الامر الرابع
{ هل الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة }
هل الألفاظ موضوعه للمعاني المرادة للافظها أو انها موضوعة لذات معانيها من حيث هي مع قطع النظر عن كونها مرادة أو غير مرادة ؟ فيه وجهان بل قولان : أولهما منسوب إلى العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي الخواجة نصير الدين ( قدهما ) بان الدلالة تتبع الإرادة ، ولعل وجه استفادة ذلك من كلامهما انما هو من جهة الملازمة بين تبعية الدلالة تتبع الدلالة للإرادة وبين كون الموضوع له المعنى المقيد بكونه مرادا ، بتقريب ان طرف العلقة الخاصة بعد أن كان هو المعنى المراد فقهرا يلزمه ان يكون الدلالة الحاصلة من العلقة المزبورة أيضا تابعة للإرادة. وهذا بخلاف ما لو كان المعنى والموضوع له ذات المعنى مجردا عن حيثية الإرادة فإنه عليه لايبقى مجال للتبعية المزبورة الا إذا أريد التبعية في مقام الاثبات والكشف عن الواقع وكان المراد من الدلالة هي الدلالة التصديقية. ولكن التحقيق هو الثاني من وضع الألفاظ لذات المعاني من حيث هل بل وامتناع وضعهما للمعاني المرادة ، وذلك لوضوح ان الإرادة سواء أريد بها اللحاظ المقوم للاستعمال ، أو إرادة تفهيم المعنى ، أو إرادة الحكم في مقام الجد انما هي من الأمور المتأخرة رتبة عن المعنى فيستحيل حينئذ اخذها قيدا في ناحية المعنى والموضوع له ، فلا محيص حينئذ من تجريد المعنى والموضوع له عن الإرادة مطلقا سواء بمعناها المقوم للاستعمال أعني اللحاظ أو بمعنى إرادة التفهيم أو الحكم والمصير إلى أن الموضوع له في الألفاظ عبارة عن ذات المعنى بما هي عارية عن خصوصية كونها ملحوظة باللحاظ الاستعمال أو مرادة بإرادة
(64)
التفهيم أو الحكم ، ومعه يبطل القول بوضعها للمعنى المراد كما هو واضح. نعم لهذا الكلام مجال فيما لو أريد وضعها للمعاني المقرونة بكونها مرادة على نحو القضية الحينية لا التقيدية حتى يتوجه الاشكال المزبور ، وذلك أيضا بالتقريب الذي ذكرناه سابقا في شرح مرام الكفاية في وجه عدم صحة استعمال الحروف مكان الأسماء ، بان يقال في المقام أيضا بان الداعي والغرض من الوضع بعد أن كان هو تفهيم المعنى والمقصود باللفظ وكان التفهيم أيضا ملازما مع إرادة المعنى حين القاء اللفظ فلا جرم يقتضى هذا الضيق تضيقا في دائرة وضعه وبتبعه أيضا يتضيق موضوع وضعه بنحو يخرج عماله من سعة الاطلاق الشامل لحال عدم الإرادة فيختص المعنى والموضوع له حينئذ بحال إرادة المعنى أي لحاظه أو إرادة التفهيم أو الحكم وان لم يكن مقيدا بها ، إذ على هذا التقريب يسلم القول المزبور عن الاشكال المذكور حيث لا محذور يرد عليه ثبوتا. ولكنه فرع اثبات ان الغرض من الوضع انما هو تفهيم المعنى ، والا فبناء على المنع عن ذلك كما هو الأقوى من دعوى ان الغرض من الوضع انما هو مجرد جعل العلقة بين اللفظ ومعناه بنحو ينتقل الذهن عند سماعه بانتقال تصوري إلى معناه ولو كان صدوره من خرق الهوى أو من شيء آخر فلا يتم ذلك كما هو واضح. كيف وانه لولا ذلك لما كان وجه لاحتياجهم في الدلالة التصديقية في استفادة إرادة المتكلم للمعنى إلى ضم مقدمات الحكم من مثل كون المتكلم في مقام الإفادة ، إذ لو كان ذلك بمقتضى الوضع يكفيه نفس وضع الواضع كما في الحمل على المعنى الحقيقي ولايحتاج إلى ضم مقدمة خارجية ، مع أنه خلاف ما تسالموا عليه من اشتراط كون المتكلم في مقام الإفادة في استفادة إرادة المعنى. ثم انه مما يشهد لما ذكرنا أيضا انسباق ذات المعنى وتبادرها عند سماعنا اللفظ من النائم والساهي أو من خرق الهوى فإنه لولا كونها أي الألفاظ موضوعة لذات المعاني لما كان وجه لانسباقها في الذهن عند صدوره من النائم والغافل والساهي. وتوهم ان ذلك انما كان من جهة انس الذهن لا انه من حاق اللفظ ، يدفعه الألفاظ الغير المأنوسة الاستعمال فإنه يرى فيها أيضا انسباق ذات المعنى منها في الذهن بمجرد العلم بالوضع ، ولو كان صدوره من النائم الذي هو غير مريد قطعا أو من خرق الهواء ، فيكون ذلك حينئذ أقوى شاهد لما ذكرناه من وضعها لنفس المعاني من حيث هي لا للمعاني المرادة. واما كلام العلمين ( قدس سرهما ) من التبعية المزبورة فغير ظاهر في إرادة الدلالة
(65)
التصورية التي هي محل البحث لولا دعوى ظهوره في إرادة الدلالة التصديقية وفيها نحن نقول أيضا بتبعية الدلالة للإرادة ، ولذا لا نحكم بان الكلام ظهورا في المعنى بالظهور التصديقي الا في مورد أحرز ولو من الخارج ان المتكلم كان في مقام بيان مرامه من لفظه وفي مقام الإفادة كما هو واضح.
|