متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
القسم السابع: الدستور، المجتمع المدني، الديمقراطية
الكتاب : ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

القسم السابع: الدستور، المجتمع المدني، الديمقراطية

 

107ـ  ما هي مكانة "الدستور" في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران؟

الجواب:

من الضروري الإلتفات إلى المسائل المطروحة بشأن اصل ضرورة القانون، دور الخبراء الحقوقيين، التعهد المتبادل بين الجماهير وامام الامة المصادقة الرسمية على الدستور من قبل إمام الأمة، التعهد الشرعي ووجوب العمل بالقانون بعد المصادقة والتعهد المتبادل وأمثال ذلك.

1ـ ان ضرورة وجود "قانون" في أي مجتمع هي أمر لا يمكن إنكاره ولا يمكن ان يقول قائل انه لا حاجة للقانون لأن الفقيه الجامع للشروط المعين من قبل الإمام المعصوم (ع) هو على رأس الحكم، وبهذا لن يشهد البلد الفوضى فيجب ان يعلم الناس ما هو القانون الذي يتعاملون به وكيف يريد القائد إدارة المجتمع وما هي التعهدات المتبادلة بين الإمام والأمة.

ان القانون هو من أجل ان يعلن الفقيه الجامع للشروط، للناس كيفية إدارة المجتمع وممارسة الولاية الإسلامية.

2ـ ان الدستور هو عبارة عن سلسة قوانين تمت دراستها بدقة وصودق عليها وجعل عليه التعهد المتبادل للعقلاء، وصادق عليه ولي المسلمين.

3ـ بعد مصادقة ولي المسلمين على التعهد المتبادل فإنّ الالتزام به واجب ولكن قد يتطرق النقص أو العيب أو كلاهما الى هذا الدستور الذي تم تنظيمه من قبل فقهاء ومجتهدين وأخصائيين، لأنه من صنع يد البشر. ونذكر فيما يلي مثالا لتوضيح مفهوم النقص ومفهوم العيب من أجل بيان الاختلاف بينهما.

لو فرشت غرفة مساحتها اثني عشر مترا مربعا بسجادة سليمة مساحتها تسعة أمتار مربعة، يقال ان هذه السجادة السليمة ناقصة بالنسبة لسعة الغرفة وفيها نقص، أما إذا لم تكن هذه السجادة التي تبلغ مساحتها تسعة أمتار مربعة سليمة وكان فيها شق أو ثقب يقال ان هذه السجادة معيبة. وكل شيء يكون من صنع الفكر البشري من المحتمل ان يكون ناقصاً أو معيباً أو يكون فيه كلا المحذورين.

ان قانون القرآن والعترة لا نقص ولا عيب فيه أبداً لأنه وحي إلهي ومقرون بالعصمة . ولكن الدستور يمكن ان يكون فيه عيب أو نقص أو كلاهما رغم المساعي المبذولة في تنظيمه والدقة المتوخاة في مواءمته مع القوانين الإسلامية وفي كفايته لإدارة المجتمع، ويمكن بعد مرور الزمن ومن خلال التجربة العملية إصلاح وإعادة النظر في حالة تشخيص أي منهما، مثلما اتضح بعد مرور عشر سنوات على عمر الثورة وبعد التجربة العملية للنظام الإسلامي ان الدستور السابق، بحاجة إلى إعادة النظر والتغيير وتشكلت بأمر سماحة الإمام "قدس سره" لجنة من الخبراء والأخصائيين وذوي التجربة في النظام من أجل إعادة النظر وتغيير الدستور و أجريت مباحثات، وتم مثلاً إلغاء منصب رئاسة الوزراء من الدستور لأنهم استنتجوا في التجربة العملية ان هذا الأسلوب لا يفيد البلد ويجب ان لا تكون القدرة التنفيذية بيد شخصين أي رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. ولا يمكن القول بالتأكيد ان الدستور الحالي بعد إعادة النظر فيه لم يعد فيه أي عيب أو نقص وانه لا يحتاج في المستقبل إلى تغيير وإصلاح ولهذا السبب خصّص الفصل الرابع عشر من الدستور في إصلاحه الأخير إلى الإصلاح في الدستور وتم تدوين المادة المائة والسابعة والسبعين وهي آخر مادة في الدستور لتقنين الإصلاحات المحتملة في المستقبل.

