متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في مكانتها وآل البيت يوم القيامة وشفاعتهم لشيعتهم آنذاك وقصة مقتل ولدها الحسين
الكتاب : روحي فاطمة    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات

الباب الثامن
{ في مكانتها وآل البيت عليهم جميعا ً افضل الصلاة والسلام يوم القيامة وشفاعتهم لشيعتهم آنذاك وقصة مقتل ولدها الحسين ع }

الأم: هل من شيء ذكر عن نشر الظلامة يوم القيامه؟ فقد قال الشيخ بعض الأشياء لكن بدون ذكر مجمل التفاصيل...انظري في هذه الموسوعة ذات الإجابات عن كل الأسئلة...لربما وجدت شيئا ً عن هذا الموضوع...
نبراس: نعم...وجدت بعض المعلومات...يقول الكاتب" تفسير فرات بن إبراهيم : أبو القاسم العلوي الحسني منعنا ، عن ابن عباس : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد )صلى الله عليه وآله ) فتكون أول من تكسى ويستقبلها من الفردوس اثنتا عشرة ألف حوراء لم يستقبلوا أحدا قبلها ولا أحدا بعدها ، على نجائب من ياقوت أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ ، عليها رحائل من در على كل رحالة منها نمرقة من سندس ، وركائبها زبرجد ، فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس فيتباشر بها أهل الجنان . وفي بطنان الفردوس قصور بيض ، وقصور صفر ، من لؤلؤة من غرز واحد وإن في القصور البيض لسبعين ألف دار منازل محمد وآله ( صلوات الله عليهم ) وإن في القصور الصفر لسبعين ألف دار مساكن إبراهيم وآله ( عليهم السلام ) فتجلس على كرسي من نور فيجلسون حولها ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها فيقول : إن ربك يقرئك السلام ، ويقول : سليني أعطك فتقول : قد أتم علي نعمته وهنأني كرامته ، وأباحني جنته أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم ، فيعطيها الله ذريتها وولدها ومن ودهم لها وحفظهم فيها ، فيقول : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأقر بعيني . قال جعفر : كان أبي يقول : كان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم"....ويقول ايضا ً فيما حصل للسيد الحسين السبط الشهيد العطشان سلام الله عليه وآله ,ان لها موقف حول ما حصل يوم القيامة...يقول"في ثواب الأعمال : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الأشعري ، عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة ( عليها السلام ( قبة من نور وأقبل الحسين ( صلوات الله عليه ) ، رأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن إلا بكى لها ، فيمثل الله عز وجل رجلا لها في أحسن صورة وهو يخاصم قتلته ( بلا رأس ) فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ، و من شرك في قتله ، فيقتلهم حتى أتى على آخرهم ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن ( عليه السلام ) ثم ينشرون فيقتلهم الحسين ( عليه السلام ) ثم ينشرون فلا يبقى من ذريتنا أحد إلا قتلهم قتلة ، فعند ذلك يكشف الله الغيظ ، و ينسي الحزن"... ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : رحم الله شيعتنا ، شيعتنا والله هم المؤمنون ، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة . بيان : قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( بلا رأس ) لعله حال عن الضمير في قوله قتلته"...وقال"ثواب الأعمال : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن الأشعري ، عن ابن يزيد عن محمد بن منصور ، عن رجل ، عن شريك يرفعه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة ( صلوات الله عليها ) في لمة من نسائها فيقال لها : أدخلي الجنة فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي ؟ فيقال لها : أنظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين ( صلوات الله عليه ) قائما وليس عليه رأس ، فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخنا ، فيغضب الله عز وجل لنا عند ذلك فيأمر نارا يقال لها : هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبدا ولا يخرج منها غم أبدا فيقال لها : التقطي قتلة الحسين ( صلوات الله عليه ) وحملة القرآن فتلتقطهم . فإذا صاروا في حوصلتها ، صهلت وصهلوا بها ، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة : يا ربنا أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عز وجل أن : من علم ليس كمن لا يعلم "...والمراد بحملة القرآن الذين ضيعوه وحرفوه...وتأكيداً على ما ذكر هنالك احاديث اخرى منها..." ثواب الأعمال : ابن البرقي عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه [ عن ] محمد بن خالد يرفعه إلى عنبسة الطائي ، عن أبي خير ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يمثل لفاطمة ( عليها السلام ) رأس الحسين ( عليه السلام ) متشحطا بدمه فتصيح وا ولداه ! وا ثمرة فؤاداه ! فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة ( عليها السلام ) وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة . قال : فيقول الله عز وجل : ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه وإن فاطمة ( عليها السلام ) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين ، واضحة الخدين شهلاء العينين ، رأسها من الذهب المصفى ، [ و ] أعناقها من المسك والعنبر ، خطامها من الزبرجد الأخضر ، رحائلها در مفضض بالجوهر ، على الناقة هودج غشاؤها من نور الله ، وحشوها من رحمة الله ، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا يحف بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء على رب العالمينثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضوا أبصاركم فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تمر على الصراط ، فتمر فاطمة ( عليها السلام ) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف . قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويلقي أعداءها وأعداء ذريتها في جهنم . وذكر توضيح بعض ما ورد من كلمات : ( ذلك أفعل به ) أي بالحسين ( عليه السلام ) أي أقتل قاتليه وقاتلي شيعته وأحبائه ، ويحتمل إرجاع الضمائر جميعا إلى القاتل وقال الجوهري : الشهلة في العين أن يشوب سوادها زرقة ، وعين شهلاء ، قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( رحائلها ) الأصوب رحالها جمع رحل وكأنه جمع رجالة ككتابة وهي السرج "...وهذا حديث آخر"مجالس المفيد : الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فينادي مناد : غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصراط . قال : فتغض الخلائق أبصارهم فتأتي فاطمة ( عليها السلام ) على نجيب من نجب الجنة يشيعها سبعون ألف ملك ، فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي ( عليه السلام ) بيدها مضمخا بدمه وتقول يا رب هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به ، فيأتيها النداء من قبل الله عز وجل : يا فاطمة لك عندي الرضا فتقول : يا رب انتصر لي من قاتله فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي ( عليه السلام ) كما يلتقط الطير الحب ، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب ثم تركب فاطمة ( عليها السلام ) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيعون لها وذريتها بين يديها وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها . وفي بيان بعض ماورد : قال الجزري فيه يخرج عنق من النار أي طائفة منها"...انظري يا امي...هذا حديث يشرح فيه رسول الله صلـّى الله عليه وآله ما سيحصل لها يوم القيامة ويبين فيه فضلها...يقول"تفسير فرات بن إبراهيم : سليمان بن محمد معنعنا عن ابن عباس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) [ يقول ] دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم على فاطمة ( عليها السلام ) وهي حزينة فقال لها : ما حزنك يا بنية ؟ قالت : يا أبه ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة قال : يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أنه قال : أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا ثم أبي إبراهيم ثم بعلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام)  . ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فينادينك يا فاطمة بنت محمد ! قومي إلى محشرك ، فتقومين آمنة روعتك ، مستورة عورتك ، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور ، زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب ، فتركبينها ويقود زوقائيل بزمامها ، وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح . فإذا جد بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء ، يستبشرون بالنظر إليك بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار ، وعليهن أكاليل الجوهر المرصع بالزبرجد الأخضر ، فيسرن عن يمينك ، فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقينك ، استقبلتك مريم بنت عمران ، في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك . ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ،ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك . فإذا توسطت الجمع ، وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد ، فيستوي بهم الاقدام ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها ، فلا ينظر إليك يومئذ إلا إبراهيم خليل الرحمن ( صلوات الله وسلامه عليه ) وعلي بن أبي طالب ، ويطلب آدم حوا فيراها مع أمك خديجة أمامك ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراقي بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة ، بأيديهم ألوية النور ، ويصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل ( عليه السلام ) فيقول لك : يا فاطمة سلي حاجتك ، فتقولين : يا رب أرني الحسن والحسين فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دما ، وهو يقول : يا رب خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني . فيغضب عند ذلك الجليل ، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون ، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ويقولون : يا رب إنا لم نحضر الحسين ، فيقول الله لزبانية جهنم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار فإنهم كانوا أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوهثم يقول جبرئيل ( عليه السلام ) : يا فاطمة سلي حاجتك فتقولين : يا رب شيعتي ، فيقول الله عز وجل : قد غفرت لهم فتقولين يا رب شيعة ولدي فيقول الله قد غفرت لهم فتقولين : يا رب شيعة شيعتي فيقول الله : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة ، فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين ومعك شيعتك ، وشيعة ولدك ، وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون . فإذا بلغت باب الجنة ، تلقتك اثنتا عشر ألف حوراء ، لم يلتقين أحدا قبلك ولا يتلقين أحدا كان بعدك ، بأيديهم حراب من نور ، على نجائب من نور رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت ، أزمتها من لؤلؤ رطب ، على كل نجيب نمرقة من سندس منضود . فإذا دخلت الجنة تباشر بك أهلها ، ووضع لشيعتك موائد من جوهر على أعمدة من نور ، فيأكلون منها والناس في الحساب ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون وإذا استقر أولياء الله في الجنة زارك آدم ومن دونه النبيين وإن في بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء فيهما قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دار فالبيضاء منازل لنا ولشيعتنا ، والصفراء منازل لإبراهيم وآل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين  … قالت : يا أبه فما كنت أحب أن أرى يومك ولا أبقى بعدك ، قال : يا ابنتي لقد أخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أنك أول من تلحقني من أهل بيتي فالويل كله لمن ظلمك ، والفوز العظيم لمن نصرك . قال عطاء : كان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين)وذكر في بيان معنى  وما ألتناهم أي وما نقصناهم"...سبحان الله...اقسم بالله العلي العظيم انها تستحق ما كتب الله لها من النعيم ...اللهم ارفع لها من الدرجات ما شئت ....فقد ضحت بكل شيء ...ولآلها مثل ما تمنيت لها...
الأم: ان شاء الله ...واتمنى من الله ان نكون من شيعتها والفائزين بمحبتها الى ابد الآبد...ألا تقرأ ين لي شيئا ً عن مقتل ولدها سيدي الإمام الحسين السبط روحي فداه؟
نبراس: سأبحث وأقرأ ...فأنا في شوق لأعرف ماعطشه وجوعه وحزنه...بأبي هو وامي...
الأم: هلا اسرعت يا بنية ؟ اود ان اعرف عن هذه الفاجعة كل شيء...ارجوك...
نبراس: يا امي ...هذا كتاب قيـِّم يروي مقاتل آل البيت بروايات مجموعة ...وهو بعنوان" مصارع الشهداء ومقاتل السعداء" تأليف الشيخ سلمان بن عبدالله آل عصفور وتحقيق الشيخ علي آل كوثر...يقول.."روي في كتاب الخرائج والجرائح بإسناده عن المقداد بن الأسود الكندي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن للحسين معرفة مكتومة في باطن المؤمنين ، سل أمّه عنها))... فأتيت بيت فاطمة عليها السلام ووقفت بالباب ، فأتت حمامة وقالت : يا أخا كندة .
قلت : من أعلمك أني بالباب ؟ 
 فقالت : أخبرتني سيدتي ومولاتي أن بالباب رجلا من كندة من أطيبها خيارا جاء يسألني عن موضع قرة عيني .
 فكبر ذلك عندي ، فوليتها ظهري كما كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة ، فقلت لها : ما منزلة الحسين ؟
 قالت : ((لما ولدت بالحسن عليه السلام أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا ألبس ثوبا أجد فيه اللذة حتى أفطمه ، فأتاني أبي زائرا فنظر إلى الحسن عليه السلام فرآه يمصّ النوى ، فقال : فطمتيه ؟ قلت : نعم . قال : إذا أحبّ على الاشتمال فلا تمنعيه ، فإني أرى في مقدم وجهك نورا وضوءا ، وذلك إنك ستلدين غلاما يكون حجة لهذا الخلق .
 فلما تم شهر من حملي وجدت في بدني سخنة ، فقلت لأبي ذلك ، فدعا بكوز ماء فتفل فيه وتكلم عليه وقال : اشربي منه ، فشربت ، فطرد الله عني ما كنت أجد ، وصرت في الأربعين من الأيام ، فوجدت دبيبا في بطني كدبيب النمل فيما بين الجلدة والثوب ، فلم أزل على ذلك حتى تم الشهر الثاني ، فوجدت الاضطراب والحركة ، فو الله لقد تحرك وأنا بعيدة من المطعم والمشرب ، فعصمني الله حتى كأنّي شربت لبنا ، حتى تمت الثلاثة الأشهر وأنا أجد الزيادة والخير في منزلي .
 فلما صرت في الأربعة آنس الله به وحشتي ، ولزمت المسجد لا أخرج منه إلا لحاجة تخرجني ، وكنت في الزيادة والخفّة في الظاهر والباطن حتى تمت الخمسة ، فلما صارت الخمسة (1) كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى المصباح ، وجعلت أسمع إذا خلوت في مصلاي التسبيح والتقديس في باطني .
 فلما مضى فوق ذلك تسع ازددت قوة ، فذكرت ذلك لأم سلمة ، فشدّ الله بها عضدي ، فلما زالت العشرة غلبتني عيني فأتاني آت فمسح جناحه على ظهري ، فقمت وأسبغت الوضوء وصلّيت ركعتين ، ثم غلبتني عيني فأتاني آت في منامي وعليه ثياب بيض ، فجلس عند رأسي ونفخ في وجهي وفي قفاي ، فقمت وأنا خائفة ، فأسبغت الوضوء وأدّيت أربعا ، ثم غلبتني عيني فأتاني آت في منامي فأقعدني ورقّاني وعوّدني ، فأصبحت ـ وكان يوم أم سلمة ـ فدخلت في ثوب حمامة ، فنظر النبي صلى الله عليه وآله في وجهي ورايت أثر السرور في وجهه ، فذهب عني ما كنت أجد وحكيت له ذلك ، فقال :
 ابشري ، أما الأول فخليلي عزرائيل الموكل بأرحام النساء ، وأما الثاني فميكائيل الموكّل بأرحام أهل بيتي ، فنفخ فيك .
 قلت : نعم . فبكى ثم ضمّني إلى صدره وقال : أما الثالث فذاك حبيبي جبرئيل يخدمه الله ولدك (1) .
 فرجعت فنزل[ته] تمام الستة  . ((ليلة الثلثاء لخمس مضين من شعبان ، وقيل : لسبع بقين من رمضان ، سنة أربع من الهجرة (2) .)).
 وروي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : ((لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : إنّ فاطمة ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك . فلذلك كرهته فاطمة حال حمله وحال وضعه)).
 ثم قال أبو عبدالله عليه السلام : ((هل رأيتم أمّا تلد غلاما فتكرهه ، ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل ، وفيه نزلت هذه الآية) : ووصّينا الإنسان بوالديه حُسنا حَمَلته أُمّه كُرها ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً)))... وعنه أنه قال : ((إنّ جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله والحسين يلعب بين يديه ، فأخبره أنّ أمّته ستقتله » . قال : « فجزع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال جبرئيل : يا محمد ، ألا أريك التربة التي يقتل فيها  ؟)).
 قال : ((فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وبين المكان الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتى التقت القطعتان وأخذ منها قبضة وقال : بورك فيك من تربة ، وطوبى لمن يقتل حولك )) (1) .
 وعن الصادق عليه السلام قال : ((كان الحسين مع أمه تحمله ، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وقال : لعن الله قاتلك ، لعن الله سالبك ، وأهلك الله المتآزرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك .
 قالت فاطمة الزهراء ع: يا أبت ، أيّ شيء تقول ؟
 قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل (1) ، وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم .
 قالت : يا أبت ، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟
 قال : في موضع يقال له « كربلا » وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي لو أنّ أحدهم شفّع له من في السماوات والأرضين ما شفّعوا فيه وهم المخلّدون في النار .
 قالت : يا أبت ، فيقتل ؟
 قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضون والملائكة والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس ، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك المصابيح في ظلمات الجور وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا ، أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيماهم ، وكلّ أهل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض ، وبهم تنزل الغيث .
 فبكت فاطمة وقالت : يا أبت ، إنا لله وإنا إليه راجعون ((فوا لهفتاه على أقمار الهداية ، كيف كسفت بأرض الطفوف ، وواحزناه لأنوار شموس الدراية كيف حجبتها غيوم السيوف ، ووا كرباه لنفس الرسول كيف أسالتها أولاد النغول على حدود النصول ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .
وروي في كتاب الأرشاد أنه كتب يزيد إلى الوليد بن عُتبة ـ وكان على المدينة واليا من قِبَل يزيد ـ : أن خذ الحسين بالبيعة لنا ، ولا ترخّص له في التأخر في ذلك .
 فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام في الليل واستدعاه ، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد ، فدعا جماعة من موالي بني هاشم وأمرهم أن يتجلّلوا بالسلاح وقال لهم : « إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ، ولست آمنه أنه يكلفني أمرا فيه لا أجيبه إليه (1) ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فكونوا أنتم بالباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا لتمنعوه مني))  .
 فصار الحسين عليه السلام إلى الوليد ، فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعا إليه الوليد معاوية ، فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة عليه له .
 فقال له الحسين عليه السلام : ((إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس  ؟)).
