متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الفقيه
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الفقيه

 

 وفي ختام البحث لابدّ لنا من بيان أن لمهدي الحائري تقريبين لإثبات وجود التناقض في أصل جملة الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الفقيه.

 التناقض الأوّل: هو التناقض بين كلمة: الجمهورية وكلمة: ولاية الفقيه، وذلك لأنّ ولاية الفقيه خاصّةً الولاية المطلقة تعني أنّ الناس جميعا كالصغار والمجانين لا رأي لهم، ولا تحقّ لهم المداخلة في الاُمور أو التصرف في الأموال والنفوس ولا يحقّ لهم من أفراد أو هيئات وحتّى مجلس الشورى أن يخالفوا رأي ولي الأمر وأوامره، في حين أنّ الجمهورية تعني في مفهومها السياسي واللغوي والعرفي حاكمية الناس أنفسهم لا غير، وتعني نفي حكامية أيّ شخص من الأشخاص أو مقام من المقامات غيرهم، وعليه فالمفهومان متناقضان، فلا اعتبار عقلائي وشرعي وحقوقي لعنوان: الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الفقيه وإذا بطل ذلك عقلا بالتناقض بطل شرعا، لأنّ ما حكم به العقل حكم به الشرع.

 وإن شئت أن تتكلّم بلغة الفقه فقل: إنّ اشتراط الجمهورية بولاية الفقيه اشتراط لعقد أو معاملة بشرط على خلاف مضمون ذلك العقد أو المعاملة من قبيل أن يقول البايع: بعتك المتاع الفلاني بشرط أن لا تملكه، والشرط المخالف لماهية العقد ليس فاسدا فحسب، بل يُبطل أيضا - في رأينا واجتهادنا - العقد، وإذا بطلت الجمهورية الإسلامية بطلت كل قراراتها مع الداخل والخارج ومن حق الإيرانيين في أيّ زمان سنحت لهم الفرصة أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة داخليّا وخارجيّا.

 فإن قلت: لو كان الأمر كذلك فمع من تتعامل اليوم دول العالم والمحافل الدولية في معاملاتها مع الجمهورية الإسلامية، في حين أنّ هذا العنوان ليس إلّا تناقضا ووهما أو خيالا ؟! وكيف اعترفوا برسمّيتها وعضويتها في المجتمعات ؟!

 قلت: إنّهم تخيّلوا أنّ معنى ولاية الفقيه إشرافه كمقام قضائي على عدم التخلّف عن الدستور، وهذا من الوجوه المشرقة للديموقراطية وحاكمية الناس على أنفسهم، ولم يعرفوا معنى ولاية أمر المسلمين

 أقول: ليكن معنى الجمهورية في مصطلحها الغربي وهي من المصطلحات الوافدة من الغرب ما قاله من حكم الناس أنفسهم بأنفسهم، ولكن ليس المفروض بنا تقليد الغرب، فنحن لدينا مصطلحات إسلامية أولا، ثم مصطلحات مستجدّة قد نحن نستجدّها، وقد نأخذها من الغرب ونتصرّف في معناها، وقد نأخذها من الغرب من دون تصرّف حينما نراها صحيحة.

 والسيّد الإمام رضوان اللَّه تعالى عليه قد فهّم الاُمّة الإسلامية معنى العبارة، ثم طلب منهم التصويت على هكذا نظام، ووضّح لهم أن شرعية الحكومة تأتي من قبل الوليّ الفقيه، وأن الولي الفقيه رآى المصلحة في انتخاب رئيس الوزراء ابّان انتصار الثورة المباركة، وبعد ذلك رآى المصلحة في انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الدستور وما إلى ذلك، وسمّى كل ذلك - بمناسبة ما فيه من الانتخابات الحرّة - بالجمهورية، ولم يقل: إنّ المقصود بالجمهورية كون المصدر الأساس لولاية الحكم نفس الناس حتّى ينافي هذا المفهوم مفهوم ولاية الفقيه، فتكوّنت من ذلك الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الفقيه بالمصطلح الذي روّجه نفس السيد الإمام؛ في شعبه لا بمصطلح غربي لكلمة الجمهورية.