وبناء على هذا بما ان الدستور، هو قانون تمت دراسته وهو موضع تعهد متبادل للعقلاء وصادق عليه ولي أمر المسلمين بعد الاستفتاء فهو ملزم ولكن قيمته محدودة استناداً إلى المادة الرابعة من القانون وفيما يلي المادة المذكورة:

"يجب ان تكون جميع القوانين والمقررات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية وغيرها طبقا للمعايير الإسلامية. هذه المادة حاكمة على جميع مواد الدستور والقوانين والمقررات الأخرى اطلاقا وعموما وتشخيص هذا الأمر يقع على عاتق فقهاء مجلس صيانة الدستور".

وطبعاً أعلن في الجزء الأخير من المادة الأخيرة من الدستور ان مضمون بعض مواد الدستور لا يتغير بسبب ما تتضمنه من جزم وضرورة:

"لا يمكن تغيير مضمون المادة المتعلقة بإسلامية النظام وابتناء جميع القوانين والمقررات وفقاً للمعايير الإسلامية والأسس الإيمانية وأهداف الجمهورية الإسلامية في إيران والصفة الجمهورية للحكم وولاية الأمر وإمامة الأمة وكذلك إدارة شؤون البلد بالاعتماد على الانتخابات العامة والدين والمذهب الرسمي لإيران".

108ـ  هل يمكن للقائد إلغاء "الدستور"  أو مواد منه؟

الجواب:

مثلما ان نظام العلة والمعلول في العالم رصين وراسخ إلى درجة يمتنع عدم الانسجام معه في نظام التكوين، فإنّ نظم الإمامة والأمة مرصوص إلى درجة بحيث ان تجاهله في نظام التشريع ممنوع إن للأمة أثناء قبول إمامة الإمام وكذلك الإمام أثناء إعلان قبول مسؤوليته قيادة وإمامة الأمة تعهد وتعاهد متبادل بينهما وهو لا ينظم على شكل عهد وعقد صحيح فقط، بل يوقّع عليه بوصفه عهداً لازماً وعقداً حتمياً ولا يجوز نقضه من قبل أي شخص.

إذا قام قائد شعب ما بوصفه إماماً له وقام ذلك الشعب بوصفه امة ذلك الإمام بتدوين تعهد متبادل على شكل دستور واشترك الفقيه الجامع لشروط القيادة في الاستفتاء أولاًً بالاستفادة من شخصيته الحقيقية بوصفه مواطن وصوّت لصالح ذلك الدستور وصادق على الدستور وكذلك حصيلة أصوات الشعب بوصفه فقيهاً جامعاً للشروط بالاستعانة بشخصيته الاعتبارية فإنّ الالتزام بهكذا تعاهد متبادل يكون واجباً على الإمام وعلى الأمة ولا يجوز نقضه.

وعلى هذا الأساس فإنّ الفقيه الجامع لشروط القيادة تعهّد ازاء جماهير الناس بممارسة ولايته في إطار الدستور ويقوم بمراعاة حدوده وواجباته وصلاحياته وفقاً للمواد المعيّنة خلال فصول ذلك القانون، كما ان الأمة تمارس واجباتها وحقوقها وفقاً للمواد المدوّنه في عدة فصول من الدستور. لذلك فإنّ تجاوز الدستور لا يجوز للقائد ولا للجماهير، إلاّ في موارد حقوقية خاصة مثل الموارد التالية:

1ـ إذا كان العهد المذكور على شكل عقد جائز وليس واجباً، وإذا كان جائزاً، فإنّ نقضه يجوز لأي من طرفي العهد.

2ـ إذا عرض العهد المذكور على شكل إيقاع وليس عقد، وإذا كان هكذا، فإنّ نقضه هو من صلاحية صاحب قدرة الإيقاع وليس للطرف الآخر حق "طبعاً بعض الإيقاعات".

3ـ ان العهد المذكور، رغم انه عرض على شكل عقد وليس على شكل إيقاع وهو بصفة عقد لازم وليس جائراً ولكن "الخيار" أي حق الفسخ يكون ثابتاً لأحد طرفي العقد، وفي هذه الحالة فإنّ ذا الخيار له حق فسخ العهد المذكور.