 فقال له الوليد : أجل .
 فقال الحسين عليه السلام : ((فتصبح وترى رأيك في ذلك)) .
 فقال له الوليد : انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس .
 فقال له مروان ـ لعنه الله ـ : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع ، فلا قدرت منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتل بينكم وبينه ، فاحبسه فلا يخرج من عندك حتى يبايع ، فإن أبى فاضرب عنقه .
 فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال : ((أأنت يا ابن الزرقاء تضرب عنقي ، أو هو ؟ لعنت وأثمت)) وخرج يتمشى مع مواليه حتى أتى منزله .
 فقال مروان للوليد : عصيتني ، لا والله لا يمكنك بمثلها من نفسه .
 فقال الوليد : ويحك يا مروان ، اخترت لي التي فيها هلاكي دينا ودنيا ، والله ما أحبّ أن تكون لي حمر النعم وأنّي قتلت حسينا ! سبحان الله أقتل حسينا بأن قال : لا أبايع يزيد ! والله إني لا أعلم رجلا يحاسب بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان عند الله يوم القيامة .
 فقال له مروان : رأيك أصوب (2) . قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده صلى الله عليه وآله فقال : ((السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلّفتني في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك)).
 قال : ثم قام إلى نصف الليل راكعا وساجدا (1) .
 قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر هل خرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الذي أخرجه ولم يبتليني بدمه .
 قال : ورجع الحسين عليه السلام إلى منزله عند الصباح .
 فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر ايضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته جعل يقول : ((اللهم هذا قبر نبيك وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومَن فيه إلا اخترت لي من أمري (2) ما هو لك رضا ولرسولك رضا)).
 قال : ثم جعلى يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر ، فغفا (3) ، فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه (4) حتى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال : ((حبيبي يا حسين ، كأني أراك عن قريب مرملا بدماك ، مذبوحا بأرض كربلاء من عصابة من أمتي وهم مع ذلك  (1) يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، {وما لهم عند الله من خلاق }(2) ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى .
 حبيبي يا حسين ، إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنان لدرجات لا تنالها إلا بالشهادة))  .
 قال : فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول : ((يا جداه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك))  .
 فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ((لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب والسعادة ، فإنك وأباك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلون الجنة)).
 قال : فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا ، وقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم .
 قال : وتهيأ الحسين عليه السلام إلى الخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودّعها ، ومضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك ، ثم رجع إلى منزله وقت الصبح (3) .
 وروي أن الحسين عليه السلام توجه إلى مكة ، فلما دخل مكة كان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث بقين (1) من شعبان ، ودخلها وهو يقرأ) : ولما توجه تِلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ((2) ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة ، وأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي بها (3) ويطوف .
 فسمع أهل الكوفة بوصول الحسين ع إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد لعنه الله ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته : يا معاشر الشيعة ، قد علمتم أن معاوية قد هلك وقد صار إلى ربه وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد لعنه الله ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم ، فإن كنتم ناصريه ومجاهدي عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه .
 قال : فكتبوا إليه خمسين صحيفة عن جملة من أشراف القبائل مثل سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وعبدالله بن وال ونحوهم ، ثم سرّحوا بها ومكثوا يومين وأنفذوا إليه مع جملة من أشرافهم نحو من مئة وخمسين كتاب من الرجل والإثنين حتى ورد عليه في يوم واحد ست مئة كتاب (1) .
 وروي أنه اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، وهو عليه السلام لا يردّ عليهم جوابا ، لعلمه بغدرهم وقلة وفائهم (2) .
 ثم قدم عليه من بعد ذلك هانئ بن هانئ السبعي وسعيد بن عبدالله الجهني (3) عطارد التميمي .
 قال : فعندها كتب الحسين عليه السلام إليهم الجواب ، وذكر حديثا طويلا يشتمل على مكاتبة الحسين وإرسال مسلم وما فعلت به أهل الكوفة (4) .
 فليت شعري أي ذنب فعله المصطفى ، وأية جر[يـ]مة اجترمها المرتضى حتى تفعل بنسلهما أمتهما هذا الفعل الشنيع ، وتضيّع وصيّتهما في أولادهما هذا التضييع ؟
هذا عوض الإرشاد والهداية ، ومكافئة إحسانهم من البداية إلى النهاية ؟!
 فيا ويحهم بما يجيبون به سؤال الرسول ، وبما يعتذرون لفاطمة البتول ، يوم تشهد موقف الحساب وتنادي : « يا ربّ الأرباب ، احكم بيني وبين من قتل أولادي الأطياب » . فأنّى لمخالفيها والجواب ؟ فعلى مثل غريب الوطن ، والمكروب الممتحن ، فلتسكب سحائب الأجفان شؤونها ، وتسيل فيه عيونها ، أو لا تكونون أيها الموالون ، والشيعة المقرّبون ، كمن لبس ثياب الضنى ، وتدرّع بدروع التعب والعنا ، وأهاج قرير قراره ، وحرّك ساكن اصطباره ...
روي في كتاب دلائل الإمامة مرفوعا إلى محمد بن وكيع قال : إنه لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من مكة إلى العراق قام خطيبا فقال : ((الحمد لله ، ما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسول الله ، خُطّ الموت على ابن آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير مصرع أنا لاقيه (1) ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، فيوفينا أجر الصابرين (2) ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّ بهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى))  (3) .
 وروى الكليني في كتاب الرسائل عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلّف ابن الحنفيّة عنه ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : ((يا حمزة ، إني سأحدّثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إن الحسين بن علي عليهما السلام لما انفصل (4) متوجها دعا بقرطاس وكتب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام )).
وروي أن الحسين عليه السلام لما وصل زبالة (1) أتاه خبر مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فعرّف بذلك جماعة ممن معه ، وأخرج لهم كتابا فقرأه عليهم وقال : ((بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فقد أتانا خبر فضيع : قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف ، من غير حرج ، ليس عليه ذمام))  .
 فتفرّق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب .
 قال : وارتجّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم ، وسالت عليه دموع كل مسلم .
 ثم إن الحسين عليه السلام سار قاصدا لما دعاه الله إليه فلقيه الفرزدق فسلّم عليه وقال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم وشيعته . فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا وقال : ((رحم الله مسلما )).
روي في الكتاب المذكور أن الحسين عليه السلام لما وصل على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس ، فقال له الحسين عليه السلام : ((ألنا أم علينا  ؟)).
 فقال : ((بل عليك يا أبا عبدالله))  .
 فقال الحسين عليه السلام : ((لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))  . وترداد القول بينهما حتى قال الحسين : ((أيها الناس ، فإنكم إن تتقوا الله ربكم ، وتعرفوا الحق لأهله ، يكون أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت نبيكم أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم بحقّ ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلا الكراهة لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به رسلكم ، انصرفت عنكم))  .
 فسكتوا كلهم ولم يردّوا عليه جوابا ، فقال لأصحابه : ((قوموا فاركبوا))  , فركبوا وانتظر حتى ركّب نساؤه ، فقال لأصحابه : ((انصرفوا)) . فحال القوم بينهم وبين الإنصراف ، فقال الحسين عليه السلام للحرّ : ((ثكلتك أمّك ، ما تريد))  ؟
 فقال له الحرّ : أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمه والثكل كائنا ما كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه .
 فقال الحسين عليه السلام : ((ما تريد إذا))  ؟
 قال : أريد أمضي بك إلى الأمير عبيدالله بن زياد . فقال الحسين عليه السلام : ((إذا والله لا أتّبعك))  .
 فقال الحرّ : إذا والله لا أدعك .
 فكثر الكلام بينهما ، فقال له الحر : إني لم اُؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت يا ابن رسول الله فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر أنا إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق ، فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك .
 فتياسر الحسين عليه السلام حتى وصل الى عذيب الهجانات والحرّ يسايره مع أصحابه وهو يقول له : يا حسين ، أذكّرك الله في نفسك ، فإني اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ .
 فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوّفني ؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوّفه ابن عمه [ فقال له : أين تذهب ؟ فإنك مقتول . فقال :
سامضي وما بالموت عار على الفتى * إذا مــا نـوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحيـن بنفســه * وفارق مثبورا يغش ويرغما
وروي أن الحسين عليه السلام مضى حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به ، وإذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : ((لمن هذا))  ؟ فقيل : لعبيدالله بن الحر الجعفي ، قال:  ((ادعوه إلي))
 فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي عليهما السلام يدعوك . فقال له عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين عليه السلام وأنا فيها ، وما أريد أن أراه ولا يراني !
 فأتاه الرسول فأخبره ، فقام الحسين عليه السلام فجاءه حتى دخل عليه وسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : ((فإن لم تكن تنصرنا فاتّق الله ولا تكن ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لم ينصرنا إلا هلك))  .
 فقال له : أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله . ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتى دخل رحله. ولما كان في آخر الليل أمر مناديه بالاستسقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل ، فارتحل من قصر بني مقاتل ، فلما أصبح نزل بهم وصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه فعارضه الحرّ وأصحابه ، ومنعوه من المسير ، فقال : ((ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق  ؟)) فقال الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيدالله وصل إليّ يأمرني بالتضييق عليك ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم .
 فنظر يزيد بن مهاجر الكندي إلى رسول ابن زياد ـ لعنه الله ـ فعرفه ، فقال له : ثكلتك أمك ، ماذا جئت فيه ؟ فقال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي .
 فقال له : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، فبئس الإمام إمامك ، قال الله تعالى : {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصرون } (2) ، فإمامك منهم .
 فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا كلاء ، فقال له الحسين عليه السلام : ((ويحك ، دعنا ننزل هذه القرية))  ، يعني نينوى أو الغاضريات .
 فقال له الحر : لا والله لا استطيع إلى ذلك من سبيل ، هذا رجل قد بُعث عليّ عينا .
 فقال زهير بن القين للحسين عليه السلام : والله لا ترون شيئا بعد الآن إلا كان أشد مما ترون الآن ، يا ابن رسول الله ، إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتي من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا طاقة لنا به .
 فقال له الحسين :  ((ما كنت لأبدأهم بالقتال))  . ثم نزل.
وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ثم قال : ((إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش المرعى ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ؟ وإلى الباطل لا ينهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ، فأنا لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)) .
 فقال زهير بن القين : نعم قد سمعنا ، هدانا الله بك يا ابن رسول الله ، فنحن مقاتلوا مقاتلك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا ذلك على النهوض معك .
 فقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا لعلى نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك .
 قال : وقام بُرير بن خضير فقال : يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا لنقاتل معك وتقطّع أعضاؤنا بين يديك ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .
 ثم إن الحسين عليه السلام ركب وأراد المسير والحر يمانعه حتى ورد كربلاء ، وكان ذلك يوم الثاني من المحرم ، فلما وصلها سأل عن اسم المكان فقال له : كربلاء .
 فقال : ((انزلوا ، هاهنا والله محطّ رحالنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله محل قبورنا ، هاهنا والله تُسبى حريمنا ، بهذا وعدني (1) جدي رسول الله صلى الله عليه وآله)).ونزل الحر معه في ساعة واحدة.
روي في كتاب تذكرة الأئمة أنه لما بلغ عبيدالله بن زياد وصول الحسين عليه السلام لكربلاء ، وحلوله بمركز الكرب والبلاء ، نفذ الجيوش لقتاله ، وسرح العساكر لنزاله ، وكان جملة العساكر التي جاءت لحربه ، وعرضت مهجها لشديد كرّه وضربه ، مئة وأربعة وعشرين ألفا ، وقيل أقلّ وقيل أكثر ، وأصح ما وجدناه منها ما ذكرناه ، وكانوا ثمانين ألف فارس وأربعة وأربعين ألف راجل ، فأول ذلك اثنان وعشرون ألفا من أهل الكوفة ، والمؤمّر عليهم الشمر بن ذي الجوشن الضبابي وقثم بن كلاب العمري وشبث بن ربعي ويزيد بن ركاب ومحمد بن الأشعث وأبوالأشرس والضحاك بن قيس وسعد بن عبدالله وراهب بن قيس وحبيب بن جماز صاحب راية الضلال وقيس بن فاكه ونوفل بن فهر وأسد بن مغيرة وسعد بن أرطأة ، ومعهم من أهل الحرف مثل خبّاز ونجّار وحدّاد وطبّاخ ورؤساء المحال ، وجملتهم ثمانية آلاف ، وهم شاكرية وكندة وخزيمة وأهل مسجد بني زهرة وسوق الليل وسوق الساعات وسوق البراثين ، وثلاثة وثلاثون ألفا من أهل البوادي وقبائل الكوفة مثل عبادة وربيعة وسكون وحمير وكندة ودارم ومطعون وجشعم ومدحج ويربوع وخزاعة وكلب ، ومن المدائن والبصرة سبعة آلاف نفر والعميد عليهم زيد بن اللحم وسعد بن جريح وقمير بن قيس وعلوان بن وردان ووردان بن ثابت وبشير بن سعدان وحماد بن عثمان وعثمان بن فهد ، ومن أهل الشام ثلاثون ألفا وعميدهم ربيعة بن سوادة وسواد بن نحرس وقيس بن زعّال وصخر بن طعيم ، ومن الخوارج اثنا عشر ألفا وعميدهم غسّان بن ثابت وحمل بن نافع وحكم بن عقبة الزهري وزياد بن حرقوس البجلي ، وألفان من الموصل وتكريت والأنبار ، وعشرة آلاف من الأكراد ، والأمير على كل العسكر عمر بن سعد ، وابنه حفص وزيره ، وأبو الحتوف ناظر العسكر ، وعميد عيون الجيش أبو الأشرس السلمي ، وجونة بن جونة كان جاسوسا ، والمؤمر على الحرّاثين أبو أيوب الغنوي ، ونقيب الجيش الشمر لعنه الله وتحت يديه أربعة آلاف نفر ، وتفصيل مراتب من ذكرناهم غير الشمر وعمر بن سعد وابنه كما سيأتي .
وذلك أن يزيد بن ركاب عميد ألفي راجل ، وشبث بن ربعي عميد أربعة آلاف ، وقثم رئيس ألفي راجل ، ووردان غلام ابن سعد أمير جميع الرجالة ، وإسحاق بن الأشعث ضابط الغنائم ، وعروة بن قيس الأحمسي أمير ألفي راجل ، وقرة بن قيس عميد ألفي راجل ، وابن أبي جويرية المزني أمير ألفي فارس ، وحكيم بن الطفيل عميد أربعة آلاف فارس ، وعامر بن الطفيل عميد ألفي راجل ، وحمدان بن مالك عميد ألفي فارس ، وسنان كتاب العسكر ، وأبوالحتوف مشرّف الحرب ، وزياد بن قادر وشبلي بن يزيد مؤذن العسكر ، وخُوّلي بن يزيد الأصبحي صاحب الراية العظمى ، وحرملة بن كاهل حامل راية الرجّالة ، ومنقذ بن مرة العبدي وزيد بن ورقاء سعاة العسكر ، وحجار بن الأحجار ؟ ورافع بن مالك ـ وقيل : الأعور السلمي ـ عميدان على العسكر الذي على الفرات ، وابن حوشب أمير النبّالة ، وعمر بن صبيح الصيداوي عميد الحجارة ، ومحمد بن الأشعث أميرالأمراء ، وأخوه قيس عميد ألفي فارس ، ألا لعنة الله على الظالمين .
وروي أن عمر بن سعد لعنه الله لما خيّم بتلك الجنود الكثيرة ، وحطّ على مرابع الطف بهاتيك الجموع الغفيرة ، وكان ذلك لست ليال خلون من المحرم ، فلما نزل بعث إلى الحسين عليه السلام رسولا يقال له كثير بن عبدالله الشعبي ، وكان فارسا لا يرد وجهه شيء ، فقال : إذهب إلى الحسين واسأله ما الذي جاء به ؟
 فقال كثير : والله إن شئت لأفتكنّ به !
 فقال عمر : ما أريد أن تفتك به ، ولكن سله عن ذلك .
 فأقبل كثير إلى الحسين عليه السلام ، فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : قد جاءك يا ابا عبدالله شرّ أهل الأرض وأجرأهم على إهراق الدماء .
 فقام إليه فقال له : ضع سيفك . قال : لا ولا كرامة ، إنما أنا رسول ، إن سمعتم كلامي بلغتكم إياه ، وإن أبيتم انصرفت عنكم .
 فقال له أبو ثمامة : إني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم .
 قال : لا والله ولا تمسّه .
 قال : إذا أخبرني بما جئت به وأنا أبلّغه عنك ولا أدعك تدنو منه أبدا ، فإنك فاجر فاسق .
 فانصرف إلى ابن سعد وأخبره بذلك ، فدعا عمر بن سعد قرّة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك ، الق حسينا وقل له : ما جاء بك ، وما يريد ؟
 فأتاه قرة ، فلما رآه الحسين عليه السلام قال : ((أتعرفون هذا المقبل))  ؟
 فقال له حبيب بن مظاهر : هذا رجل من بني حنظلة تميم ، وهو ابن اختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد !
 فجاء فسلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين : ((كتب إليّ أهل هذا المصر أن اقدم علينا ، فأما إذا كرهتموني فأنا منصرف عنكم))  .
 فقال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة ، أين تذهب إلى القوم الكافرين ، انصر هذا الرجل الذي أيدك الله بآبائه .
 فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي جواب رسالته وأرى رأيي .
 فانصرف إلى ابن سعد وأخبره ، فقال عمر بن سعد لعنه الله : أسأل الله أن يعافيني من حربه .
 قال : وكتب إلى عبيدالله بن زياد : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عن ما أقدمه وما ذا يريد ، فقال : ((كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم ففعلت ، فأما إذا كرهتموني وبدا لهم غير الذي أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم))  .
 فلما ورد الكتاب إلى عبيدالله بن زياد قال :
الآن قد علقت به مخالبنــا * يرجو النجاة ولات حين مناص

