الامر السابع
{ في الحقيقة والمجاز }
وتعرف الحقيقة بأمور : منها : تنصيص الواضع بقوله : اني قد وضعت اللفظ الكذائي لمعنى كذائي ولا اشكال في ثبوت الوضع ولكن الكلام في فرض ثبوت صغراه حيث لايكاد حصول العلم بذلك خصوصا بالنسبة إلينا. ومنها : تنصيص أهل اللغة حيث كانوا هم المرجع في تعيين الأوضاع ويقبل قولهم فيما قالوا اما من جهة كونهم من أهل الخبرة ، أو من جهة الشهادة ، أو الانسداد. ولكن الاشكال فيه أيضا من جهة عدم ثبوته نظرا إلى عدم كونهم بصدد تعيين الأوضاع حتى يثبت الوضع بقولهم بل وانما هم بصدد تعيين ما يستعمل فيه اللفظ ومن الواضح انه بمثل ذلك لايكاد يثبت الوضع نظرا إلى أعمية الاستعمال من الحقيقة ، كما هو واضح. ومنها : التبادر وهو انسباق المعنى إلى الذهن من نفس اللفظ وحاقه عند سماعه بلا كونه لقرينة حالية أو مقالية ، ولا اشكال أيضا في ثبوت الوضع بذلك حيث إنه كان امارة على كون المعنى المنساق في الذهن من اللفظ معناه الحقيقي الموضوع له. نعم قد يورد عليه باستلزامه محذور الدور الباطل من جهة توقف التبادر والانسباق على العلم بالوضع ـ من جهة انه لولاه لايكاد تبادر المعنى من نفس اللفظ وحاقه وتوقف العلم بالوضع وكون المعنى المنساق هو المعنى الحقيقي على التبادر فيدور. وبعين هذا التقريب أورد هذا الاشكال على الشكل الأول بان العلم بالنتيجة يتوقف على العلم بكلية الكبرى وتوقف العلم بكلية الكبرى على العلم بالنتيجة. وقد أجيب عنه في المقامين بالاجمال والتفصيل بان العلم الذي يتوقف التبادر عليه انما هو العلم الاجمالي الارتكازي ، والعلم الذي يتوقف على التبادر هو العلم التفصيلي ، فان الانسان بحسب ماله من الارتكاز يتبادر المعنى في ذهنه من اللفظ وبالتبادر يلتفت تفصيلا بان المعنى المنساق هو المعنى الحقيقي وحينئذ فيرتفع الدور المزبور باختلاف العلمين وكون الموقوف على التبادر غير الموقوف
(67)
عليه التبادر. هذا إذا أريد تبادر المعنى عند شخص المستعلم الذي هو جاهل بالأوضاع ، واما لو أريد بالتبادر تبادر المعنى عند أهل المحاورة فالامر أوضح ، حيث لايكاد مجال لتوهم الاشكال المزبور حتى يحتاج إلى الجواب عنه بالاجمال والتفصيل إذ عليه يكون ما يتوقف على التبادر هو علم المستعلم الجاهل بالأوضاع وما يتوقف التبادر عليه هو علم أهل المحاورة فيكون الموقوف عليه غير الموقوف عليه. نعم قد يورد على التبادر اشكال آخر ، وحاصله ان مجرد تبادر المعنى ولو من حاق اللفظ غير موجب لكونه كذلك في زمن صدور الاخبار عن الأئمة عليهم السلام حتى يحمل عليه ما ورد عنهم في مقام الاستنباط فان من المحتمل حينئذ كون المعنى المتبادر من اللفظ حين صدوره في ذلك الزمان شيئا آخر غير ما هو المتبادر عندنا الآن ، ومع هذا الاحتمال لايكاد يجدي هذا التبادر في مقام الاستنباط أصلا الا إذا انضم إليه امر آخر وهو أصالة عدم النقل المعبر عنها بأصالة تشابه الأزمان كي يثبت بها كون المعنى المتبادر في سابق الزمان أيضا هو المعنى المتبادر عندنا. ولكن فيه انه وان كان الامر كذلك ولكنه نقول بأنه لا مانع من اجراء الأصل المزبور بعد كونه من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم كما في أصالة عدم القرينة وأصالة عدم التخصيص