ان نقض حريم القانون وترك منطقته دون رخصة قانونية غير جائز والترخيص الحقوقي في الفقه الإسلامي مضبوط وقد أشير إلى نموذج له. وبما ان القائد وافق على الدستور مع أبناء الشعب وصادق على تصويت الأمة لصالحه بعد الاستفتاء فإنه متعهد به ولا يمكنه ان يعمل خلافاً لذلك وإذا ظهر مع مرور الزمن نقص أو عيب في بعض الدستور فإنّ القائد يأمر على ضوء الدراسة التي يقوم بها مجمع تشخيص مصلحة النظام بإصلاحه وفقاً للمادة المائة والسابعة والسبعين وهذا الإصلاح وطي المراحل القانونية يطرح للاستفتاء وأخيراً يشارك القائد في الاستفتاء الأخير ويصوّت لصالحه ثم يقوم بالمصادقة علي نتائج الاستفتاء بوصفه ولي أمر المسلمين وبالاستعانة بشخصيته الاعتبارية وبناء على هذا تصبح للمواد المبدلة والتي تم تغييرها صبغة قانونية من المسير الصحيح مثل أصول الدستور.

ملاحظة: يقوم الفقيه الجامع للشروط أحياناً بتأسيس مؤسسة أو مجمّع وأمثال ذلك ويقوم بأعمال ثقافية واجتماعية ورغم ان هكذا أمور لم تذكر في الدستور ولكنها لا تخالف القانون وليس لها تزاحم قانوني ولا يترتب عليها عبء مالي على حكومة الجمهورية والميزانية الرسمية للبلد. ان هذا النوع من الأعمال ليس فيها منع قانوني وان لم تكن من واجباته القانونية والحتمية، لأنها مثل سائر المراكز الوطنية والشعبية التي لدى بقية الفقهاء، العلماء. الباحثين وذوي الأعمال الخيرية في المجتمع.

109ـ هل يمكن العمل عن طريق غير قانوني من أجل الدفاع عن ولاية الفقيه أو الولي الفقيه؟ وكيف يمكن الدفاع عن ولاية الفقيه؟

الجواب:

1ـ ان دفع التعدي أو الدفاع عن الحق والحرمات حين تتعرض إلى هجوم يجب ان لا يخرج عن القانون العقلي أو الدليل النقلي، لأن هناك حدود مشخصة لكل دفع أو دفاع ويعتبر تجاوزها تجاوزاً ممنوعا.

2ـ تارة يحصل هناك تزاحم بين "الحكم" الأهم مع "الحكم" المهم فمثلاً يدور الأمر بين أمرين لازمين كلاهما ينطبقان مع القانون ولكن أحدهما أهم والآخر مهم، وفي هذا المورد يعمل بالأهم ويترك المهم وإذا دار الأمر بين أمرين كلاهما مخالف لقانون وكان أحدهما فاسد والآخر أفسد، فإنه يجب ترك الأفسد بحكم العقل والاضطرار إلى ارتكاب الأمر الفاسد من أجل دفع الأفسد.

3ـ ان الدفاع عن ولاية الفقيه، مثل الدفاع عن سائر الحقوق الإسلامية له مراتب:

أولاً: تبيين معناها وتحليل حدودها .

ثانياً: تعليل المبادئ التصديقية لها بشكل حيث يتضح طريق إثباتها وإذا وجّه نقد إلى ذلك يكون عن طريق مبادئها الخاصة ويكون مدار الجواب على ذلك واضحا.

ثالثاً: الدفاع العلمي عن حريمها، بنقد وسيلة الإشكال عليها والجواب على سؤال الناقد لها ودفع الشبهة وسائر الشؤون العلمية للدفاع عنها.

رابعاً: حفظ حريمها من الهجوم العملي للأجانب وصيانة حدودها من العدوان العملي الذي يشنه الأعداء ضد ثقافة الأمة وهويتها وحضارتها حيث ان "تدينها" هو عين "حضارتها"، مثل سائر أقسام الدفاع عن المبادئ القيمة الأخرى للنظام الإسلامي، كي لا تتهيأ أرضية الفساد والفوضى.

4ـ يتضح مما قيل ان الدفاع عن ولاية الفقيه، يجب ان يكون في إطار حفظ النظام وسلامة المجتمع. وعلى أي تقدير فإنّ ضرر التعصب الجاهلي للصديق والجاهل، مثل ضرر العدو العالم، والإفراط والتفريط ملوثان مثل الفرث والدم حيث يجب استخلاص اللبن الخالص للدفاع العلمي والعقلي من بينها.

