مشكلة الاختلاف بين القائد والمرجع
ثم إنّ هذا البحث الذي بحثناه قد يحلّ لنا مشكلة اُخرى أيضا. وتوضيح ذلك: أنّه لدى انفكاك القيادة عن المرجعية في التقليد نواجه مشكلة الاختلاف أحيانا بين القائد ومرجع التقليد، فهل نتّبع في موارد الاختلاف في هذا أو ذاك؟
وأوّل ما يتبادر إلى الذهن في حل هذا الإشكال هو أنّنا نتّبع مرجع التقليد في أخذ الأحكام الإلهية، ونتّبع القائد في أخذ الأحكام الولائية.
إلا أنّ هذا المقدار في الحل غير كافٍ، وذلك لأنّ الاختلاف بين القائد ومرجع التقليد يتصوّر بأحد أشكال ثلاثة:
الأوّل : الاختلاف بينهما في الأحكام الفردية، وهنا يكفي ذاك الحل المتبادر ابتداءً إلى الذهن، فيقال: إنّ كلّ فرد من الأفراد يتبع المرجع الذي يعتقد بأعلميته في الكبريات الفقهية، ولا علاقة لذلك بالقائد حينما لا يراه الفرد هو الأعلم.
والثاني: الاختلاف بينهما في الرؤى الاجتماعية أو السياسية مع فرض توافقهما على الجذور الفقهية لأمرٍ مّا، فهما مثلا متّفقان على الكبريات الفقهية للحرب والسلم، وإنّما اختلفا في الحرب أو الصلح نتيجة أنّ أحدهما يرى الحرب حربا خاسرة، والآخر يرى الحرب حربا رابحة ونافعة. وهنا أيضا يأتي ذاك الحل المشار إليه، فيقال: إنّ هذه المنطقة هي منطقة الرجوع الى القائد لا إلى المرجع، لأنّها منطقة الأحكام الولائية، فإلى هنا لم نصطدم بمشكلة عصيّة على الحل نتيجة اختلافهما، ففي الأول نتّبع المرجع وفي الثاني نتّبع القائد.
والثالث: هي المنطقة التي يستفحل الإشكال فيها، وهي ما إذا كانت المسألة راجعة إلى قضيّة ولائية واجتماعية، من قبيل الحرب أو السلم، ولكنّ الاختلاف الذي وقع بينهما كان نتيجة الاختلاف في الجذور الفقهية، فأحدهما لا يرى جواز حرب البغاة مثلا، ويرى ذلك مخصوصا بالمعصوم، والآخر يرى جواز حرب البغاة لغير المعصوم أيضا، أو إنّ أحدهما لا يرى جواز الحرب الابتدائية، والآخر يرى جوازها، فهنا يستفحل الاشكال لأنّه مَجْمَعٌ لمنطقة الولاية ومنطقة التقليد في وقت واحد.
وقد التمسنا لذلك بعض الحلول في كتابنا ولاية الأمر في عصر الغيبة.
ولكننا هنا نحاول الوصول إلى الحل عن طريق أقصر وأصوب، وهو ما - لعلّه - اتّضح من ثنايا بحثنا.
وتوضيح ذلك: أنّ قيادة هذا القائد في هذا القسم من الاُمور أصبحت قيادة بمعنى المرجعية في الأحكام الإلهية والولائية، أو الرؤى الاجتماعية في وقت واحد، وقد عرفنا أنّ الشرط في ذلك هو الأعلمية في المجموع من حيث المجموع من العلوم الدخيلة في الأمر، لا الأعلمية في خصوص الكبريات الفقهية، وقد فرضنا أنّ الأعلمية في المجموع من حيث المجموع كانت للقائد لا للمرجع، فيجب اتّباع القائد في هذه المنطقة من الاُمور دون المرجع.
|