الباب الحادي عشر ( في آداب المريض وعلاجه وما يتعلق بهما ، خمسة فصول )
هذا الباب مختار من طب الائمة ومن مجموع دعوات لمولاي أبي طول الله عمره
الفصل الاول ( في آداب المريض والعائد وعلاجه )
( في ثواب المريض )
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الحمى رائد الموت وسجن الله في أرضه ، وفورها من جهنم وهي حظ كل مؤمن من النار (1). وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا رأى في جسمه بثرة (2) عاذ بالله واستكان له وجار إليه ، فيقال له : يا رسول الله أهو بأس ؟ فيقول : إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه وإذا أراد أن يصغر عظيما صغره. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب ، وذلك قوله عزوجل في كتابه : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) (3) ، ثم قال : وما يعفو الله اكثر مما ياخذ به. عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : نعم الوجع الحمى يعطي كل عضو قسطه من البلاء ولا خير فيمن لا يبتلى. عن محمد بن أحمد ، عن يوسف بن إسماعيل بإسناده له قال قال : إن المؤمن إذا حم حماة واحدة (4) تناثرت الذنوب منه كورق الشجر ، فإن صار على فراشه فأنينه تسبيح
1 ـ الفور : الغليان والاضطراب. وفار فورا : هاج واضطرب. 2 ـ البثرة ـ كتمرة ـ خراج صغير. 3 ـ سورة الشورى : آية 29. 4 ـ حم الرجل ـ بالتشديد ـ : أصابته الحمى. وحم حمه ـ بالتشديد أيضا ـ : قصد قصده.
(358)
وصياحه تهليل وتقلبه على الفراش كمن يضرب بسيفه في سبيل الله وإن أقبل يعبدالله عزوجل بين أصحابه كان مغفورا له ، فطوبي له إن مات وويله إن عاد. والعافية أحب إلينا. عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : حمى ليلة كفارة سنة ، وذلك لان ألمها يبقى في الجسد سنة. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : حمى ليلة كفارة لما قبلها ولما بعدها. عنه ( عليه السلام ) قال : من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة ، قال : قلت : وما قبلها بقبولها ؟ قال : صبر على ما كان فيها. عن الباقر ( عليه السلام ) قال : سهر ليلة من مرض أفضل من عبادة سنة. عن زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال : سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجرا من عبادة سنة. عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : حمى ليلة تعدل عبادة سنة وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة. قال أبوحمزة : قلت : فإن لم يبلغ سبعين سنة ؟ قال : فلابيه وأمه ، قال : قلت : فإن لم يبلغا ؟ قال : فلقرابته ، قال : قلت : فإن لم تبلغ قرابته ؟ قال : فلجيرانه. عن الرضا ( عليه السلام ) قال : المرض للمؤمن تطهير ورحمة. وللكافر تعذيب ولعنة. وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى ما يكون عليه ذنب. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : صداع ليلة يحط كل خطيئة إلا الكبائر. عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : للمريض أربع خصال : يرفع عنه القلم ، ويأمر الله الملك فيكتب له كل فضل كان يعمله في صحته ، ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه ، فإن مات مات مغفورا له وإن عاش عاش مغفورا له. عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : إذا مرض المسلم كتب الله له كأحسن ما كان يعمل في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله إذا أحب عبدا نظر إليه. وإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث : إما حمى أو وجع عين أو صداع.
(359)
عن الكاظم ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن إذا مرض أوحى الله عزوجل إلى أصحاب الشمال : لا تكتبوا على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ، وأوحى إلى أصحاب اليمين : أن اكتبوا لعبدي ما كنتم تكتبونه له في صحته من الحسنات.
( في الصبر على العلة )
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يقول الله عزوجل : إذا ابتليت عبدي فصبر ولم يشتك على عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه وجلدا خيرا من جلده ودما خيرا من دمه ، وإن توفيته توفيته إلى رحمتي وإن عافيته عافيته ولا ذنب عليه. عن الرضا ( عليه السلام ) قال : المرض للمؤمن تطهير ورحمة ، وللكافر تعذيب ونقمة. عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن العبد ليصيبه [ من ] المصائب حتى يمشي على الارض وما عليه خطيئة. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء فإنه يعدل دعاء الملائكة ومن مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة ، قيل له : ما معنى فقبلها بقبولها ؟ قال : لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إنما الشكوى أن يقول الرجل : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، أو يقول : لقد أصابني ما لم يصب أحدا ، وليس الشكوى أن يقول : سهرت البارحة وتحممت اليوم ونحو هذا. وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع ذنبا إلا حطه وإنما الاجر بالقول واللسان والعمل باليد والرجل ، وإن الله تعالى ليدخل بصدق النية والسريرة الخالصة جما من عباده الجنة.
