القسم الرابع: مجلس الخبراء
70ـ ما هي الحكمة من تأسيس مجلس الخبراء؟ وما هو المرتكز الفقهي والحقوقي له؟
الجواب:
ثمة فوراق عديدة بين الولاية والقيادة وبين المرجعية، من الضروري التنويه إلى ثلاثة منها:
1ـ ان المرجعية تقبل التكثر، من هنا فإنّ التقليد يقبل التعددية، أي من الممكن ان يوجد عدة مراجع في عصر ومصر معينين ولجيل معين واحد، حيث يجري التخيير في تقليد عدة مراجع نتيجة عدم إحراز الأعلمية، أو يلجأ إلى التخيير لعدم إحراز التفاوت، فيرتضيه المتشرعة من الأمة، لذا يرجع بعض المقلدين إلى هذا المرجع فيما يرجع آخرون إلى غيره، وقد ترى طائفة أعلمية مرجع معين ويذهب آخرون إلى أعلمية غيره، فيتعدد المراجع، وان كانت كل فئة ترى رجوعها إلى المرجع المحدد من باب الواجب التعييني لا التخييري.
2 ـ المرجعية تقبل التفكيك من هنا فإنّ التقليد يقبل التفكيك أيضاً أي من الممكن ان يكون فقيهاً معيناً اعلم من فقيه آخر في مجال العبادات، ويكون ذلك اعلم من غيره في العقود والمعاملات، وهكذا التفكيك والتفريق في التقليد أي بإمكان المقلدين تقليد الأعلم في أي مجال.
ملاحظة: المراد من إمكانية التفكيك ليس الامكان بالمعنى الخاص ليفيد مجرد الجواز، وإنما الامكان بالمعنى العام المقترن بوجوب التفكيك أيضاً.
3 ـ المرجعية متعددة فهي تحتمل التخيير حدوثا وبقاء، أي ربما يستمر التخيير فيما يتعلق بعدّة مراجع متساوين " التساوي حسب الواقع والثبوت ـ وان ندر ـ أو التفاوت حسب الواقع والثبوت دون إحراز الأعلمية في مقام الإثبات" بحيث ان المقلد بالإضافة إلى حريته واختياره في الرجوع إلى أحد المراجع في بداية تقليده، فبإمكانه العدول من مرجع إلى آخر في مقام البقاء أيضاً، وقد يرى بعض الفقهاء جواز التخيير ابتداءاً لا بقاءً، ولا يجوّزون العدول من مرجع إلى آخر مساوٍ له، بيد ان دليلاً عقلياً لم يقع على معارضة التخيير المستمر.
أما الولاية والقيادة فهي واحدة وأمة واحدة، وهي على العكس من المرجعية لا تقبل التعددية والتفكيك ولا تتحمل التخيير المستمر، والسبب في ذلك هو انهيار النظام والوحدة الوطنية في البلاد.
استناداً إلى ما تقدم ونظراً لأهمية القيادة والولاية في الأمة ولغرض تجنب الوقوع في خطر التعددية والتفكيك على صعيد أهم أركان النظام الإسلامي جرى ويجري تشكيل مجلس الخبراء حيث يقوم الفقهاء بتناول وجهات النظر بشأن الولاية التي تحظى بثقة أبناء البلد، ومن ثم دراسة المبادئ والمباني الفقهية والحقوقية لقيادة النظام وإبداء شهاداتهم باعتبارهم "بينة" أو إبداء وجهات نظرهم باعتبارهم خبراء، وتحصل فوائد فقهية وحقوقية جمة من شهاداتهم النابعة من الشعور، وآرائهم الناجمة عن الحدس، نشير إلى بعضها فيما يلي:
1- تحقق "قيام البينة الشرعية" أو "قيام آراء أهل الخبرة" وذلك ما يحظى بقبول العقلاء وإمضاء الشارع المقدس.
2- حصول الاطمئنان أو العلم بصلاحية القائد من خلال شهادة الشهود أو الخبراء لأن أعضاء مجلس الخبراء يمثلون الشخصيات العلمية والعملية في البلد ويحظون بثقة أبناء المجتمع الإسلامي من الناحية العلمية أو العملية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
3- بوجود مجلس الخبراء يتم الابتعاد عن إختلاف البينات أو اختلاف تقارير الخبراء وفي ذلك ثمرة حقوقية بالإضافة إلى الثمرة الفقهية وذلك للتعهد المتبادل المدون في القانون الأساسي ـ الذي يحظى بقبول أكثرية الشعب الإيراني المسلم ـ في قبول القيادة المعلنة عن طريق مجلس الخبراء فقط، هؤلاء الخبراء الذين انتخبهم الشعب ليشخصوا الفقيه الجامع للشرائط وتعيينه ولقد تجلى هذا الوفاق الوطني ـ الديني وهذا التعاهد المتبادل أثناء الاستفتاء على القانون الأساسي ومن ثم إمضاء الفقيه جامع للشرائط وهو الإمام الراحل "قده" فجرى ضمان بعده الحقوقي إلى جانب بعده الفقهي.
