متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإشكالات المثارة علـى العمل الحزبي
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

الإشكالات المثارة على العمل الحزبي

 

لا نقصد بالعمل الحزبي ما يقول به البعض من أنّه كلّ عمل منظّم وحتّى العمل المرجعي إذا نظّم على وفق نظام الخبراء أو المرجعية الموضوعيّة فهو عمل حزبي، بل نقصد بالعمل الحزبي هذا الشيء المعروف والمركوز في الأذهان من العمل الهرمي المتعارف عليه في قسم من البلاد والمؤلّف من قيادة وتحت إمرتها لجان وحلقات، وتحت هذه حلقات أخرى، حتّى تنتتهي السلسلة إلى القاعدة الواسعة.

لقد أشكل على العمل الحزبي بعدّة إشكالات نناقش منها ثلاثة:

الأول: أشكل على هرميّة العمل الحزبي.

الثاني: وأشكل على سريّة قيادة الحزب.

الثالث: وأشكل على منهج العمل الحزبي واعتبر أسلوباً غربيّاً وافداً.

 

تقويم الإشكالات الثلاثة

إنّ مثيري هذه الإشكالات  ــ عادة ــ ما يتمسّكون بسيرة المعصومين (عليهم السلام) واعتبارها منهجاً في العمل السياسي والاجتماعي يجب أن يتبع، فيقولون في مقام طرح الإشكالين الأوليين أنّ قيادة المعصوم (عليه السلام) في أيام بسط اليد كأيام الرسول (صلى الله عليه وآله) أو فترة ولاية الإمام علي (عليه السلام) وفي أيام التقية كأيام الأئمة الباقين (عليهم السلام)، لم تكن قيادة هرميّة بل كانت قيادة شعاعيّة.

فلماذا هذا التبديل في منهج القيادة؟.

وكذلك في مسألة سريّة القيادة، فقد كانت الأعمال الإسلاميّة عادة سريّة على القواعد التابعة لها فضلاً عن عموم الأمة على أساس مبدأ (التقية) وذلك في غير مرحلة سيطرة الإسلام وحكمه وضعف أعدائه، ولكن القيادة المتمثّلة بشخص الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم كانت مُعلنة للمسلمين أو الشيعة. وإن كان هذا الأمر ــ سريّة القيادة ــ لا علاقة له بأصل مفهوم العمل الحزبي، إذ لا يقيّد العمل الحزبي بسريّة قيادته، وإنّما تفرض هذه السريّة نتيجة الظروف الصعبة التي يمرّ بها العمل وخشية بطش الأعداء بهم، يقول المعترض على سريّة القيادة هنا، بأنّ سريّة العمل أمر يمكن تفهمه، إذ كانت السنين الأولى من عمر البعثة النبويّة سنين عمل سريّة، وكذلك كان عمل الأئمة (عليهم السلام) حتّى زمن الإمام العسكري (عليه السلام) وقد ورد عن المعصوم (عليه السلام) «التقية ديني ودين آبائي». ولكن مع هذا، فإنّ القيادة لم تكن سريّة أمام القواعد بل كانت مكشوفة. فكل أصحاب الصادق (عليه السلام) ــ مثلاً ــ كانوا يعرفون أنّه هو الإمام مع كون أصل عمل التشيّع عملاً سريّاً وعلى أساس التقيّة، فالقيادة لم تكن سريّة آنذاك فلماذا تكون الآن سريّة؟.

وبالمقابل، فإنّ مؤيّدي العمل الحزبي يجيبون عن هذه الإشكالات فيقولون: إنّ عمل المعصوم (عليه السلام) دليل (الجواز) وليس دليل (الوجوب)، وأنّ الظروف والشروط لها مدخليّة في مثل هذه الأعمال وهي تختلف من وقت لآخر.

