الفصل السادس ( في آداب المشي وكراهية الوحدة في السفر وأدعية متفرقة )
( في المشي )
عن الصادق ( عليه السلام ) قال : سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم. وروي أن قوما مشاة أدركهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فشكوا إليه شدة المشي ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهم : استعينوا بالنسل. عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سرعة المشيء تذهب ببهاء المؤمن. عنه ( عليه السلام ) أيضا قال : سرعة المشي نكس. وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سرعة المشي تذهب ببهاء المرء. ( مكارم الاخلاق ـ 17 )
(258)
سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله ( عليه السلام ) : عن رجل عليه دين أعليه أن يحج ؟ فقال ( عليه السلام ) له : نعم ، إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان أكثر من حج مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشاة. ولقد مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكراع الغميم (1) فشكوا إليه الجهد [ والطاقة ] والاعياء ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : شدوا أزركم (2) واستبطنوا ، ففعلوا فذهب عنهم ذلك. وفي رواية ، فدعا لهم وقال : خيرا. وقال : عليكم بالنسلان والبكور (3) وسرى من الدلج ، فإن الارض تطوي بالليل. عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت له : قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (4) ، قال : يخرج فيمشي إن لم يكن عنده شيء ، قلت : لا يقدر على المشي ، قال ( عليه السلام ) : يمشي ويركب قلت : لا يقدر على ذلك ، قال ( عليه السلام ) : يخدم القوم ويخرج معهم. عن الصادق ( عليه السلام ) قال : جاءت المشاة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فشكوا إليه الاعياء ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليكم بالنسلان ، ففعلوا فذهب عنهم الاعياء (5). وعنه ( عليه السلام ) قال : راح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكراع الغميم فصف له المشاة وقالوا : نتعرض لدعوته ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اللهم أعطهم أجرهم وقوهم ، ثم قال : لو استعنتم بالنسلان لخفت أجسامكم وقطعتم الطريق ، ففعلوا فخفت أجسامهم. عنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الراكب أحق بالجادة من الماشي. والحافي أحق من المنتعل. عن ( عليه السلام ) قال : ليس للمرأة أن تمشي وسط الطريق ولكن تمشي في جانبيه.
1 ـ كراع الارض ـ بالضم ـ : ناحيتها. ومنه كراع الغميم : طرفه وهو واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة. 2 ـ الازر : الظهر يقال : شد به أزره أي ظهره. واستبطنوا أي دخلوا بطنكم. 3 ـ النسلان ـ بالتحريك ـ مصدر نسل في مشيه أي أسرع. والبكور فعل أو أتاه بكرة أي غدوة. السرى ـ بالضم ـ والسريان ـ بالتحريك ـ وسرية ـ كغرفة ـ : مصادر سرى فلان ـ كرمى ـ : سار ليلا. والدلج ـ بالتحريك ـ والدلجة ـ بالضم والفتح ـ : السير من أول الليل. 4 ـ سورة آل عمران : آية 91. 5 ـ الاعياء ـ بالكسر ـ : التعب والكل في المشي.
(259)
وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ليس للنساء من سروات الطريق يعني من وسطه ، إنما لهن جوانبه (1).
( في كراهية الوحدة في السفر )
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألا أنبئكم بشر الناس ؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله ، قال : من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده (2). وعنه ( عليه السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : يا علي : لا تخرج في سفرك وحدك ، فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد. عن الكاظم ( عليه السلام ) قال : لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة الاكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده. عن إسماعيل بن جابر قال : كنت عند الصادق ( عليه السلام ) بمكة إذ جاؤه رجل من المدينة ، فقال ( عليه السلام ) له : من صحبك ؟ فقال ما صحبت أحدا ، فقال له الصادق ( عليه السلام ) : أما لو كنت تقدمت إليك لاحسنت أدبك ، ثم قال : واحد شيطان ، واثنان شيطانان وثلاثة صحب ، وأربعة رفقاء. عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : من خرج وحده في سفر فليقل : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي ، وأد غيبتي.