4- إذن لم يعد هنالك مجال للاختلاف أو التخلف ولا تبقى ذريعة للمعارضة لأن مثل هذا التعاهد والالتزام المتبادل يعد مصداقا بارزا لـ {أوفوا بالعقود}[1] وهو من القرائن الجلية للوفاء بالعهد والميثاق، وشرط عقده شعب بأكمله، وحتى لو تساوى البينات والخبراء قبل عملية التصويت، فلم يعد هنالك مجال لقبول شهادة أو تقرير الخبراء المعارضين بعد القبول بشهادة وتقرير غالبية الخبراء المنتخبين من قبل الشعب، كما هو حال الفقهاء الجامعين للشرائط المتساوين ـ الذين يساوون في الأقدار والإقدام قبل فعلية منصب الولاية ـ حيث يصبحون جزءاً من الأمة في حالة فعلية منصب الولاية لأحدهم، ولا دخل لهم في ولاية وقيادة ذلك الولي المنتخب سوى إبداء المشورة والإرشاد الفقهي والإسناد الثقافي والعلمي والعون العملي على صعيد القضايا المهمة للبلاد، ومن المفيد هنا التنويه إلى عدة أمور هي:
أ: ان البعد الحقوقي لمجلس الخبراء لا ينتقص من بعده الفقهي، لأن المسائل الحقوقية تمثل جانباً من المسائل الفقهية، ولكن لأهميتها على الصعيد الوطني فقد طرحت بمعزل عن المسائل الفقهية.
ب: بالرغم من انتفاء حق المخالفة حقوقياً في ضوء التعاهد المتبادل في الاستفتاء فإنّ حق الرقابة والنقد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية ولإكمال الأدلة على صلاحية بقاء القائد أو نقده من ناحية أخرى، يبقى محفوظاً للجميع لا سيما الخبراء على الأصعدة الفقهية والحقوقية والسياسية.
ج: تستمر رقابة الخبراء على توازن القدرات الفقهية والتدبيرية والإدارية والسياسية لسائر الفقهاء على الفقيه المتصدي للقيادة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة بروز تفاوت ملموس في مرحلة البقاء استناداً إلى ما ينص عليه القانون الأساسي المستند من المسائل الفقهية والحقوقية في الإسلام.
71ـ من أين يستمد اعتبار وشرعية رأي أعضاء مجلس الخبراء؟ فهل تستمد شرعيتهم من القائد وتأييده؟
الجواب:
يبادر أعضاء مجلس الخبراء "بالأصالة عن أنفسهم وبالوكالة عن موكليهم ـ وهم جميع أو أغلبية الشعب الإيراني ـ للتحقيق وتبادل وجهات النظر حول الفقهاء لتحديد الفقيه الجامع للشرائط، وبعد بيان الرشد من الغي ووضوح الحق، يقومون بقبول ولاية فقيه وذلك بالأصالة عن أنفسهم، ومن ثم تعريفه إلى موكليهم من باب البينة أو تقديم تقرير خبروي، فأعضاء المجلس يحظون بثقة جماهيرية علمياً وعملياً.
ويتولى الأصلان 107 و 108 من القانون الأساسي ضمان شرعية مجلس الخبراء واعتبار آراء أعضائه، وتتولى القوانين المصادق عليها من قبل الخبراء أنفسهم تفصيل ذلك الاعتبار وكذلك شرعية القرارات التي يصدرها مجلس الخبراء، وهذا الحق منحه القانون الأساسي لهم[2].
بناء على ذلك، فإنّ اعتبار شرعية مجلس الخبراء يتوقف على آراء الناس كما هو شأن اعتبار رئاسة رئيس الجمهورية وشرعية نيابة أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، مع فارق ان نفوذ رئاسة الجمهورية بحاجة إلى إمضاء القائد، واصل اعتبار مجلس الشورى الإسلامي ـ الذي ينال أعضاؤه الشرعية في ظل شرعيته ـ إنما يحصل من خلال تحقيق مجلس صيانة الدستور الذي يتم تنصيب فقهائه من قبل القائد وحقوقييه من قبل رئيس السلطة القضائية المنصوب مباشرة من قبل القائد ـ بيد ان اعتبار شرعية نيابة أعضاء مجلس الخبراء ليس كشرعية تأسيس مجلس الخبراء نفسه بحاجة إلى إمضاء ومصادقة القائد.
ويمكن الاستشهاد بالقانون الذي صادق عليه مجلس الخبراء نفسه لإثبات استقلالية مجلس الخبراء واستغنائه عن تنصيب القائد وإمضائه، وذلك لاستقلالية المجلس في عزل وتنصيب وقبول استقالة بعض أعضاء المجلس ولا حاجة لديه لإمضاء القائد.
