متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحاجة الى الحكم الإسلامي، مبدأ الولاية أو الحكومة، أساس أنظمة الحكم في العالم
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

الفصل الأوّل

الحاجة الى الحكم الإسلامي

      مبدأ الولاية أو الحكومة

     أساس أنظمة الحكم في العالم

        النظام الرأسمالي الديموقراطي

        النظام الاشتراكي الماركسي

        النظام الإسلامي

هناك حاجة اجتماعيّة ماسة جداً لسلطة عليا تقوم على إدارة شؤون المجتمع وتسيير اُموره العامّة؛ وذلك لتحقيق التناسق بين الاحتياجات الاجتماعيّة المتفاوتة وأساليب إشباع هذه الاحتياجات، وتجميع القوى الفعّالة وتوجيهها الوجهة التي تؤهّلها لخدمة مصالح المجتمع على النحو الأكمل.

 وكذلك لإشاعة العدالة والوقوف بوجه الظلم والاعتداء على الآخرين وحقوقهم.

 وبالتالي يحتاج المجتمع الى السلطة التي تحمل على عاتقها مهمة توحيد الآراء في القضايا العامّة التي يتطلّب الموقف فيها رأياً موحّداً، يمتلك القاطعيّة والواقعيّة والقدرة على التنفيذ.

 هذا. بالإضافة الى اُمور كثيرة اُخرى، ممّا يجعل الحاجة ماسة لهذه السلطة العليا وبشكل لا يشكّ فيه أحد.

 إنّ العائلة الصغيرة - وهي نواة المجتمع الكبير - لتحتاج الى الموجّه المشرف على إدارتها وتعيين مسيرتها وتنسيق اُمورها، فكيف بالمجتمع الذي يضمّ مختلف الوحدات الاجتماعيّة وأنواع النزعات العاطفيّة والسياسيّة والفكريّة؟

 إنّ الحقيقة الهامّة التي تبرز بوضوح في مجال قيام السلطة العليا أو الحكومة بمهامها: هي احتياج هذه الحكومة الى ما يخوّلها سلطة مطاعة، تنفّذ بها أهدافها، وتبرر بها عملها على منع أفراد المجتمع أو جماعاته من كثير من أنماط السلوك التي كان لهم أن يقوموا بها لولا نهي الحكومة، وكذلك إجبار هؤلاء على إتخاذ مسير سلوكي لم يكونوا مجبرين عليه قبل ذلك.

 ولا يمكننا أن نتصوّر لقيام الحكومة باُمور الحكم من أساس، غير أمرين لابدّ من توفّرهما معاً؛ لكي تصبح سلطتها على الناس وما تقوم به من أعمال نفوذ، مما يؤيده الوجدان الكافي في أعماق الإنسان ذاتاً، وهذان الأمران هما:

 الأوّل: أن تكون الحكومة واجدة لمصدر مشروع تستمد منه الولاية.

 الثاني: أن تكون سلطتها وبرامجها على وفق المصالح الاجتماعيّة.

 مبدأ الولاية أو الحكومة

أمّا بالنسبة للأمر الأول، فإنّ ما يمكن أن يتصوّر كمبدأ لاستمداد الولاية والقدرة وإعمال النفوذ الذي لا بدّ منه في حكم المجتمع، هو أمران لا غير، وهما:

1 ــ الناس أنفسهم.

2 ــ الله سبحانه وتعالى.

أمّا المبدأ الأول، فيقال فيه: إنّ الناس إذا منحوا بأنفسهم فرداً أو هيئة حق الحكم وإدارة شؤونهم، فإنّ هذا الفرد أو هذه الهيئة سوف تقوم على أساسين هما: مصدر الولاية والمصلحة.وهذا اللون من الحكم يدعى بالديمقراطيّة، وقد استعملت الكلمة في أكثر من معنى، ولكننا نعني بها هنا إعطاء حق تقرير المصير بيد الناس. فهم الذين يقرّرون النظم والقوانين، ويعيّنون المنفّذين سواء كان هذا كله بالمباشرة، أو بواسطة المنتخبين، أو بالتلفيق.

