القيادة الحركيّة والقيادة الشرعيّة
وأمّا ما يقوله البعض، من أنّهم قيادة حركيّة في الأمة، والمرجعية الدينيّة قيادة شرعيّة، فهذا مغالطة واتّهام للقيادة الشرعيّة بأنّها ليست حركيّة.
إذ لو كانت القيادة الشرعيّة غير متحركّة لكانت قيادة غير صالحة، ولا قيمة لها ولا شرعيّة لها ولا ولاية لها لسكونها.
فإذا كنّا نؤمن بأنّ القيادة المرجعية قيادة غير متحركّة فإنّ هذا معناه أنّنا لا نؤمن بقيادة المرجعية.
وعليه فإنّ إعطاء مفهومين للقيادة، والفصل بينهما، لتكون إحداها شرعيّة، والأخرى حركيّة، تمثّل الأولى المرجعية الدينيّة، ويمثّل الأخرى الحزب الإسلامي، هذا فهم خاطىء لا يقول به إلاّ جاهل، أو مغرض.
وإلاّ فالمفروض أن يقال وبصراحة بانّ الحزب ليس قيادة للأمة، وإنّما هو حركة في الأمة تحت قيادة المرجعية والتي هي قيادة دينيّة وحركيّة في نفس الوقت.
أمّا الإشكال الثالث الذي دار على بعض الألسن حول الأحزاب الإسلاميّة وهو أنّ العمل الحزبي وبشكله الهرمي المعروف هو عمل ومنهج وأسلوب وفد إلينا وبصورة تدريجيّة من بلاد الغرب، ولم يكن متعارفاً عليه عندنا ولا مألوفاً لدى أمتنا، ولهذا فلا ينبغي لنا أن نعتني به ولا أن نفترض صلاحه.
فهذا الإشكال، إشكال غير صحيح، إذ ليس من الموضوعيّة ولا من المنطق أن نتّهم أسلوباً أو منهجاً بالنقص وعدم الصلاح لا لشيء إلاّ لأنّه قد راج أولاً في بلاد الغرب. بل المهمّ هو دراسة روح المسألة والنتائج المترتّبة عليها ثم معرفة مدى تطابقها مع المقاييس الفقهيّة العامّة الموجودة لدينا.
فإذا كان ذلك المنهج سليماً على وفق المقاييس المعطاة في فقهنا، أو على الأقلّ لا يوجد ما يمنع عنه، ولم يطبّق ذلك المنهج على وفق روح الغرب أيضاً، فلا مانع منه ولا إشكال فيه وإن كان منشأه الغرب.
نعم المهمّ أنّ هذا المنهج من العمل حينما يطبّق في مجتمعاتنا يجب أن تلحظ فيه:
ــ الظروف الاجتماعية الخاصّة بمجتمعاتنا.
ــ وفقهنا ومبادؤنا الإسلاميّة من ناحية أخرى.
وأمّا ما نقصده بقولنا، إنّ هكذا عمل لا مانع منه بشرط أن لا يطبع عندنا بروح الغرب، فذلك لأنّ الأحزاب في البلاد الغربيّة عادّة ما تطبع بروح أنّ الحزب هو (مصدر القوة).
فالحزب في الغرب ينافس الأحزاب الأخرى على تسلّم زمام الحكم، ويكون عمله مشروعاً في تسلّم الحكومة وقيادة الدولة والمجتمع.
فوجود حزبين هناك معناه وجود قوتين متنافستين على الحكم، وكل منهما يعمل من أجل أن تكون القوة النهائيّة وأن تكون الغلبة له.
وأمّا في بلادنا، وخصوصاً في بلاد الشيعة، فإنّ تطبيق هذا المبدأ وبهذه الروح من أكبر الأخطاء، وذلك كما ــ أشرنا إليه سابقاً ــ لأمرين:
الأول: من وجهة نظر فقهي، وذلك لأنّنا نؤمن بمبدأ ولاية الفقيه ونرى أنّ قوة الحكم يجب أن تكون بيد المرجعية.
فالعمل الحزبي لا بأس بأن يكون أحد أنماط الأعمال في بلادنا ولكن يجب أن لا يكون بهذه الروح الغربيّة، بروح الهيمنة والسيطرة وطلب الحكم لنفسه، فإذا صار هكذا نافى مبدأنا الفقهي الذي نؤمن به.
الثاني: من الناحية الواقعيّة: وهي أنّ الشيعة ــ بالذات ــ تمتلك قوة قبل قوة الأحزاب وهي قوة (المرجعية). وهي ــ أي قوة المرجعية ــ أكثر جذباً وعمقاً في نفوس الأمة وأوسع قاعدة وأوضح نظافة وشرعيّة لدى الأمة.
وليس صحيحاً أن تنبري قوة حزبيّة لمنافسة المرجعية على الحكم.
وعلى هذا يتلخّص، أنّ المنهج الوحيد للعمل الحزبي في بلادنا والذي أراه صحيحاً هو أن تتحوّل الأجهزة الحزبيّة وكذلك سائر الأجهزة التي تعمل عملاً اجتماعيّاً سياسيّاً من أجل إرجاع كلمة الله إلى الحكم وتطمح بالوصول إلى الحكم، كل هذه يفترض بها أن تكون مؤسّسات وأجهزة بيد المرجعية، وتكون هكذا حقيقة لا كشعار فقط.
هذا كله تنظيرٌ للعمل الإسلامي في جوّ شيعي قبل قيام حكومة الإسلام الصحيحة ـ في ذلك الجوّ ـ.
أمّا بعد قيام الحكم الإسلامي الصحيح والمنحصر بفرض كون قيادة الحكم بيد فقيه كفوء جامع للشرائط كما هو واقع فعلا في إيران الإسلام فليس للأحزاب الإسلامية ولا للمرجعيات الصالحة أن يعارضوا ولاية ذاك الفقيه أو لا يتفادوا لأوامره.
والأولى لدى الإمكان أن يصبح ذاك القائد هو المرجع الأعلى عند اجتماع شرائط المرجعية والقيادة فيه في وقت واحد كي تتحد قوة المرجعية وقوة القيادة، وما قاله السيد الإمام الخميني(قده) في أواخر حياته من الفصل بين المرجعية والقيادة إنما هو لحالات الضرورة وعدم إمكان القيادة للمرجعيات الفعلية لسبب من الأسباب.
وأخيراً اُلاحظ أنّه قد يحتال بعض الأحزاب على مبدأ ولاية الفقيه أو على مبدأ قيادة المرجعية بالتستر بغطاء عالم ديني لغرض كسب صفة المشروعية أمام الناس من دون تسليمه قيادَه الحقيقي بيد المرجع كي يمنعهم عن زلاّتهم وأخطائهم في المفاهيم وفي التطبيات ويسيّرهم سيراً سُجحاً.
ومتى تغطّى حزب من الأحزاب الإسلامية بغطاء الشرعية لعالم ديني يجب على ذاك العالم بالدرجة الأولى أن يتدخل تدخّلاً حقيقاً في قيادتهم وحفظهم عن خطر الانحرافات والزلاّت فإن أبوا عن قيادته لهم أو عجز هو عن ذلك لأيّ سبب من الأسباب وجب عليه سحب الغطاء عنهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
|