( في عيادة المريض )
قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه ، وإذا مرض أن يعوده ، وإذا مات أن يشيع جنازته. وعاد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جارا له يهوديا. وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله كيف أنت ؟
(360)
كيف أصبحت وكيف أمسيت ؟ وتمام تحيتكم المصافحة. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه ويؤجر فيهم ويؤجرون فيه ، فقيل : نعم ، هم يؤجرون فيه لمشيهم إليه وهو كيف يؤجر فيهم ؟ فقال : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات ويحط عنه عشر سيئات. قال ( عليه السلام ) : وينبغي لاولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكسب لهم الاجر ويكسب لميته الاستغفار. عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : عاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صعصعة بن صوحان ثم قال : يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بعيادتي إياك وانظر لنفسك فكأن الامر قد وصل إليك ولا يلهينك الامل. من كتاب زهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن كتاب الجنائز ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لا عيادة في وجع العين. ولا تكون العيادة في أقل من ثلاثة أيام فإذا شئت فيوم ويوم لا ، أو يوم ويومين لا وإذا طالت العلة ترك المريض وعياله. عنه ( عليه السلام ) قال : إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : إن من اعظم العباد أجرا عند الله لمن إذا عاد اخاه خفف الجلوس إلا أن يكون المريض يريد ذلك ويحبه ويسأله ذلك. وقال ( عليه السلام ) : من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على يدى المريض أو على جبهته. عنه ( عليه السلام ) أيضا قال : تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعيه وتعجل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكي (1) أشد على المريض من وجعه. وروي عنه ( عليه السلام ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ، العبد إلى الله عز وجل ، فيحاسبه حسابا يسيرا ويقول : يا مؤمن ما منعك أن تعودني حين مرضت ؟ فيقول المؤمن : أنت ربي وأنا عبدك ، أنت الحي القيوم الذي لا يصيبك ألم ولا نصب ، فيقول عزوجل : من عاد مؤمنا في فقد عادني ، ثم يقول له : أتعرف فلان بن فلان ؟
1 ـ النوكي : جمع أنوك : الاحمق ، العاجز الجاهل ، العيي في كلامه.
(361)
فيقول : نعم يا رب ، فيقول له : ما منعك أن تعوده حين مرض ؟ أما إنك لو عدته لعدتني ثم لوجدتني به وعنده ، ثم لو سألتني حاجة لقضيتها لك ولم أردك عنها. وقال أبوالحسن ( عليه السلام ) : إذا مرض أحدكم فليأذن للناس أن يدخلوا ، فليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة. وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال وقد عاد سلمان الفارسي لما أراد أن يقوم : يا سلمان كشف الله ضرك وغفر ذنبك وحفظك في دينك وبدنك إلى منتهى أجلك. من أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : عاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال : يا سلمان إن لك في علتك ثلاث خصال : أنت قريب من الله بذكره ودعاؤك مستجاب ، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته ، متعك الله بالعافية إلى إنقضاء أجلك. وعنه ( عليه السلام ) قال : العيادة ثلاثة والتعزية مرة. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : أيما مؤمن عاد أخاه في مرضه فإن كان حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك فإذا قعد عنده غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي ، وإن كان مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح. عن الباقر ( عليه السلام ) قال : كان فيما ناجى به موسى ( عليه السلام ) ربه أن قال : يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الاجر ؟ فقال الله عزوجل : أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره. عن الصادق ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه : يا فلان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة. وقال ( عليه السلام ) : أعظمكم أجرا في العيادة أخفكم جلوسا. وقال ( عليه السلام ) : إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له فليدع له وليطلب منه الدعاء ، فإن دعاءه مثل دعاء الملائكة. وقال ( عليه السلام ) : من عاد مريضا في الله لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا إستجاب الله له. عن علي ( عليه السلام ) : في المرض يصيب الصبي ؟ قال : كفارة لوالديه. عن مولى لجعفر بن محمد عليهما السلام قال : مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه فاستقبلنا ( عليه السلام ) في بعض الطريق ، فقال : أين تريدون ؟ فقلنا :
(362)
نريد فلانا نعوده ، فقال : قفوا ، فوقفنا ، قال : مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب (1) أو قطعة من عود ؟ فقلنا : ما معنا من هذا شيء ، قال : أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه.
( في معالجة المريض )
قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تداووا ، فإن الله عزوجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالاجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر. وروي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ما يكون من علة إلا من ذنب ، وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر. وروي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : اثنان عليلان : صحيح محتم وعليل مخلط. وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن نبيا من الانبياء مرض فقال : لا اتداوي حتى يكون الذي امرضني هو الذي يشفيني ، فأوحى الله عزوجل لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني والدواء مني ، فجعل يتداوي فأتى الشفاء. عن الرضا ( عليه السلام ) قال : لو أن الناس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ليست الحمية من الشيء تركه إنما الحمية من الشيء الاقلال منه. عن العالم ( عليه السلام ) قال : الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء عود بدنا ما تعود.
( في الوصية )
من كتاب روضة الواعظين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية. وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه. وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله.
1 ـ اللعقة ـ بالضم ـ : اسم لما يلعق بالملعقة او بالاصابع.
(363)
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته. وقال : ما أبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال. قال الصادق ( عليه السلام ) : الوصية حق على كل مسلم. وقال ( عليه السلام ) : من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.
|