72ـ هل هنالك ضرورة لوجود مجلس الخبراء؟ ألا يمكن إحالة مسؤوليات مجلس الخبراء إلى أبناء الشعب أنفسهم لينتخبوا القائد بشكل مباشر؟
الجواب:
ان حق الحاكمية الذي منحه خالق الكون للإنسان، تارة يمارس عن طريق واسطة وأخرى بلا واسطة، ففي الحالات التي تخضع للتصويت، وتكون واضحة لا غموض فيها، كما في مسألة القيادة حيث لا يبرز متنافس ليلجأ التصويت كي تحصل حالة من التردد والخبرة، ففي مثل هذا الحالة ليس هنالك حاجة لشهادة البيئة أو تقرير أهل الخبرة، وتتم ممارسة حق الحاكمية الآنف الذكر عن طريق التصويت المباشر للشعب، كما حصل في قبول نظام الجمهورية الإسلامية في آذار عام 1987م عن طريق الاستفتاء العام والمباشر، وكذلك القبول بقيادة الإمام الخميني "رض" من قبل أبناء الشعب حيث تجلت ولايته للجميع على نحو التعيين منذ انطلاق الثورة.
أما في الموارد التي تحتاج إلى التصويت وتكون معقدة وصعبة وتحتاج إلى عمل تحقيقي وتخصصي من قبيل تدوين القانون الأساسي وتحديد قيادة أحد الفقهاء الجامعين للشرائط غير المشهورة صلاحيتهم على مستوى الأمة وتكون هنالك حاجة لتحقيق من قبل الخبراء، حينذاك يرجع الشعب للخبراء ويمنحهم الوكالة، وعن هذا الطريق تتم ممارسة حق المالكية الذي منحه الله إياهم.
لقد كانت ولاية الأمر وقيادة الأمة على ثلاثة أقسام في القانون الأساسي المصادق عليه عام 1978م،ثم أصبحت على قسمين بعد إعادة النظر فيه عام 1987م، ففي الأول كانت على ثلاثة مراحل هي: "التعيّن"، "التعيين" و "التخيير الابتدائي"، والتعين يكون في حالة وجود قائد مثل الإمام "رض" الذي لا ينافسه أحد منافسة جدية، من هنا فإنّ الأمة نفسها تقوم بتشخيص القائد دون الرجوع للخبراء ومن ثم القبول به، ويكون التعيين في الحالات التي تحدث منافسة جدية بين المنافسين، بيد انه يمكن تشخيص الفقيه الأعلم للقيادة من خلال الخبرة والدقة، وهنا تتجلى ضرورة وجود الخبراء، أما التخيير الابتدائي فيأتي دوره حينما لا تكون أفضلية خاصة لأحد الفقهاء على الآخرين، حينذاك يتم تعريف أحد الفقهاء الجامعين للشرائط إلى الأمة، ولا يجوز هذا التخيير الابتدائي في الفترات اللاحقة دون دليل حيث لا يجوز اختيار فقيه آخر وذلك للضعف والوهن الذي يطال القيادة في النظام الإسلامي نتيجة تغيير القائد وتبديله.
وبعد إعادة النظر في القانون الأساسي أُلغيت المرحلة الأولى وهي التعين، والسر في ذلك هو ندرة وجود شخص كالإمام "رض" بامتيازه وشهرته بالنسبة للجميع وقلة حدوث ذلك عبر التاريخ، فليس من مانع عقلي أو نقلي يحول دون الرجوع إلى التصويت العام بشكل مباشر.
على هذا الأساس، إذا توفر نموذج كالإمام الراحل "رض" ـ وان ندر ـ فإنّ الأمة تعرف تكليفها بشكل طبيعي ولا ضرورة لوجود الخبراء عملياً في مرحلة حدوث القائد "تعين القائد" وان كان هنالك ضرورة لوجود الخبراء في مرحلة البقاء والإشراف ـ وذلك في حالة تعذر أو امتناع التواجد المستمر والرقابة الدائمة من الشعب ـ أما في غير هذه الحالة النادرة إذ تكون الحاجة للعمل الخبروي والتقني، فمن الضروري وجود الخبراء ووكلاء الأمة.
73ـ هل هنالك نظير لمجلس الخبراء في عالمنا المعاصر؟
الجواب:
ان نظام الجمهورية الإسلامية نظام متميز، فبالإضافة إلى السلطة التشريعية ـ مجلس الشورى الإسلامي ـ والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية هنالك جهاز أعلى وارفع مستوى منها هو ولاية الفقيه، أما الأنظمة الشائعة في سائر البلدان أما ملكية أو جمهورية، وان قوانينها ومقرراتها وتعاليمها تأتي في ضوء الأفكار البشرية المحضة أو تكون تلفيقا أو التقاطاً أو خليطاً من الأفكار البشرية وتعاليم الوحي الإلهي، وتقوم على أساس الحرية والانفلات المطلق أو الملفق بالنسبة لأفراد المجتمع ومسؤولي النظام من كل قيد شرعي، في حين يقوم نظام الجمهورية الإسلامية ـ في ضوء ما ورد في الأصلين الثاني والرابع وسائر الأصول الهامة في القانون الأساسي ـ على دعائم الإيمان بالتوحيد والنبوة والمعاد والعدل الإلهي والإمامة وكرامة الإنسان ومثله السامية، والحرية المقترنة بالمسؤولية أمام الله سبحانه .