( في دعاء الضال )
عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إذا ضللت عن الطريق فناد يا صالح ـ أو يا أبا صالح ـ أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله وروي أن البر موكل به صالح. والبحر موكل به حمزة. عنه ( عليه السلام ) قال : إذا تغولت لكم الغيلان (3) فأذنوا. عن أبي عبيدة الحذا (4) قال : كنت مع الباقر ( عليه السلام ) فضل بعيري ، فقال ( عليه السلام ) :
1 ـ السراة ـ بالفتح ـ : الظهر. ومن الطريق : متنه وأعلاه. ومن النهار : ارتفاعه. 2 ـ الرفد ـ بالفتح ـ : النصيب. ـ وبالكسر ـ : العطاء والمعونة. 3 ـ الغيلان ـ بالكسر ـ : جمع غول وهو نوع من الجن والشيطان ـ : وأيضا : الداهية والهلكة. 4 ـ هو زياد بن عيسى الكوفي المعروف بأبي عبيدة الحذاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ومات في حياة أبي عبد الله ( عليه السلام ) بالمدينة ، ثقة وكان حسن المنزلة عند آل محمد عليهم السلام وكان زميل أبي جعفر ( عليه السلام ) إلى مكة.
(260)
صل ركعتين ثم قل : كما أقول : اللهم راد الضالة ، هادئا من الضلالة رد علي ضالتي فإنها من فضلك وعطائك ثم قال ( عليه السلام ) : يا أبا عبيدة تعال فاركب ، فركبت مع أبي جعفر ( عليه السلام ) فلما سرنا إذا سواد على الطريق ، فقال ( عليه السلام ) : يا أبا عبيدة هذا بعيرك فإذا هو بعيري.
( في الدعاء عند نزول المنزل )
قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : يا علي : إذا نزلت منزلا فقل : رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. وفي رواية وأيدني بما أيدت به الصالحين وهب لي السلامة والعافية في كل وقت وحين ، أعوذ بكلمات الله التامات [ كلها ] من شر ما خلق وذرأ وبرأ ثم صل ركعتين وقل : اللهم ارزقنا خير هذه البقعة وأعذنا من شرها ، اللهم أطعمنا من جناها (1) وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا. وإذا أردت الرحيل فصل ركعتين وادع الله بالحفظ والكلاءة وودع الموضع وأهله ، فإن لكل موضع أهلا من الملائكة وقل : السلام على ملائكة الله الحافظين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين [ ورحمة الله وبركاته ].
( في الدعاء عند الرجوع من السفر )
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ـ لما رجع من خيبر ـ : آئبون تائبون إن شاء الله عابدون راكعون ساجدون لربنا حامدون ، اللهم لك الحمد على حفظك إياي في سفري وحضري ، اللهم اجعل أوبتي هذه مباركة ميمونة مقرونة بتوبة نصوح توجب لي بها السعادة يا أرحم الراحمين.
( في الدعاء عند دخول مدينة أو قرية )
قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها : اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها ، اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا.
1 ـ الجنى ـ كحصى ـ : ما يحنى من ثمر أو عسل أو ذهب ونحوها.
(261)
( في الدعاء في المسير )
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في سفره إذا هبط سبح وإذا صعد كبر. قار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والذي نفس أبي القاسم بيده ما هلل ولا كبر مكبر على شرف من الاشراف إلا هلل ما خلفه وكبر ما بين يديه بتهليله وتكبيره حتى يبلغ مقطع التراب.
( في ركوب السفينة )
بسم الله الملك الحق ( وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) (1) ، بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم.
( في الدعاء على الجسر )
إذا بلغت جسرا فقل حين تضع قدمك عليه : بسم الله ، اللهم ادحر عني الشيطان الرجيم. عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إن على ذروة كل جسر شيطانا فإذا انتهيت إليه فقل : بسم الله يرحل عنك. قال الصادق ( عليه السلام ) : إذا كنت في سفر أو مفازة فخفت جنيا أو آدميا فضع يمينك على أم رأسك واقرأ برفيع صوتك ( أفغير الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ).
( في القول للقادم من الحج وغيره )
قال الصادق ( عليه السلام ) : إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول للقادم من الحج. تقبل الله منك وأخلف عليك نفقتك وغفر ذنبك. قال الصادق ( عليه السلام ) : من عانق حاجا بغباره كان كمن استلم الحجر الاسود. وإذا قدم الرجل من السفر ودخل منزله ينبغي أن لا يشتغل بشيء حتى يصب عليه نفسه
1 ـ سورة الزمر : آية 67.
(262)
الماء ويصلي ركعتين ويسجد ويشكر الله مائة مرة. هكذا هو المري عنهم عليهم السلام. ولما رجع جعفر الطيار من الحبشة ضمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى صدره وقبل ما بين عينيه وقال : ما أدري بأيهما أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر. وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصافح بعضهم بعضا ، فإذا قدم الواحد منهم من سفره فلقي أخاه عانقه.
|