متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الثاني : فيما يتعلق بصيغة الامر دلالة الصيغة على الوجوب، الجهة الأولى : في بيان مدلول صيغة الامر
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
المبحث الثاني

 

    فيما يتعلق بصيغة الامر وفيه أيضا جهات من البحث.

الجهة الأولى : في بيان مدلول صيغة الامر

    فنقول : انهم ذكروا لصيغة الامر معاني متعددة : منها الطلب. ومنها الترجي والتمني كما في قول الشاعر :

الا يا أيها الليل الطويل الا انجلى

بصبح وما الاصباح منك بأمثل

    ومنها التهديد كقوله سبحانه : « اعملوا ما شئتم » (1). ومنها الانذار ومنه قوله تعالى : « قل تمتع بكفرك قليلا » (2) ، « وتمتعوا في داركم ثلاثة أيام » (3). ومنها التسخير والإهانة والتسوية كقوله سبحانه : « كونوا قردة خاسئين » (4) ، وقوله تعالى : « اخسئوا فيها ولا تكلمون » (5) ، وقوله عز من قائل : « فاصبروا أو لا تصبروا » (6). ومنها غير ذلك من المعاني الاخر كالاستعانة والتكذيب والمشورة والتعجب ونحوها مما هو مذكور في المطولات.
    ولكن التحقيق خلافه وأنه لايكون دلالة للصيغة بنفسها على شيء من المعاني المزبورة ما عدا المعنى الأول وهو الطلب ، بل ولا كانت الصيغة مستعملة في شيء منها بوجه أصلا ، بل ما هو مدلول الصيغة لايكون الا معنى وحدانيا وهو الطلب الانشائي أو


1 ـ سورة فصلت ، الآية 40.
2 ـ سورة الزمر ، الآية 8.
3 ـ سورة هود ، الآية 65.
4 ـ سورة الأعراف ، الآية 166.
5 ـ سورة المؤمنون ، الآية 108.
6 ـ سورة الطور ، الآية 16.


(178)

النسبة الارسالية كما سنحققه وان استفادة تلك المعاني في الموارد المزبورة انما هي من جهة القرائن الخارجية المقتضية لها لا من جهة ان الصيغة قد استعملت فيها ، كما هو واضح. ولقد أجاد في الكفاية وجاء بما فوق المراد في تحقيق وحدة المعنى وتفرده بلا مدخلية لتلك المعاني فيما يستعمل فيه اللفظ ، فان تلك على ما أفاده هو ( قدس سره ) من الدواعي من حيث كون الداعي على الاستعمال تارة هو التهديد وأخرى الانذار وثالثة التمني ورابعة التعجيز وخامسة غير ذلك ، ومن البداهة ان ذلك غير الاستعمال فيها ولو مجازا ، كما هو واضح.
    نعم انما الكلام حينئذ في كيفية دلالتها على الطلب وانها هل هي موضوعة للطلب أي الانشائي الايقاعي منه كما عليه الكفاية ؟ أو انها موضوعة للنسبة الارسالية الايقاعية وان دلالتها على الطلب انما هي من جهة الملازمة ؟ كما سنبينها إن شاء الله.
    ولكن الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني ، ووجهه يظهر مما تقدم في مبحث المشتق من انحلال الوضع في المشتقات بأسرها من المصادر والافعال وأسماء الفاعلين والمفعولين ونحوها إلى وضعين : وضع المادة ووضع الهيئة ، إذ عليه نقول : بان صيغة اضرب مثلا لما كانت مشتملة على مادة وهيئة خاصة فمادتها تدل حسب الوضع النوعي على نفس الحدث واما هيئتها الخاصة فهي أيضا لاتدل الا على النسبة الارسالية والمحركية بين المبدء والفاعل ، لكن لا مفهوم هذه النسبة لأنه معنى اسمي ، بل مصداقه وصورة ذلك الربط الخاص الحاصل من تحريك المأمور نحو العمل على طبق الارسال الخارجي ، وحينئذ فلايكون المستعمل فيه في الصيغة الا النسبة الارسالية لا مفهوم الطلب كما عليه الكفاية ( قدس سره ) وعليه فلابد وأن يكون دلالتها على الطلب من جهة الملازمة خاصة الناشي هذا التلازم من جهة كون المتكلم في مقام الجد بالارسال ، إذ حينئذ ينتقل الذهن من تلك النسبة الارسالية إلى مفهوم الطلب بانتقال تصوري ، ففي الحقيقة منشأ هذا التلازم انما هو التلازم الخارجي بين منشئيهما وهما البعث والارسال الخارجي والإرادة الخارجية وعدم انفكاك أحد الامرين عن الآخر ، وحينئذ فحيث ان اللفظ كان وجها للمفهوم وكان المفهوم وجها لمنشأه وكان بين المنشأين وهما البعث والارسال الخارجي والإرادة الحقيقية ملازمة في مرحلة الخارج فينتقل الذهن عند تصور أحد المفهومين من جهة كونه وجها لمنشئه إلى مفهوم الآخر كذلك ( يعني من حيث كونه أيضا وجها لمنشئه ) بانتقال


(179)

تصوري ولو لم يكن للمنشأ وجود في الخارج أصلا بل كان المنشأ مما يقطع بعدم وجوده خارجا ، نعم في مقام التصديق لابد من احراز كون المتكلم في مقام الجد بالارسال ولو بالأصل ليحرز به وجود الإرادة وتحققها فيصدق عليه الطلب والامر حقيقة. فعلى ذلك فدلالة الصيغة على الطلب انما هي باعتبار كونه من لوازم ما هو المدلول لا انها من جهة كونه بنفسه هو المدلول للصيغة ، وبين الامرين بون بعيد.
    نعم جعل الطلب مدلولا بنفسه للصيغة يتم على مسلك الكفاية ( قدس سره ) في المعاني الحرفية من وحدة المعنى والموضوع له في الحروف والأسماء وجعل الفارق بينهما بلحاظ الآلية والاستقلالية ، والا فبناء على تغاير المعنى والموضوع له فيهما كما سلكناه بجعل معاني الحروف والهيئات النسب والإضافات الخاصة المتقومة بالطرفين لا محيص من دعوى ان المدلول في الصيغة هو النسبة الارسالية الايقاعية ، وعليه فكان دلالتها على الطلب باعتبار كونه من لوازم المدلول كما شرحناه لا من جهة كونه هو المدلول لها كما لايخفى. نعم في مقام التصديق كما ذكرناه يحتاج في صدق الامر الحقيقي إلى احراز كون المتكلم في مقام الجد بالارسال ولو بالأصل : وهو أصالة كون المتكلم في مقام الجد بالارسال وكون الداعي عليه هو الإرادة الحقيقة للفعل دون غيرها من الدواعي ، كما هو واضح.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net