وما يمكن أن يؤكّد عليه أنصار الديمقراطيّة في مجال جعل الديمقراطيّة في إطار الأساسين السابقين (مصدر الولاية، والمصلحة)، هو توضيح أنّ الديمقراطيّة في الواقع ليست حكماً لأحد على أحد، وإنّما تعني حكم الناس أنفسهم بأنفسهم. فلا تحكّم ولا إعمال سلطة أو نفوذ، حتّى يبقى مجال للتساؤل عن مصدر الولاية.

وبكلمة أخرى، يكون الجهاز الحاكم قد استمدّ ولايته ومبرّر نفوذه من الناس أنفسهم، وعلى أساس من عقد اجتماعي قام به الناس جميعاً، واتّفقوا فيه على قوانين معيّنة، كما اتّفقوا فيه على اختيار منفّذين لتلك القوانين، ولا ريب في أنّ الوجدان يدفع الفرد والمجتمع للالتزام بالعقد والوفاء به.

وأمّا ضمان المصلحة الاجتماعيّة، فقد يركّز على  قضية أنّ الحكومة إذا كانت تعبيراً عن حكم الناس لأنفسهم، فمن الطبيعي أن تعمل على تحقيق المصالح الاجتماعيّة. لأنّ الناس لا يريدون لأنفسهم غير ذلك، وليس الحاكم مغايراً للمحكوم، كي يفترض تقديمه لمصالحه  على مصالح المحكوم.

وهذا يؤكّد كون الشكل الديمقراطي في الحكم هو أضمن الأشكال المتصوّرة لحفظ مصالح الأمة.

وأمّا المبدأ الثاني لاستمداد الولاية فهو الله سبحانه وتعالى، لأنّه الخالق والمنعم والمولى الحقيقي للكون والناس.

وإذا ثبت أنّ هذا المبدأ هو المبدأ الصحيح الوحيد الذي يجب أن تستمد الحكومة قدرتها وولايتها منه[5]، فلا ريب في ضمان موافقة الوجدان بل تأكيده على هذا الشكل، بعد أن تستمد الولاية من صاحبها الحقيقي وبعد أن كان ذلك هو الضمان الوحيد لتحقيق مصالح الأمة في الحياة الدنيا على أساس التشريع الإلهي، وحكومة الولي المعينين من قبل الله، كما أنّ هذا هو الضمان الوحيد ــ أيضاً ــ لتحقيق رضا الله عز وجل وسعادة الحياة الآخرة.

ووفقاً لهذا المبدأ، لا معنى للبحث عن كون السيادة للشعب أو الأمة وأمثال ذلك. وإنّما السيادة الحقيقية لله لا غير، وهو يعيّن السلطة الحاكمة.

أساس أنظمة الحكم في العالم

تختلف أنظمة الحكم وتتعدّد على وفق الأساس الذي تعتمده في حقها في السيادة والحكم وأشهر هذه الأنظمة هي:

  النظام الرأسمالي الديموقراطي:

إنّ الديمقراطيّة تشكّل الأساس الذي يعتمده نظام الحكم الرأسمالي حيث يمنح كل أفراد الشعب الحقوق الديمقراطيّة كاملة ــ كما يدّعي ــ.

  النظام الاشتراكي الماركسي:

وفيه يُنادى بالديموقراطيّة في إطار طبقة البروليتاريا أو الحزب الاشتراكي الحاكم فقط.

أمّا في مجال الدولة العام، فإنّ ديكتاتوريّة البروليتاريا هي السائدة، وتعني اعتماد القوة والعنف سبيلاً لتنفيذ سلطتها وفرض أوامرها على المجتمع مدّعية مراعاة مصلحة المجتمع في ذلك. ويبرر النظام الاشتراكي الماركسي كل هذا، بأنّ الطبقة الكادحة هي التي تضمن تطبيق النظام الاشتراكي الأمثل لتهيئة الشعب للدخول في المرحلة العليا من التطوّر البشري (أي الشيوعية) في حين يعمل غيرها على عرقلة هذه المسيرة والقيام بالثورة المضادة فيجب أن لا يمتلكوا أي حق ديموقراطي في تقرير مصير الحكم وأسلوب الإدارة العامّة.


[5]  يُراجع: السيد كاظم الحائري، أساس الحكومة الإسلاميّة، الدار الإسلاميّة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ــ لبنان، الطبعة الأولى 1979 م، ص 60 ــ 64.