فصحيح أنّ قيادة الأئمّة (عليهم السلام) كانت شعاعيّة وكانت مكشوفة لدى القواعد، وإن كان أصل العمل سريّاً في بعض الأوقات، إلاّ أنّ هذا لا يدلّ على أنّ العمل يجب أن يكون هكذا دائماً، وإنّما دلّ عملهم على جواز ما فعلوا، ولا يفهم منه عدم جواز غيره إن تغيّرت الظروف والشروط. فكما أنّ أحداً لا يعترض على السفر بالطائرة لأنّ المعصوم (عليه السلام) لم يسافر بها، فكذلك لا ينبغي الإشكال على العمل الحزبي لأنّ المعصوم (عليه السلام) لم يعمل به.

ويردّ على هذا بأنّ هناك فرقاً بين اختلاف وسائل النقل في المثال وبين مسألة شكل العمل وهل يجب أن يكون شعاعيّاً أو هرميّاً؟.

والفرق هو أنّ تطوّر وسائل النقل راجع إلى تطوّر العلم، والمعصوم (عليه السلام)لم يكن همّه الاهتمام باكتشاف العلوم الجديدة فهذه موكولة إلى عللها، بل كان همّه هو هداية البشر وقد هدى.

أمّا العمل الهرمي (الحزبي) فليس من الاكتشافات الطبيعيّة العلميّة، بل هو عمل اجتماعي كان بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) أن يجعل أساس عمله هو الأساس الهرمي فلماذا جعله على ذاك الأساس الشعاعي؟.

أليس هذا دليلاً على أنّ العمل الشعاعي كان هو الأفضل، وإن كنّا لا نقول بحرمة العمل الهرمي، لأنّ الأصل هو الإباحة كما يقول الأصوليون.

والذي اعتقده أنا، أنّه لا يمكن إعطاء قاعدة عامّة دائميّة شاملة لكل زمان ومكان، في مسألة هل أنّ العمل الشعاعي هو الأفضل أو أنّ العمل الهرمي هو الأفضل، وإن كان كلا النوعين جائزاً لو كنّا نتكلّم على مستوى الجواز والحرمة، لأنّ الأصل هو الإباحة فيهما. وتعذّر إعطاء قاعدة في تفاضل نوعي العمل راجع إلى أنّه متى ما توفّرت قيادة شعبيّة قوية عامّة جاذبة لأكبر قدر ممكن من المجتمع أمّا بجاذبية العصمة وعظمتها وكرامتها وأخلاقياتها، إذ للمرجعية عند الشيعة عظمتها وأبّهتها وقدّسيتها خصوصاً مع كون المعصوم (عليه السلام) قد أوصى بها «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا..». فإنّ قيادة كهذه القيادة ــ بشرط أن تكون واعية وصالحة ومتحرّكة في زمن الغيبة الكبرى ــ تكون أقدر من القيادة الحزبيّة على جلب القوى الخيّرة وقيادة المجتمع نحو إقامة حكم الله في الأرض.

وقد أثبتت التجربة هذا المدّعى أيضاً، إذ رغم تقدّم وضع الحركة الإسلاميّة من الناحية التاريخية على الوضع الذي كان في إيران، لم تفعل شيئاً على مستوى إقامة الدولة، وقد فعلت المرجعية في إيران أعظم عمل رأيناه، وقد نجح العمل المرجعي في الواقع قبل أن ينجح العمل الهرمي فيه.

وقد كان هذا نتيجة العمل المرجعي الواعي الذي كان له تلك الجذوة والتأثير في نفوس الأمة بحيث جذب أكبر عدد ممكن من أفراد الأمة، بخلاف ذاك العمل الهرمي (الحزبي) الذي قد يجذب وقد يكون جذبه أحياناً وفي دائرة معيّنة أكبر وأقوى وأشد تماسكاً، ولكنّه لا يملك ذلك التأثير الواسع الشامل الذي للعمل المرجعي. وعلى هذا فإنّه وفي مثل هذه الأحيان يكون العمل المرجعي هو العمل الأفضل.