ومن البديهي ان يحتاج مثل هذا النظام الإلهي الإنساني منذ البداية إلى قيادة وإدارة خبير عالم مقتدر تقي أمين ومدير ومدبر كي يتسنى له إدارة البلاد على أساس الدين الذي يحظى بقبول الأمة، ثم انه يحتاج إلى علماء فقهاء وعدول ليمارسوا مهمة دراسة ومراقبة سيرة القائد حدوثاً وبقاءً. وبطبيعة الحال فإنّ الأمة في مثل هذا النظام واستناداً إلى الأصل الثامن من القانون الأساسي تتحمل مسؤولية الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي مسؤولية متبادلة بين الشعب والدولة.
ولم يرد في القانون الأساسي نص يمنح زعيم النظام الإسلامي صلاحية حل مجلس الشورى الإسلامي، وهو ما يتمتع به المسؤولون من الطراز الأول في بعض البلدان ـ وذلك مما يدل على عمق الحرية وحاكمية الشعب والاعتماد على آراء الجماهير، وحق الشعب في الجمهورية الإسلامية، أكثر عما هو عليه في سائر البلدان ـ وان وجود جهاز لمراقبة أوضاع القائد نفياً واثباتاً يعد دليلاً على حاكمية الشعب في الجمهورية الإسلامية استناداً على ركائز الإيمان ومستلزماته،
بناء على ذلك، فإنّ وجود مجلس الخبراء بمواصفاته الخاصة لا نظير له في البلدان الخاضعة لنظم غير دينية، ولكن يحتمل وجود جهاز يناظره.
74ـ ضرورة وجود مجلس الخبراء هل تنسجم مع نظرية التنصيب في نظام ولاية الفقيه أم مع نظرية الانتخاب والوكالة؟
الجواب:
1 ـ ان الشخصية الحقيقية للفقيه الجامع لشرائط القيادة على حد سواء مع سائر المواطنين، وهم جميعاً ـ فقهاء وعوام ـ سواء أمام القانون. من هنا فإنّ الفقيه نفسه لا يملك أكثر من صوت لانتخاب أعضاء مجلس الخبراء، ورئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، وسائر المجالس، وإذا كان قبل تصديه لمنصب القيادة عضوا في مجلس الخبراء لتولي شخصية الاعتبارية من باب الولاية وليس من باب التوكيل "وكالة".
2- الشخصية الاعتبارية للفقيه الجامع لشرائط القيادة شأنها كسائر الشخصيات الاعتبارية في الإسلام مثل المرجعية في الفتيا والقضاء والحكم في المحاكم الإسلامية منصوبة من قبل الشارع المقدس، وان رجوع الأمة إليها ينقل شخصيته الاعتبارية من مرحلة الثبوت إلى مرحلة الإثبات، ومن الشرعية المحضة إلى مرحلة الاقتدار الشعبي كالذي يصل إلى مستوى الأعلمية في الهندسة والطب فإنّ شخصيته الاعتبارية تتمثل في صلاحيته لاحتلال منصب المرجعية فيها سواء رجع إليه أم لا، فإذا ما رجع إليه انتقلت فعالياته الهندسية أو الطبية من مرحلة "بالقوة" إلى "بالفعل".
إذن الفقيه الجامع للشرائط يتمتع بالولاية لا الوكالة.
3- لقد جرى تدوين مواد القانون الأساسي على أساس الحرية المقترنة بمسؤولية الشعب أمام الله سبحانه، ومن هنا فإنّ بيان القوانين وشرح المقررات يتعلق بقسمين من الأمور، أحدهما يهتم بشؤونهم وممتلكاتهم الشخصية، والآخر يختص بشؤونهم وممتلكاتهم العامة والوطنية، كما ان تنفيذ تلك القوانين ومطابقة موارد التنفيذ مع القانون الذي تتولاه السلطة القضائية، لا بد ان يتركز على المحافظة على اصلين جوهريين هما: الأول ان يكون تقرير وتقنين المقررات والقوانين الشخصية والعمومية مطابقا للموازين الإسلامية أو غير مخالف لها، أما الثاني ان لا يؤدي تطبيقها إلى إتلاف وإهدار الأنفال والأموال العائدة للمسلمين، وهذان الأصلان يستلزمان وجود الفقاهة والعدالة على صعيد المواقع الثلاثة المهمة في البلاد أي التشريع والتنفيذ والقضاء، بشكل مباشر أو بالواسطة إلى جانب سائر شروط القيادة، من هنا يعد تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية وتعيين فقهاء مجلس صيانة الدستور، وتعيين رئيس السلطة القضائية، من مسؤوليات الولي الفقيه، ولقد وضع الأصل الخامس من القانون الأساسي مسؤولية ولاية الأمر وإمامة الأمة على عاتق الفقيه العادل التقي... الخ.