 والتناقض الثاني: يكمن في نفس كلمة ولاية الفقيه مع تعيين الوليّ الفقيه بالانتخاب. وتوضيح ذلك حسب ما ذكره مهدي الحائري هو: أنّ الرجوع إلى رأي الأكثرية لانتخاب الخبراء ثم انتخاب الخبراء للقائد يعني أنّ انتخاب وليّ الأمر من شأن الناس أنفسهم. وهذا بنفسه يستبطن التناقض لأنّ احتياجهم إلى الوليّ يعني أنّهم كالصغار والمجانين، وانتخابهم للوليّ يعني أنهم راشدون، فلهم حقّ الانتخاب بأنفسهم، وهذا هو التناقض بعينه، فإنّ من له حقّ انتخاب وليّ نفسه ليس قاصرا حتى يكون مولّى عليه، وإن لم يكن مولّى عليه لم يكن له وليّ، لأن الوليّ والمولّى عليه متضايفان، ولو كان حقّا مولّى عليه ومحتاجا إلى الوليّ لم يكن يحقّ له الانتخاب

 أقول: لو كان يقصد بهذا الكلام فرض تضادّ حقّا بين مفهومي الولاية ورشد المولّى عليهم فيقول: إنّ مفهوم الولاية سنخ مفهوم يستبطن كون المولّى عليه صغيرا أو مجنونا أو نحو ذلك، فيقع التهافت حقيقة بين مفهوم الولاية وفرض كون المولّى عليهم راشدين وعقلاء، فمن الواضح أنّ تناقضا أو تضادّا مفهوميّا بين الولاية ورشد المولّى عليهم غير موجود، وإلّا لأصبحت ولاية اللَّه على عباده الراشدين والعقلاء أيضا غير معقولة.

 ومهدي الحائري وإن أنكر ولاية الرسول والأئمة: ولكنّي لا أدري هل ينكر ولاية اللَّه تعالى على العباد أيضا، أو يؤمن بولايته عزّ اسمه عليهم؟!!

 فإن كان يؤمن بولاية اللَّه قلنا: إن استحالة التناقض لا تقبل الاستثناء بما إذا كان الطرف هو اللَّه سبحانه وتعالى فهل الناس كلهم صغار أو مجانين حتى أصبح اللَّه سبحانه وتعالى وليّا عليهم؟! وإن كان ينكر حتى ولاية اللَّه تعالى لزم سقوط الأوامر الإلهية أيضا، وليس فقط سقوط ما يسمّى بالأوامر الحكومية أو الولائية وبهذا يسقط الإسلام بل وكل دين سماويّ.

 ولعل مهدي الحائري يعتذر عن ذلك بأنّ اللَّه تعالى لم يعمل ولاية على العباد بأوامر تأسيسيّة، وإنّما أرشدهم إلى نفس أحكام العقل، لأنّ الأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية.

 ولكن أقلّ مايرد على هذا الكلام وبغض النظر عن ولاية المالك على المملوك والخالق على المخلوقهو الإشكال بلحاظ مبناه، هو حيث التزم في ما مضى بأنّ خصوص الأوامر العبادية تأسيسيّة وليست ألطافاً في الأحكام العبادية، فنقول بناءا على هذا: إنّه يلزم من إنكار ولاية اللَّه سقوط العبادات، وهذا كافٍ في سقوط الإسلام، بل سقوط كل دين سماوي، لأنه لايخلو أيّ دين سماويّ عن العبادات.

 أمّا إذا اعترف بعدم التضادّ أو التناقض بين مفهومي الولاية ورشد المولّى عليهم، ولكنه قال: إنّه من الثابت في فقهنا أنّ الولاية الفقهية إنما تكون لسدّ نقص المولّى عليه، فإن لم يكن صغر أو جنون أو سفه أو غياب أو عجز أو نحو ذلك في المولّى عليه لم يثبت الفقه عليه وليّا، ولذا ترى أنّ ولاية الأب مثلا تنتهي ببلوغ الطفل ورشده، أمّا ولاية اللَّه فليست ولاية فقهية ومجعولة من قبل اللَّه تعالى، وإنّما هي ولاية المالك بالمعنى الحقيقي للمالكية لا الاعتباري الفقهي على مملوكه وولاية النبيّ والإمام - بعد الاعتراف بها - أيضا شعبة من شعب ولاية اللَّه تعالى باعتبارهم مظهرا جليّا من مظاهر اللَّه، وليست ولاية فقهية من قبيل ولاية الأب على أطفاله، وهذا بخلاف ولاية الفقيه، فإنها ولاية فقهية لا تُجعل إلّا لدى قصور المولّى عليه.

 فالجواب على هذا الإشكال هو: أنّ الأفراد بما هم أفراد مستقلّون وإن كان كثير منهم راشدين ولا قصور فيهم، لا من ناحية الصغر ولا من ناحية العقل ولا من ناحية العجز ولا من أيّ نواحٍ اُخرى، ولكنهم بما هم جزءٌ من المجتمع يبتلون ببعض القصور حتى ولو فرضوا جميعا - كأفراد مستقلين - عباقرة وعقلاء وأذكياء وراشدين، فمن جملة قصورهم أنّه يستحيل عليم عادة الاتّفاق على آراء موحّدة في قضاياهم الاجتماعية التي لابدّ فيها من توحيد الرأي لولا من يفرض عليهم رأيا موحّدا، وذلك كما في قضايا السلم والحرب والسياسات العامّة الاقتصادية أو الخارجية أو الداخلية التي لابدّ من توحيدها، ومن جملة قصورهم أنّ فيهم ظالمين ومظلومين شاءوا أم أبوا، وكثيرا مّا يعجزون عن تأديب الظالم لولا وجود سلطة تتدخّل في الاُمور بوكالة أو ولاية، ومن جملتها أنهم كأفراد قليلو الاطلاع على الأحداث العالمية التي تؤثّر على تحديد الموقف في مواقفهم الاجتماعية والسياسية إلى غير ذلك من النقائص والقصور.

