3 ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام )
من مؤلفات الإمام الرضا ( عليه السلام ) هذه الرسالة الغراء التي سميت ب ( صحيفة الرضا ) وسماها فريق من الرواة ب ( مسند الإمام الرضا ) وهذه التسمية أقرب إلى وضع الكتاب لأنه حوى بعض ما يرويه من الاخبار عن جده النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن آبائه الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) ، وقد نص جمهرة من المحققين على أن هذه الرسالة من مؤلفات الإمام ( عليه السلام ) (1). وعلى أي حال فان هذه الرسالة من ذخائر النبوة ، وكنوز أهل البيت ومواريث الأئمة التي بلغت من علو الاسناد ذروة الشرف ، وكاهل العز ـ كما يقول الدكتور حسين علي محفوظ (2). ونحن ننقل بعض هذه الرسالة عن نسخة طبعت في القاهرة بمطبعة المعاهد بجوار الأزهر سنة ( 1340 ه ) وقد طبعها العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسمي ، ورتبها على عشرة أبواب ، وهي :
1 ـ كشف الظنون 2 / 1076 ، هداية العارفين 1 / 668 ، معجم المؤلفين 7 / 250 ، الذريعة 15 / 17 ـ 18 ، كشف الحجب والأستار ( ص 366 ـ 367 ) البحار 1 / 11 ، مستدرك الوسائل 3 / 344 النجاشي ( ص 159 ) الأمالي ، التوحيد ، العيون وغيرها. 2 ـ صحيفة الرضا ( ص 2 ).
(231)
الباب الأول في الذكر
وبعد مقدمة ذكرها الشيخ عبد الواسع تتعلق بضرورة ذكر السند ، قال : أروي هذه الصحيفة بالسند الصحيح المتصل إلى الامام القاسم بن محمد ( عليه السلام ) عن شيخه السيد أمير الدين بن عبد الله عن السيد أحمد بن عبد الله الوزير عن الامام المطهر بن محمد بن سليمان عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى عن سليمان بن إبراهيم بن عمر العلوي عن أبيه إبراهيم عن رضاء الدين إبراهيم بن محمد الطبري عن الامام نجم الدين التبريزي عن ( الحافظ ابن عساكر ) عن زاهر السنحاني عن ( الحافظ البيهقي ) :
1 ـ عن أبي القاسم المفسر عن إبراهيم بن جعدة عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة ( 194 ه ) قال : حدثني أبي موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال حدثني أبي علي بن الحسين ، قال ، حدثني أبي الحسين بن علي ، قال حدثني أبي علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين آمين إلى يوم الدين ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يقول الله تعالى : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي .... (1). ان هذه الكلمة المشرقة هي سر الوجود ، ومصباح المتقين ، ودليل العارفين فمن قالها عن معرفة وايمان دخل حصن الله الذي من دخله فاز برضوان الله تعالى وأمن من عذابه.
2 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله عليها ، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ، ومن أحزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..... إن ذكر الله تعالى ، والانقطاع إليه يستوجب المزيد من نعمه ، وألطافه ، ومن قال هذه الكلمات في هذه المواضع شملته رحمة الله ، وظفر بالخير العميم.
1 ـ في رواية الطبرسي بشرطها وشروطها وأنا من شروطها وسنتكلم عن هذا الحديث الشريف في بعض غضون هذا الكتاب.
(232)
3 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الايمان اقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان .... الايمان شعلة من النور تضئ القلب ، وتسري سريان الحياة في نفوس المتقين والعارفين ، وتستولي على عواطفهم ومشاعرهم.
4 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يقول الله : ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماوات ، والأرض من دونه فان سألني لم أعطه ، وان دعاني لم أجبه ، وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي إلا ضمنت السماوات والأرض برزقه فان سألني أعطيته ، وان دعاني أجبته ، وإن استغفرني غفرت له ..... لقد خاب ، وباء بالفشل والخسران ، من يرجو غير الله تعالى الذي بيده مجريات الاحداث يقول بعض الشعراء :
تربت يد سألت سواك وأجدبت فالعز إلا من لديك محرم |
|
أرض بغير سحاب جودك توسم والمال إلا من يديك محرم |
ان العبد إذا انقطع إلى الله ، واعتصم به ، فقد ظفر بالخير ، وفاز بالنعم في دنياه وآخرته.
