مناظرته مع الهربذ الأكبر : وبعدما فشلت رؤساء المذاهب والأديان في امتحان الامام ، وبان عليها العجز ، ولم يبق إلا الهربذ الأكبر المرجع الاعلى للمجوس. فالتفت إليه الإمام ( عليه السلام ) فقال له : اخبرني عن زردشت الذي تزعم أنه نبي ، ما حجتك على نبوته ؟ ... فقال الهربذ : إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ، ولم نشهده ولكن الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل بنا ما لم يحله لنا غيره ، فاتبعناه ... وانبرى الامام فقال له : أفليس انما أتتكم الاخبار فاتبعتموه ؟ ... بلى .... وراح الامام يقيم عليه الحجة التي لا مجال لانكارها قائلا : فكذلك سائر الأمم السالفة اتتهم الاخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) فما عذركم في ترك الاقرار بهم ، إذ كنتم انما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار الواردة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره .... واستولت عليه الحيرة والذهول وحار في الجواب ، فانقطع عن الكلام ، والتفت سليل النبوة إلى من حضر من رؤساء الأديان فقال لهم : يا قوم ان كان فيكم أحد يخالف الاسلام ، وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم .. (1).
مناظرته مع الامام في طليعة هذا البحث : لقد أفحمت هذه المناظرات القوى المعادية للاسلام ، وأثبتت بوضوح مدى الطاقات الهائلة من العلوم التي منحها الله للامام ، والتي دللت على صحة ما تذهب إليه الشيعة من أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) قد منحهم الله ثروات علمية ، وانهم أعلم هذه الأمة لا في المجالات التشريعية ، وانما في جميع أنحاء العلوم. وقد عجت أندية خراسان بهذه المناظرات التي تغلب الامام فيها على من
1 ـ الاحتجاج 2 / 199 ـ 212 عيون أخبار الرضا 2 / 154 ـ 168.
(150)
ناظرهم ، وفي نفس الوقت الهبت مشاعر المأمون وعواطفه بالحقد والعداء للإمام ( عليه السلام ) ، فقد باء بالفشل لما كان يرومه من تعجيز الامام ليتخذ من ذلك وسيلة للتشهير به ، وعزله عن ولاية العهد ، وأخذ يسعى جاهدا للتخلص من الامام فرأى أن لا وسيلة له إلا باغتياله ، ودس السم إليه ، وسنوضح ذلك بمزيد من التفصيل في البحوث الآتية.
|