخفى ، إذ بعد الغض عما يرد عليه من لزوم تخصيص الأكثر في مثل الصلاة اليومية وصوم شهر رمضان وسائر الواجبات من الصلوات وغيرها ، نقول بأنه ينافي ذلك ما في ذيل تلك الرواية من الظهور بل الصراحة في عدم لزوم التكرار وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب ) الخ (1) فان ما هو المستفاد من هذا الذيل انما هو خلاف ما يقوله القائل بالتكرار كما هو واضح.
    ومنها استدلالهم بمثل الصوم والصلوات اليومية المتكررة في كل سنة ويوم. وفيه ما لايخفى حيث إن تكرر الصلاة في كل يوم والصوم في كل سنة انما هو من جهة اقتضاء قضية الشرط لتعدد الوجود عند تكرره حسب إناطة وجوب الصوم بدخول شهر رمضان وإناطة وجوب الصلاة بدخول الوقت وأين ذلك واقتضاء الامر للتكرار كما لايخفى.
    ومنها ولعله هو العمدة مقايسة باب الأوامر بباب النواهي التي من المعلوم انها للدوام والاستمرار ، بتقريب : انه كما أن قضية اطلاق الهيئة في النواهي هي الدوام والاستمرار بملاحظة اقتضاء اطلاقها لسعة دائرة الطلب وشموله للوجودات العرضية والطولية ومبغوضية الطبيعة بوجودها الساري في جميع الافراد. وتحكيمه على قضية اطلاق المادة فيها في اقتضائه لكون تمام المبغوض هو صرف وجود الطبيعي المتحقق بأول وجود ولو من


1 ـ لم أجد الحديث في مجامع أخبارنا وألفاظه على ما أخرجه في التاج هكذا : « عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أكل عام يا رسول الله فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ، ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه » رواه مسلم والنسائي والترمذي « انتهى » التاج / ج 2 ص 108 ، الباب 2 من كتاب الحج « المصحح ».


(215)

جهة عليه الهيئة لتحقق المادة خارجا ، كذلك في الأوامر أيضا ، حيث إنه بعين هذا التقريب أي تقريب اطلاق الهيئة وتحكيمه على اطلاق المادة يستكشف في الأوامر أيضا عن أن المطلوب فيها هو الطبيعة بوجودها الساري في ضمن جميع الافراد لا صرف وجودها المتحقق بأول وجودها كما هو واضح ، وبذلك يثبت المطلوب الذي هو اقتضاء الامر للتكرار هذا.
    ولكن فيه أيضا ما لايخفى ، إذ نقول : بان ما أفيد وان تم لا ثبات الدوام والاستمرار في باب النواهي الا انه يمنع عن جريان التقريب المزبور في باب الأوامر من جهة وضوح الفرق بين المقامين ، وحاصل الفرق بين المقامين في جريان اطلاق الهيئة وصحة تحكيمه على اطلاق المادة في باب النواهي وعدم جريانها في باب الأوامر هو ان صحة تحكيم اطلاق الهيئة في باب النواهي واستفادة الدوام الاستمرار منه انما هو من جهة عدم ترتب محذور العسر والحرج في الترك على الدوام والاستمرار ، بخلافه في الأوامر فإنه فيها يلزم من تحكيم قضية اطلاق الهيئة على اطلاق المادة محذور العسر والحرج الشديد ، فمن هذه الجهة ربما يمنع مثل هذا المحذور في باب الأوامر عن جريان اطلاق الهيئة فيها والاخذ بها ، ومع عدم جريان الاطلاق فيها لا جرم يبقى اطلاق المادة فيها على حاله سليما عن المزاحم ، ومقتضاه كما عرفت هو كون تمام المطلوب عبارة عن صرف الطبيعي المتحقق بأول وجوده دون الطبيعة السارية ، وعليه فلا مجال للتشبث بمثل هذا البيان أيضا لا ثبات التكرار في الأوامر وان صح ذلك في باب النواهي ، كما هو واضح. (1)
    ثم انه يبقى الكلام حينئذ في بيان الثمرة بين الأقوال المزبورة فنقول : أما الثمرة بين القول بالطبيعة وبين القول بالمرة بمعنى الفرد أو الوجود الواحد فظاهرة فيما لو أتى دفعة