4- ان هيكلية القانون الأساسي في إيران تقوم على فصل عملي بين دائرة عمل ولاية الفقيه وبين حدود الحكم الوطني وحاكمية الشعب أي بالرغم من أن ولاية الفقيه تمثل الحالة الجوهرية للنظام والعمود الذي تقوم عليه خيمة البلاد، ومن هنا فهي تشرف على شؤون البلاد وتضمن شرعيتها، ولكن لغرض ضمان حاكمية الشعب في دائرة الشؤون والأحوال الشخصية وكذلك دائرة الشؤون والأحوال والممتلكات العامة ـ غير الحكومية والرسمية ـ من قبيل انتخاب رئيس الجمهورية، انتخاب أعضاء مجلس الخبراء، أعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء سائر المجالس، فقد وضعت أصول خاصة لضمان حريتهم وحاكميتهم، وان الشخصية الحقيقية للفقيه القائد شأنها كشأن سائر المواطنين تتمتع بالحاكمية الشعبية على صعيد القسمين الآخرين.
وإذا ما عد الأصلان 110 و 175 بعض الأعمال التنفيذية والحكومية من مسؤوليات وصلاحيات القائد وإذا ما ورد في الأصل 60: "ان أعمال السلطة التنفيذية تتم عن طريق رئيس الجمهورية والوزراء عدا تلك التي أوكلت إلى القائد بصورة مباشرة في هذا القانون" فإنّ هذه الصلاحيات الحكومية والتنفيذية لا تتعارض مع حاكمية الشعب، لأن الشعب قد وضع هذه المسؤوليات التنفيذية في الحاكمية في هذه المجالات بطريقة أو بأخرى، كما ورد في القانون الأساسي عام 1978 ان الإذاعة والتلفزيون باعتبارهما وسيلة إعلامية تخضعان لإشراف مشترك من السلطات الثلاث، وتفصيل ذلك يحدده القانون الذي صادق عليه مجلس الشورى الإسلامي[3].
5- تقدم القول بوجود فارق في ظل النظام الإسلامي بين الشخصية الحقيقية والشخصية الاعتبارية للحاكم، وفيما يلي بيان لبعض معالم هذا الفارق.
ورد على سبيل المثال ـ في الأصل 142 من القانون الأساسي:
يجري التحقيق من قبل رئيس السلطة القضائية في ممتلكات القائد ورئيس الجمهورية ومعاونيه والوزراء وزوجاتهم وأبنائهم قبل وبعد تصديهم للمسؤولية لئلا تكون قد تضاعفت خلافاً للحق".
المراد من ممتلكات القائد ممتلكاته الشخصية وإلاّ فإنّ ممتلكات المكتب وحقوق الإمامة التي نص عليها الأصل 45 تتعلق بشخصيته الاعتبارية وهي تعمل وفقاً للمصالح العامة.
والمعلم الآخر للفصل بين الشخصيتين الحقيقية والاعتبارية للقائد، هو ان القائد في ضوء شخصيته الحقيقية يمتلك حق المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية والإدلاء بصوته لصالح مرشحه، وبعد انتخاب الأكثرية لشخص معين تقوم الشخصية الاعتبارية للقائد بتنفيذ حكم رئاسة الجمهورية لمن انتخبه الشعب سواء كان الذي انتخبه القائد في ضوء شخصيته الحقيقية أم غيره.
6ـ لن تصبح الشخصية الاعتبارية لولي الفقيه وكيلا عن الأشخاص أو مؤسسة معينة، وان كان بإمكان شخصيته الحقيقية ان تصبح وكيلا، وإذا ما استعمل في القانون الأساسي التعبير بـ "انتخاب القائد" لتحديد مسؤوليات أعضاء مجلس الخبراء فذلك لا يعني التوكيل، لأن التعبير بـ" انتخاب، اجتباء، اصطفاء، اصطناع" وما شابهها تتقارب في اللغة العربية وتنسجم مع بعضها، ولا يعني أي منها التوكيل، بل تعنى الاتخاذ الذي ربما يناسب اتخاذ الوكيل وربما اتخاذ الولي والقيم، وربما تستعمل لاتخاذ المتولي أو الولي، وقد استعملت في القانون الأساسي بخصوص المفهوم الأخير.
7ـ بالرغم من ولاية الشخصية الاعتبارية للولي الفقيه على الأمة وليس وكالة، بيد ان هذه الولاية لا تفيد محجورية الأمة، وقد جرى بيان ذلك أثناء الإجابة على بعض الأسئلة المتقدمة، وسيأتي كذلك أثناء الإجابة على بعض الأسئلة والشبهات لاحقّاً.
75ـ كيف تتم عملية أشراف مجلس الخبراء على القائد؟
الجواب:
ورد في مطلع الأصل 111 من القانون الأساسي بشأن أشراف مجلس الخبراء: "متى ما عجز القائد عن أداء مهامه القانونية أو افتقد أحد الشروط المذكورة في الأصول 5 و 109 أو اتضح فقدانه لبعضها منذ البداية فإنه يعزل من منصبه، ما يستفاد من هذا الأصل عبارة عن:
أ ـ ان الشروط والمواصفات المذكورة في القانون الأساسي واللازمة لتصدي القائد لا تقتصر على فترة حدوث القائد بل لا بد من المحافظة عليه في مرحلة البقاء أيضاً.