 وكتب إلى عمر بن سعد : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا فيه ، والسلام (1) .
 وروي أن الحسين عليه السلام لما رأى حرص القوم على تعجيل قتاله ، وقلة انتفاعهم بمواعظ مقاله ، قال لأخيه العباس : ((إن استطعت أن تصرف عنا القوم هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة ، فإنه يعلم أني أحب الصلاة له والتلاوة لكتابه))  .
 قال : فسألهم العباس ذلك ، فتوقّف عمر بن سعد لعنه الله ، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ! فأجابوهم إلى ذلك .
 قال : وجلس الحسين عليه السلام في خباه ، فرقد ثم استيقظ وقال لزينب :  ((يا أختاه ، إني رأيت الساعة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن عليهم السلام وهم يقولون : يا حسين ، إنك رائح إلينا عن قريب))  .
 فلطمت زينب على رأسها وصاحت ، فقال لها الحسين عليه السلام : ((مهلا ، لا يشمت القوم بنا فيقولون جبن أبو عبدالله عن القتال))  .
 فلما جاء الليل جمع أصحابه ـ وكانوا نيفا وسبعين رجلا ـ فحمد الله وأثنى عليه وقال:((إني لا أعلم أصحابا أصلح منكم ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوفى من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا ، فهذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه سترا جميلا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري )).
 فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر : (( لم نفعل ذلك لنبقي بعدك ، لا أرانا الله ذلك أبدا )) ، بدأهم بهذا القول العباس بن علي وتبعته الجماعة .
 قال : ثم نظر الحسين إلى بني عقيل وقال : ((حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم))  .
 قال : فأجابوه وقالوا : (( يا ابن رسول الله ، ما يقول الناس لنا وما نقول لهم إذا تركنا شيخنا وكبيرنا وابن بنت نبينا لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يا ابن رسول الله لا نفارقك أبدا ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى تقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك)) .
 ثم قام مسلم بن عوسجة فقال : ((نحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك الأعداء ؟! لا والله لا يرانا هكذا أبدا حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح لقاتلـ[تـ]ـهم بالحجارة ولا أفارقك أو أموت معك)) .
 ثم قام سعيد بن عبدالله الحنفي وقال : (( لا والله يا ابن رسول الله ، لا نخليك أبدا حتى يعلم الله أنا قد حفظنا وصية رسول الله فيك ، والله لو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حيا ثم أذرى في الهواء يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقيى حمامي دونك )).
ثم قام زهير وقال : (( والله يا ابن رسول الله ، وددت أن أقتل ثم أنشر حتى يفعل بي ذلك ألف مرة وأنّ الله يدفع بي عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوانك وولدك وأهل بيتك)).
 وتكلم جماعة من أصحابه بمثل هذا الكلام ونحوه ، فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : ((ارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم » . فرفعوا رؤوسهم وجعل يقول لهم : ((هذا منزلك يا فلان ، وهذا منزلك يا فلان )) ، فجعل الرجل منهم يستقبل الرماح والسيوف بنحره وصدره ليصل إلى مكانه من الجنة (1) .
روي أنه لما كان اليوم العاشر من المحرم ـ وما أدراك ما اليوم العاشر ، يوم لا سؤدد إلا وانقضى ، وحسام للعلى إلا وفُلا ـ أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك ، كثير وجعل عندها نورة ، وجعل يطلي وبرير بن خضير الهمداني وعبدالرحمان الأنصاري واقفان بباب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبدالرحمان ، فقال له عبدالرحمان : يا برير ، ما هذه بساعة ضحك ولا باطل !
 فقال له برير : (( لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا لما نصير إليه ، والله ما هو إلا أن تميل القوم علينا بأسيافهم فنعانق الحور العين)) . قال : فسرّه كلامه (1) .
 ثم إن عمر بن سعد لعنه الله رتّب عسكره ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين ، فجعل ابنه حفصا على ميمنته ، وعمرو بن الحجاج على ميسرته ، وحميد بن مسلم على [الـ]جناح الأيمن ، والشمر على [الـ]جناح الأيسر ، ووقف هو في القلب ومعه صناديد الكوفة (2) .
 ثم أمر النبالة أن تتقدم أمام القوم وأمرهم أن يرشقوا عسكر الحسين بالسهام ، فتقدم اثنا عشر ألف نبّال وأوتروا ، فأقبلت السهام كأنها قطر السماء فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : ((قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فهذه السهام رسل القوم إليكم)). (3)
 ثم إنه رفع يده إلى السماء وقال : ((اللهم أنت ثقتي في كل شدة ، ورجائي في كل كرب ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، [ إلهي ] كم من كرب يضعف عنه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت به العدو ، أنزلته بك ، وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عن من سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة ، وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة))  .
 واقبل القوم يجولون حول بيت الحسين عليه السلام فيرون النار تتقد في الخندق في ظهر البيوت ، فنادى الشمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين ، ويا أصحاب حسين ، استعجلت بالنار قبل يوم القيامة .
 فقال الحسين عليه السلام : ((من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن)).. ثم قال الحسين له : ((يا ابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّا))  .
 ورام مسلم بن عوسجة يرميه بسهمهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك ، فقال له : ((دعني أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه))  .
 فقال الحسين عليه السلام : ((إني أكره أن أبدأهم بقتال)) (1) .
 ثم إنه عليه السلام صف أصحابه ورتبهم ميمنة وميسرة في مراتبهم ، فجعل ابنه علي بن الحسين في ميمنته ، وحبيب بن مظاهر في ميسرته ، وزهير في جناحه الأيمن ، ومسلم بن عوسجة في جناحه الأيسر ، ووقف هو في القلب ، وأعطى رايته أخاه العباس (2) .
 ثم إنه تقدم قبالة القوم ونظر إلى صفوفهم كأنهم السيل ، فقال : ((الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته ، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيّب { طمع } (1) من طمع فيها ، وأراكم قد اجتمعتم على أمر أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وأحرمكم (2) رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، فبُعدا للقوم الظالمين)).
فقال عمر بن سعد : كلموه فإنه ابن أبيه ، فوالله إن وقف فيكم موقفا بعد موقف لما انقطع ولما حصر . فكلموه.
روي أن الحسين عليه السلام يوم الطف نادى : ((يا شبث بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ أنه قد اينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنما تقدم على جند لك مجنّدة))  .
 فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن أنزل على حكم بني عمك ، فإنهم ما يرونك إلا ما تحبّ .
 فقال عليه السلام : ((لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد )).
ثم إنه عليه السلام دعا بفرسه فركبه وتقدم إليهم فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا له حتى قال لهم : ((ويلكم ، ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا منّي ، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من الراشدين ، ومن عصاني كان من الهالكين ، وكلّكم عاص لأمري ، غير مستمع قولي ، قد ملئت بطونكم من الحرام ، وطبع على قلوبكم ، ويلكم ألا تنصتون ، ألا تسمعون ؟)).
 فتلاوم أصحاب ابن سعد بينهم وقال بعضهم : انصتوا له ، فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على الملائكة والأنبياء (3)وأبلغ في المقال ، ثم قال : (( تبا لكم أيتها الجماعة وترحا وبؤسا ، حين استصرختمونا والهين ، فأصرخناكم موجفين (1) ، شحذتم علينا سيفا كان في أيدينا ، وحششتم (2) علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألبا (3) على أوليائكم ويدا لأعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منا إليكم ، فمهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش (4) طامن والرأي لما يستصف ، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا وتهافتمّ إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها سفها وضلة ، فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة ، وبقية الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومطفئ السنن ، ومخالفي الملل ، ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ، وعصاة الايمان ، وملحقي العهرة بالنسب ، لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، فهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون .
 أجل والله الخذل فيكم معروف ، نبتت عليه أصولكم ، وتآزرت عليه عروقكم ، فكنتم أخبث شجرة للناظر ، وأكلة للغاصب ، ألا لعنة الله على الظالمين الناكثين ، الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا .
 ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلة ، وهيهات له منا الذلة ، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طهرت ، وبطون طابت ، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
 ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر)).
وتمثّل صلوات الله عليه بهذه الأبيات :
فإن نهزم فهزّامون قدما * وإن نغلب فغيــر مغلّبينا
فما إن طبنا جبن ولكـن * منايانــا ودولـة آخرينا
إذا ما الموت رفّع عن أنـاس * كلاكلــه أنــاخ بآخرينـا
فأفنى ذلكـم سروات قومــي * كمــا أفنـى القرون الأولينا
فلو خلد الملـوك إذا خلدنــا * ولــو بقي الكـرام إذا بقينا
فقل للشامتيـن بنــا أفيقـوا * سيلقــى الشامتون كما لقينا
ثم قال عليه السلام لهم : ((وأيم الله إنكم لا تلبثون بعدها إلا ريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دوران الرحى ، وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ جدّي ، {فأجمعوا أمركم وشركائكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون}  (1) {إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربّي على صراط مستقيم}  (2) .
 اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة (3) ما منهم إلا قتله))  .
 ثم ضرب بيده الشريفة على لحيته وجعل يقول : ((اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا ، واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم .
 أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي مغصوب عليّ حقّي)).
روي أن الحسين عليه السلام لما لقى العسكر نادى : ((أما من مغيث يغيثنا لوجه الله ، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله))  .
 فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل إلى عمر بن سعد لعنه الله فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟
 فقال : إي والله ، قتالا ايسره أن تطير فيه الرؤوس وتطيح الأيدي .
 قال : فمضى الحر ووقف موقفا من أصحابه وأخذه مثل الأفكل ، فقال له مهاجر بن أوس : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ؟ لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك ؟!
 فقال : والله إنّي أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئا ، ولو قطّعت وأحرقت .
ثم ضرب فرسه واجتاز إلى عسكر الحسين عليه السلام ، واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك أتيت تائبا فتُب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد أنبيائك .
 فقال للحسين : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعتك في هذا المكان ، وما كنت أظنّ أنّ القوم يبلغون منك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله ، فهل ترى لي من توبة يا أبا عبدالله ؟
 فقال له الحسين عليه السلام : ((نعم يتوب الله عليك » . ثم قال له : « انزل))  .
 فقال الحر : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري .
 ثم قال : إذ كنت أول خارج خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك ، لعليّ أكون أول من يصافح جدك صلى الله عليه وآله وأباك عليا في عرصات القيامة .
 فأذن له الحسين عليه السلام ، فتقدم الحر إلى عساكر الكوفة ، ثم نادى : يا أهل الكوفة ، لأمكم الهبل ، دعوتم هذا الرجل المؤمن حتى إذا أتاكم خرجتم لقتاله ومنعتموه الماء الذي تشربه الكلاب والخنازير ، لا سقاكم الله يوم الظمأ .
 ثم إنه همز جواده ، وقوّم سنانه بين أذن حصانه وقاتل قتالا يسرّ الأحرار ، ويرضي الجبار ، وهو ينشد ويقول :
إني أنـا الحــرّ ومأوى الضيف * أضرب فـي أعناقكـم بالسيــف
أضربكــم ولا أرى من حيــف * عن خير من حلّ بأرض الخيف
وروي أن الحر لما لحق بالحسين قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان : أما والله لو لحقت بالحر لأتبعته السنان . فبينما هو يقاتل وإن فرسه لمضروب على أذنه وحاجبيه والدماء تسيل منه ، فالتفت الحصين إلى يزيد وقال له : هذا الحر الذي كنت تتمناه .
 قال : فخرج إليه ، فما لبث الحرّ أن قتل يزيد وقتل معه أربعين فارسا وثلاثين راجلا ، فعرقب فرسه فبقي راجلا ويقول :
إني أنا الحر ونجل الحر * اشجع من ذي لبد هزبر
ولست بالجبان عند الكر * لكننـي الوثّاب عند الفر
فلم يزل يجال الشجعان ، ويقطر الأقران ، ويبلي الأعذار ، في نصرة قرة عين المختار ، حتى قتل وانتقل إلى جوار الملك الغفار ، في دار القرار ، فلما قتل مشى إليه الحسين وجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ((أنت حر كما سمّتك أمّك))  .
 ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام بهذا الأبيات ، وقيل : عليّ بن الحسين عليه السلام :
فنعم الحر حر بنـي ريـاح * صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ واسـا حسينـا * فجـاد بنفسه عند الصباح
فأقرره إلهــي دار خلــد * وزوّجه من الحور الملاح

