متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح معاني الهيئات ، معاني هيئات المركبات التامة والناقصة ، معنى الجمل الخبرية والانشائية
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

في شرح معاني الهيئات

    واما الجهة الثانية فيقع البحث فيها في شرح مفاد الهيئات الطارئة على المواد في الجمل التامة والناقصة وبيان الفارق بينهما :
    فنقول اما مفاد الهيئات في المركبات والجمل التامة والناقصة كلية فهو على ما تقدم في شرح المعاني الحرفية عبارة عن النسب والروابط الذهنية القائمة بالمفاهيم كما في قولك زيد قائم ، حيث إن مفاد الهيئة في تلك الجملة عبارة عن النسبة الكلامية والربط القائم بالمفهومين أعني مفهومي زيد والقيام. وفي كون تلك النسبة المدلول عليها بالهيئة في الجمل ايجادية أو انبائية الخلاف المتقدم ، وقد تقدم تحقيق القول فيه وانه لايكون الا من قبيل الكشف والانباء لا الايجاد والاحداث. وهذا من غير فرق بين المركبات التامة أو الناقصة من المركبات التقييدية التوصيفية ، حيث كان مداليل الهيئات فيها طرا عبارة عن النسب والروابط الذهنية القائمة بالمفاهيم ، مع كونها أيضا حاكية وكاشفة عنها لا موجدة لها.
    نعم بينهما فرق من جهة أخرى من حيث كون النسبة ايقائية أو وقوعية حيث كان المحكى للهيئة في الجمل التامة مطلقا عبارة عن ايقاع النسبة ، بخلافه في الجمل الناقصة و


(55)

المركبات التقييدية حيث كان المحكى للهيئة فيها عبارة عن وقوع النسبة لا ايقاعها ، إذ كما أنه في الإضافات الخارجية الحاصلة من مثل وضع الحجر على حجر آخر يتصور حيثيتان ، حيثية ايقاع النسبة أعني خرجها من العدم إلى الوجود المعبر عنها بالمعنى المصدري ، وحيثية وقوع النسبة وثبوتها المعبر عنها بالمعنى الاسم المصدري ، كذلك يتصور هاتان الحيثيتان في النسب والروابط الذهنية بين المفاهيم فيتصور النسبة تارة من حيث ايقاعها وصدورها ، وأخرى من حيث وقوعها وثبوتها ، فارغا عن ايقاعها ، باعتبار تفرع وقوع الشيء وثبوته دائما على ايقاعه. فكان المحكى للجمل التامة مطلقا اسمية كانت أم فعلية أم شرطية هي النسب الايقاعية ، وللجمل الناقصة في المركبات التقييدية التوصيفة كزيد القائم هي النسب الثابتة. ومن ذلك أيضا يختلف كيفية استعمالها حيث كان استعمال الهيئة في الجمل التامة من باب الهيئة بعنوان الموقعية للنسب الذهنية بخلاف المركبات التقييدية حيث كان ذلك من باب ذكر اللفظ ولحاظ معنى مفروغ التحقق في الذهن. وبهذه الجهة نقول أيضا بان مفاد الهيئة دائما في الجمل الناقصة والمركبات التقييدية في طول مفاد الهيئة في الجمل التامة وفي رتبة متأخرة عنها باعتبار كونها نتيجة لمفاد القضايا الحملية والجمل التامة. ولعله إلى ذلك أيضا يشير ما هو المشهور بينهم من أن الأوصاف قبل العلم بها اخبار والاخبار بعد العلم بها أوصاف ، فكون القضية التوصيفية اخبارا قبل العلم بها انما كان بلحاظ ان الملحوظ فيها حينئذ هو النسبة لكن لا من حيث ثبوتها بل من حيث ايقاعها ، كما أن كون القضية الحملية توصيفية بعد العلم بها انما هو بلحاظ ان الملحوظ فيها هو ثبوت النسبة فارغا عن ايقاعها.
    ثم انه ربما يفرق بينهما من جهة أخرى وهي عدم اقتضاء المحكى للمركبات التقييدية للوجود خارجا وكونه عبارة عن ذات المهية بما هي قابلة للوجود والعدم ، ومن ذلك يحمل عليها الوجود تارة والعدم أخرى كما في قولك زيد الضارب موجود أو معدوم ، إذ التقيد المزبور لا يقتضى الا تضيق دائرة الذات واخراجها عما لها من سعة الاطلاق ، وهذا بخلافه في المركبات التامة فان للمحكى فيها اقتضاء الوجود الخارجي ، ولذلك لايصح ان يقال زيد قائم موجود أو معدوم ، بل وانما الصحيح فيها هو المطابقة واللامطابقة للواقع ، ومن المعلوم انه لايكون الوجه فيه الا ما ذكرناه من حكايتها تصورا عن النسبة الخارجية بين زيد والقيام في قولك زيد قائم واقتضاء المحكى فيها للوجود في الخارج. و