110ـ  هل النظام الحكومي القائم على أساس ولاية الفقيه، هو من أجل تحقيق" الأوامر والنواهي" الإلزامية أم من أجل تحقيق "الأخلاق الفاضلة" و "العقائد الصحيحة"؟

الجواب:

1ـ ان الحكومة الإسلامية ونظام ولاية الفقيه هي من أجل "تحقيق الدين" في المجتمع، والدين يشمل ثلاثة أقسام هي "العقائد" و"الأخلاق" و "العمل". وبناء على هذا فإنّ الولاية وحكومة الفقيه ليس لـ"الأوامر والنواهي" الإلزامية فقط ولكن يجب ان تحظى باهتمام النظام لأن الإنسان والمجتمع الإنساني يصلح عن طريق السلوك والعمل.

2ـ تقول الفقرة السادسة من المادة الثانية للدستور ان الجمهورية الإسلامية هي نظام قائم على أساس الكرامة والقيم السامية للإنسان وحريته المقرونة بالمسؤولية أمام الله، وتقررت في المادة الثالثة للدستور ست عشرة وظيفة لحكومة الجمهورية الإسلامية كي تتحقق بواسطتها الأهداف المذكورة في المادة الثانية، الوظيفة الأولى هي بناء بيئة مساعدة لتنامي الفضائل الأخلاقية وفقاً للإيمان والتقوى ومواجهة كافة مظاهر الفساد.

3ـ إذا كان النظام الإسلامي يولي المزيد من الاهتمام بالأوامر والنواهي فذلك لأن البعض لا يريدون ان تتحقق الأحكام الإسلامية في مجتمعنا المعاصر، يريدون ان يجعلوا "الحرية" مطلقة قدر المستطاع ويسعون من خلال هذا الهدف إلى تقييد "ولاية الفقيه"، وإلاّ فإنّ النظام والحكومة الإسلامية لهما اهتمام بالفضائل الأخلاقية والعقائد في الأمور الثقافية الجارية في البلد.

111ـ هل ينسجم "المجتمع المدني" مع الحكومة الإسلامية ونظام ولاية الفقيه؟

الجواب:

ينبغي معرفة ما هو المقصود من هذه العبارة. إذا كان يقصد شخص ان المجتمع المدني ناشئ من مدينة النبي "ص" وهي المدينة الفاضلة التي ذكرها الحكماء الالهيون وعلماء الدين، فذلك مما ينسجم مع نظام ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية طبعاً.

سؤال: هل يمكن في هذه الحالة ان تكون لدينا حكومة إسلامية ونظام ولاية الفقيه من دون ان يتحقق المجتمع المدني؟

الجواب: ان الحضارة الإسلامية التي تتبلور مع ولاية الفقيه، هي عين تديّنها وهي تستنبط من القرآن والعترة. وهناك تفاسير مختلفة للمجتمع المدني بعضها مخالف للنظام الإسلامي وبعضها مؤالف له وكما أشير في صدر الجواب، إذا كان المقصود من المدينة، هي مدينة الرسول الأكرم "ع" وأهل البيت عليهم السلام ففي هذه الحالة لا يكون المجتمع المدني من دون ولاية الفقيه، حيث ان النظام الولائي مقرون بالمجتمع المدني.

ملاحظة: يجب تجنب استعمال الألفاظ المشتركة "من دون قرينة تحديد المطلوب " في المسائل الحقوقية، حيث ان السؤال عن اختلاف أو ائتلاف المجتمع المدنى مع النظام الولائي للفقيه، يجب ان يقترن بشواهد وإلاّ فإنّ الاشتراك اللفظي يفسح المجال أمام كثير من المغالطات.

112ـ ما هو تفوق نظام ولاية الفقيه على "الديمقراطية"؟

الجواب:

 ان النظام الولائي هو نوع من الديمقراطية الخاصة والحكومة الشعبية الخاصة وتتضح خصوصيتها بأقل توضيح:

1ـ يتضمن نظام ولاية الفقيه جميع المحاسن ومزايا الديمقراطية وهو محفوظ من مساوئها وشرورها. ان للناس حضور بصورة تامة في النظام الديمقراطي ولهم حق الاقتراع، وينتخبون القانون أو الشخص المنفّذ له بعد التأمل والتدبر والتفكير، وتوجد جميع هذه الأمور في نظام ولاية الفقيه أيضاً، من جهة أخرى فإنّ ضعف النظام الديمقراطي ونقصه وعيبه يكمن في ان قانون ذلك النظام يؤخذ من الآداب والتقاليد والأفكار البشرية، ان البشر العاديين يفكرون ويسنّون قانوناً خاصاً ويسمحون أحياناً بأمور يأنف عقل الإنسان سليم الفطرة القبول بها، وقد تم سن قوانين في الغرب مما يستحي الإنسان حتى من ذكرها، أما محور التقنين في النظام الإسلامي وفي نظام ولاية الفقيه فهو الوحي الإلهي وقانون يؤخذ من القرآن والعترة الطاهرين عليهم السلام ويقوم الحاكم الإسلامي وفقاً لهذا القانون المعصوم الذي لا يتطرق إليها الخطأ بإدارة البلد ويكون الحاكم أما معصوماً مثل الرسول الأكرم "ص" وأهل بيت العصمة أو عادلاً "غير معصوم" مثل نوابهم الخاصين أو العامّين.

2ـ يتمتع الناس في النظام الديمقراطي بحرية زائفة، لأنهم يرون أنفسهم أحرار من حكم الله وقيده، ولكن الحرية الإنسانية في النظام الإسلامي تطرح مقرونة بالمسؤولية أمام الله، ان الإنسان المسلم حرّ بالنسبة لغير الله ويحصل على هذه الحرية عن طريق عبودية الله، وذلك  مقتبس من الكلام النوراني لأمير المؤمنين "سلام الله عليه" حيث يقول:

"إلهي كفى بي عزاً ان أكون لك عبداً وكفى بي فخراً ان تكون لي ربّاً"[1] فإذا كان الإنسان في قيد الله الجميل والجليل، فإنه يبلغ مقاماً سامياً ويطلب منه العلم والقدرة ويبلغهما.

وبناءاً على هذا ففي نظام ولاية الفقيه تكمن، الحرية الإنسانية وحقوق الإنسان وحق انتخاب أعضاء مجلس الخبراء ورئاسة الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء المجالس المحلية وغيرهم وفي نفس الوقت فإنّ السمو المعنوي للإنسان محفوظ أيضاً وهو بمنآى عن السلبيات الموجودة في الأنظمة الديمقراطية.

3ـ رغم انه تقدم تحليل الحرية وتبيين معنى الحرية في ثقافة الوحي في الفصول الماضية[2] ولكننا نشير إليها بصورة مجملة فيما يلي:

1ـ ان القرآن الكريم يَعتبرُ العاصيَ مداناً.

2ـ على المدان ان يؤدي ما بذمته إلى الدائن.

3ـ يمكن في القضايا المالية القبول ببيت أو سجادة بصفة رهن، ولكن في القضايا العقائدية والأخلاقية والعملية يرتهن الإنسان من أهل المعاصي وفقاً لتعبير القرآن الكريم في هذا الصدد، إذ يقول: {كل نفس بما كسبت رهينة}[3]، {كل امرىء بما كسب رهين}[4].

4ـ ان المتقي هو في أمان من ضرر الرهن، لأنه ليس مداناً والشخص الذي لا يكون رهينة شيء أو شخص، حر ويتمتع بنعمة الحرية المباركة، لذلك فإنّ أصحاب اليمين ـ أي الأشخاص الذين أصبحوا أناساً متبركين في صحابة اليُمنِ والبركة ـ أحرار من الرهن.

ويتضح مما ذكر ما هو معيار الحرية في ثقافة القرآن، من حيث العرفان والأخلاق.

113ـ  اعتبرتم "الديمقراطية" في كتاب حقوق الإنسان شرك[5]، ألا تنسجم الديمقراطية مع "التوحيد"؟

الجواب:

 بما ان من الممكن ذكر عدة معاني للديمقراطية كما ان من اللازم تجنب استعمال الألفاظ المشتركة التعاريف وكذلك في المباحث الحقوقية، لذلك يجب توضيح الديمقراطية المخالفة للتوحيد فيما يلي:

1ـ "الديمقراطية القانون" بمعنى ان يرى الإنسان نفسه في غنىً عن القانون الإلهي ويرى لنفسه حق في تغيير أحكام الله، بما لا ينسجم مع التوحيد والتدين الخالص، وإذا كان هنالك من يريد تغيير الأحكام القطعية للدين مثل الصلاة والصوم وفقاً لرأية أو رأي الآخرين، فهو مرفوض وباطل وان كان باسم الديمقراطية.