 واشترك في قتله أبو أيوب الغنوي ورجل من فرسان أهل الكوفة (1) .
روي في كتاب(( الملهوف على قتلى الطفوف)) : أنه لما استشهد الحر رضي الله عنه برز من بعده برير بن خضير الهمداني ، فلما حاذ الحسين عليه السلام قال: السلام عليك يا ابن رسول الله ، أستودعك الله .
 فأجابه الحسين : ((وعليك السلام ، ونحن خلفك))  . وقرأ عليه السلام{ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}  (1) .
 ثم نادى برير : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين .
 وكان برير زاهدا عابدا ، وكان أقرأ أهل زمانه ، فحمل على القوم وهو يقول :
أنا بريــر وأبو خضيــر * ليث يروع الأسد عن الزير
يعرف فينا الخير أهل الخير * ذلك فعل الخيــر من برير

 فلم يزل يقاتل حتى قتل عشرين فارسا وثلاثين راجلا ، فخرج إليه يزيد بن معقل واتفقا على المباهلة إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب منهما وأن يقتل المحقّ المبطل منهما ، فتلاقيا فقتله برير وقتل معه عدّة من الرجال ، فتكاثروا عليه فقتلوه رحمة الله عليه ، فلما قتل برير عظم ذلك على الحسين عليه السلام (2) .
 قال : فخرج من بعده وهب بن حباب الكلبي ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكانت امرأته ووالدته معه ، فقالت له أمه : جاهد بين يدي ابن بنت رسول الله . فقال : أفعل يا أماه ولا أقصّر .
 ثم إنه شدّ على قلب الجيش واقتحم المعمعة وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن الكلــب * سوف تروني إذ ترون ضربي
وحملـني وصولتي في الحرب * أدرك ثـاري بعد ثار صحبي
ليس جهادي في الوغى باللعب * وأدفــع الكرب أمام الكرب

 فلم يزل يقاتل حتى قتل عشرين فارسا ، ثم رجع إلى أمه وامرأته فقال : يا أماه ، ارضيت عنّي بنصرتي للحسين ؟
 فقالت له : والله ما أرضي عنك إلا أن أراك قتيلا بين يدي الحسين .
 فقالت له امرأته : بالله لا تفجعني بنفسك .
 فقالت له أمه : يا بنيّ ، اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعته يوم القيامة .
 فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فلما رأته زوجته أخذت عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : قاتل يا وهب فداك أبي وأمي ، قاتل دون الطيبين ، قاتل دون حرم رسول ربّ العالمين .
 فاقبل كي يردّها إلى النساء ، فأبت وقالت : لن أعود حتى أموت معك . فاستغاث زوجها بالحسين ، فأتاها الحسين عليه السلام وقال لها : ((جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله))  .
 فقاتل بعلها حتى قتل ـ على ما نقل ـ من القوم خمسين رجلا ما بين فارس وراجل ، ثم قتل رحمه الله ، فجاءت إليه إمرأته وجعلت تمسح الدم عن وجهه ، فأمر عمر بن سعد غلاما له فضربها بعمود من حديد ، فشدخ راسها فماتت رحمة الله عليها ، وكانت أول امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام (1) .
 ثم برز خالد بن عمر وقاتل قتال المشتاقين إلى لقاء رب العالمين ، ثم كرّ على القوم كرة الليث الجريء وهو ينشد ويقول :
صبرا على الموت بني قحطان * كيما تكونوا في رضى الرحمان
ذي المجد والعـزة والبرهـان * وذي العلا والطـول والإحسان
يا أبتا قد صـرت للجنــان * في قصر فضـل حسن البنيان

 ولم يزل يحمل فيهم حتى قتل ، رحمة الله عليه (1) .
 ثم برز من بعده عمر بن خالد الأزدي وقاتل قتال الأبطال وجدّل بسيفه الرجال وهو يقول :
إليك يا نفسي إلى الرحمـان * وأبشـري بالروح والريحان
اليوم تجزين على الإحسـان * ما كـان منك غابر الأزمان
ما خطّ في اللوح لدى الديان * لا تجزعــي فكل حي فان

 ثم قاتل حتى قتل رحمة الله عليه(2) .
 وبرز من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، فودّع الحسين عليه السلام وحمل على القوم وهو ينشد ويقول :
صبرا على الأسياف والأسنّة * صبـرا عليهـا لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنّــة * لمن يريد الفــوز لا بالظنّة

 ثم اقتحم القلب وقاتل قتالا شديدا حتى قتل رحمة الله عليه (3) .
 ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، وهو يرتجز يقول :
إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبـد * من فرع قوم من ذرى بني أسد
فمن بغانا حائدا عن الرشد * وكافرا بدين جبــار صمد