ب ـ لا تقتصر مسؤولية مجلس الخبراء في مقام الإثبات والتشخيص على مرحلة حدوث القائد وتعيينه، وفي مرحلة البقاء أيضاً تقع عليهم مسؤولية البحث والتحقيق باستمرار وجود تلك المواصفات أيضاً.
ج ـ في حالة التوصل إلى وقوع مخالفة ـ في مقام الثبوت ـ وكذلك في حالة فقدان بعض الشرائط والمواصفات ـ في مقام البقاء ـ فإنّ الفقيه يفقد منصبه القيادي ويتم عزله، ويتحمل مسؤولية مجلس الخبراء والإعلان عن سلب صلاحية القائد السابق وتعيين القائد الجديد.
ربما يفقد القائد الشرائط والمواصفات نتيجة التغيرات والتحولات السلبية التي تحصل للفقيه بشخصه كالحوادث والوقائع المريرة التي تحصل بسب التقدم بالسن، أو المرض، وقد تطرأ تغيرات وتحولات ايجابية، كما يحصل لفقيه مساوٍ للفقيه الحاكم حيث يبلغ مرحلة الرقي العلمي أو العملي أو المقبولية العامة لدى الأمة، بحيث لو ان هذه الارجحية حصلت أثناء الانتخاب فمن المسلم به اختيار هذا الفقيه الراجح للقيادة، وحيث ان رجحانه لا يمكن صرف النظر عنه فإنّ مسؤولية الخبراء تتمثل في الإعلان عن هذا الفقيه المرجح والمتميز.
وقد يكون فقدان الشرائط والمواصفات دائمياً، وربما يكون مؤقتاً والدائمي كالوفاة أو ما يتصل بها، كالشيخوخة والهرم والذي يقترن بفقدان الذاكرة والقدرة لدى القائد، أما المؤقت والمرحلي فهو من قبيل الإصابة بمرض طويل الأمد مما لا يمكن تصور علاجه خلال مدة قصيرة ومن المسلم به فقدان شرائط ومواصفات القيادة أثناء فترة العلاج من ذلك المرض الذي يتعسر علاجه، وفي مثل هذه الحالة تكون مسؤولية الخبراء في الترقب وإعلان النتائج، فإذا ما افتقد القائد مواصفات القيادة وشرائطها ينبرون لتشخيص القائد الجديد وتعريفه للأمة، وفي حالة فقدان المواصفات والشرائط اللازمة للقيادة يتولى مجلس معين مسؤوليات القائد بشكل مؤقت، وهذا ما جرى بيانه في الأصل 111 من القانون الأساسي:
"في حالة وفاة أو استقالة أو عزل القائد، يتعيّن على الخبراء المبادرة إلى تعيين قائد جديد بأسرع وقت، وحتى يحين موعد الإعلان عن القائد يتولى مجلس يتكون من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور ينتخبه مجلس تشخيص مصلحة النظام مسؤوليات القائد بشكل مؤقت... وإذا ما عجز القائد عن أداء مسؤوليات القيادة بسبب المرض أو حادث آخر، فإنّ هذا المجلس المذكور في هذا الأصل يتولى مهام القائد".
76ـ ألا يمكن الاستعانة بالخبراء من غير علماء الدين والسياسة لتحديد المواصفات السياسية للقائد؟
الجواب:
نظراً لمحورية الفقاهة والعدالة في النظام الإسلامي فإنّ سياسة الفقيه الجامع للشرائط تتسق مع الدين وهذا ما ينسجم مع ما أدلى به المرحوم حسن المدرس ره: سياستنا عين ديننا".
وإذا ما تقرر تعيين فقيه يتوفر على صفات الفقاهة والعدالة والسياسة والتدبير ... الخ، فلا بد من توفر الخبراء أيضاً على مثل هذه الشمولية بأدنى مستوياتها كي يتسنى لهم تشخيص الفقيه الجامع للشرائط، فمن الشرائط اللازم توفرها في خبراء القيادة امتلاكهم القدرة على معرفة الأوصاف المعتبرة في القيادة، فعلى سبيل المثال كان من النادر ان يتدخل علماء الحوزة في الأمور السياسية قبل الثورة، بيد ان التدخل في هذه المسائل أصبح بعد انتصار الثورة واجباً عينياً على البعض وكفائياً على البعض الآخر.
وربما هنالك من يعجز عن أداء الأعمال الإجرائية نتيجة الشيخوخة لكنه يتمتع بفطنة سياسية عالية، فكان ان اقتحم الميدان فقهاء وآزروا الإمام "قده" في قيادة الثورة، فكانوا ساسة في احلك الفترات والمراحل السياسية، وإذا ما كانت هنالك حاجة للتشاور مع المتخصصين في اللجان والمجالس، إذ ذاك يجري الاستفادة من آرائهم، وذلك ما ينص عليه مجلس الخبراء،حيث يتصلون بالمسؤولين من أجل تفعيل المجلس وبوسعهم توجيه الدعوة لذوي الخبرة ووجهات النظر من سياسيين وغيرهم لا سيما في اللجان وبالذات لجنة التحقيق
التي تشرف على استمرار توفر مواصفات القيادة، يتعيّن على هؤلاء القيام بهذه الأعمال وإنجاز ما بذمتهم من عهد وعلى عواتقهم من مسؤولية على أحسن وجه وإذا لم يكن لديهم اختصاص في بعض الأمور فعليهم طرحها على المتخصصين.