  النظام الإسلامي:

ويقام الحكم فيه على أساس استمداد حق السيادة من الله تعالى باعتباره المالك والمشرّع الحقيقي لا غير. وعلى وفق هذا فإنّ:

1 ــ أساس الحكم في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله):

هو أنّ الله تعالى قد جعل النبي (صلى الله عليه وآله) بالإضافة إلى كونه المبلّغ عنه تعالى قائداً عملياً للأمة وولياً عليها {النبيُّ أولى بالمؤمنينَ مِن أنفسهم}[1].

2 ــ أساس الحكم بعد النبي (صلى الله عليه وآله):

أ ــ ادّعى العديد من علماء السنّة وكتّابهم أنّ أساس الحكم المعيّن من قبل الله هو (الشورى)، مستندين في ذلك إلى نصوص من القرآن الكريم {وَأمْرُهُم شُورىْ بَينَهُم}[2]، والسنّة النبويّة الشريفة وسيرة الصحابة.

ونظام الشورى هذا يختلف عن (الديموقراطيّة الغربية) اختلافاً بيّناً.

فإنّ القوانين الأساسيّة للدولة في الإسلام لا تقوم بكل جوانبها على أساس التصويت والانتخاب وأمثال ذلك، كما هو الحال في النظام الديموقراطي، بل هي في إطار أمور تشريعيّة قرّرها الإسلام باعتباره رسالة الله تعالى لكل الأجيال.

ب ــ أمّا الشيعة، فإنّ أساس التشيّع عندهم هو الإيمان بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد عيّن نظام الإمامة المنصوص عليها بعد وفاته. والتي تمثّلت أول ما تمثّلت في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تتابعت النصوص النبويّة الشريفة على تعيينه بأمر الله تبارك وتعالى مرجعاً شرعياً للأمة وولياً للأمر فيها.

كما أنّ الإمام علياً (عليه السلام) بدوره قد نصّ على الإمام من بعده، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر وهو الإمام المهدي(عليه السلام) الذي غاب عن الناس، وبقي حياً يرزق، وقد أعدّه الله تعالى لينشئ دولة العدل الشاملة لأرجاء الأرض، بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فالمجال الطبيعي للبحث عن أساس الحكم الإسلامي ــ بعد فرض أساس التشيّع ــ إنّما هو بالنسبة لعصر غيبة الإمام (عليه السلام). وما يمكن استفادته من المصادر الشيعيّة، والذي افتى به جملة من فقهاء  مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، كأطروحة لنظام الحكم الإسلامي في زمن الغيبة، هو «ولاية الفقيه» ضمن شروط معيّنة يجب أن تتوفّر فيه. وهذا ما قام عليه فعلاً نظام الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بقيادة الإمام الخميني (رضي الله عنه)، قال الله تعالى: {أطيعُواْ اللهَ وَأطْيعُواْ الرَسُولَ وأولي الأمرِ مِنْكُم}[3].

ولعل البعض يتصوّر أنّ الحاجة إلى ولاية الفقيه المتحدَّث عنها هي مساحة ولاية رؤية الهلال والولاية على الصغار وما شابه ذلك مما يسمّى باختيارات الفقيه في الأمور الحسبيّة، ولكن بات من الواضح اليوم، أنّ هذه الولاية لها مساحتها العريضة الواسعة، وأنّ الفقيه هو ولي المسلمين وهو الأمين على الدين والدنيا، كما ورد في بعض الأحاديث الشريفة. وبلحاظ هذه السعة كانت الشبهات المطروحة حولها كثيرة ومتنوّعة.

منها الشبهة التي طرحت  قديماً، وذكر فيها اشتراط وجود الإمام المعصوم في تأسيس الحكومة الإسلاميّة، ويكون زمن الغيبة عصر تقية لا عصر تأسيس الحكم الإسلامي، ومنها الشبهة ا لتي تقول: إنّ الفقيه فرد والفرد كثير الخطأ فلا يجوز له أن يحكم البلاد  وإنّما يجوز للفرد أن يحكم البلاد إذا كان معصوماً.

وهناك شبهات أخرى، سوف نناقشها في محلها المناسب من الكتاب.


[1]  سورة الأحزاب، الآية:6.

[2]  سورة الشورى، الآية:38.

[3]  سورة النساء، الآية:59.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net