متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تقديم
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

تقديم

 
بقلم: سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحائري

 

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فإنّ فكرة الإمامة لدى الشيعة لهي فكرة بقاء القيادة الإسلاميّة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) حيّة محرِّكة لعجلة الحياة الدينية بالوجه الكفيل لسعادة الدنيا من ناحية، باعتبار أنّ الإسلام نظام كامل شامل للحياة البشرية، كافل لجميع المصالح الماديّة، ولسعادة الآخرة من ناحية أخرى باعتباره النظام الكفيل بتنمية الجانب الروحي والمعنوي للإنسان، ممّا يؤدّي إلى سعادته حين لقائه الله ــ عزّ وجلّ ــ.  

ونظام كهذا لا يمكن أن يعيش بين الناس لحظة واحدة من دون قيادة إلهيّة منصوص عليها من قبل نفس هذا النظام، وهذه القيادة هي المسمّاة بالإمامة بمعناها العام.

وهناك رأيان متعاكسان في الإمامة بين تفريط وإفراط:

أحدهما: رأي تقليدي وجدته عند شرذمة قليلة من الناس لم يعوا الحقائق حتّى بعد قيام الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة التي أدّت إلى توعية الكثيرين، إذ بقوا مصرّين على القول بأنّ الحكم مخصوص بالإمام المعصوم، وإنّ الإمامة تبقى ــ بمعنى القيادة ــ معطّلة في زمن الغيبة إلى أن يظهر الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه).

وثانيهما: رأي انحرافيّ آخر رأيته أخيراً في بعض الكتابات، وهو الرأي القائل بأنّ إيمان الشيعة اليوم بضرورة استمرار الإمامة والقيادة لإدارة دفّتي الحكم ولتمشية أمور المسلمين يعني أنّهم قد تنازلوا عمّا كانوا يفتقدونه من شرط العصمة في الإمام؛ لوضوح أنّ إمام المسلمين الظاهر اليوم ليس معصوماً.

ولقد غفل صاحب هذا الرأي، أو تغافل عن أنّ الشيعة لم يكونوا يقصدون بالإمامة المشترط فيها العصمة معناها العامّ، وهو القيادة.

ذلك أنّ الإمامة لها معنى خاصّ تمتاز الشيعة عن سائر فرق المسلمين بالإيمان بها، ولها معنى عامّ يؤمن به كلّ مسلم معتقد بضرورة إقامة الحكم الإسلامي على وجه الأرض.

فالإمامة بمعناها الخاصّ تعني منصباً إلهيّاً مقترناً بنوع من الارتباط الغيبي بالله سبحانه، وبمستوى من الهيمنة التكوينيّة على العالم (ولا أقصد الولاية التكوينيّة العامّة المختلف فيها بين الشيعة). وهذا المعنى من الإمامة تعتقد الشيعة أنّها لا تكون إلاّ بنصّ خاصّ على شخص معيّن، وهذه هي المشروطة بالعصمة، وتتمثّل اليوم بشخص الإمام المهدّي (عجّل الله تعالى فرجه)، الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها، وهو السبب المتّصل بين الأرض والسماء.

وليست غيبة الإمام الحجة (عليه السلام) عن الأنظار تعني عدم تأثيره في الأرض وعلى المجتمع، بل مَثَلُه في الغيبة مَثَل الشمس إذا غيّبتها السحاب، كما ورد في التوقيع المعروف.[1]

وهذا هو اعتقاد الشيعة في إمامهم المعصوم.

أمّا الإمامة بمعناها العامّ فهي تعني القيادة الظاهريّة للأمة الإسلاميّة، وتكون لغير المعصوم ــ أيضاً ــ  بعنوان النيابة عنه لدى عدم حضوره، وهذه مشروطة بأعلى درجات العدالة، وليست مشروطة بالعصمة. وتثبت بالنصّ العام على من وجدت فيه مواصفات معيّنة، كما ثبت أيضاً بالنصّ الخاصّ للنواب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى.

ومن هنا يبدو أنّ بحث الإمامة بمعناها الخاصّ ــ والذي تمتلك الشيعة بحمد الله كتباً كثيرة ووافرة عنه ــ ليس كافياً لتمشية أمور الشيعة اليوم، بل لابدّ من بحث الإمامة بمعناها العامّ أيضاً، وذلك لربط واقع المسلمين المعاصر بالماضي من ناحية ولإعطاء الإسلام حركيّته وحيويّته وأسلوب تطبيقه كنظام كامل شامل للحياة على وجه الأرض من ناحية أخرى.