 ويفترض لمل‏ء هذه النقائص والقصور أحد طريقين لا ثالث لهما في زمن غيبة المعصوم:

 الطريق الأول: أن يقال: إنّ حلّ ذلك يكون بالتوكيل، ولا حاجة إلى الولاية، فهم يوكّلون أمرهم إلى من ينتخبونه بآراء الأكثرية، ويحدّدون نظامهم بالمقررات التي تصوّب أيضا بأكثر الآراء، ويشخّصون وكلاءهم في مجلس المشاورة وقضاتهم أيضا بنحوٍ من هذا القبيل وما إلى ذلك من الاُمور التي تتم جميعا بروح التوكيل لا الولاية، وذلك بأشكال مختلفة على اختلاف أشكال الديموقراطية.

 ولكن الذي يرد على ذلك ما مضت الإشارة إليه سابقا من أنّ هذه التوكيلات إنّما تصدر من المجتمع كمجتمع لا من الأفراد المستقلين، وهناك فرق بيّن بين المجتمع والأفراد، ولذا قد تتعارض مصالح المجتمع مع مصالح الأفراد، وربّ فرد لم يؤمن أصلا بنظام الديموقراطية، ولم يشترك في الانتخاب ولو فرضناه خاطئا في ذلك، وربّ فرد لم يكن بالغا رشيدا في زمان الانتخاب ثم بلغ الرشد قبل انتهاء الفترة التي تمّ الانتخاب لها، وربّ إنسان اشترك في الانتخابات وأعطى الوكالة ثم ندم، والتوكيل أمر قلبيّ ينتهي قهرا بالتراجع عنه، ولهذا يجوز للاُمّة على رأي الديموقراطية عزل الرئيس المنتخب إن تراجعت عنه بأكثرية الآراء أو بالإجماع، لكن حينما يتراجع البعض من الأقلّية لا يقولون بسقوط الرئيس عن الرئاسة بالنسبة لذلك البعض مع أنّ التوكيل بمقدار ذاك البعض قد انتهى.

 وهذا أحد معاني أنّ المجتمع قد فرض نفسه على الفرد، وعليه فلم تعد هذه الانتخابات تعني مجرّد توكيل بحت، بل تعني في ما تعني ولاية على الأفراد غير الناخبين أو غير المقتنعين أو النادمين أو نحو ذلك. وإن شئت عبّر عن ذلك بما مضى من ولاية المجتمع على الأفراد المستقلين، فهذه الولاية بحاجة إلى دليل شرعيّ كأيّ ولاية اُخرى.

 الطريق الثاني: هو حل ذلك عن طريق الولاية الفقهية، ولا أقصد بالولاية الفقهية ولاية الفقيه، بل أقصد بها الولاية التي هي من أحكام الفقه كولاية الأب على الأطفال، وهذه الولاية وإن كانت خاصّة بفرض قصور المولّى عليه، لكن القصور لا يختصّ بقصور الصغر أو الجنون، بل يشمل قصور العجز. وقد شرحنا بعض أمثلة عجز الأفراد - رغم رشدهم بل وعبقريتهم - في قضاياهم الاجتماعية لولا الوليّ أو الوكيل، فإذا توضّح عدم تمامية فكرة التوكيل وهو الطريق الأوّل انحصر الأمر بفكرة الولاية والتي لا يمكن أن تأتي إلّا عن طريق جعلٍ خاصّ أو عامّ من قبل الوليّ الحقيقي وهو اللَّه تعالى، أو من عيّنهم من الأنبياء والأئمة.

 وصحيح: أنّ تعيين غير المعصوم لا يكون عادة إلّا لسدّ فراغ النقص في المولّى عليه، لكن النقص موجود كما شرحنا، ولا ينحصر النقص الذي هو بحاجة إلى المل‏ء والعلاج في مثل كون الأفراد جميعا أطفالا أو مجانين.

 وكل هذا لا يعني إثبات ولاية الفقيه، بل يعني إثبات ضرورة تشخيص الوليّ عن طريق كبرى شرعية تعطى في الفقيه. أمّا أنّ تلك الكبرى ما هي؟ فهل هي عبارة عن فكرة الانتخاب، أو عن ولاية الفقيه، أو غير ذلك ؟ فهذا ما أشرنا إليه سابقا في هذه الوريقات في بحث رواية التوقيع، وما شرحناه في كتابينا أساس الحكومة الإسلامية وولاية الأمر في عصر الغيبة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net