1 ـ أقول ولايخفى عليك انه لا يتم هذا التقريب في باب النواهي أيضا ويظهر وجه من جهة تبعية الهيئة ثبوتا اطلاقا وتقييدا للمادة حسب تقدمها عليها وكيفية قيام المصلحة بها بصرف وجودها أو بوجودها الساري ، إذ حينئذ تكون الهيئة تابعة للمادة ومن شؤونها ، وحينئذ فمع جريان الاطلاق في المادة لايبقى مجال لجريان الاطلاق في طرف الهيئة حتى يقع بينهما التزاحم باعتبار كون قضية اطلاقها حاكما على اطلاقها ، ومعه كيف المجال لدعوى تقديم اطلاق الهيئة على اطلاقها وتحكيمها عليها وان كان الأستاذ دام ظله مصرا بذلك في مقام ابداء الفرق بين الأوامر والنواهي فتأمل. « المؤلف ، قدس سره ».


(216)

واحدة بأفراد متعددة ، فإنه على القول بالطبيعة يقع الامتثال بالمجموع ويكون المجموع امتثالا واحدا ، ولكنه لا بمناط الترجيح بلا مرجح بل بمناط انطباق الطبيعي المأمور به على الجميع باعتبار كونها وجودا لها ، وأما على القول بالمرة فلا يقع الامتثال الا بواحد منها لا بعينه ، هذا إذا لم يؤخذ الفرد مقيدا بعدم الزيادة ، والا فلا يقع الامتثال بواحد منها أصلا ، ولكن الذي يسهل الخطب هو عدم إرادة القائل بالمرة مثل هذا المعنى لما تقدم بان المراد منها إنما هو المرة على نحو اللابشرطية وعليه فيقع الامتثال بواحد منها ويصير الزائد لغوا محضا لا مخلا بأصل الامتثال ، هذا إذا اتى المكلف بأفراد متعددة دفعة واحدة. وأما لو أتى بها دفعات فالثمرة أيضا تظهر من جهة قصد الامتثال بالخصوصية وعدم قصدها فإنه على القول بالطبيعة يقع قصده ذلك تشريعا محرما بخلافه على المرة بمعنى الفرد فإنه حينئذ لابد من قصد الخصوصية ويقع الامتثال به أيضا. نعم على تفسير المرة بالوجود الواحد من الطبيعة لا ثمرة في هذا الفرض بينها وبين الطبيعة بل تختص الثمرة بينهما بالفرض الأول وهو صورة الاتيان بأفراد متعددة دفعة واحدة. هذا كله بناء على تفسير المرة بالفرد أو الوجود الواحد ، واما بناء على تفسيرها بالدفعة كما استظهرناه فلا ثمرة بينها وبين القول بالطبيعة ، ومن ذلك أرجعنا القول بالمرة أيضا إلى القول بالطبيعة هذا كله في الثمرة بين القول بالمرة وبين القول بالطبيعة.
    وأما الثمرة بين الطبيعة وبين القول بالتكرار فعلى تفسيره بالافراد والوجودات فتظهر أيضا في صورة الاتيان بالطبيعة في ضمن فرد واحد فإنه على القول بالطبيعة يتحقق الامتثال ويسقط الامر والتكليف من جهة انطباق الطبيعي على المأتى به بخلافه على القول بالتكرار إذ عليه كان التكليف بعد على حاله فيجب الاتيان ثانيا وثالثا وهكذا ، بل وتظهر الثمرة أيضا عند الاتيان بأفراد متعددة دفعة ، إذ على القول بالطبيعة من جهة انطباق الطبيعي على الجميع يكون المجموع امتثالا واحدا دونه على القول بالتكرار فإنه عليه يكون تلك امتثالات متعددة كما في صورة ايجاد الطبيعة ثانيا وثالثا ورابعا. هذا على التكرار بمعنى الوجودات ، وأما على التكرار بمعنى الدفعات فتظهر عند الايجاد ثانيا وثالثا حيث إنه على التكرار يقع الامتثال بثاني الوجود وثالث الوجود أيضا بخلافه على الطبيعة فإنه عليه يكون ثاني الوجود من الامتثال عقيب الامتثال ، كما يأتي الكلام فيه في مبحث الاجزاء انشاء الله تعالى.


