(5) إحياء الأرض الموات
المراد بالموات : الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها انتفاعاً معتدّاً به ، ولو بسبب انقطاع الماء عنها ، أو استيلاء المياه أو الأحجار أو الرمال عليها. وكالأرض التي ينبت فيها الحشيش فتكون مرعى للدواب والأنعام ، وأما الغابات التي تكثر فيها الأشجار فليست من الموات بل هي من الأراضي العامرة بالذات. والموات على نوعين : 1ـ الموات بالأصل ، وهو ما لم تعرض عليه الحياة من قبل ، وما هو في حكمه كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح الجبال. 2ـ الموات بالعارض : وهو ما عرض عليه الخراب والمَوَتان بعد الحياة والعمران. والموات بالأصل ملك للإمام ( عليه السلام ) لأنه من الأنفال ، ولكن يجوز إحياؤه لكل أحد ، فلو أحياه كان أحقّ به من غيره.
( 127 )
هذا إذا لم يطرأ عنوان ثانوي يقتضي المنع من إحيائه ، كأن يكون حريماً لملك الغير ، أو كون إحيائه خلاف المصلحة العامة. والذي يجري فيه حكم الأنفال ويجوز إحياؤه من الأراضي الموات بالعارض قسمان : 1ـ ما باد أهله ، أو هاجروا عنه ، وعدّ بسبب تقادم السنين ومرور الأزمنة مالاً بلا مالك كالأراضي المندرسة المتروكة ، والقرى الداثرة ، والبلاد الخربة ، والقنوات الطامسة ، والتي كانت للأمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد. 2ـ ما كان عامراً حين الفتح ، ولكن طرأ عليه الخراب بعد ذلك. وهذه الأراضي كما يجوز إحياؤها ، وإعمار خرابها ، كذلك يجوز حيازة موادها وأجزائها الباقية من الأخشاب والأحجار والآجر ، وما شاكل ذلك ، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك. ومن أحيا أرضاً مواتاً تبعها حريمها بعد الإحياء ، وحريم كل شيء مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به(1). وهذا الإحياء هو الأصلاح الزراعي بعينه ، فقد أبيح للناس إحياء الأرض ، وفي هذا الضوء تجري القاعدة : الأرض لمن أحياها ، بل ويضاف إليها حريمها في كل الصور والأحوال ، ليكون بها التصرف حراً طليقاً ، وتكون السيطرة عليها متمكنة ، والطريف أن لا يكون هذا الحريم مطلقاً ملكاً لمالك ماله ____________ (1) ظ : السيستاني | منهاج الصالحين 2|252 ـ 254.
( 128 )
الحريم ، سواء أكان حريم قناة أو بئر أو قرية أو بستان أو دار أو نهر أو غيره ذلك ، وإنما لا يجوز لغيره مزاحمته فيه ، باعتبار أنه من متعلقات حقه(1). فإذا عرف هذا ، وبغية توضيح الأمر ، نحدد فيما يأتي مساحة حريم كلّ ما له علاقة بالبحث أصلاً ومتفرعاً في ضوء رأي سماحة السيد مدّ ظله الوارف. 1ـ حريم الدار ، عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج منها في الجهة التي يفتح إيها باب الدار ، ومطرح ترابها ، ورمادها ، وثلوجها ، ومصبّ مائها ، وما شاكل ذلك. 2ـ حريم حائط البستان ونحوه ، مقدار طرح ترابه ، والآلات ، والطين والجص إذا احتاج إلى الترميم والبناء. 3ـ حريم النهر ، مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى الإصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه. 4ـ حريم البئر ؛ موضع وقوف النازح إذا كان الإستقاء منها باليد ، موضع البهيمة والدولاب والمضخة ، والموضع الذي يجتمع فيه الماء للزرع أو نحوه ، ومصبّه ، ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة ونحو ذلك. 5ـ حريم القرية ؛ ما تحتاج إليه في حفظ مصلحها ومصالح أهلها من مجمع ترابها وكناستها ، ومطرح سمادها ورمادها ، ومجمع أهاليها لمصالحهم ، ومسيل مائها ، والطرق ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|259.
( 129 )
المسلوكة منها وإليها ، ومدفن موتاهم ، ومرعى ماشيتهم ، ومحتطبهم ، وما شاكل ذلك. كل ذلك بمقدار حاجة أهل القرية بحيث لو زاحم مزاحم لوقعوا في ضيق وحرج ، وهي تختلف باختلاف سعة القرية وضيقها ، وكثرة أهلِها وقلتهم ، وكثرة مواشيها ودوابها وقلتها ، وهكذا ، وليس لها ضابط غير ذلك ، وليس لأحد أن يزاحم أهاليها في هذه المواضع. 7ـ حريم المزرعة ؛ ما يتوقف عليه الانتفاع منها ، ويكون من مرافقها كمسالك الدخول إليها والخروج منها ، ومحل بيادرها ، وحظائرها ، ومجتمع سمادها ، ومرعى مواشيها ، ونحو ذلك(1). وههنا مسألتان مهمتان : 1ـ لا بد في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حد يصدق عليه أحد العناوين العامرة كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر والقناة والنهر وما شاكل ذلك ، ولذلك يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة ، فما اعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما شاكلها ، وعليه فحصول الأولوية تابعٍ لصدق أحد هذه العناوين ونحوها ، ويدور مداره وجوداً وعدماً ، وعند الشك في حصولها يحكم بعدمها(2). ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|256 ـ 257. (2) السيستاني | منهاج الصالحين 2|265.
( 130 )
2ـ الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقيتهم بها بالإحياء ؛ باقيةٌ على إباحتها الأصلية ، فلا يجوز منع غيرهم من الانتفاع بها ، ولا يجوز لهم أخذ الأجرة ممن ينتفع بها ، وإذا قسّموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة فيجوز لكل من المتقاسمين التصرف فيما يختص بالآخر بحسب القسمة. نعم إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك كانت من حريم أملاكهم ، ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم وتعطيل حوائجهم(1). ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|257.
( 131 )
|