5 ـ وباسناده قال : حدثني علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، أن يهوديا سأل علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : اخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : أما مالا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود عزير ابن الله ، والله لا يعلم له ، ولدا ، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعبيد ، وأما ما ليس لله فليس لله شريك ، قال اليهودي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .... ان الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو باب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو عملاق هذه الأمة ، ورائد نهضتها الفكرية والعلمية ، ومن المقطوع به أنه لو ثنيت له الوسادة ، وتسلم قيادة الحكم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما بقي يهودي ، ولا نصراني ، ولا مجوسي ، الا ودخلوا في حظيرة الاسلام ، وانتهلوا من نميره العذب.
6 ـ وباسناده قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه ، وغزو لا غلول فيه ، وحج مبرور ، وأول من يدخل الجنة
(233)
شهيد ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ، ونصح لسيده ورجل عفيف متعفف ذو عيال ، وأول من يدخل النار إمام مسلط لم يعدل ، وذو ثروة من المال لم يقض حقه وفقير فخور .... وألم هذا الحديث الشريف بأفضل الأعمال ، وأكثرها مثوبة وأجرا عند الله تعالى ، وهو الايمان بالله تعالى الذي لا يخامره شك ، والغزو الذي لا غلول فيه وانما يقصد فيه نشر كلمة الله في الأرض ، وحج بيت الله الحرام. كما حكى هذا الحديث الشريف أفضل الرجال عند الله تعالى ، وأكرمهم عليه ، وهم : الشهداء في سبيل الله لا في سبيل مغنم أو شئ من متع الحياة ، والعبد المملوك المؤمن بربه والناصح لسيده ، والرجل العفيف ذو العيال الذي يسعى لإعاشة عياله. وحكى هذا الحديث أيضا أبغض الرجال إلى الله ، والذين يستحقون نار جهنم ، وأول من يدخلونها من العصاة والمجرمين : الحاكم الذي يظلم عباد الله ، ولا يسير بين الناس بالحق والعدل وصاحب الثراء العريض الذي يبخل بحقوق الله ، ولا يسعف الفقير ، والفقير الفخور الذي يفخر بنفسه وأسرته ، ويتجبر ويتكبر على خلق الله.
7 ـ وباسناده قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من حفظ على أمتي أربعين حديثا ، ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما .... إن الأحاديث النبوية شعلة من النور تهدي الحائر ، وترشد الضال وتنير الطريق لأنها من ينابيع الحكمة ، فمن أذاعها بين المسلمين فقد ساهم في بناء الفكر الاسلامي ، وقد وعده الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يبعثه الله يوم القيامة فقيها عالما.
8 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أفتى الناس بغير علم لعنته السماوات والأرض ..... ان من أكثر الجرائم بشاعة ، وأكثرها اثما فتوى الناس بغير علم فإنه تضليل للناس ، وإشاعة للكذب ، وافتراء على الله.
9 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : التوكل ، والتوحيد نصف الدين ، واستنزلوا الرزق من عند الله بالصدقة ....
(234)
ان التوكل على الله ، والاقرار له بالتوحيد انما هو من صميم الدين ، وعنصر أساس في كيانه .... وحث الامام على الصدقة لان بها اسعافا للفقراء والمحرومين ، ووعد المتصدق بان الله تعالى يمنحه الرزق والعطاء.
10 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ان موسى بن عمران سأل ربه فقال : بعيد أنت يا رب فأناديك أم قريب فأناجيك ، فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني ... إن الله تعالى قريب لكل من يناجيه ، ويدعوه ، وينجب ؟ إليه فيشمله برحمته ، ولطفه.
