(2) الطرق المشتركة في الإعمار والاستثمار
يشترك المسلمون في الإفادة من الطرق العامة النافذة اشتراكاً فعلياً في الإعمار والاستثمار شريطة أن لا يضر بالمستطرقين سلوكاً واستطراقاً وعائدية ، والطريق بعامة على قسمين : نافذ وغير نافذ ، وقد أولى الشرع الشريف عناية فائقة بالقسمين. أولاً : الطريق النافذ ، وهو الشارع العام ؛ والناس فيه شرع سواء ، ولا يجوز التصرف لأحد في أرضه ببناء حائط ، أو حفر بئر ، أو شق نهر ، أو نصب دكة ، أو غرس أشجار ونحو ذلك ، وإن لم يكن مضرّاً بالمستطرقين ، نعم لا بأس بما يعدّ من مكملاته ومحسناته ، ومنها : أن يشق فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها ، ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال والنفايات ، ومنها غرس الأشجار ، ونصب المضلات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر ، فإن هذا كله مما لا بأس به إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين.
( 113 )
وههنا مسائل محكمة في الموضوع : 1ـ يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع العامة بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين بوجه ، وليس لأحد منع القائم بذلك حتى صاحب الدار المقابلة ، وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث كان مانعاً عن إحداث جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره ، نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال ، وإن قيل بجواز مثله في تعلية البناء في ملكه ، فلا يترك الاحتياط. 2ـ لو أحدث جناحاً على الشارع العام ثم انهدم أو هُدم ؛ فإن كان من قصده تجديده ثانياً ؛ فالظاهر أنه لا يجوز للطرف الآخر إشغال ذلك القضاء ، وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك. 3ـ لو أحدث شخص جناحاً على الطريق العام فلا إشكال في أنه يجوز للطرف المقابل إحداث جناح آخر في طرفه سواء أكان أعلى من الجناح الأول أو أدنى منه ، أو موازياً له ، بشرط أن لا يكون مانعاً بوجه من استفادة الأول من جناحه كما هو الحال في الشوارع الوسيعة جداً. وأمّا إذا كان مانعاً منها ولو بلحاظ إشغال الفضاء الذي يحتاج إليه صاحب الجناح الأول بحسب العادة ، ففي جواز إحداثه من دون إذنه إشكال بل منع. 4ـ كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامة يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها سواء أكانت له باب أخرى أم لا ،
( 114 )
وكذا فتح الشبابيك والروازن عليها ، ونصب الميزاب فيها ، وكذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم إذنه ، ولم يكن مضرّاً بالمارة ولو من جهة الظلام ، وإذا فرض أنه كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهة كالوقاية من الحرّ والبرد ، فلا بدّ من مراجعة ولي الأمر ليوازن بين الجهتين ، ويراعي ما هو الأصلح ، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادة مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام(1). ثانياً : الطريق غير النافذ ، وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر ، أو أرض مباحة ، لكونه محاطاً بالدور من جوانبه الثلاثة ، وهو المسمى بالسكة المرفوعة ( الدريبة ) هذا الطريق عائد إلى مستطرقيه ، وهم أرباب الدور المفتوحة أبوابها إليه ، دون كل من كان حائط داره إليه ، وهو مشترك بينهم في حق الاستطراق بمقدار ما يشتركون في استطراقه ، فيكون أوله مشتركاً بين جميعهم ، ويقل عدد الشركاء كلما قرب إلى آخره ، وربما ينحصر ذو الحق في واحد ، وهو فيما إذا اختص آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه. هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص ، أو عائدة للجميع على وجه التساوي أو التفاضل وإلا ترتبت أحكامه. وههنا مسائل في المقام : 1ـ لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أُدخِل من الباب الأول ، سواء مع سدّ الباب الأول أم بدونه ، إلا ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|266 ـ 267.
( 115 )
مع الاستئذان في ذلك ممن له حق الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور. 2ـ لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح ، أو بناء ساباط ، أو نصب ميزاب ، أو ثقب سرداب ، أو غير ذلك من التصرفات فيها إلا بإذن أربابها ، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلا بإذنهم ، نعم له فتح ثقبة وشباك إليها ، وأما فتح باب لا للاستطراق بل لمجرد التهوية أو الاستضاءة فلا يخلو عن إشكال. 3ـ يجوز لكل من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها من غير مزاحمة المستطرقين ، وكذا التردد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكل ما يتعلق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء وإن كان فيهم القصّر ، ومن دون رعاية المساواة معهم(1). وأما الانتفاع العام فمظنته الشوارع العامة ، إذ يجوز لكل أحد الجلوس فيها أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك ما لم يكن مزاحماً للمستطرقين ، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه. وههنا ثلاث مسائل : 1ـ إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه ، فإن كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع جلوسه ، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|267 وما بعدها.
( 116 )
غرضه ، أو أنه لا ينوي العود كان الحال كذلك وليس للأول منعه ، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناوياً للعود فعندئذٍ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته وإشغال ذلك الموضع ، وإلا ففي جوازه إشكال ، والاحتياط لا يترك فيما إذا كان في يوم واحد ، وأما إذا كان في يوم آخر فالظاهر إنه لا إشكال في جوازه. 2ـ كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه ، كذلك لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المتعاملين فيه ، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المتعاملين إليه. 3ـ يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أن يظل على موضع جلوسه بما لا يضر المارة بثوب أو بارية أو نحوهما ، وليس له بناء دكة ونحوها فيه(1). ____________ (1) السيستاني | منهاج الصالحين 2|268 وما بعدها.
( 117 )
|