الأجوبة الخاصّة على الروايات المانعة من الخروج
بعد أن ذكرنا أجوبة ثلاثة عامّة على الروايات المانعة من الخروج، بقي علينا ذكر الأجوبة الخاصّة، وهي النظر إلى كل رواية بالخصوص لإثبات المدّعى من صحّة الخروج على الظلمة حتّى في غير عصر ظهور الإمام (عليه السلام). وسنقتصر هنا على دراسة تلك الروايات الأربع[32] التي درسناها سابقاً لصحّة أسانيدها.
الرواية الأولى:
عن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام) قال: «كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل»[33].
لقد طرحنا سابقاً احتمالين بشأن الاستدلال بهذه الرواية وهما:
الاحتمال الأول: أنّها ناظرة إلى شرط العصمة، فيمن يقوم، ولا يجوز الخروج والقتال دون حضوره (عليه السلام).
الاحتمال الثاني: أنّها ناظرة إلى التقية والعجز وعدم القدرة. فعندما لا تكون هناك قدرة على القتال والظفر يحرم الخروج، ــ ولكنّي ــ أرى من تعبير الرواية عن الخارج بأنّه (طاغوت يعبد من دون الله) وعدم تصريحها بحرمة الخروج في غير زمن المعصوم (عليه السلام)، أو عند عدم حصول الشرائط الموجبة للنجاح، أرى في ذلك احتمالاً ثالثاً قبال الاحتمالين السابقين، وهذا الاحتمال هو خروج الخارج بدعوى أنّه هو الإمام المنصوب من قبل الله تعالى، وأنّه هو الولي المجعول على المؤمنين. وليس هو النائب العامّ عن المعصوم (عليه السلام).
وهذا الاحتمال وارد بقرينة (طاغوت يعبد من دون الله) فإن كان هذا الاحتمال، احتمالاً وارداً إلى الذهن ولو بمستوى أن تكون الرواية (مجملة) ومردّدة بين الاحتمالات الثلاثة، فإنّ الرواية تسقط عن الاستدلال لأنّها أصبحت (مجملة). ومع ذلك، فإنّنا لو حصرنا الاحتمالات بالاحتمالين الأوليين فقط، فإنّ الجواب ينحصر بالأجوبة العامّة التي شرحناها سابقاً.
الرواية الثانية:
عن سدير قال (عليهم السلام) قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير الزم بيتك، وكن حِلْساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أنّ السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك»[34].
وهذه الرواية وبغضّ النظر عن الأجوبة الثلاثة السابقة، فإنّها لا يوجد فيها ما يتمّ به إطلاقها ــ على حدّ تعبير الأصوليين ــ لكي تعطي قاعدة عامّة. وإنّما هي خطاب إلى شخص معيّن اسمه سدير، وعلى هذا فشروط تكوّن الإطلاق غير موجودة فيها.
ولكن من المحتمل أنّها تنظر إلى حالات معيّنة، وهي حالات الخروج المقارنة لزمن حضور المعصوم. فيقول (عليه السلام): يا سدير: أنت الذي تعيش في زمن المعصوم (عليه السلام) وتفتّش عن إمام لك، وتتصوّر أنّ الخارج بالسيف هو الإمام، فإنّ الأمر ليس هكذا، ولا تخرج إلاّ إذا خرج السفياني فإنّ خروجه دلالة على خروج الإمام المعصوم (عليه السلام) أو قرب خروجه (عليه السلام).
أمّا أن تكون هذه الأوامر والإرشادات قاعدة عامّة مطلقة تشمل حتّى زمن الغيبة الكبرى، وأنّه لا يصحّ خروج أي أحد حتّى ظهور الحجة (عج)، فإنّ هذا أمر لا يمكن استفادته من هذه الرواية لعدم اكتمال الإطلاق فيها؛ لأنّ الخطاب فيها محدود لسدير لا لكل المسلمين وفي كل آن ومكان.
ولا أريد أن أحمل هذا المعنى على هذا النصّ فقط دون أن احتمل المعاني الأخرى. وإنّما الذي أقوله إنّ (الإطلاق) في هذه الرواية غير موجود واحتمال كون الرواية (خاصّة) احتمال وارد.
الرواية الثالثة:
عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال:
«الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدركها: اختلاف بني فلان، ومناد ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق...»[35].
ولا يوجد في هذه الرواية أيضاً ما يتمّ به مقدّمات الحكم ويثبت منه الإطلاق. فنحن نحتمل أنّ الرواية تشير إلى حالة معيّنة وهي تلك التي كان يعيشها جابر بالذات، وهي حالة التواجد في زمن حضور المعصوم (عليه السلام). فيكون النهي نهياً عن الخروج في زمن المعصوم (عليه السلام) مع غيره. لا سيّما أنّ الرواية ذكرت علامات على قرب خروج المعصوم وهي الرايات المشار إليها آنفاً.
الرواية الرابعة:
عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني. فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا»[36].
والملاحظ هنا، أنّ السؤال قد صبّه السائل على عنوان (أهل بيتك).
وقلنا: إنّ المتبادر إلى الذهن عرفاً من هذا اللفظ هم الأقرباء بالمعنى الخاصّ، وليس كل من هو من نسل الرسول (صلى الله عليه وآله) ولو كان بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وآله) ألف سنة وإن كان هو من أهل البيت أيضاً بالمعنى العامّ.
فالرواية لا تبيّن قضية عامّة لكل زمان ومكان ولأي ظرف كان، إذ لا يوجد دليل على ذلك. وإنّما تريد القول بأنّ أقرباء الرسول كزيد والحسين صاحب (فخ) ومحمد بن عبد الله وأمثالهم.. إن خرجوا فلا تخرج معهم إلاّ مع هذه العلامات.
[32] يلاحظ كتاب الكفاح المسلّح، لآية الله السيد كاظم الحائري، ففيه أيضاً بحث مفصّل عن روايات المنع.
[33] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 15، باب جهاد العدو، ص 52.
[34] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 15، باب جهاد العدو، 51.
[35] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 15، باب جهاد العدو، ص 56.
[36] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 15، باب جهاد العدو، ص 52.
|