الجهة السادسة
إذا ورد أمر عقيب الحظر أو توهمه ، فهل هو ظاهر في الوجوب ؟ كما لو لم يكن في البين حظر ولا توهمه ، أو لا ؟ وعلى الثاني فهل هو ظاهر في الاستحباب ؟ أو في الإباحة ؟ كما ينسب إلى المشهور ، أو انه تابع لما قبل النهى لو علق الامر على زوال علة النهى ؟ أو مطلقا ؟ وجوه بل أقوال. والظاهر أن مورد النزاع ومحل الكلام بينهم انما هو في مورد كان متعلق الامر بعينه هو المتعلق للنهي من حيث العموم والخصوص كما في قوله : لاتكرم النحويين ، أو لاتكرم زيدا ، وقوله بعد ذلك : أكرم النحويين ، أو أكرم زيدا ، والا فمع اختلاف متعلق الأمر والنهي من جهة العموم والخصوص كان خارجا عن موضوع هذا النزاع نظير قوله : لاتكرم النحويين ، وقوله : أكرم الكوفيين منهم ، فإنه في مثله لابد من التخصيص أو التقييد الكاشف عن عدم تعلق النهى بالخاص من أول الامر ، كما يشهد لذلك بناء العرف في نحو ذلك بحمل العام والمطلق فيها على الخاص والمقيد. وحينئذ فبعد أن اتضح مورد النزاع بينهم ، نقول : بأنه ان بنينا على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد العقلائي فلا شبهة في أن لازمه هو الحمل على الوجوب ما لم يكن
(210)
في البين قرينة قطعية على الخلاف ، حيث إن مجرد وقوعه عقيب الحظر أو توهمه لايمنع عن الحمل على الحقيقة ، وأما لو بنينا على حجيتها من باب الظهور التصديقي كما هو التحقيق ففي ذلك لا مجال للحمل على الوجوب ، لأنه بمحض اقترانه بما تصلح للقرينية ينتفي ظهوره فيما كان ظاهرا فيه ، فلا يبقى له ظهور في الوجوب بل ولا في الاستحباب أيضا بحيث لو قام بعد ذلك دليل على الخلاف يحكم بالمعارضة بينهما ، ضرورة انه بعد ارتفاع ظهوره في الوجوب لا مقتضي في تعين ظهوره في غيره من الاستحباب أو الإباحة بالمعنى الأخص بل هو يصير حينئذ مجملا من تلك الجهة غير ظاهر في شيء مما ذكر الا مع قيام القرينة في البين على إرادة الندب أو الإباحة أو على حكم ما قبل النهى ، والا فمع خلو المقام عن القرينة لايكون فيه ظهور لا في الوجوب ولا في الندب ولا في الإباحة بالمعنى الأخص ، نعم يستفاد من هذا الامر عدم الحرج في الفعل واباحته بالمعنى الأعم الذي هو جامع بين الوجوب والندب والإباحة بالمعنى الأخص ، ومن ذلك يحتاج في تعيين إحدى الخصوصيات إلى ملاحظة خصوصيات الموارد وقيام القرينة على التعيين. نعم يمكن ان يقال باستفادة الاستحباب في خصوص العبادات نظرا إلى إلى اقتضاء الامر فيها لمحبوبية المتعلق ورجحانه ، إذ حينئذ بعد ارتفاع ظهوره في الوجوب من جهة وقوعه عقيب الحظر أو توهمه يمكن الحكم باستحبابه نظرا إلى قضية ظهوره في محبوبية المتعلق ورجحانه ، ففي الحقيقة استفادة الاستحباب حينئذ في العبادات انما هو لمناسبة خصوصية المورد لا من جهة ظهور الامر في الاستحباب بعد ارتفاع ظهوره في الوجوب ، كما هو واضح. ثم انه مما ذكرنا ظهر لك حال النهى الواقع عقيب الوجوب أو توهمه ، حيث نقول فيه أيضا بعدم ظهوره لا في الحرمة ولا في الكراهة.
|