 فقاتل حتى سقط عن فرسه إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين : ((رحمك الله يا مسلم))  . ثم قال عليه السلام : {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا} ، ودنا منه حبيب وقال : يعزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، فأبشر بالجنة .
 فقال له قولا ضعيفا : بشرّك الله بخير .
 فقال له حبيب : لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بجميع ما أهمّك .
 فقال له مسلم : إني أوصيك بهذا خيرا ـ واشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت .
 فقال له حبيب : لأنعمنّك عينا . ثم مات رحمه الله .
 قال : وصاحت جاريته : يا سيّداه ، يا ابن عوسجاه . فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة . فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون عزّكم ، أتفرحون بقتله ؟ ولقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين (2) .
 ثم برز من بعده عمرو بن قرظة الأنصاري واستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من اللعناء ، وجمع بين سداد وتقى ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم إلا اتّقاه بصدره ، ولا سيف إلا تلقّاه بنحره ، فما وصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أوفيت يا ابن رسول الله ؟
 قال : ((نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر))  . ثم قاتل حتى قتل ، رحمة الله عليه (1) .
 ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري ، وكان عبدا أسودا ، فقال له الحسين عليه السلام : ((أنت في حلّ من بيعتي ، فإنما تبعتنا طلبا للعافية ، فلا تبتلي ببلائنا))  .
 فقال : يا ابن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ؟! والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليّ بالجنة ، حتى يطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود بدمائكم . فلم يزل كذلك حتى أذن له الحسين ، فبرز للقتال وهو يقول :
كيف ترى الفجار ضرب الأسود * بالمشرفــي القاطــع المهند
بالسيف ذدنا عـن بنــي محمد * أذبّ عنهــم بالسنـان واليـد
أرجو بذاك الفوز عنــد المورد * من الإلـه الأحــد الموحــد
إذ لا شفيــع عنــده كأحمد

 فقاتل حتى قتل (2) . فوقف عليه الحسين عليه السلام . وقال : ((اللهم بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرف بينه وبين محمد وآله الأطهار)).
 وروي عن الباقر عليه السلام ، عن علي بن الحسين عليهما السلام : ((أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك والعنبر ، رضوان الله عليه))  (1) .
 قال : وبرز من بعده عمرو بن خالد الصيداوي (2)وقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبدالله جعلت فداك ، قد هممت بأن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيدا من أهلك أو قتيلا .
 فقال له الحسين : ((تقدم فإنا لاحقون بك بعد ساعة))  .
 فتقدم وقاتل حتى قتل ، رحمة الله عليه (3) .
 قال : وجاء حنظلة بن سعد الشامي (4) ووقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد  (5) ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم بعذاب منه وقد خاب من افترى (6) .
 ثم التفت إليه الحسين عليه السلام وقال له : ((يا ابن سعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين))  ؟
فقال للحسين عليه السلام : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بإخواننا ؟
 فقال : ((بلى ، رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى))  .
 فتقدم فقاتل قتال الأبطال وصبر على احتمال الشدائد والأهوال حتى قتل ، حرمة الله عليه (1) .
 قال الراوي : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف من رجاله ، ثم صلى بهم صلاة الخوف ، فوصل إلى الحسين سهم فوقاه سعيد بن عبدالله بنفسه ، فما زال لا يتخطّاه حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك محمدا عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصرة ذرية نبيك . ثم قضى نحبه ، رحمة الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى النبل بالأحجار والسيوف والرماح (2) .
 ثم برز من بعده سويد بن عمرو بن أبي مطاع وتقدم أمام الحسين عليه السلام واستأذنه إلى الحرب ، فخرج فقاتل قتال الأسد الباسل ، وصبرعلى مصالات نار الخطب النازل ، حتى أثخن بالجراح وسقط بين القتلى ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكّينا من خُفّه وجعل يقاتلهم بها حتى قتلوه ، رحمة الله عليه (3) .
 قال : وخرج شابّ قتل أبوه في المعركة وكانت أمه معه ، فقالت له : اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله . فخرج ، فقال الحسين عليه السلام : ((هذا شابّ قتل أبوه ، ولعلّ أمه تكره خروجه)).
فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
حسين أميري ونعم الأميـر * سرور فؤاد البشيـر النذير
علـيّ وفاطمـة والــداه * فهل تعلمون لـه من نظير
له طلعة مثل شمس الضحى * له غــرّة مثـل بدر منير

 وقاتل حتى قتل ، واحتزوا رأسه ورموا به إلى نحو عسكر الحسين ، فأخذت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا ولدي ، ويا سرور قلبي ، ويا قرة عيني . ثم رمت برأس ولدها فأصابت رجلا فقتله ، وأخذت عمودا وحملت عليهم وهي تقول :
أنا عجوز سيدي ضعيفة * خاويــة باليـة نحيفـة
أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفـة

 وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها (1) .
 قال : وبرز من بعده زهير بن القين وهو يرتجز ويقول :
أنا زهيــر وأنا ابن القيـن * أذود بالسيف عـن الحسيــن
إن حسينــا أحد السبطيـن * من عترة البرّ التقي الزّيــن
أضربكم ولا أرى من شيــن * يا ليت نفسي قسّمت قسمين (2)

 فقاتل قتالا يشيب الوليد ، ويرعب من هوله قلب الصنديد ، حتى قتل كما روي مئة وعشرين فارسا وستين راجلا ، فشدّ عليه كثير بن عبدالله ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : ((لا أبعدك الله يا زهير ، ولعن الله قاتلك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير))  (3) .
 ثم برز من بعده حبيب بن مظاهر الأسدي فشدّ شدّة السرحان وأدخل نفسه في حلق الطعان ، وهو ينشد مرتجزا ويقول :
أنا حبيب وأبي مظاهر * وفارس قوم ونار تسعر
وأنتم عند العديـد أكثر * ونحن أعلى حجة وأظهر
وأنتم عند الوفاء أغـدر * ونحن أوفى منكم وأصبر

 فلم يزل يقاتل حتى شد عليه رجل من تميم فطعنه ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع ونزل التميمي فاحتزّ رأسه (1) .
ثم برز من بعده غلام تركي للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن ، موحدا للعلي الديّان ، فبرز وهو ينشد ويقول :
البحر من طعني وضربي يصطلي * والجو من سهمـي ونبلـي يمتلي
إذا حسامي في يمينـي ينجلــي * ليشف قلـب الماجـد المبجّــل

 فقتل جماعة منهم ثم خرّ صريعا ، فشدّ الحسين على قاتله وقال له : ((قتلني الله إن لم أقتلك )).فضربه بالسيف على هامته أخرجه من شرايف صدره (1) ، ثم وقف على الغلام وبكى ، ووضع خدّه على خدّه ، ففتح الغلام عينيه فرأى الحسين عليه السلام فتبسم ثم صار إلى ربه (1) .
 قال : وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يتسارعون إلى القتل بين يديه ويبذلون الأرواح لديه ، ولله درّ من قال :
يبرزون الوجوه تحت ظلال * الموت والموت منهـم يستظلّ
كرماء إذ الضبا غشيتهــم * منعتهم أحسابهـم أن يولّــوا
روي في كتاب(( الملهوف على قتلى الطفوف))  أنه لما تفانى أصحاب الحسين عليه السلام ولم يبق معه إلا أهل بيته وهم ولد أميرالمؤمنين عليه السلام وولد جعفر وولد عقيل وولد الحسن السبط وولده عليه السلام ، اجتمعوا وجعل يودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب ، فأول من برز منهم عبدالله بن مسلم بن عقيل ، وشدّ على القوم وهو يرتجز ويقول :
اليوم ألقى مسلمــا وهو أبي * وفتيـة بادوا على ديـن النبي
ليسوا بقوم عـرفـوا بالكذب * لكـن خيـار وكـرام النسب
من هاشم السادات أهل الحسب

 فقاتل حتى قتل في ثلاث حملات ثمانية وتسعين فارسا ، ثم قتله عمر بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك (1) .
 ثم برز من بعده محمد بن مسلم ، فقاتل حتى قتل ، وقاتله محمد بن علي الأزدي ولقيط بن إياس الجهني (1) .
 ثم برز من بعده جعفر بن عقيل ، وشدّ على القوم بسيفه وهو يرتجز ويقول :
أنا الغلام الأبطحي الطالبي * من معشر في هاشم وغالب
ونحن حقا سادة الذوائـب * هذا حسيـن أطيب الأطائب
من عترة البرّ التقيّ العاقب

 فقتل تسعة عشر رجلا ، ثم قتله بشر بن سوط الهمداني (2) .
 ثم برز من بعده أخوه عبدالرحمان بن عقيل ، فقتل سبعة عشر فارسا ، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني (3) .
 ثم برز من بعده أخوه عبدالله الأكبر بن عقيل ، فقتله عثمان بن مسلم (4) .
 ثم برز عبدالله الأكبر بن عقيل ، فقتله عثمان بن خالد الجهني(5) .
 ثم برز من بعده محمد بن أبي سعيد بن عقيل الأحول ، فقتله لقيط بن ياسر الجهني (6).
ثم برز من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر الطيار ، فقاتل حتى قتل عشرة أنفس ، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي (1) .
 ثم برز من بعده عون بن عبدالله بن جعفر ، فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه (2) .
 ثم خرج من بعده القاسم بن الحسن عليه السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم كان وجهه فلقة القمر ، فلما نظر الحسين عليه السلام إليه اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشى عليهما ، فلما أفاقا استأذن القاسم الحسين في البراز ، فأبى أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتى أجازه ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فكرّ على الجموع ، بالصارم اللموع ، وهو ينشد ويقول :
إن تنكروني فأنـا ابن الحسـن * سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالأسيـر المرتهـن * بين أناس لاسقوا صوب المزن

 فقاتل قتالا يحيّر عقول أرباب العقول وصبر على احتساء كأس البلاء المهول ، حتى قتل على صغر سنه وشدّة عطشه خمسة وستين رجلا .
 قال حميد بن مسلم : كنت في عسكر ابن سعد ، وكنت أنظر إلى هذا الغلام وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى ، فقال عمر بن سعد الأزدي : والله لأشدّنّ عليه . فقلت له : سبحان الله ، وما تريد بذلك ؟ أما والله لو ضربني ما بسطت يدي إليه بسوء ، يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه .
 فقال : والله لأقتلنّه . فشدّ عليه ، فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : ((يا عماه))  . فجلى الحسين عنه كما يجلى الصقر ، ثم شدّ شدّة ليث مغضب ، فضرب عمرا قاتل القاسم بالسيف ، فاتّقاده بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح صيحة هائلة ، فحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين عليه السلام فوطأته الخيل حتى هلك لا رحمه الله تعالى .
 قال حميد بن مسلم : فانجلت الغبرة وإذا بالحسين عليه السلام قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجله الأرض والحسين يقول : ((بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك))  .
 ثم قال : ((قد عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يغني عنك شيئا ، هذا يوم والله كثر واتره وقلّ ناصره)).ثم حمله صلوات الله عليه على صدره .
 قال حميد : كأني أنظر إلى رِجلي الغلام تخطان في الأرض وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يريد أن يصنع به ؟ فجاء حتى وضعه بين القتلى من أهل بيته (1) .
 ثم برز من بعده أخوه عبدالله بن الحسن عليه السلام فقاتل قتالا شديدا حتى قتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي (2) .
ثم برز من بعده اخوه أبو بكر بن الحسن عليه السلام فقتله عقبة الغنوي (1) .
 ثم برز من بعده علي بن الحسين ، وكان من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه الحسين نظرة آيس منه وأرخى عليه السلام عينيه على خدّيه وبكى ، ثم قال : ((اللهم اشهد عليهم أنه قد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك خلقا وخُلقا ومنطقا وسمتا))  (2) .
 قال الراوي : فتقدم عليّ نحو القوم ونظر إلى صفوفهم فشدّ عليه بسيفه وهو يرتجز ويقول :
أنا علي بن الحسيــن بن علي * من عصبــة جد أبيهـم النبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعــي * أطعنكم بالرمح حتـى ينثنــي
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * ضرب غلام هاشمــي علوي

 فلم يزل يقاتل حتى ضجّ الناس لكثرة من قتل منهم ، حتى روي أنه قتل على ماهو فيه من العطش مئتين وعشرين رجلا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من الماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟
 فبكى الحسين عليه السلام وقال : ((واغوثاه ، يا بُني قاتل قليلا فما أسرع أن تلقى جدك محمدا صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا))  .
 ثم قال : ((يعزّ على محمد وعليّ أن تدعوهما فلا يجيبوك ، وتستغيث بهما فلا يغيثوك ، يا بُني ، هات لسانك))  .
 فأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال : ((أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك)) . فرجع إلى القتال وشدّ على الرجال وهو يقول :
الحرب قد بانت لها الحقائق * وظهرت من بعدها المصادق
والله رب العرض لا نفارق * جموعكـم أو تغمد البوارق

 فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام ثلاث مئة ، ثم ضربه مرة من منقذ العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته وتناوشه الناس بأسيافهم ، ثم إنه اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بأسيافهم إربا إربا ، فلما بلغت روحه التراقي نادى رافعا صوته : (( يا أبتاه ، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول : العجل العجل ، فإنّ لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة)).
 فصاح الحسين عليه السلام وقال: (( قتل الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا)).
 قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول : واحبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، يا ابن أخاه . فسألت عنها ، قيل لي : هي زينب بنت علي ، وجاءت وانكبّت على جسد علي بن الحسين عليه السلام ، فجاء الحسين إليها وأخذ بيدها وردها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه السلام بباقي فتيانه وقال : ((احملوا أخاكم رحمكم الله))  . فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط (1) .
 ثم خرج من بعده أبو بكر بن علي ، واسمه عبدالله ، فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي وعبدالله بن عقبة الغنوي (2) .
 ثم برز من بعده عمر بن علي وحمل على زحر قاتل أخيه فقتله واستقبل القوم ، فلم يزل يقاتل حتى قُتل (3) .
ثم برز من بعده عثمان بن علي ، وحمل على القوم وهو يقول :
إني أنـا عثمان ذو المفاخر * شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر
وابـن عم للنبي الطاهــر * أخي حسين خيرة الأخايــر
وسيــد الكبار والأصاغر * بعد الرسول والوصي الناصر

 فلم يزل يقاتل حتى رماه حرملة بن كاهل ، وقيل : خولّي بن يزيد ، على جبينه ، فسقط عن جواده ، واحتزّ رأسه رجل من أبان بن دارم (1) .
 ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي ، فجاهد وأبلغ في الجهاد ورتّب قواعد الضرب والجلاد ، فرماه خولّي الأصبحي فسقط إلى الأرض فمات (2) ، فعندها صاح الحسين عليه السلام : ((صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم بعد هذا اليوم هوانا))  (1) .
 وروى النعماني في غيبته (2) ان الحسين لما راى مصارع فتيانه وأحبّته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى : « هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله ؟ { هل من موحّد يخاف الله فينا ؟ } (3) هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا ؟))..
 فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم الى باب الخيمة وقال لزينب : ((ناوليني ولدي الصغير حتى أودّعه)). فأخذه فأومأ إليه ليقبّله ، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه ، فقال الحسين عليه السلام لزينب : ((خذيه)) ، ثم تلقّى الدم بكفيه ، فلما امتلأتا رمى بالدم إلى نحو السماء ثم قال : ((هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله))  .
 قال الباقر عليه السلام : ((فلم يسقط من ذلك الدم قطرة واحدة)) (4) .
 ثم إنه دنى من الخيمة ونادى : ((يا سكينة ، يا فاطمة ، يا زينب ، يا أم كلثوم ، عليكنّ مني السلام))  .
 فنادته سكينة : استسلمت للموت يا أبت ؟
 قال : ((كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين))  .
 فقالت : يا أبت ، ردّنا إلى حرم جدّنا رسول الله .
فقال : ((هيهات ، لو ترك القطا لنام))  .
 فتصارخن النساء ، فسكتهنّ (1) ، ثم خرج ونادى : ((قرّبن إليّ فرسي واسردنّ عليّ سلاحي)). فقرّبن إليه فرسه فركب ووقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول :
أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشــم * كفانــي بهذا مفخـرا حين أفخر
وجدّي رسول الله أكـرم من مشـى * ونحن سراج الله في الأرض نزهر
وفاطم أمـي مـن سلالــة أحمـد * وعمّي يدعـى ذو الجناحيـن جعفر
وفنيا كتــاب الله أنـزل صادقـا * وفينا الهدى والوحي بالخيـر يذكر
ونحـن أمـان الله للخلــق كلهم * نسـرّ بهذا فـي الأنـام ونجهــر
ونحن ولاة الحوض نسقي محبنـا * بكأس رسـول الله ما ليس ينكــر
وشيعتنـا في النـاس أكـرم شيعة * ومبغضنـا يوم القيــامة يخسـر
قال : ثم إنه عليه السلام دعا الناس الى البراز ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول :
الموت خير من ركوب العـار * والعار أولى (2) من دخول النار

 فقتل منهم ما شاء الله ، ثم حمل على الميسرة وهو ينشد ويقول :
أنــا الحسيــن بن علي * آليــت أن لا أنــثنــي
أحمـي عيــالات أبــي * أمضي على دين النبــي (3)

