متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة السابعة : في المرة والتكرار
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

الجهة السابعة

    هل الصيغة تقتضي المرة أو التكرار أو لا تقتضي الا صرف وجود الطبيعي الذي يتحقق بأول وجوده ؟ فيه وجوه وأقوال : أقواها الأخير كما ستعرف.
    وقبل الخوض في المرام ينبغي تعيين المراد من القول بالمرة والتكرار ، حيث إن فيها وجوها ثلاثة :


(211)

    الأول : ان يكون المراد من المرة هو الفرد فيقابلها التكرار بمعنى الافراد.
    الثاني : ان يكون المراد منها الوجود الواحد وفي قبالها التكرار بمعنى الوجودات ، والفرق بينهما هو انه على الأول يكون الفرد بخصوصية الفردية تحت الطلب والامر بخلافه على الثاني فإنه عليه يكون مطلوبية الفرد بما أنه وجود للطبيعي فتكون خصوصية الفردية خارجة عن دائرة الطلب ، وربما يثمر ذلك في مقام الامتثال عند الاتيان بالفرد بقصد الخصوصية لا بما انه وجود الطبيعي ، حيث إنه على الأول يقع الامتثال بالخصوصية بخلافه على الثاني ، فإنه علاوة عن عدم تحقق الامتثال بالخصوصية ربما صدق التشريع المحرم أيضا في قصده الخصوصية نظرا إلى ما هو المفروض من خروج الخصوصية عن دائرة الطلب والامر ، كما هو واضح.
    الثالث : ان يكون المراد من المرة الدفعة ومن التكرار ما يقابلها وهو الدفعات والفرق بين ذلك والوجهين المتقدمين واضح ، إذ على هذا المعنى ربما يتحقق الامتثال بالمتعدد فيما لو أوجد دفعة افرادا متعددة فإنه حينئذ يتحقق الامتثال بالمجموع ، بخلافه على المرة بمعنى الفرد أو الوجود الواحد فإنه عليهما يقع الامتثال بواحد منها. وحينئذ فهذه محتملات ثلاثة في المراد من المرة والتكرار.
    ولكن الاحتمال الأول بعيد غايته عن مصب كلماتهم بقرينة النزاع الآتي في تعلق الامر بالطبيعة أو الفرد ، فإنه لو كان المراد من المرة في المقام هو الفرد لكان اللازم هو ذكرهم ذلك في طي المقام الآتي : في أنه بعد فرض تعلق الامر بالفرد لا بالطبيعة فهل الامر يدل على فرد واحد أو على افراد متعددة ؟ لا جعلهم ذلك بحثا مستقلا في قبال البحث الآتي ، وحينئذ فنفس تعرضهم لهذا البحث مستقلا في قبال البحث الآتي قرينة قطعية على عدم ارادتهم من المرة في المقام الفرد والافراد ، كما هو واضح. وحينئذ فيدور الامر بين الوجهين الآخرين ، وعند ذلك ربما كان المتعين منهما هو الأخير نظرا إلى كونه هو المنساق منها في الذهن عند العرف ، ومن ذلك لو أتى بالماء مثلا في ظروف متعددة دفعة واحدة لايقال : بأنه أتى بالماء مرات أو أتى به متكررا ، بل يقال : انه أتى بالماء مرة واحدة. هكذا أفاده الأستاذ. ولكن أقول : بان عدم صدق التكرار والمرات في المثال انما هو باعتبار اضافته إلى الاتيان لا بلحاظ اضافته إلى المأتي به وهو الماء ، فحيث ان الاتيان لم يكن الا اتيانا واحدا أضيف إليه المرة فقيل : بأنه أتى بالماء مرة واحدة ، والا


(212)

