الجواب عن الشبهة الثانية
وهي ما يذكر من أنّ المرجع فرد والفرد تكثر أخطاؤه، فلابدّ لنا من الركون إلى عمل آخر غير فرديّ كي لا تكثر الأخطاء في القيادة.
إنّ هذا الكلام كان مذكوراً في أوائل أيام الحركة الإسلاميّة في العراق، ولكنّه لم يكن مذكوراً بهذا الشكل المشوّه حالياً، وإنّما كان بشكل آخر، فلم يكن يقال: إنّ القيادة يجب أن تكون جماعيّة حتماً، بل كان يقال: إنّ القيادة قد تكون جماعيّة وقد تكون فرديّة. إلاّ أنّ القيادة الفرديّة يجب أن تستفيد من مشورة أصحاب الاختصاصات كي لا تقع في أخطاء. ولكنّه ــ ومع الأسف ــ فإنّ المطالب أحياناً تتغيّر وتتبدّل وتتدهّور إلى أن أصبح يقال هكذا !
وعلى كل حال، فإنّ هذا العيب الذي يذكر وهو أنّ المرجع فرد والفرد غير المعصوم يخطأ وتكثر أخطاؤه، هذا العيب قد التفتت إليه الشريعة الإسلاميّة وبيّنت علاجه.
ففي القرآن الكريم خاطب الله تبارك وتعالى نبيه محمّد (صلى الله عليه وآله) خطاباً فيه علاج لهذا العيب وطالبه بتطبيقه والالتزام به وإن كان معصوماً لا يحتاج إليه وذلك لكي يبقى دستوراً للمسلمين، ويلحظه القادة الآخرون غير المعصومين، وتتربّى الأمة عليه أيضاً.
وهذا العلاج هو في قوله تعالى: {وشاوِرهُم في الأمر}[2] (إذ قرّر بذلك مبدأ الشورى في الإسلام. ولا يعني هذا، أنّ الرأي سيكون رأي الأكثريّة لا رأي القائد ولذا أردف سبحانه وتعالى قائلاً: {فإذا عزمتَ فَتوكّلْ على الله}[3].
فالرأي إذن رأي النبي ورأي القائد لا رأي الشورى والأكثريّة.
وعلى هذا، فعلى القائد أن يستشير أصحاب الاختصاصات في كل مورد، للاستفادة من اختصاصاتهم وآرائهم ولكن يبقى الرأي الأخير له على ما يبدو من هذه الآية المباركة.
فالعلاج الذي طرحه الكتاب والسنّة، إذن لم يكن بمعنى القيادة للشورى وأنّ القيادة جماعيّة بل كان عبارة عن ضرورة الاهتمام بالمشورة والاستفادة من آراء الآخرين. وإن ــ كنّا ــ لا ندّعي أنّ القيادة لابدّ وأن تكون وعلى الدوام فرديّة، بل يمكن أن تكون جماعيّة أيضاً ولكن غاية ما في الأمر أنّها لو كانت جماعيّة لوجب أن يكون كل أعضائها من (الفقهاء) أيضاً وهو ما يسمّى اليوم بــ(شورى القيادة) ولا نخرج حينئذ عن أصل المدّعى وهو (ولاية الفقيه).
وأمّا لو ركّبت القيادة الجماعيّة من الفقيه وغيره لخرجت عن مبدأ (ولاية الفقيه) قطعاً، لأنّ المركّب من الفقيه ومن غيره الفقيه، ليس بفقيه.
[2] سورة آل عمران، الآية:159.
[3] سورة آل عمران، الآية:159.
|