بناء على ذلك لا بد أولاً: من وجود تناسب شمولي بين الفقيه الجامع للشرائط وبين الخبراء، وثانيا: ان يتحلى الخبراء وهم علماء الدين بالوعي السياسي والاجتماعي وإلاّ فإنهم لا يمتلكون صلاحية الدخول إلى مجلس الخبراء، وثالثا: الاستعانة بالسياسيين وسائر المتخصصين حيثما كانت الضرورة، من أجل إحراز المزيد من الدقة.
77ـ هل يستطيع القائد حل مجلس الخبراء؟
الجواب:
ينبغي الفصل بين البحث حول اصل مجلس الخبراء والبحث حول أعضاء المجلس المذكور، وكذا لا بد من التمييز بين حق القائد وبين حق الجمهور وعامة الناس.
فيما يخص الأمر الأول أي المجلس نفسه، فإنّ حله خارج عن اختيار الأمة إلا ان يتم تدوينه من خلال إعادة النظر من جديد بالقانون الأساسي.
وفيما يتعلق بالأمر الثاني وهو إمضاء المجلس فيمكن القول بما ان الأعضاء المذكورين يعتبرون وكلاء الأمة وان كل موكل بإمكانه عزل وكيله، فإنّ الأمة بإمكانها سلب الوكالة عن أعضاء المجلس المذكور، بيد ان الوكالة في مجلس الخبراء شأنها كالنيابة في مجلس الشورى الإسلامي تقوم على التعاهد المتبادل بين الوكيل والموكل، وهي من الأمور اللازمة لا الجائزة. من هنا فلا يحق للموكل أو الموكلين عزل الوكيل أو الوكلاء إلا ان يتم تثبيت ذلك في القانون.
أما الأمر الثالث وهو حق القائد، فإنّ وجود مثل هذا الحق للقائد باعتباره نائباً لإمام الزمان "ع" لا محذور فيه ثبوتاً، بيد ان محذوراً قانونياً إثباتاً يحول دون تدخله في عزل عضو أو أعضاء في مجلس الخبراء ناهيك عن حل المجلس، لأن شرعية الفقيه إنما تأتي عن طريق مجلس الخبراء فقط، وليس عن طريق التصويت العام المباشر، فما يتعلق بهذا المجلس المذكور وحله فإنّ ذلك يعرِّض اصل ولاية الفقيه المذكور للتشكيك.
واخيراً ما يتعلق بالأمر الرابع، فربما لا تنسجم عملية إثبات ولاية الفقيه عن طريق مجلس الخبراء بوضعه الحالي مع المصالح العليا للنظام الإسلامي ولابد من تقديم أسلوب أفضل، ففي مثل هذه الحالة بإمكان القانون بحث الأساليب المقترحة من خلال تصويت جديد، واختيار أفضل السبل، كما هو الحال سابقاً حيث كان منصب رئاسة الوزراء يشكل إلى جانب رئاسة الجمهورية ركنا متميزا من أركان نظام الجمهورية الإسلامية، بيد أن التجربة العملية على مدى سنوات أثبتت ان مثل هذا المنصب لا يصب في مصلحة النظام، وبذلك فقد ألغي هذا المنصب وصلاحيته وألقيت على عاتق رئاسة الجمهورية.
من الممكن استبدال مجلس الخبراء بجهاز مشابه أو أفضل منه بيد ان وجود هذه المؤسسة التي تستهدف إثبات وكذلك الإشراف المستمر على ولاية الفقيه يعد لازما، ولا بد ـ على أي حال ـ ايكال الأمر إلى الأمة، وهنا لا يتوقع "الدور" وإنما كما يحصل في سائر الدول المتطورة، إذ ان لزعيم البلاد حل المجلس استناداً لتصويت الشعب، غير انهم يتمتعون بمجلس برلماني وما شابهه وليس مجلس الخبراء.
78ـ إذا توفر الفقيه الجامع للشرائط على الولاية فإنّ معرفته عن طريق الخبراء أو الأمة تصبح متعذرة لأن الولاية أمر إلهي، وان معرفة من له الولاية تقتصر على علم الله!
الجواب:
ان هذه الشبهة ناتجة عن الخلط بين الولاية التكوينية والمعنوية والولاية الحكومية، ان ولاية الفقيه ـ كما ورد بالتفصيل في الفصل الثالث ـ لا هي من سنخ الولاية التكوينية ولا من سنخ الولاية على التشريع والتقنين، وإنما هي ولاية حكومية في دائرة التشريع والقانون الإلهي، فإذا ما قيل ان للفقيه الجامع للشرائط جميع صلاحيات النبي"ص" والأئمة عليهم السلام فإنّ المراد هي الصلاحيات المتعلقة بإدارة المجتمع والحكومة، وليس ثمة من يدعى ان المقام المعنوي للفقيه يضاهي المقام المعنوي لأولئك العظام الذين يمثلون مظاهر أسماء الله الحسنى، وان لديه ما لديهم.