 قال الراوي : واشتدّ العطش بالحسين ، فركب المسناة (4) يريد الفرات وأخوه العباس معه ، فاعترضه خيل ابن سعد لعنه الله واقتطعوا عنه أخاه العباس ، فكمن له زيد بن ورقاء وحكيم بن الطفيل فقتلاه ، فلما قتل العباس بكى الحسين بكاءا شديدا ونادى : ((الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي)) (1) .
قال حميد بن مسلم : فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأنصاره وأصحابه أربط جأشا منه ، وإنه كانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان صلوات الله عليه يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : ((لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).
ثم إنه لم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ((ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون))  .
 قال : فناداه الشمر لعنه الله : ما تقول يا ابن فاطمة ؟
 فقال عليه السلام : ((أقول أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيّا))  .
 فقال له الشمر : لك ذلك يا ابن فاطمة . ثم صاح شمر : اليكم عن حرم الرجل واقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفؤ كريم .
 قال : فقصدوه القوم فجعل يحمل فيهم وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء فلا يجدها ، فلما اشتد به العطش حمل بفرسه على الفرات ، وكان عليه عمرو بن الحجاج والأعور السلمي مع أربعة آلاف رجل ، فكشفهم عن الفرات ، واقتحم الفرس المورد (1) .
 فلما أحسّ الفرس ببرد الماء أولغ برأسه ليشرب فناداها الحسين عليه السلام : ((أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لا ذقت الماء حتى تشرب)). فلما سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه ولم يشرب كأنه فهم الكلام ، فقال له الحسين عليه السلام : ((إشرب فأنّا أشرب))  . فمدّ الحسين عليه السلام يده وغرف غرفة من الماء فناداه فارس من القوم : يا أبا عبدالله ، تتلذّذ بشرب الماء وقد هتك حرمك ؟! فنفض الماء من يده وحمل على القوم وكشفهم عن الخيمة ، فإذا هي سالمة (2) .
 قال : فجعل الحسين عليه السلام يطلب الماء والشمر لعنه الله يقول : لا تذوقه أو ترد النار !
 فقال له رجل منهم : ألا ترى يا حسين إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات ، والله لا تذوق منه قطرة أو تموت عطشا !
 فقال الحسين عليه السلام : ((اللهم أمته عطشا))  .
 قال : والله لقد كان ذلك الرجل يقول : اسقوني ماء فيؤتى له بعسّ من الماء لو شرب منه خمسة لكفاهم ، فيشرب حتى يثغر (1) ثم يقول : اسقوني قتلني العطش ! فلم يزل كذلك حتى مات لا رحمه الله (2) .
 قال : ثم رماه حرملة بن كاهل فوقع السهم في جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فانتزع السهم وهو يقول : ((اللهم إنك ترى ما يصنع بي هؤلاء العصاة ، اللهم فاحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا))  .
 ثم حمل عليهم في أمرّ ساعة من ساعات الدنيا فجعل لا يلحق بأحد منهم إلا اختطف رأسه بسيفه عن جسده ، والسهام تأخذه من كل مكان ، وهو يلتقيها بصدره ونحره ويقول : ((يا أمّة السوء ، بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله بل يهون عليكم قتلكم إياي ذلك ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة))  .
 قال : ثم إنه لم يزل يقاتل حتى أصابه ـ كما نقل ـ ألف وتسع مئة جراحة ، وكانت السهام في جلده كالشوك في جلد القنفذ ، وروي أنها كانت كلها في مقدمه ، فوقف يستريح إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح عن وجهه فأتاه سهم محدود مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره ، وقيل : في قلبه ، فقال عليه السلام : ((بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله))  . ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : ((إلهي ، إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيره))  .
 ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه ، ثم وضع يده ثانية فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : ((هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي مغصوب عليّ حقي وأقول : يا جداه ، قتلني فلان وفلان))  .
 ثم ضعف عن القتال ، وكلما أتاه رجل انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه حتى أتاه رجل من كنده يقال له « مالك بن النسر » لعنه الله ، فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على رأسه الشريف فقطع البرنس ووصل السيف إلى فرقه فامتلأ البرنس دما ، فقال له الحسين عليه السلام :((لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين ))ثم رمى البرنس عن رأسه واستدعا بخرقة وشد بها رأسه ، ولبس قلنسوة واعتمّ عليها (1) .
 قال : ثم انهم لبثوا هنيئة ثم داروا عليه وأحاطوا به ، فخرج عبدالله بن الحسن عليه السلام وهو غلام لم يراهق ، فخرج من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب لتحبسه ، فقال الحسين عليه السلام لها : ((احبسيه يا أختاه)) . فأبى وامتنع امتناعا شديدا وقال: (( لا والله لا أفارق عمي الحسين)) . فأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة الأسدي ـ إلى الحسين بالسيف فاتقاها الغلام وقال : ((ويلك يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ؟)) وتلقّى السيف بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : ((يا عماه)) . فأخذه الحسين عليه السلام وضمه إلى صدره وقال : ((يا ابن أخي ، اصبر على ما نزل بك ، فإنه بعين عناية الله ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين)).
قيل : ورماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه في حجر عمه (1) .
 ثم إن الشمر لعنه الله حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ثم قال : عليَّ بالنار لأحرقه على من فيه .
 فقال له الحسين عليه السلام: (( أنت الداعي بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، أحرقك الله بالنار)). فجاء شبث بن ربعي فوبّخه ، فاستحيى وانصرف (2) .
 قال : فنادى الحسين عليه السلام وقال : (( ابعثوا لي ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه)). فأتي له بثوب فردها وقال: (( ذلك لباس من ضربت عليه الذلة)). ثم إنه أخذ ثوبا خلقا فجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه .
 ثم استدعى بسراويل من حبرة فمزّقها لئلا يسلبونها ، فلما قتل جردوه منها (3)
 قال : فأعيا عن القتال وكف عن الجدال ، فنادى شمر لعنه الله : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ احملوا عليه ثكلتكم امهاتكم .
 فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيوب الغنوي في حلقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنى في خاصرته طعنة سقط بها عن فرسه على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه (4) .
 قال الراوي : فلما سقط الحسين عليه السلام خرجت زينب بنت علي عليه السلام من الفسطاط وهي تنادي : ((وا أخاه ، وا سيداه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، وليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل ، يا عمر بن سعد ، أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه))؟!
قال : ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته وهو يصرف وجهه عنها (1) .
 قال حميد بن مسلم : كأني أنظر إلى الحسين عليه السلام وهو قائم وعليه جبة خزّ وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ، اقتلوه ، ثكلتكم أمهاتكم.
 فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى فأهوى إليه الحسين بسيفه فبرا حبل عاتقة وخرّ صريعا ، فأومأ إليه آخر بسيف وضربه على كتفه الشريف ضربة كبا منها على وجهه ، فطعنه سنان النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح وطعنه ثانية في فؤاده ورماه بسهم في نحره فسقط وجلس قاعدا .
 فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : ويحك ، انزل إلى الحسين فأرِحه ، فقد قطع نياط قلوبنا بأنينه .
 فابتدر خولّي ليحتز رأسه فأرعد . قيل : فجاء سنان والشمر لعنه الله والحسين بآخر رمق يلوك لسانه من شدة الظمأ ، فرفسه الشمر لعنه الله برجله وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبّه ، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده .
 وروى هلال بن نافع قال : كنت حاضرا يوم الطف إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا الشمر قد قتل الحسين .
 قال هلال : فخرجت لأنظر إليه فوقفت عليه وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلا مضمّخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتلته ، فسمعته في تلك الحالة يستسقي ماء ، فقال له رجل : لا تذوق الماء أو ترد الحامية فتشرب من حميمها ! فسمعته يقول: (( أنا أرد الحامية ؟! إنا لله وإنا إليه راجعون ، بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأشرب من كأسه من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما صنعتموه بي وما ارتكبتموه مني ))...
 قال : فغضبوا حتى كأن الله لم يجعل في قلوبهم من الرحمة شيئا .
قال : فجلس الشمر على صدره وما زال يضرب بالسيف في نحره حتى احتزّ رأسه المكرم (1) .
 وكان ذلك باليوم العاشر من شهر المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بكربلاء .
فعلى الأطائب من آل بيت محمد فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، وليضجّ الضاجّون ، أين الحسن وأين الحسين ؟ وأين أبناء الحسين ؟ صالح بعد صالح ، وإمام بعد إمام ، أين الخيرة بعد الخيرة ؟ أين الشموس الطالعة ؟ أين الأقمار المضيئة ؟ أين الشهب الواضحة ؟ أين الأعلام اللائحة ؟ (2) أو لا تكونون يا إخواني كمن أورت هذه المصائب الفادحة في فؤاده نيران الأحزان الجائحة فأرسل شآبيب دموعه ، وطلّق أبكار نومه وهجوعه ، ورثاه بما صوّره الخاطر وأسكب عليه دمعه القاطر ، ولله دره فيما حبّر وحرر ، وصلى الله على محمد وآله الغرر .".....لا اله إلا الله....لا اله إلا الله....
وأخذتا تبكيان بكاء الثكالى على ابن بنت رسول الله ويتصارخان " يا محمد...يا علي...يا فاطمة ...يا مهدي"....وبعدما خفت الصدمة ...اخذتا تلعنان كل من قتل محمد وآل محمد...وينعيان السيد السبط والسيدة فاطمة وشهداء آل محمد...
الأم(تبكي): اعانك الله يا سيدتي فاطمة على هذا البلاء وهذه الظلامة العظيمة...
ولم تستطع نبراس ان تقرأ إلا بعدما انقضت مدة وجفت دموعها....
نبراس: صدق من قال انه "قتيل العبرات" ...سلاما ً سيدي الشهيد ...سلاما ً سيدتي الشهيدة... اللهم احشرنا مع الحسين وآله وأصحابه...اللهم احشرنا مع سيدتي فاطمة يوم الورود...
نبراس: وكي نبقى بجو الإحساس بالظلامة يا امي...منذ ان مررنا بظلامة فدك والخلافة وقتل السيدة وشهادتها الى ان وصلت الى شهادة الإمام الحسين ع ثم الى كيف تم تخطيط اساس الظلم بواقعة السقيفة لربط الظلم اللاحق بالظلم السابق...كنت ابحث عن موضوع, اردت به ان ارجعك الى ما كسر خاطري وكسر خاطر علي وفاطمة روحي فداهما...وكسر خاطر رسول الله ص نفسه...فقد وقعت عيني الآن على بعض ما كـُتـِبَ حول رد فعل السيدة الزهراء ع والأمير الإمام علي بن ابي طالب ع بأبي هم واُمـِّي...حول مقتل السيد الإمام السبط الحسين عليه افضل الصلاة والسلام...ولم يذكر جامع الأحاديث اسمه لكن الحمد لله تم ذكر اسماء المصادر...المقال تحت عنوان" بكاء علي وفاطمة عليهما السلام"...يقول فيما جمع..." وكان الإمام (أبو الشهداء) علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد بكى ابنه سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) أيضاً، والروايات في ذلك متضافرة، وأنقل بعضها:
1 ـ جاء في الصفحة (65) من كتاب (إقناع اللائم) للعلامة الأمين ما نصه:روى الصدوق في الأمالي بسند عن ابن عباس قال: كنت مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خروجه إلى صفين، فلما نزل نينوى وهي بشط الفرات قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضوع؟ قلت: لا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي، قال: فبكى كثيراً حتى خضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معه وهو يقول: آه آه، مالي ولآل أبي سفيان، صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم)...
2ـ وروى ذلك غيره كسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة العوام حيث قال: (روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لما وصل علي (عليه السلام) إلى كربلاء وقف وبكى وقال: بأبي أغيلمة يقتلون هاهنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم هذا مصرع الرجل، ثم ازداد بكاؤه)...
وروى هذا الحديث أيضاً في مسند ابن حنبل وصواعق ابن حجر المحرقة، وفي منتخب كنز العمال مع تفاوت في - العبارة.
3 ـ قال ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث من – الباب (11): (روى الملا أن علياً مر بقبر الحسين فقال: هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض)...
4ـ روى ابن قولوية في الكامل بسنده عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: نظر علي إلى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني)...
5 ـ جاء في الصفحة (12) من كتاب (مدينة الحسين) السلسلة الثانية، لمؤلفه السيد محمد آل الكليدار ما لفظه: (ويروي المفيد في إرشاده عن عثمان بن قيس العامري عن جابر بن الحر عن جرير بن مسهر العبدي قال:كنت مع الأمام علي (عليه السلام) عندما توجهنا إلى صفين عام 36 هـ. فبلغنا طفوف كربلاء، فوقفت في ناحية من المعسكر ثم رأيت الإمام علي (عليه السلام) ينظر يميناً وشمالاً واستعبر، ثم قال: (هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم. فسأل ما هذا؟ الموضع، فأجاب (عليه السلام): هذه كربلاء، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب. ثم سار الإمام دون أن يعرف الناس تأويل حديثه حتى كان أمر الحسين (عليه السلام) ومقتله في كربلاء عام 61هـ..). أقول قد رأيت هذا الحديث في الصفحة (156) من كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد رحمه الله. المتوفى سنة 413 هـ.
6ـ جاء في الصفحة (108) من كتاب (إقناع اللائم) ما نصه: (أورد ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) إنه قال: (نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن. فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني..)
7ـ أما السيدة فاطمة الزهراء أم الإمام الشهيد (عليه السلام) فقد تواترت الروايات أيضاً عن بكائها عليه في مواقف مختلفة من ذلك ما جاء في الصفحة (94) من أمالي الشيخ المفيد، نقلاً عن النيسابوري: أن درة النائحة رأت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فيما يرى النائم أنها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد:
أيـهـــا الـعــينــان فــــيــــضــــاً واســـتـهلا لا تـــــغــــيــــضـــاًًً
وأبـــــكيا بــالــطــف مــــــيتـــاًًًًًً تــرك الــــصدر رضــــيضــــــاً
لـــــم أمــــرضــــه قــــتــيـــــلاً لا ولا كــــــــــان مـــــــــــــري
8- نقل كتاب (بغية النبلاء) لمؤلفه السيد عبد الحسين سادن الروضة الحسينية بكربلاء في صفحة (154) عن كتاب (نشوار المحاضرة) لمؤلفه أبي علي القاضي التنوخي المتوفى سنة384 هـ ما عبارته: (حدثني أبي قال: خرج إلينا يوماً أبو الحسن الكاتب فقال: أتعرفون ببغداد رجلاً يقال له ابن أصدق؟ قال: فلم يعرفه من أهل المجلس غيري، فقلت: نعم: فكيف سألت عنه؟ فقال أي شيء يفعل؟ قلت ينوح على الحسين (عليه السلام). قال: فبكى أبو الحسن وقال: إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً، وهي من صالحات نساء المسلمين، كثيرة الصيام والتهجد وإنها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي، فصاحت بي: يا أبا الحسن، فقلت مالك. فقالت: الحقني فجئتها فوجدتها ترعد. فقلت: ما أصابك؟ فقالت إني كنت قد صليت وردى فنمت، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ، وإذا بحجرة نظيفة مليحة الساحة مفتوحة الباب ونساء وقوف عليه، فقلت لهن: من مات أو ما الخبر؟ فأومأن إلى داخل الدار فدخلت، فإذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل، وعليها ثياب حسنة بياض مروي لين وهي ملتحفة فوقها بإزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت: من أنت؟ فقالت: لا عليك، أنا فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا رأس ابني الحسين (عليه السلام). قولي لأبن أصدق ينوح:
فانتبهت فزعة. قال: وقالت العجوز: (لم أمر طه) بالطاء لأنها لا تتمكن من إقامة الضاد، فسكنت منها إلى أن نامت. ثم قال لي: يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الأمانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت: سمعاً وطاعة لأمر سيدة نساء العالمين.
قال: وكان هذا في شعبان والناس إذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة إذا أرادوا الخروج إلى الحائر. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته، فقلت له: إن فاطمة (عليها السلام) تأمرك بأن تنوح بالقصيدة.
لــــم أمــــرضــــــه فــاســـــلوا لا ولا كــــــــان مــريــضـــــــاً
وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك. قال: فانزعج من ذلك، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث. فاجتمعوا بالبكاء وما ناح تلك الليلة إلا بهذه القصيدة، وأولها:
أيــــــهــا الــــعــينــان فــــيـضا واســــتــــهــلا لا تــــــغــيــضا
وهي لبعض الشعراء الكوفيين. وعدت إلى أبي الحسن فأخبرته بما جري.
