تفصيل المبنى الثالث
هو مبنى الإيمان بولاية الفقيه العامّة التي لا تختصّ بملء منطقة الفراغ
وهو المبنى الذي يعطي للفقيه الولاية العامّة بعد انتخابه من قبل الأمة لا قبل الانتخاب.
ومعنى ولاية الفقيه هنا هو وجوب انتخاب الفقيه دون غيره من أفراد الأمة فلا يحقّ للأمة انتخاب غير الفقيه لولاية الأمر. ولهذا الأمر ركيزتان:
الأولى: الإيمان بفكرة الانتخاب في عصر الغيبة.
الثانية: الإيمان بشرط الفقاهة فيمن ينتخب.
أمّا الركيزة الثانية فقد بحثت سابقاً، وقلنا: إنّ الفقاهة شرط فيمن ينتخب، وذلك بدلالة الروايات، سواءً ما دلّ منها على شرط الفقاهة في الوالي بمعنى القائد والأمير، أو ما ورد منها بشأن ولاية الإمام بمعناه الاصطلاحي عند الشيعة، والتي استظهرت منها إرادة ولاية الأفضل على أمور المسلمين.
وأمّا بالنسبة للركيزة الأولى: فقد تُرجّح ــ كما مضى في بحوث سابقة ــ صحّة الانتخاب بأدلّة متعدّدة، منها وقوع البيعة للرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تأريخيّاً، وعدم نهيهم عنها، إلاّ ما ورد بشأن الردّ على الذين بايعوا أئمة الجور ولم يشخّصوا تشخيصاً صحيحاً من هو الوليّ الحقّ الذي لابدّ من بيعته، فلم يكن الردّ حينئذ ردّاً للبيعة بما هي بيعة بل لمصداقها المتحقّق خارجاً آنذاك، فوقوع البيعة للمعصومين (عليهم السلام) دليل على صحّتها وإن كانت الولاية ثابتة لهم حتّى بدون البيعة.
إلاّ أنّ في انطباق فكرة انتخاب الأكثرية على ما تحقّق في التأريخ من البيعة للمعصومين ولولاة الجور نقاشاً لا يستهان به.
وعلى أيّة حال فإنّ فكرة الانتخاب في زمن غيبة المعصوم (عليه السلام) يمكن طرحها على شكلين:
الأول: هو الشكل الذي لا يتنافى مع الإيمان بالمبنى الرابع، وهو مبنى النصّ على الفقهاء من قبل المعصوم (عليه السلام) وأنّ الشريعة قد نصبت الفقهاء أولياء لأمور المسلمين.
فلا نقول حينئذ بأنّ الانتخاب قد خلق الولاية للفقهاء، لأنّها ثابتة لهم قبل ذلك على وفق هذا المبنى. ولكن عند تعدّد الفقهاء المتصدّين للولاية لابدّ وأن نصل إلى ترجيح أحدهم أو بعضهم وفق مقياس الأفضليّة. والذي يقوم بهذا الترجيح والتعيين هو الأمة بالبيعة والانتخاب. فلو شخّصت الأمة أحدهم وبايعته فإنّه يصبح ولي الأمر المتعيّن وتجب طاعته وينفذ أمره ويصبح قادراً على تمشية أمور المسلمين دون غيره. ولو زاحمه الفقهاء الآخرون بنقض حكمه كان ذلك شقّاً لعصى المسلمين وهذا عمل محرّم.
أمّا الثاني: فهو ما يناسب المبنى الثالث من المباني الأربعة، وهو أنّ الانتخاب يخلق الولاية، ولا ولاية قبل البيعة والانتخاب.
|