(4) أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ
ما اكتفى علماء الطب الحديث بالتلقيح الصناعي ، وبعملية تخصيب بويضة المرأة بحويمن الرجل في أنابيب الاختبار ، حتى توصلوا إلى ابتكارين جديدين مذهلين حقاً. الأول : طفل الأنابيب بفرز بويضة المرأة خارج الرحم ، وفرز حويمن الرجل ، وتخصيبهما بأنبوب خاص بهما ، ومن ثم تجري عمليات التوجيه والسيطرة والمراقبة في أنبوب أكبر حتى تتكامل الخلقة. ولقد تمكن صديقنا الخبير الاستراتيجي بأطفال الأنابيب الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي ، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة الكوفة من استيعاب خطوات هذا الإنجاز فتوصل بنجاح باهر إلى ولادة أول طفل للأنابيب عام 1988م ، وبقي هذا الطفل لمدة تقارب السنتين ثم توفى ، هذا ما حدثني به البرزنجي شخصياً ، ولقد نشرت الصحف والدوريات الطبية أنباء هذا الحدث على يد طبيب عراقي ، وفي جامعة الكوفة ، وهذا مما يضاف إلى أمجاد
( 25 )
الكوفة عاصمة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ). وعملية أطفال الأنابيب خطوة طبية عملاقة ، فإن سلمت من المقدمات المحرمة فالذي أعرفه من رأي سماحة السيد مشافهة : أنه جائز في حد ذاته ؛ وفيه تفصيل خاص به بالنسبة للإرث والنسب ليس هذا موضع عرضه. الثاني : عملية الاستنساخ والتي أسميها « الاستنسال » فهي جائزة شرعاً ، ولا مانع على الإطلاق من إجرائها عند سماحة السيد مدّ ظله ، ولدى مذاكرتنا مع سماحته في الموضوع في رمضان عام 1418 هـ أبدى سماحته بعض التحفظات المهمة على نتائج الاستنسال مستقبلياً مما هو مجهول الحال عند علماء الأطباء ، فربما تصاب البشرية بكوارث إنسانية غير متوقعة نتيجة لوجود هذا الإنسان ـ إن ذلك على المستوى التطبيقي ـ لأن المشروع برمته ما زال قيد البحث الجاد بالنسبة للإنسان ، وإن حقق نجاحاً باهراً بالنسبة للحيوان ، فقد استنسلت النعجة « دولي » على يد أحد العلماء الاستراليّين مما يعني إمكانية إجراء هذا الاستنسال على الإنسان ، والذي يتخوفه سماحة السيد أن هذا الإنسان قد يكون خارق القدرات بحيث يحدث شرخاً في حياة الإنسانية . وقد يكون ـ مستقبلياً إذا تكاثر ـ متخلف الإدراك فتُمنى الجماعة البشرية بعاهات جديدة والمجتمع في غنى عن ذاك. وقد لا يكون هذا أو ذاك ، ولكن العُقد النفسية قد تصاحب وليد الاستنساخ بشكل لا معقول مما يؤثر على مسيرته في الحياة تصرفاً وميولاً ونزعات ، وإذا حدث مثل هذا فإننا نكون قد عمدنا إلى خلق جيل جديد يميل بطبيعة تكوينه إلى التدهور والانحلال.
( 26 )
هذا ملخص ما تحدث به سماحة السيد دام ظله الشريف في التأريخ المذكور. أما الأحكام النسبية وقضايا الإرث واستلحاق الجينات فلسماحته فيها آراء قيّمة دقيقة جامعة مانعة ، فلا يدخل فيها ما هو خارج عنها ، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها ، وقد تحدثتُ عنها مفصلاً في الندوة المتخصصة التي أقامها آل محي الدين بديوانهم العامر في النجف الأشرف بتأريخ 25 رمضان المبارك 1418 هـ تحت شعار « الاستنساخ بين الطب والشريعة الإسلامية » وقد تولى الخبير الاستراتيجي في شؤون الاستنساخ الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي الذي تم على يديه ميلاد أول طفل أنابيب في العراق ، الحديث عن الاستنساخ طبياً ومختبرياً ، وتولى كاتب هذه السطور الحديث عن رأي الفقهاء في الموضوع ، وهناك طرح دقائق ما توصل إليه سماحة السيد السيستاني ، وسماحة السيد محمد سعيد الحكيم من آراء فقهية أصيلة تواكب مسيرة الحضارة في تطلعاتها المستقبلية ، وليس هذا موضع بحثها. وللتأريخ فقد ناقشت الدكتور منذر البرزنجي في التسمية وكونها استنسالاً لا استنساخاً ، فاقتنع بأن تسمى العملية بجملتها « عملية الاستنسال » وقام بتعديل عنوان بحثه في هذا الضوء.
( 27 )
|