والتقييد ، إذ لولا تلك الأصول العقلائية لانهدم أساس الاستنباط في المسائل الشرعية ، وحينئذ فبعد تبادر المعنى من اللفظ يحمل عليه اللفظ الصادر ويحكم بمعونة الأصل المزبور بكونه كذلك في زمن صدوره أيضا. ومنها عدم صحة السلب المعبر عنه بصحة الحمل أيضا فإنه قيل بكونه مما يثبت به الوضع أيضا لكونه علامة ان المعنى هو المعنى الحقيقي. وفي قباله صحة سلب المعنى بقول مطلق فإنه أيضا من علائم المجاز ، فهما علامتان حينئذ للحقيقة والمجاز. وقد أورد عليه بما أورد على التبادر باستلزامه الدور المحال ، ولكن الجواب هناك حرفا بحرف وكلمة بكلمة. نعم هنا اشكال آخر وحاصله هو منع كون مجرد صحة العمل من علائم الحقيقة كما في استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء والملزوم في اللازم فإنه نرى صحة الحمل في تلك الموارد كقولك الانسان ناطق والانسان ضاحك وكاتب وهكذا مع أنه لا شبهة في كونه مجازا حيث لايصح استعمال اللفظ الموضوع لاحد المفهومين في المفهوم الآخر على
(68)
الحقيقة. بل ومن ذلك ظهر الحال في موارد الحمل الذاتي كقولك الانسان حيوان ناطق حيث إنهما مع كونهما متحدين ذاتا ووجودا خارجا ، لايصح استعمال أحدهما في الآخر نظرا إلى ما بين المفهومين من التغاير وكونه في أحدهما بسيطا وفى الآخر مركبا. وبالجملة نقول بان المدار في الحقيقة وصحة الاستعمال انما هو على وحدة المفهوم منهما كما في الانسان والبشر ، وصحة الحمل ولو بالحمل الذاتي فضلا عن الشايع الصناعي الذي مداره الاتحاد في الوجود لاتقتضي وحدة المفهوم الموجبة لصحة استعمال أحد اللفظين في الآخر بنحو الحقيقة لأنه يكفي في صحة الحمل مجرد الاتحاد وجودا أو ذاتا وان اختلفا في حدود المفهوم ، وعليه فلايكون مجرد عدم صحة السلب وصحة الحمل من علائم الحقيقة بقول مطلق وكاشفا عن وحدة المفهوم كما هو واضح. نعم صحة السلب بقول مطلق من علائم المجاز من جهة كشفه حينئذ عن اختلاف المفهومين وعدم اتحادهما كما هو واضح. ولذلك أيضا ترى خلو كلمات السابقين عن ذلك حيث إنهم جعلوا صحة السلب بقول مطلق من امارات المجاز وما تعرضوا لصحة الحمل وعدم صحة السلب في جعله في عداد امارات الحقيقة. ومنها الاطراد في استعمال بلا معونة قرينة في البين حالية أو مقالية ، ولا اشكال ظاهرا أيضا في كونه من علائم الحقيقة كما كان عدم الاطراد كذلك من علائم المجاز فإنه بعد أن يرى اطراد استعمال لفظ في مقامات متعددة في معنى وانه في جميع تلك الموارد ينسبق منه معنى واحد يقطع عادة بان الانسباق المعهود في تلك الموارد كان من نفس اللفظ وحاقه لا انه كان من جهة قرينة مخفية في البين أو مناسبة طبيعية ، ففي الحقيقة يكون الاطراد من قبيل السراج على السراج حيث إنه كان طريقا إلى التبادر الحاقي الذي هو طريق إلى الحقيقة ، وعلى كل حال فلا اشكال في كونه علامة الحقيقة ومما يثبت به الوضع ولو باعتبار كونه طريقا على الطريق ، غير أن الكلام فيه في تشخيص موارد الاستعمالات بأنها كانت من جهة القرائن الخاصة والمناسبات الطبيعية أم لا. ثم إن اشكال الدور الوارد في التبادر غير جار في الاطراد كي يحتاج إلى الجواب عنه بما عرفت من الاجمال والتفصيل بداهة عدم توقف الاطراد على العلم بالوضع ولو اجمالا أصلا.
(69)
|