متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اشتراط الأَعلمية الفقهية في التقليد
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

اشتراط الأَعلمية الفقهية في التقليد

 

 ثم إنّ هذه الروايات وإن كان مصبّها القيادة، ولكن تأكيدها على اشتراط الأعلمية الفقهية في القيادة رغم أنّ علم الفقه هو جزء ممّا تحتاجه القيادة من العلوم يدلّ بوضوح على اشتراط الأعلمية الفقهية في التقليد بلا إشكال، بداهة أنّ النكتة في شرط الأعلمية الفقهية في القيادة كانت كامنة فيما تشتمل عليه القيادة من الدخول في الأحكام الفقهية، وإلّا فلا يوجد إنسان عاقل يشترط الأعلمية في الفقه في إدارة اُمور لا تمتّ إلى الأحكام الفقهية بصلة، وهذه النكتة موجودة في باب التقليد بلا إشكال، مع فرق واحد وهو: أنّ القيادة كانت بحاجة إلى علوم اُخرى كالسياسية والاجتماعية، لأنّ القيادة قيادة في الأحكام التطبيقية والتنفيذية لا في إعطاء الكبريات بحتا، ولهذا اضطررنا إلى حمل الأعلمية الفقهية على الأعلمية في النتائج المساوقة للأعلمية في مجموع الاُمور المحتاج إليها كبرىً وصغرىً من حيث المجموع، ولكن التقليد يكون في مجرّد الكبريات فلا معنىً لحمل الأعلمية الفقهيه فيه على هذا المعنى، فليست الأعلمية في التقليد إلّا عبارة عن الأعلمية في الكبريات الفقهية، ومتى ما تواجدت في القائد اجتمعت المرجعية والقيادة في شخص واحد، ومتى ما تواجدت في فقهيه آخر جامع لشرائط التقليد افترقتا.

 وبهذا البيان بطل ما قد يقال من أنّه لا دليل على شرط الأعلمية في التقليد إلّا البناء العقلائي في الرجوع الى الأعلم، وبما أنّنا ننكر البناء العقلائي على ذلك، ونقول: إنّ البناء العقلائي إنّما هو قائم على رجوع الجاهل إلى العالم من دون شرط الأعلمية فإذن نفتي على هذا الأساس بعدم وجوب تقليد الأعلم

 ويرد عليه: ما اتّضح لك من أنّ شرط الأعلمية لا ينحصر مدركه في البناء العقلائي أو السيرة العقلائية، بل الروايات الماضية تدلّ على ذلك، لأنّها وإن كانت راجعة إلى القيادة، ولكنّها نصّت على الأعلمية الفقهية والتي من الواضح أنّ دخلها في القيادة يكون بقدر ما تتّصل القيادة بالفتيا، أي تندمج في روحها بالتقليد.

 على أنّنا لو تنازلنا عن ذلك وافترضنا انحصار دليل شرط الأعلمية في الفقه في مرجع التقليد بالبناء أو السيرة العقلائيين فإنكار هذا البناء أو هذه السيرة لو تم فانما يتم في موارد العلم الإجمالي بالخلاف دون موارد العلم التفصيلي، فلا يوجد عاقل مريض يأخذ برأي طبيب مفضول في علاج نفسه مع علمه التفصيلي بأنّ الطبيب الآخر الأفضل منه يُخطّى‏ء الطبيب الأول في علاجه، ويرى علاجه في أمر آخر، اللهم إلّا إذا عجز عن الأخذ أو العمل برأي الطبيب الأفضل، أو كان حرجيا عليه، فوصلت النوبة إلى الأخذ برأي المفضول.

 فإنكار البناء العقلائي على الإطلاق في التقيد بالرجوع إلى الأعلم إلّا في الاُمور الخطرة على حياة الإنسان - كما جاء في كتاب فقه الحياة- غير صحيح.

 وممّا يشير إلى هذا البناء أو السيرة العقلائيين ما مضى من صحيحة عيص بن القاسم: حيث ورد فيها: (فواللَّه إنّ الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلا أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجي‏ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها...).

 ثم إنّه قد يضاف إلى الفتيا بعدم وجوب تقليد الأعلم فتيا بجواز تقليد الميت أيضا مستدلّاً تارةً بأنّ العقلاء لا يفرّقون في بنائهم وسيرتهم على رجوع الجاهل إلى العالم أو إلى أهل الخبرة بين الحيّ والميّت واُخرى بإطلاق أمثال فاسألوا أهل الذكرأو لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون

 وعليه فيجوز الرجوع ابتداءً إلى الميّت في التقليد وإن بعد العهد بيننا وبينه من حيث الزمن من أمثال الشيخ الطوسي أو الشيخ المفيد وأضرابهما من الأعلام رحمهم اللَّه

 أقول: إنّ هذا الكلام فيه غفلة عن أنّ حركة العلم، وركود من مات يؤدّيان بالتدريج إلى حصول الفارق الكبير الهائل بين مستوى فهم الميت لحكم اللَّه ومستوى فهم الحيّ الذي يفصله عن ذاك الميت زمن طويل، وهذا الفارق الكبير لا يستهان به عقلائيا، ولا يوجد بناء عقلائي أو سيرة عقلائية على التخيير في التقليد بين ذاك الميّت وهذا الحيّ، والإطلاقات أيضا تنصرف - بمناسبات الحكم والموضوع - عن تقليد ذاك الميت الذي لو اُحيي لانقلب في الحال الحاضر من كونه مرجعا إلى كونه مقلّدا لهذا الحيّ إلى أن يبلغ مستواه أو يقاربه، فلا يرى حجّيّة رأيه الاجتهادي الظنّي حتى على نفسه ما دام يخالفه الحيّ الذي هو أعلم منه بدرجات هائلة لا يستهان بها، وكيف يجوز تقليد من لو رجع حيّا لرجع مقلِّدا؟!

 على أن الإطلاق إنما يقتضي التخيير إذا كان بدليا في الحكم التكليفي كالأمر بالوضوء بالماء لا في الحكم الطريقي كالأخذ بخبر الواحد أو بالفتيا ولهذا قالوا: إن الأصل في الخبرين المتعارضين هو التساقط لا التخيير.

 وإنّ فتح الباب لتقليد الميت ولتقليد غير الأعلم معا على مصراعيه يفتح خطر تكرر تجربة أمثال الشيخية لدى الشيعة من زاوية التمسّك بفتاوى عالم ميّت قديم مهما عتقت آرآؤه وكثرت لدى المتأخرين أخطآؤه حتى في ما لو كان عَلَما من أعلامنا العظام في زمانه.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net