11 ـ وباسناده قال ( عليه السلا م ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دعاء أطفال أمتي مستجاب ، ما لم يقارفوا الذنوب .... إن دعاء أطفال المؤمنين مستجاب ، فلا يرد الله لهم دعوة ، ولكن إذا لم يقترفوا الجرائم والذنوب.
12 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من مر على المقابر ، وقرأ قل هو الله إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي له من الاجر بعدد الأموات .... ان قراءة سورة التوحيد للأموات المسلمين له الاجر المضاعف عند الله ، والثواب الجزيل.
13 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الدعاء سلاح المؤمن ، وعماد الدين ، ونور السماوات والأرض فعليكم بالدعاء ، وأخلصوا النية ... وحكى هذا الحديث أهمية الدعاء ، فهو سلاح المؤمن ، وعماد الدين ، ونور السماوات والأرض ، وقد حاز بذلك اسمى مكانة عند الله تعالى.
14 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا أراد أحدكم حاجة فليباكر في طلبها يوم الخميس ، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر آل عمران ، وآية الكرسي ، وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب فان فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة .... وحوى هذا الحديث المنهاج لقضاء الحوائج ، فقد حدد الزمان ، وحدد ما يقرأ.
(235)
فيه من الآيات والسور من كتاب الله العزيز.
15 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ستة من المروءة : ثلاثة منها في الحضر : وثلاثة في السفر : أما التي في الحضر : فتلاوة القرآن ، وعمارة المساجد ، واتخاذ الاخوان في الله ، وأما التي في السفر فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير معاصي الله ... ان هذه الخصال الستة تحكي شرف الانسان ، ومروءته ، وحسن طويته.
16 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم ارحم خلفائي ثلاث مرات : قيل : يا رسول الله من خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي ، ويروون أحاديثي وسنتي ، ويعلمونها الناس من بعدي .... ان الذين يروون أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويذيعونها بين الناس ، ويعلمونهم معالم الدين ، واحكام الشريعة هم خلفاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأقرب الناس إليه.
17 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن هذا العلم خزائن الله ، ومفاتيحه السؤال فاسألوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والمعلم ، والمستمع ، والمجيب ... حث النبي ( صلى الله عليه وآله ) الجاهل على السؤال عما لا يعلمه من شؤون دينه وغيره فان في ذلك إذاعة للعلم ، ونشرا له.
18 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من قرأ إذا زلزلت الأرض أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله ... ان قراءة هذه السورة الكريمة أربع مرات يترتب عليها هذا الأثر العظيم ، وهو قراءة القرآن كله.
19 ـ وباسناده قال ، حدثني أبي محمد بن علي ( عليهما السلام ) قال : قال ( عليه السلام ) : خمسة لو دخلتم فيهن ما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد إلا ذنبه ، ولا يرجو إلا ربه ، ولا يستحي الجاهل إذا سئل عما لم يعلم أن يقول : الله ورسوله أعلم ، ولا يستحي الذي لا يعلم أن يتعلم ، والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا ايمان لمن لا صبر له .... وتجسدت الحكمة في هذه الأمور ، التي يسمو بها الانسان لو أخذ بها ، ويكون
(236)
مثلا أعلى للفضيلة والأدب.
19 ـ وباسناده قال : حدثني الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، قال : وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن مكتوب فيه أنا الله لا إله إلا أنا ، ومحمد نبيي ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟ ! وعجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها ؟ ! وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يذنب ؟ ! وحوى هذا اللوح موعظة جليلة لو تأملها الانسان لابتعد عن كل ذنب ، وعمل كل ما يقربه إلى الله زلفى.
20 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أتاني ملك ، فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويقول لك : إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهبا ، قال فرفع رأسه إلى السماء ، فقال : يا رب أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك .... لقد زهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الدنيا ، وأعرض عن زخارفها ، واتجه صوب الله تعالى ، وكان ذلك من خصائصه التي امتاز بها على سائر النبيين.
|