2ـ أما "الديمقراطية في كيفية إجراء الأحكام وكذلك في الموضوعات" بمعنى ان يقول شخص نحن نؤمن بجميع الأحكام الإلهية سواء في العبادات أو في المعاملات أو في الحدود والديات. دون الموضوعات وهي انه كيف نطبقها وكيف نقوم بإدارة البلد وكيف يكون نظام الأمور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأمثال ذلك. فإنه يتم من خلال رأي الناس والأكثرية، هذه الديمقراطية لا تخالف التوحيد ولذلك فهي مقبولة وقد حظيت بالاهتمام في الدين والحكومة الإسلامية.

114ـ  ان أكثر الفلسفات السياسية الجديدة ترى الحكومة شرعية ومعقولة إذا كانت قائمة على أساس "حقوق" الإنسان وليس على أساس "تكليف الإنسان" وتجاهل حقوقه وحرياته.

وبما ان الولاية وحكومة الفقيه قائمة على أساس تكليف الإنسان وليس حقوقه، فإنها غير مقبولة.

الجواب:

 مثلما ان التمدن الإسلامي هو عين تديّن المسلمين، فإنّ التكاليف الإسلامية هي عين حقوق المسلمين وفيما يلي توضيح لذلك:

1ـ ان للناس في نظام ولاية الفقيه، تكليفاً وحقوقاًً أيضاً، وينبع تكليفهم من حقوقهم، وبناء على هذا فإنّ الحاكم الإسلامي، سواء كان معصوماً أو غير معصوم لا يحكم على الناس بالتكليف فقط، بل يأخذ بنظر الاعتبار حقوقهم أيضاً، وطبعا ان الحق متبادل بين الناس.

قال أمير المؤمنين "سلام الله عليه" في هذا الصدد: " فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه" [6]، ان للناس حقوقاً على الحكومة وللحكومة حقوق عليهم أيضاً.

2ـ يجب الإلتفات إلى ان الإنسان لا يملك شيئاً أمام الله، كان الإنسان قطرة ماء و قطعة طين ثم خلقه الله بهذا الشكل: {وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه}[7] وبعد مدة يعيده إلى الأرض: {ومنها نخرجكم تارةَ أخرى}[8] كي ينال ثواب أو جزاء أعماله . هكذا إنسان، لا يملك شيئاً: "ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حيوة}[9]، حين لا يكون مالكاً لنفسه، ولا يكون مالكاً لشؤونه، فإنه ليس له حق على الله، وان كانت له حقوق متبادلة مع الناس الآخرين والكائنات الأخرى، ولكنه ليس له حق على خالقه ولله الحق على مخلوقاته.

3ـ وفي نفس الوقت جعل الله للآخرين ولصالح الناس حق على نفسه من باب {كَتَبَ على نفسه الرَّحمة}[10] وهو انه إذا آمن شخص وقام بالعمل الصالح، فإنه يثيبه وسوف يفي بالتأكيد بوعده هذا {ولا يخلف الله الميعاد}[11] وهذا من لطف الله ورحمته بالعباد، لأن ثواب الله، ليس على عمل قام به الإنسان له، بل على العمل إذا قام به الإنسان لصالحه، كمثل البستاني، إذ يقول لفسيلته أسقيك هذا الماء، فإذا استفدت منه، أثيبك على ذلك، وفي الحقيقة فإنّ الثواب الذي تتسلمه هذه الفسيلة بعد امتصاص الماء من البستاني، هو نموها وحملها الثمر. ان الدين جاء أساساً كي يعرًج بالإنسان ويخلًصه من الفساد وظلمة الجهل العلمي والجهالة العملية: {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرجَ الناسَ من الظلمات إلى النور}[12]، لقد جاء دين الله والتكاليف الإلهية، من أجل إيصال الإنسان إلى النور العلمي والنور العقلي والعملي ورغم ان قيام الناس بالقسط والعدل هو هدف الدين، ولكن الهدف النهائي هو ان يصبح الناس نورانيين، بالشكل الذي يبلغون علم اليقين ويتمكنون في هذه الدنيا من رؤية القيامة: {كلاّ لو تعلمون علم اليقين * لترونّ الجحيم}[13]. ان الشهود القلبي واليقين الباطني ولقاء الله، مظاهر أسماء الله، والاسم الأعظم، كلها من أهداف أمور ظاهرها "التكاليف" وباطنها الحق.