وأمّا إذا لم يكن في البلد المعيّن أو لدى الجماعة المعيّنة مثل هذا الوضع، من باب عدم وجود المرجعية الصالحة (كما أسماها سيدنا الشهيد (قدس سره) أو كان العمل ضمن ظروف مجتمع سنّي لا يؤمن بالمرجعية ولا بقيادتها.

فحينئذ لا معنى لأن نرفض العمل بالمنهج الآخر إذ سيكون هذا المنهج حينئذ قوة من القوى إذا أسس وفق الأسس والموازين الصحيحة وقد قال الله تعالى {وأعدُّوا لَهمُ ما استطعتُم مِن قوة}[4].

ولكن إذا اجتمعت القوّتان في بلد واحد، قوة العمل المرجعي وقوة العمل الهرمي (الحزبي)، فأي منهما هو الأصلح لقيادة المجتمع؟ وهل يمكن أن تكون هناك قيادتان للمجتمع؟ أو لابدّ من أن تكون هناك قيادة واحدة وإن كانت هناك قوتان؛ إذ الكلام هو في أنّ القيادة لمن وليس الكلام في وجود أو إنهاء إحدى القوتين أو في شرعيّة الوجود أو عدمه لهذه القوة أو تلك.

وسيكون الجواب هنا واضحاً وهو: إنّ قيادة الساحة للعمل المرجعي وليس للعمل الحزبي. وما دام العمل الحزبي لا يدعي لنفسه قيادة الساحة وينضوي تحت قيادة المرجعية فهو عمل مقبول. ولو ادّعى ذلك لنفسه فهو منحرف ويحرم الانتماء إليه.

وأمّا لماذا كانت القيادة للعمل المرجعي لا للعمل الحزبي فإنّ ذاك راجع إلى سببين:

الأول: الشرعية.

الثاني: الواقع العملي في وضعنا المعاش الشيعي.

فبالنسبة للسبب الأول نقول: إنّ الشرعيّة هي ملاك المرجعية الدينيّة كما قال المعصومون (عليهم السلام) على ما مضى توضيحه من أنّ القيادة بيد الفقهاء نصباً كما هو رأي السيد الإمام (رحمه الله)، أو انتخاباً كما هو رأي البعض. والمفروض بنا كمتشرّعين أن نلتزم بهذا الأمر التزاماً واقعيّاً عمليّاً، وليس التزاماً قوليّاً وعلى مستوى الشعارات، بل لابدّ وأن يكون العمل مطابقاً ومصدّقاً للقول والادّعاء، وأمّا لو خالف العمل الادّعاء فهذا غير صحيح.

وأمّا السبب الآخر:

فهو أنّ العمل المرجعي في وضع الشيعة أنجح من العمل الحزبي وإن اعترفنا للعمل الحزبي بحقّه في الوجود؛ وذلك لأنّ العمل المرجعيّ هو السيرة التي استمرّ عليها الشيعة منذ أول الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، وهو الذي خطّط له الأئمة المعصومون (عليهم السلام) بقولهم: «مجاري الأمور بيد العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه» و «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا»، وغير ذلك.

وما دام الأمر كذلك فيجب على العمل الحزبي أن ينضوي تحت قيادة العمل المرجعي ولا يدعي لنفسه القيادة.

ولو ادّعى لنفسه القيادة، فسيحمِّل الساحة ما لا تتحمّله وهو وجود قيادتين في آن واحد، الأمر الذي سيؤدّي إلى تفتّت القوى، وسَيُشْكل على العمل الحزبي بما أشكله هو على العمل المرجعي من أنّ العمل المرجعي يتفتّت ويتشتّت إلى قيادات متعدّدة بعد موت المرجع المسيطر.

إنّ وجود قيادتين في الأمة وفي آن واحد يوجب الغبش في الأمور والمشاكل للأمة.


[4]  سورة الأنفال، الآية:60.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net