(56)

من ذلك أيضا لايكون وزان القيود الواقعة في حيز الجمل الناقصة والمركبات التقييدية على وزان القيود الواقعة في حيز الجمل التامة حيث كان صقع التقييد في الأول هو صقع نفس ذات المهية القابلة للوجود والعدم ، بخلافه في الثاني فان صقع التقييد فيه عبارة عن صقع موجودية ذات خارجا. وربما يثمر ذلك في جريان الأصول في الاعدام الأزلية بنحو السلب المحصل فإذا كان القيد واقعا في حيز الجمل الناقصة كالقرشية للمرأة والكرية للماء والشرط المخالف للكتاب ونحو ذلك فعند الشك في تلك القيود أمكن استصحاب اعدامها ولو بنحو السلب المحصل ، فإنه بعد أن كان معروض التقيد حينئذ هو الذات العارية عن حيث الوجود أو العدم لا هي بوصف موجوديتها وكان الوجود من العوارض الطارية على الذات المتقيدة بالوصف والقيد فلا جرم لا مانع من جر عدم الوصف والقيد الناشئ من عدم الموصوف إلى زمان وجوده من دون اقتضاء حيث عدم موجودية الذات في الخارج لسلب هذا التقيد كي يلزمه عدم صحة جريان استصحاب عدم الوصف إلى زمان وجود الموصوف كما لايخفى. وهذا بخلافه في القيود الواقعة في حيز الجمل التامة فإنه لما لايكون صقع التقيد فيها عبارة عن صقع ذات المهية بل كان صقعه صقع موجودية الذات خارجا يلزمه لا محالة عدم صحة استصحاب عدم الوصف المتحقق في ظرف عدم الموصوف. وتنقيح الكلام فيه موكول إلى محله فالمقصود في المقام هو مجرد الإشارة إلى ما يترتب عليهما من الثمرة.
    وكيف كان فبعد ان ظهر لك بيان الفارق بين الجمل التامة وبين الجمل الناقصة في القضايا التقييدية وان كون الجملة تامة مطلقا اسمية كانت أم فعلية انشائية كانت أم أخبارية انما هو باعتبار اشتمالها على النسبة الايقاعية قبالا للجمل الناقصة في القضايا التقييدية المشتملة على النسب الثابتة ، يبقى الكلام في بيان الفارق بين الجمل الأخبارية والانشائية وما به امتياز إحديهما عن الأخرى بعد اشتراكهما في الاشتمال على النسب الايقاعية.
    فنقول : اما ما كان منها متمحضا في الأخبارية والانشائية كقولك زيد قائم المتمحض في الأخبارية ، وقولك : اضرب المتمحض في الانشائية فالفرق بينهما واضح ، باعتبار حكاية النسبة الايقاعية في الأول عن نسبة ثابتة خارجية تطابقها تارة ولا تطابقها أخرى بخلافه في الثاني فإنه لايكون فيه محكى تحكي عنه النسبة الايقاعية


(57)