لقد جعل الله حقه على شكل تكاليف وتلك التكاليف هي في الحقيقة ماء حياة الإنسان وعامل رشده ونموه: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}[14]. ان تكامل الإنسان في ظل الأحكام الإلهية هو لنفعه وليس في ذلك نفع لله. ومن جهة أخرى، فقد جعل لمخلوقاته حقّاًً عليه من باب لطفه ورحمته الواسعة.

3ـ ان تعيين حدود الحق والتكاليف بحاجة إلى نظرة كونية خاصة من جهة وبحاجة إلى معرفة خاصة بالإنسان من جهة أخرى. بالشكل الذي يعرّف القرآن الكريم العالم والإنسان، وتظهر حقوق الإنسان في وجه تكاليفه وثمرة تكاليفه، هي مدعاة للتحقق العيني لحقوقه.

115ـ  ان "الحرية" هي حق الناس وولاية الفقيه تسلب هذا الحق منهم.

الجواب:

ورد كلام مفصّل بشأن "الحرية" وأهميتها في الفصل الأول من الكتاب. ان الحرية هي مبدأ مقدس ومحترم ويقبلها العقل، ولكن حسب حكم العقل فإنّ حرية الإنسان لا يمكن ان تكون بلا قيد ويجب ان تكون لها حدود. ان حد الحرية في نظام التكوين، هي في دائرة نظام "العلّة والمعلول"، أي لا قدرة لأي كائن إمكاني، سواء كان إنسان أو غيره من القيام بعمل خارج إطار قانون العلة والمعلول. وحد الحرية في نظام التشريع، هي في حدود تعليم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس، أي لا يمكن ان يصل الإنسان إلى الكمال المطلوب في خارج دائرة الوحي الإلهي.

من جهة أخرى ليس هنالك شعب حرّ أمام "القانون" والشعوب جميعها تحترم الحرية في دائرة القانون وليس في مواجهة القانون وخارجه.

ان الشعب الذي آمن بالإسلام ديناً ويخضع للقرآن والعترة ويعتبر نفسه عبداً لله يؤمن ان الله "عليم" و "حكيم" و "رحيم" وفهم ان عزته وسعادته في الدنيا والآخرة تكمن في عبودية الله واتباع تعاليمه، هكذا شعب يطلب الحرية الدينية والحرية الإنسانية وليس الحرية المطلقة واتباع الهوى والنزعة الحيوانية نحو الشهوات ، هكذا شعب لا يزعم استغناءه عن الدين ولا يرى نفسه فوق قانون الله أو مستغني عنه.

إذا كان المقصود من "الحرية" في هذا الإشكال، الحرية ازاء الله وقانون الله، فإنّ الشعب المسلم لم يرد هذه الحرية حتى تكون ولاية الفقيه أو الولي الفقيه، قد سلبها، وإذا كان المقصود من الحرية، الحرية الفطرية والإنسانية التي تحظى بتأييد الدين وقانون الله والتي يريدها المتدينون، هذه الحرية لم تسلب في الحكومة الإسلامية وفي نظام ولاية الفقيه ولا تسلب أبداً، والجمهورية الإسلامية في إيران هي الآن أكثر أنظمة العالم شعبية، بلطف الله وتتم إدارتها من خلال مشاركة الناس واندفاعهم والتشاور معهم.

 

اللهم! لا تجعل أية زلّة علمية سبباً لذلتنا السياسية ولا تجعل أية عثرة "قلمية" حائلاً دون بلوغ المعرفة الصحيحة.

اللهم! عاملنا بما أنت أهله، لا بما نستحق.

اللهم! مُنّ على الجميع بفوز الفيض، واشمل النظام الإسلامي وقيادة النظام والشعب الإيراني المؤمن بلطفك الخاص وعجّل في ظهور وليّك، بقية الله الأعظم "أرواحنا فداه".

والحمد لله رب العالمين

________________________

[1] البحار ج74، ص400، ح23.

[2] رك: ص29.

[3] سورة المدثر، أية 38.

[4] سور الطور،. أية 21.

[5] فلسفة حقوق الإنسان، ص116.

[6] نهج البلاغة، الخطبة 216، الفقرة 1.

[7] سور السجدة، الآيات  6- 9.

[8] نفس السورة والآية.

[9] البحار ج21 ص320، الباب 33.

[10] سورة الأنعام، أية 12.

[11] سورة الزمر: أية 20.

[12] سورة إبراهيم، أية 1.

[13] سور التكاثر: أية 5.

[14] سورة الأنفال، أية 24.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net