وقد جاء كتابنا السابق «الإمامة وقيادة المجتمع» ــ الذي كان تجميعاً لمحاضراتنا في شهر رمضان من سنة 1406 هــ ق ــ أكثره مكرّساً لبحث إمامة أئمتنا المعصومين (عليهم السلام) وقيادتهم، ما عدا الصفحات الأخيرة التي كتبت بعنوان «لمحة عن ولاية الفقيه».

أمّا هذا الكتاب فهو مكرّس لتكميل دور ذلك الكتاب الماضي ولبيان شروط وأسس قيادة الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، والتي لم ترد في الكتاب الأول إلاّ في الصفحات الأخيرة، وقد أسمينا هذا الكتاب بــ«المرجعية والقيادة» فهذان الكتابان يكمّل أحدهما الآخر.

وجدير بالذكر: أنّ هذا الكتاب أيضاً تجميع لمحاضراتنا في شهر رمضان من سنة 1408 وقد استنسخها من أشرطة (الكاسيت) على الأوراق الشابّ الهادف الفاضل محمّد جواد الزبيدي (حفظه الله)، وكان مصمّماً على طبعها على شكل كتاب، فلم يتمكن من ذلك، وكنت قد كتبتُ له أيام تصميمه ذاك تقريظاً، طلب منّي ومع اكتمال مشروع الكتاب درجه ضمن التقديم فاستجبت لطلبه تكريماً لجهده. وهذا هو نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

{إن الحكم إلاّ لله} هذه كلمة ذكرت في القرآن ثلاث مرّات.

إنّ الفصل بين الإسلام والحكم غباء أو معاداة للإسلام، وإنّ افتراض اختصاص حكم الإسلام بزمان حضور الإمام المعصوم اتهام للإسلام بالنقص في زمن الغيبة، وإنّ غياب حكم الإسلام عن البلاد الإسلاميّة يوجب غياب أكثر الأحكام الشرعيّة عن الساحة، وإنّ تجسيد منصب الحكومة والولاية في الإسلام في غير المتخصّص لفهم الإسلام هي الأخرى خيانة كبرى عن عمد أو غير عمد بمدرسة الإسلام.

إنّ الكتاب الحاضر تجميع لمحاضرات ألقيتها في شهر رمضان المبارك في سنة 1408 الهجرية القمرية في قم المقدّسة حول مبدأ ولاية الفقيه وعلى أساس أنّ الحضّار كانوا بمستويات مختلفة، وأكثرهم من الوسط العامّ المؤمن؛ فلهذا حاولنا التبسيط من ناحية وترك دقائق الأفكار حول الموضوع من ناحية أخرى كي يكون البحث بمستوى فهم عامّة المؤمنين.

وإنّي أشكر اهتمام قرّة عيني العزيز محمّد جواد الزبيدي (حفظه الله تعالى) بتجميعها وطبعها ونشرها، وهذا من شأنه الكريم، فإنّي وجدته مهتماً بما يراه تحت قدرته من خدمات لدين الإسلام الحنيف، فجزاه الله عنّي وعن الإسلام وعن المؤمنين خير الجزاء. والسلام عليه وعلى المؤمنين كافّة ورحمة الله وبركاته.

13 شهر رمضان 1409

كاظم الحسيني الحائري

وبعد ذلك أصبح قرّة عيني العزيز (أبو زين العابدين البكري حفظه الله) الذي هو من أولئك الشباب الرساليين والكتّاب الجيّدين الذين نعقد عليهم الآمال بصدد تكميل المشروع، وتبديل لغة المحاضرة فيه إلى لغة الكتاب وإعداده بتقسيمه إلى فصول واشتقاق العناوين لموضوعاته وحذف الزائد والمكرر، وتحقيق الروايات الواردة فيه، والإشراف على طبعه وجوانبه الفنيّة كافّة ضمن عمل مكتبنا.

ثمّ بعد ذلك ألقيت النظرة الفاحصة عليه لأجل التصحيح فكان هذا الكتاب الذي نرى أنّ امتيازه في سهولته التي تجعله متناسباً مع فهم عامّة الناس في حين أنّ كتابنا «ولاية الأمر في عصر الغيبة» قد لوحظت فيه الدقّة الفنيّة والإحكام إلى حدّ قد يعسر فهمه الكامل إلاّ على الخواصّ.

أسأل الله تعالى أن يجعل كلّ هذه الجهود خالصة لوجهه الكريم، وزاداً ليوم فقري وفاقتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

كما وأسأله تعالى أن يديم على رؤوسنا ورؤوس المسلمين جميعاً ظلّ وليّ أمرهم سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (حفظه الله). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

كاظم الحسيني الحائري

2 ذي القعدة 1416 ــ قم المقدّسة


[1]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، طــ 2 1395 هــ، ب 45 ذكر التوقيعات، التوقيع الرابع، ص 485.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net