الذهنية كي تطابقه تارة ولا تطابقه أخرى بل لا تكون الجملة فيه الا مشتملة على نسبة ايقاعية ارسالية بين المبدأ والفاعل من دون مدخلية فيه لقصد الجدية والهزلية كما هو كذلك في الاخبار أيضا لان هذه الأمور انما كانت من دواعي الاخبار والانشاء فإنه كما يخبر أو ينشأ هزلا يخبر وينشأ جدا أيضا ، فلايكون حينئذ من مقوماتها كما هو واضح. ومن ذلك ظهر أيضا عدم دلالة الهيئة في مثل اضرب في فرض الجد بالارسال على الطلب الحقيقي الذي هو عين الإرادة أو ما ينتزع عن مقام اظهارها كالايجاب والالزام والتحريك الا على نحو الالتزام دون المطابقة ، من جهة ان مفاد الهيئة كما عرفت عبارة عن النسبة الايقاعية الارسالية بين المبدأ والفاعل وحينئذ فدلالتها على الطلب انما هو باعتبار كون هذه النسبة من شؤون الطلب ولازمه كما هو واضح. وسيجيء لذلك مزيد بيان في محله إن شاء الله. وكيف كان فهذا كله في الجمل المتمحضة في الأخبارية والانشائية.
    واما ما كان منها صالحا للامرين كقولك اطلب وبعت وزوجت مما تصلح لان تكون اخبارا تارة وانشاء أخرى ، فقد يقال : بان الفرق بينهما حينئذ انما هو من جهة قصد الحكاية وقصد الموجدية ، وانه ان قصد المستعمل في مقام الاستعمال الحكاية بها عن نسبة ثابتة خارجية تكون اخبارا ، وان قصد بها موجديتها للمبدأ تكون انشاء فكان تمام الميز والفرق حينئذ بين كون الجملة أخبارية وبين كونها انشائية من جهة قصد الحكاية والموجدية. ولكن فيه ما لايخفى ، من أنه لا مدخل لقصد الموجدية في انشائية الانشاء بوجه أصلا بل هو من الطوارئ للانشاء الخارجة عما به قوام انشائية الانشاء ومن ذلك ترى صدق الانشاء حقيقة في الانشاءات الهزلية من مثله قوله ملكتك السماء ونحوه مع انتفاء قصد الموجدية فيها ، فان صدق ذلك كاشف ان ما به تحقق الانشاء الكلامي غير القصد المزبور وان قصد الموجدية كقصد الهزلية من الدواعي للانشاء الخارجة عما به قوام انشائية الانشاء ، كيف ولازم دخل القصد المزبور في الانشاء في فرض الجد بايجاد المبدأ في الخارج وفى الوعاء المناسب ان يكون المتحقق هناك قصدين طوليين أحدهما ما به قوام تحقق الانشاء وثانيهما قصد الجد بالايجاد بالانشاء الكلامي ، مع أن ذلك كما ترى مخالف لما هو قضية الوجدان في الانشاءات الجدية الحقيقية كما هو واضح.
    وربما يفرق بينهما أيضا من جهة قصد الحكاية وعدم قصدها بأنه ، ان كان استعمل الجملة حاكيا بها عن نسبة ثابتة تكون اخبارا ، وان كان المستعمل استعملها لا بقصد


(58)

الحكاية عن واقع ثابت تكون انشاء وحينئذ فيكون الاخبار والانشاء مشتركين في الاشتمال على النسبة الايقاعية الكلامية الا ان للاخبار خصوصية زائدة لم تكن تلك الخصوصية في الانشاء ، هذا. ولكن فيه ان هذا الفرق وان كان وجيها في نفسه الا انه بعيد أيضا باعتبار اقتضائه لاشتمال كل اخبار على الانشاء أيضا مع أن ذلك خلاف ما بنوا عليه من المقابلة بين الانشاء والاخبار كما هو واضح.
    وحينئذ فالتحقيق في الفرق والميز بينهما هو ان يفرق بينهما من جهة المحكى من حيث كونه في الاخبار عبارة عن وقوع النسبة وثبوتها وفى الانشاء ايقاعها الذي هو خروجها من العدم إلى الوجود ، وذلك انما هو من جهة ما هو قضية الارتكاز والوجدان من قولك بعتك اخبارا حيث كان المتبادر منه هو الحكاية عن نسبة ثابتة محفوظة قبال كونه انشاء المتبادر منه الحكاية عن نسبة ايقاعية ، وحينئذ فإذا استعمل المستعمل الجملة في ايقاع نسبة كلامية حاكيا بها عن واقع ثابت تكون الجملة اخبارية وإذا استعملها فيها حاكيا بها عن نسبة ايقاعية توقعها المستعمل في وعائها المناسب لها تكون جملة انشائية فيكون كل من الاخبار والانشاء حينئذ مشتركا في جهة الحكاية في نحو قوله بعت اخبارا أو انشاء الا ان الفرق بينهما كان من جهة المحكى فتأمل. ثم إن ذلك كله بحسب مقام الثبوت.
    واما بحسب مقام الاثبات فحيث ان طبع مثل هذه الجمل كان على الحكاية عن واقع ثابت فيحتاج في احراز كونها انشاء من قيام قرينة في البين توجب صرفها عن الاخبارية والحكاية عن الواقع الثابت والا فطبعها كان على الاخبار. هذا كله في شرح ما هو مفاد الهيئات في الجمل والافعال في المركبات التامة والناقصة وبيان الفارق بين الجمل الانشائية والاخبارية.
    واما كون الموضوع له فيها عاما أو خاصا فقد ظهر مما قدمناه في المعاني الحرفية ، ولقد عرفت ما هو التحقيق فيها من كون الموضوع له بل المستعمل فيه كالوضع فيها عاما لا خاصا.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net