ان ما يخفى على غير الله هي ملكة العصمة المعتبرة في النبي"ص" والإمام"ع"، وهي ليست معتبرة في الولي، وإمام المجتمع الإسلامي وهو النائب عن تلك الذوات النورانية، فالولاية الحكومية مشروطة ببعض الملكات العلمية مثل الفقاهة والاجتهاد وبعض الملكات العملية مثل العدالة والتدبير والشجاعة، ولكل واحدة من هذه الملكات آثار، يدرك الخبراء والعلماء في كل فرع تحقق الملكات المذكورة عن طريق تلك الآثار، كما هو الحال بالنسبة لكبار العلماء حيث كانوا منذ زمن بعيد يتحملون مسؤولية تحديد الملكات العلمية والعملية لمراجع التقليد.
79ـ ان مجلس الخبراء هو الذي يعين القائد، في حين ان مجلس صيانة الدستور ـ وهو منصوب من قبل القائد، هو الذي يحدد صلاحيات المرشحين لمجلس الخبراء، وهذا يؤدي ان يشق أنصار القائد الفعلي فقط طريقهم إلى مجلس الخبراء، وبالتالي فلا تجري أعمال هذا المجلس لا سيما الإشراف على سيرة القائد بصورة صحيحة وهذا ما يؤدي على الأمر البعيد إلى انحراف النظام الإسلامي.
الجواب:
ان هذه الشبهة تثار حينما يكون القائد قد عين مسبقاً وقام بدوره بتعيين أعضاء مجلس صيانة الدستور لكن إثارتها تنتفي فيما إذا أرادت الأمة انتخاب القائد، لأول مرة لأن الأمة واستناداً إلى هذا الفرض، كما كانت ترجع إلى ذوي الخبرة لتعيين مرجع تقليدهم فإنها ترجع إلى أهل الخبرة أيضاً لتعيين القائد، ولا وجود لمجلس صيانة الدستور كي يبحث صلاحية المرشحين لمجلس الخبراء.
أما بعد إقامة الحكومة ووجود القائد ومجلس صيانة الدستور المعين في قبله، فإذا ما نصا لقانون الأساسي على وجوب تعيين صلاحية أعضاء مجلس الخبراء في ضوء آراء من نصبهم القائد في مجلس صيانة الدستور أو غيره، فمن الممكن إثارة هذا النقد، بيد ان مثل هذا الأمر لم يحدث من الأساس وان القانون بسط يد مجلس الخبراء، وأناط بالمجلس نفسه مهمة إصدار القرارات سواء على صعيد عدد الأعضاء، أو شروطهم، أو طريقة انتخابهم ومدة عضويتهم، وفي الدورة الأولى لمجلس الخبراء ـ حيث لم يشكل المجلس بعد ـ كانت مهمة تعيين صلاحية المرشحين تقع على عاتق فقهاء مجلس صيانة الدستور، ولكن في ضوء القانون الأساسي أصبح التحقيق في صلاحية المرشحين المقبلين بعد الدورة الأولى من مسؤولية مجلس الخبراء نفسه، وأصبح بإمكان أعضائه تغيير المرجع المسؤول عن تحديد الصلاحية، أي إذا كانت مهمة تعيين الصلاحية تقع الآن بيد مجلس صيانة الدستور استناداً لما يراه مجلس الخبراء، فإذا ما رأى صعوبة في هذا الأسلوب فإنه سيغير هذه المادة ويعين مرجعاً آخر.
ورد في الأصل 108 من القانون الأساسي ما يلي:
"يتعيّن ان يعد فقهاء أول مجلس لصيانة الدستور ويصادق أغلبيتهم على القانون المتعلق بعدد وشروط الخبراء وطريقة انتخابهم واللائحة الداخلية لاجتماعاتهم للدورة الأولى، ومن ثم يوافق عليها القائد، أما بعد ذلك فإنّ أي عملية تغيير وإعادة نظر في هذا القانون والمصادقة على سائر المقررات يتعلق بالمسؤولين الخبراء وصلاحياتهم".
ملاحظة: ما حصل في الجمهورية الإسلامية يعد مصونا من حلول "الدور" والانتهازية والصنمية وما شابه ذلك، لأن المرجع في تعيين الصلاحية كانوا فقهاء عينهم الإمام الراحل "قده" وبعد رحيل الإمام "قده" باشر مجلس الخبراء البحث عن القائد الفقيه في وقت لم يتم بعد تعيين أعضاء مجلس صيانة الدستور من قبله. وبطبيعة الأمر فإنّ الخشية من وقوع "الدور" في مرحلة البقاء لا تخلوا من الصواب، بيد ان اصل القيادة الحالية وتولي مثل هذا الولي، يعد أمراً بعيداً عن حلول "الدور".
________________________
[1] - المائدة: 1.
[2] -القانون الأساسي، الأصل 107 و 108.
[3] - القانون الأساسي "1978": الأصل 175.
|