9ـ جاء في الصفحة (39) من المجلد (13) من موسوعة (أعيان الشيعة) لمؤلفه العلامة السيد الأمين العاملي، نقلاً عن كتاب (اللهوف) للسيد ابن طاووس ما نصفه: (إن إحدى السبايا سكينة بنت الحسين قالت: لما كان اليوم الرابع من مقامنا بدمشق رأيت في المنام امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها، فسألت عنها فقيل لي هذه فاطمة بنت محمد صلوات الله عليها أم أبيك فقلت والله لانطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها. فوقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بددوا والله شملنا، يا أماه استباحوا والله حريمنا، يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقي(ألقى) الله به..)....لا اله إلا الله....هي التي قال فيها الله "حملته امه كرها ً ووضعته كرها ً "...لا الومها على كره فقد الولد يا امي...وأي ولد!!! الحسين الشهيد!!!...ادركت الآن ما قال لي النادل عن عطش الحسين ع واهل البيت والسبايا ع...لا اله إلا الله....(وأخذت بالبكاء مع امها)...
الأم : انا لله وإنا اليه راجعون ساعد الله قلبها وقلب سيدي رسول الله...وساعد الله قلب الأمير علي على كل ما حصل له...يا بئر الصبر يا عليّ...نبكيكم حزنا ً لا لأجل مثوبة ٍ وإنما عيوننا لأجلكم باكية ...
وأخذت تبكي وإبنتها تبكي معها بشدة من فرط حزنهما على آل البيت...ومر الوقت وسكنت العبرات...
نبراس: اتعلمين ان الإمام علي عليه افضل الصلاة والسلام كان على علم بما قام به عمر بن سعد لعنه الله قبل ان يقتل ولده الحسين عليه السلام؟
الأم: كيف؟ اخبريني...
نبراس: سأقرأ لك هذا الحديث من كتاب الحق المبين في معرفة المعصومين للشيخ الجليل علي الكوراني....يقول الشيخ..." في كامل الزيارات ص 155: (( كان امير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل ان تفقدوني, فوالله ما تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا نبأتكم به !!قال:فقام اليه سعد بن ابي وقاص وقال: يا أمير المؤمنين اخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟ فقال له:والله لقد سألتني عن مسألة  حدثني خليلي رسول الله صلـّى الله عليه وآله أنك ستسألني عنها , وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس , وأن في بيتك لسخلا ً يقتل الحسين ابني !! وعمر يومئذٍ يدرج بين يدي أبيه))!!...انتهى.)) هل رأيت يا امي؟
الأم: اي والله هو السخل ...وكان من الأجدر ان يقتل عوضا ً عن سيدي الحبيب الحسين الشهيد المظلوم...اما قال شيئا ً عن عمر بن الخطاب لعنه الله ؟
نبراس: مالدي هنا بلسان عمر نفسه بذم نفسه ....فإستمعي يا امي...من نفس الكتاب للشيخ الكوراني ....يقول الشيخ..."في مبسوط السرخسي: 10/153 : ((ولما قال عمر في خطبته ألا لاتغالوا  في اصدقة النساء , فقالت إمرأة سفعاء الخدين: أنت تقوله برأيك ام سمعته من رسول الله(ص) فإنا نجد في كتاب الله تعالى بخلاف ماتقول ..قال الـلّـه تعالى{وآتيتم إحداهن قنطارا ًفلا تأخذوا منه شيئاً}فبقي عمر باهتاً وقال:كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت)!!...)) وهذا الذي يزعم انه إمام عصرة وزمانه!!! هه ...وذكر الشيخ "في الإختصاص  ص1 ((وقال ابو جعفر الباقر عليه السلام: ((كل شيء لم يخرج من هذا البيت فهو وبال))..وقصد آل بيت محمد المتمثل برسول الله وعلي امير المؤمنين والسيدة فاطمة والسبطين الحسنين والتسعة من ولد سيدي ابا عبد الله...وكل الناس افقه من القاتل السارق لحق علي وأولاده المعصومين...انظري يا امي ماذا وجدت في كتاب (الهجوم على بيت فاطمة ع) للكاتب (عبد الزهراء مهدي)....يقول فيه تحت عنوان (السقيفة برواية عمر بن الخطاب ) يبين فيها كيف سرق الخلافة...." السقيفة برواية عمر بن الخطاب
قال ـ ضمن خطبة له ـ: قد بلغني أنّ قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترنّ أمرؤ أن يقول: أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وإنّها كانت كذلك.. ألا وإن الله عزّ وجلّ وقى شرّها، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي بكر، ألا وإنّه كان من خبرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ علياً والزبير ومن كان معهما تخلّفوا في بيت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخلّف عنّا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر! انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمّهم حتّى لَقِيَنا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين، فقلت: والله لنأتينّهم.. فانطلقنا حتّى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع.. فلمّا جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عزّ وجلّ بما هو أهله، وقال: أمّا بعد،فنحن أنصار الله عزّ وجلّ، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا، وقد دفت دافة منكم يريدون أن يخزلونا(1) من أصلنا، ويحضنونا من الأمر.. فلمّا سكت أردت أن أتكلّم، وقد كنت زوّرت(2) مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم مني وأوقر، فقال أبو بكر: على رسلك.. فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قالها في بديهته وأفضل حتى سكت.فقال: أمّا بعد ; فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيّهما شئتم..
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر إلاّ أن تغير نفسي عند الموت(1)، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش!.. وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتّى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر.. فبسط يده فبايعتُه وبايعه المهاجرون، ثمّ بايعه الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعداً! فقلت: قتل الله سعداً.
قال عمر: والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ـ ولم تكن بيعة ـ أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإمّا أن نتابعهم على ما لا نرضى وإمّا أن نخالفهم فيكون فيه فساد، فمن بايع أميراً عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا!!..." وذكر ملاحظة ارى انني لابد من ذكرها يا امي ...يقول..." قيل: ان الدعوة إلى سعد بن عبادة إنّما كانت بعد أن علموا بدفع الخلافة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ففي الرواية أنّ الانصار قالوا: إذا لم تسلمّوها لعليّ (عليه السلام)فصاحبنا أحقّ بها، وقال سعد: ما دعوت إلى نفسي إلاّ بعد ما رأيتكم قد دفعتموها عن أهل بيت نبيّكم(1).وورد في كتاب عمر إلى معاوية بعد أن شهد عمر وجماعة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: الإمامة بالاختيار قالت الأنصار: نحن أحقّ من قريش... وقال قوم: منّا أمير ومنكم أمير"....وكتب ايضا ً في مسألة اجبار الناس على المبايعة ...وتحت عنوان( إجبار الناس على البيعة)...يقول..." قال البراء بن عازب: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تخوّفت أن يتظاهر قريش على إخراج هذا الأمرمن بني هاشم، فأخذني ما يأخذ الواله الثكول مع مابي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعلت أتردّد وأرمق وجوه الناس،وقد خلا الهاشميون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لغسله وتحنيطه، وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جملة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنّه لا يؤول إلى شيء، فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقّد وجوه قريش، وكأنّي لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، ثمّ لم ألبث حتّى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأُزر الصنعانية، لا يمرّ بهم أحد إلاّ خبطوه، فإذا عرفوه مدّوا يده على يد أبي بكر شاء ذلك أم أبى..! فأنكرت عند ذلك عقلي جزعاً منه مع المصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرجت مسرعاً حتّى أتيت المسجد، ثمّ أتيت بني هاشم والباب مغلق دونهم، فضربت الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: يا أهل البيت!.. فخرج إليّ الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس أبا بكر! فقال العباس: قد تربت أيديكم منها آخر الدهر(1).
وفي رواية: ثمّ إنّ عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: إنّ أبا بكر قد بويع له فهلمّوا إلى البيعة.. فينثال الناس فيبايعون، فعرف أنّ جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع فيكبسهم ويحضرهم في المسجد فيبايعون(2).
قال الشيخ المفيد: روى أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي، عن محمّد بن سائب الكلبي وأبي صالح، ورواه أيضاً عن رجاله، عن زائدة بن قدامة قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليمتاروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهدوا البيعة وحضروا الأمر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: خذوا بالحظّ والمعونة على بيعة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه.. قال: فوالله لقد رأيت الأعراب قد تحزّموا واتّشحوا بالأُزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتّى خبطوا النّاس خبطاً وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة..
ثم قال الشيخ المفيد: وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في قهر الناس على بيعة أبي بكر وحملهم عليها بالاضطرار كثيرة، ولو رمنا إيرادها لم يتسع لهذا الكتاب(3).
وقال الجوهري عند ذكر السقيفة: فوثب رجل من الأنصار فقال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.. فأُخذ ووُطىءَ في بطنه ودسّوا في فيه التراب!!(1).
وقال يحيى بن الحسين الهاشمي (الهادي الزيدي) (المتوفّي 298):
ثمّ نهض أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومن نهض معهم من أهل السقيفة محتزمين بالأُزر معهم المخاصر، لا يمرّون بأحد ولا يلقونه إلاّ خبطوه وقالوا: بايع..! من غير أن يشاور أو يعلم خبراً..فأين الإجماع من هذا الفعل؟!(2).
وقال ابن شهرآشوب المازندراني: ورُوي: أنّه (أي أبا سفيان) دخل المسجد، فإذا القوم قد أقبلوا بأجمعهم وهم يعترضون كلّ من رأوه فيقدمونه يبايع، شاء ذلك أم أبي!!...(3).
بل ترى إشارة عابرة إلى ذلك في كلام عايشة، فقد روى البخاري عنها حديث السقيفة إلى أن قال: قالت: لقد خوّف عمر الناس وإن فيهم لنفاقاً.. فردّهم الله بذلك(4)."....أرأيت يا امي !!!
الأم: ويحهم كيف يحكمون....والله ليس لهم دين ولم يؤمنوا بالله ولا برسوله ولا بما جاء به الله على لسان رسولة طرفة عين....لعنهم الله بما قاموا به من ظلم الناس وتظليلهم الى امد لا يعلمه إلا الله...
نبراس: وجدت شيئا ً يخص فدك ...تحليل لما جرى ...في كتاب (مأساة الزهراء عليها السلام) للعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي ص293 من الكتاب تحت عنوان (هل ضرب الزهراء ع مسألة شخصية)...من خلال سياق الكلام يتضح انه سؤال وجواب ...وربما كان السؤال من المخالفين لمذهبنا ...والسيد هنا يشير الى تحليل مسألة فدك...اما عن السؤال فهذا ..." ويتابع البعض اعتراضاته ، فيقول : إن كنتم تقولون : إن عليا لم يدافع عن الزهراء ، بسبب وصية النبي ( ص ) له حيث " قيدته وصية من أخيه " . فإننا نقول لكم : إنما أوصاه النبي ( ص ) أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة ، ولم يقل له : لا تدافع عن زوجتك . وضرب الزهراء لا علاقة له بالخلافة ، لأنها مسألة شخصية ، كما أن الزهراء نفسها لا علاقة لها بالخلافة ، أما مسألة الخلافة فهي تتعلق بالواقع الإسلامي كله"....وأجاب السيد بقولة..." إننا قبل الإجابة على ما تقدم نسجل ملاحظة هنا مفادها : أن مسألة الزهراء مع القول هي مسألة الإمامة ، ثم الخلافة ، لأن هؤلاء إنما ينصبون أنفسهم أئمة للناس ، والإمامة مقام إلهي جعله الله لغيرهم ، والخلافة هي أحد شؤون الإمامة ، والدليل على ما نقول : هو محاولتهم تخصيص أنفسهم بحق التشريع ، بل يقول أحدهما حينما عوتب على بعض تشريعاته : أنا زميل محمد{ ( 1 ) . تاريخ الأمم والملوك : ج 3 ص 291 ( ط الاستقامة) والفائق : ج 2 ص 11 . }( * )... وبعد هذا الذي أشرنا إليه نقول :
 أولا : إن القوم إنما جاؤا إلى بيت الزهراء ( ع ) من أجل إجبار أمير المؤمنين عليه السلام عليه البيعة لهم ، لكي تثبت خلافتهم ، ويتأكد استئثارهم بها دونه عليه السلام ، والزهراء تريد منعهم من تحقيق هذا الأمر بالذات ، وكذلك علي عليه السلام ، فكان القوم يريدون إزاحة الزهراء ( ع ) من طريقهم ليمكنهم إجبار علي ( ) على البيعة .
إذن فهذه معركة يخوضها أعداء علي ( ع ) ضده من أجل الخلافة، وقد أوصاه الرسول ( ص ) أن لا يخوض معركة من أجل الخلافة ( 1 ) باعتراف نفس المعترض ، فما معنى قوله : إن الزهراء وضربها لا علاقة له بالخلافة ؟
بل الحقيقة هي : أن قضية الزهراء وما جرى عليها يتعلق بالواقع الإسلامي كله .
وهل يظن هذا القائل أن مطالبتها عليها السلام بفدك أيضا كانت من أجل أن تستفيد منها في إنعاش حياتها المعيشية ؟ مع أن من الواضح أن حياتها عليها السلام بقيت على حالها قبل ذلك ، ومعها ، وبعدها ، فهي لم تبن بأموال فدك قصرا ، ولا تزينت بالذهب والفضة ، ولا استحدثت فرش بيتها ، ولا اقتنت التحف ، ولا ادخرت شيئا للمستقبل ، ولا اشترت البساتين والعقارات ، والمراكب الفارهة ، كما فعل أو يفعل الآخرون ، بل كانت غلة فدك تصرف في سبيل الله ، وعلى الفقراء والمساكين .
وذكر تحت عنوان (مسألة فدك سياسية)..." ومما يدل على أن مسألة فدك كانت سياسية تلك المحاورة التي جرت بين الإمام الكاظم عليه السلام وبين الرشيد ، فقد كان الرشيد يقول لموسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام : يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردها عليك ، فيأبى ، حتى ألح عليه ، فقال : لا آخذها إلا بحدودها . قال : وما حدودها ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إن حددتها لم تردها . قال : بحق جدك إلا فعلت ؟ قال : أما الحد الأول فعدن . فتغير وجه الرشيد وقال : هيه . قال : والحد الثاني سمرقند . فأربد وجهه . قال : والحد الثالث أفريقية . فاسود وجهه وقال : هيه . قال : والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية قال الرشيد : فلم يبق لنا شئ فتحول في مجلسي . قال الكاظم ( ع ) : قد أعلمتك أن إن حددتها لم تردها . فعند ذلك عزم على قتله ، واستكفى أمره يحيى بن خالد . . الخ . . ( 1 ) .
أجل ، لقد بقيت الزهراء ( ع ) تلك العابدة الزاهدة ، التي تبيت مع زوجها على جلد كبش كانا يعلفان عليه الناضح بالنهار ( 2 ) . ولأجل ذلك فنحن لا نوافق على ما يقال : من أنها قد خاطبت عليا بالكلام الذي يتضمن جرأتها عليه ( ع ) بمواجهته بنوع من التأنيب بأنه : اشتمل شملة الجنين ، وقعد حجرة الضنين ، إلى أن تقول له فيه : " وهذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي ، وبلغة ابني ( 3 ) " .
إلا أن يكون للرواية معنى آخر ، لم تصل إليه أفهامنا ، أو كان ثمة قرينة لم تصلنا . أو لم يحسن الناس نقل كلامها إلينا . فنحن مع وجود احتمال من هذا النوع لا نجرؤ على تكذيب الخبر بصورة قاطعة ، كما ربما يظهر من كلام بعضهم . المهم هو : أننا لا يمكن أن نتصور الزهراء عليها السلام تفكر بهذه الطريقة الشخصية الدنيوية ، وهي التي عوضها رسول الله ( ص ) عن خادم بتسبيح خلده تشريعا إلى يوم القيامة وعرف باسمها ، أعني " تسبيح الزهراء " .
وأن قسوة الخطاب في هذا الكلام يعطينا أنها لم تكن تعرف أن عليا ( ع ) كان مصيبا في كل مواقفه تلك ، مع أن الزهراء هي أعرف الناس بأن عليا عليه السلام مع الحق والحق معه ، يدور معه حيث دار ، وأنه لو فعل غير ذلك لطمست معالم الدين . وإذا كانت هذه الحقيقة تتضح لكل دارس لتاريخ الإسلام ، فيرد سؤال : كيف أمكننا نحن أن نفهم ذلك بعد ألف وأربعمئة سنة ، لكن الزهراء المعصومة العالمة ، وسيدة نساء العالمين ، التي كانت القمة في الوعي الديني والعقيدي والاجتماعي والسياسي ، لم تستطع أن تعرف ذلك ؟ !
إن مواقف الزهراء ( ع ) في حياتها وبعد وفاتها تكشف لكل أحد عن غزارة علمها ، وع عمق وصائب تفكيرها ، وعن بالغ دقتها في تصرفاتها ومواقفها المؤثرة . وخلاصة الأمر :
 أولا : إن الزهراء لا تعتبر ضربها ولا تعتبر أيضا مسألة فدك مسألة شخصية ، ولم تكن إجابتها القوم من وراء الباب تصرفا شخصيا ، بل كان دفاعا عن الإمامة والخلافة ، التي يراد اغتصابها ، وتريد هي منع تشريع هذا الاغتصاب ، ثم التخلص والتملص من تبعات سلبياته .
 ثانيا : إن الإقدام على ما أقدموا عليه في حق الزهراء ( ع ) ، وعلى القول للنبي ( ص ) وهو في مرض موته : إن النبي ليهجر ، وعلى غير ذلك من أمور من أجل الحصول على أخطر موقع ، وأشده حساسية ،وأكثره مساسا بالواقع الإسلامي كله ، إن ذلك يعطينا : أن من يفعل ذلك غير مؤهل للموقع الذي يطلبه ، ويعرفنا : أنه لا يمثل النموذج الأمثل ، والأفضل للحاكم الإسلامي ، ولا تعكس مواقفه أو تصرفاته ، الرؤية الإسلامية الدقيقة في كل المسائل . إذن فمسألة الزهراء هي أهم وأخطر المسائل وأشدها مساسا بالواقع الإسلامي ، ولم تكن ولن تكون مسألة شخصية ، واعتبارها كذلك ما هو إلا تصغير لشأنها ، وتحريف وتزوير للحقيقة .
 ثالثا : إن مما يشير إلى ذلك : أن الله سبحانه قد جعل الزهراء ( ع ) معيارا لمعرفة الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، وبها يعرف الظالم والآثم من غيره ، وذلك لأن رسول الله ( ص ) قد قرر بصورة صريحة : أن الله يغضب لغضبها عليها السلام ، ويرضى لرضاها ، ومن آذاها فقد آذى النبي ، ومن آذى النبي فقد آذى الله سبحانه . فنوع العلاقة بالزهراء إذن ، تحدد نوع علاقة الإنسان بالله ، وبالرسول ، وبكل القيم والمثل ، وعلى أساس ذلك يميز الإنسان بين ما يأخذ وما يدع ، ويتخذ موقفه ، ويحدد نوع علاقته بهذا الشخص أو بذاك . "...

الأم: ساعد الله قلب سيدتي الزهراء البتول...
وجددا العزاء والبكاء على ال محمد وامهم الزهراء ع...


 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net