فباعتبار اضافتها إلى نفس المأتى به وهو الماء ربما يصدق عليه التكرار في المثال المزبور ، كما هو واضح.
    وكيف كان فهل المراد من المرة على كلا المعنيين بمعنى الدفعة أو الوجود هو المرة بنحو بشرط لا عن الزيادة في مرحلة الوجود الخارجي ؟ أو المرة بنحو لا بشرط على معنى وقوع الامتثال بواحد من الوجودات وبأول وجود على المرة بمعنى الدفعة وصيرورة الزائد لغوا فيه وجهان : أظهر هما الثاني على ما يستفاد من كلماتهم ، فان ظاهر هم انما هو على صيرورة الزائد على المرة ( بأي معنى فرضناها ) لغوا محضا ، في قبال القائل بالتكرار الذي يقول بتحقق الامتثال بالزائد أيضا لا انه كان مخلا أيضا بالامتثال بالنسبة إلى أول وجود ، كما هو واضح ، هذا بالنسبة إلى القول بالمرة. واما القول بالتكرار فيحتمل فيه أيضا وجهان ، فإنه على المعنيين من الوجودات أو الدفعات تارة يراد تكرر الوجود بنحو الارتباط كما في العام المجموعي ، وأخرى يراد تكرره بنحو الاستقلال والسريان على نحو كان كل فرد ووجود موردا لتكليف مستقل كما نظيره في العام الاستغراقي ، والفرق بينهما واضح مثل الفرق بينهما والطبيعة الصرفة ، فإنه على الثاني يكون كل فرد وكل وجود موردا لتكليف مستقل حسب انحلال التكليف المتعلق بالطبيعة ويكون لكل واحد منها امتثال مستقل غير مرتبط بامتثال الآخر ، بخلافه على الأول فإنه عليه وان لو حظ الطبيعي بنحو السريان في ضمن الافراد الا انه بنحو كان المجموع موضوعا وحدانيا في مقام تعلق الطلب والامر ، فمن هذه الجهة لايكاد تحقق الامتثال الا باتيان الطبيعي خارجا متكررا ولايكاد يكون لاتيان المجموع الا امتثال واحد ولا على مخالفتها الأعقاب واحد ، كما هو واضح.
    وبعد ما عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنا بصدده من المختار في المسألة ، فنقول : قد عرفت في صدر البحث ان المختار من الوجوه الثلاثة هو الوجه الأخير من عدم دلالة الصيغة الا على صرف الطبيعي المتحقق بأول وجود بلا اقتضائها للمرة أو التكرار بوجه أصلا ، كيف وان المادة فيها حسب وضعها النوعي على ما تقدم من انحلال أوضاع المشتقات مادة وهيئة لاتدل الا على صرف الطبيعي ، كما هو ذلك أيضا في ساير الصيغ من المصدر وغيره ، إذ حينئذ من انتفاء دلالة المادة فيها على المرة أو التكرار يستكشف


(213)

انتفائها أيضا في الصيغة. ولعله إلى ذلك أيضا نظر الفصول في انكاره دلالة الصيغة على المرة والتكرار بانتفائها في ناحية المصدر المجرد عن اللام والتنوين باجماع من علماء الأدب ، فكان تمام نظره في النقض بمثل المصدر المجرد عن اللام والتنوين إلى تلك المادة المأخوذة فيه التي هي جهة مشتركة سارية فيه وفي سائر الصيغ من الماضي والمضارع وغيرهما ، لا ان نظره إلى أن المصدر هو الأصل والمادة لسائر المشتقات كي يتوجه عليه اشكال الكفاية : بان المصدر ليس أصلا ومادة لسائر المشتقات بل يكون صيغة مثلها وفي قبالها ، فلا يلزم حينئذ من عدم دلالة المصدر المجرد عليهما عدم دلالة الصيغة أيضا عليهما. نعم لو قيل بعدم انحلال الوضع في المشتقات إلى وضعين : وضع المادة المشتركة في الجميع وضعا نوعيا ووضع الهيئة في كل واحدة من الصيغ وضعا شخصيا وان الوضع في كل واحدة من الصيغ من قبيل الوضع في الجوامد في كون كل واحد منها مادة وهيئة موضوعا لمعنى خاص ، لأمكن المجال لما في الكفاية من المناقشة بان عدم دلالة المصدر على المرة والتكرار لايقتضي عدم دلالة الصيغة عليهما ، ولكن الكلام حينئذ في أصل هذا المبني فإنه خلاف ما عليه المحققون في أوضاع المشتقات ، إذ بنائهم فيها على انحلال الوضع فيها إلى وضعين : وضع نوعي للمادة السارية فيها ووضع شخصي لكل واحدة من الهيئات الخاصة ، وعلى ذلك فيتجه الاستدلال لعدم دلالة المبدء في الصيغة على المرة والتكرار بانتفائها في طرف المصدر المجرد عن اللام والتنوين ، كما هو واضح.
    وحينئذ فبعد ما ظهر من عدم دلالة المادة على أحد الامرين في الصيغة فلا جرم يبقى الكلام فيها في الهيئة وهي أيضا كما عرفت غير مرة لاتدل الا على طلب ايجاد الطبيعة أو النسبة الارسالية الملازمة لطلب الطبيعة فلايكون فيها أيضا اقتضاء المرة أو التكرار بوجه أصلا ، كما لايخفى. واما ما يرى من الاكتفاء بالمرة والفرد الواحد فإنما هو من جهة تحقق صرف الوجود بأول وجوده وتحقق الامتثال بذلك لا من جهة ان الامر يقتضي المرة كما هو واضح. كما أن تحقق الامتثال باتيان أفراد عرضية دفعة انما هو من جهة انطباق الطبيعي المأمور به على الجميع كانطباقه في الأول على وجود واحد لا من جهة اقتضاء الامر للتكرار كما توهم.
    ومن ذلك البيان ربما أمكن ارجاع القول بالمرة أيضا إلى القول بالطبيعة الذي هو المشهور نظرا إلى سقوط الامر عن الطبيعة وتحقق الامتثال بايجاد المأمور به دفعة ولو في


(214)

ضمن فرد واحد وعدم المقتضى بعد للامتثال باتيان ثاني الوجود وثالثه ، كما هو واضح فتدبر.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net