(217)

    واما الثمرة بين القول بالمرة وبين القول بالتكرار فواضحة غير محتاجة إلى البيان.
    بقى شيء وهو انه على التكرار هل يعتبر تعدد الوجود مطلقا حتى في الأمور القابلة للدوام والاستمرار كالقيام والقعود ونحوهما فيجب في تكرر القيام انهدامه ثم قيام آخر كي يتحقق التعدد ؟ أو ان اعتبار تعدد الوجود انما هو الأمور الآنية غير القابلة للدوام والاستمرار كالضرب مثلا والا ففي الأمور القابلة للاستمرار يكفي في تكرارها استمرارها بنحو لايتخلل فصل في البين بان يقصد بها في كل آن امتثال الامر المتعلق بالطبيعة بلا احتياج إلى تخلل فصل في البين ؟ فيه وجهان : مقتضي ظاهر العنوان هو الأول من لزوم تكرر الوجود في صدق التكرار وتحققه حتى في مثل القيام والقعود الذي يتصور فيه القرار والاستمرار ، لكن مقتضي استدلالهم بباب النواهي هو الثاني وهو عدم اعتبار تكرر الوجود ، كما هو ذلك في باب النواهي حيث كان المطلوب فيها هو الدوام والاستمرار. وعليه ربما تظهر الثمرة أيضا بين القول بالتكرار وبين القول بالطبيعة في صورة استمرار القيام من جهة وحدة الامتثال على القول بالطبيعة وتعدده على القول بالتكرار فيما لو قصد كون القيام في كل آن امتثال للامر به كما هو الشأن أيضا في باب النواهي فيما لو ترك شرب الخمر قاصدا كونه في كل آن امتثالا لقوله : لا تشرب الخمر فيكون هذا القيام الشخصي المستمر حينئذ امتثالات متعددة للامر بالقيام ، وهكذا الأمور التدريجية كالحركة والتكلم والقرائة فان حالها حال الأمور القابلة للدوام والاستمرار ، فبناء على القول بالطبيعة يكون مجموع الحركة والتكلم والقرائة من أولها إلى آخرها وجودا واحد للطبيعة ما لم يتخلل فصل في البين فيحتاج في كونه ثاني الوجود إلى طرو فصل في البين بان يتحرك ثم يسكن ثم يتحرك ، وهكذا في التكلم والقرائة فما دام كان مشغولا بالتكلم والقرائة كان ذلك يعد وجودا واحدا للقرائة ولايتحقق ثاني الوجود الا بتخلل سكون في البين بنحو يعد الكلام الثاني وجودا آخر. واما على التكرار على النحو المزبور يتحقق التكرار وتعدد الامتثال بقصده القراءة في كل آن امتثالا للامر بها. نعم لو كان الامر متعلقا لا بعنوان القراءة بقول مطلق بل بعنوان قرائة الحمد مثلا ففي ذلك يكون تحقق الطبيعة بمجرد الفراغ عن الحمد ولو لم يقطع قرائته بل اتصل قرائته بقرائة حمد آخر وحينئذ فيكون الحمد الثاني الذي اشتغل به بدون تخلل فصل وسكون من ثاني الوجود للطبيعة ويكون من باب الامتثال عقيب الامتثال كما هو واضح.


(218)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net