متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تقديم
الكتاب : حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

تقديم (1)


    هذه دراسة عن حياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) الامام الثامن من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهو قبس من نور الله تعالى ، ونفحة من رحماته.
    وكنز من كنوز حكمته ، وله ولآبائه قادة الفكر الاسلامي في مدح الله تعالى غنى عن مدح المادحين ووصف الواصفين ، فقد اذهب عنهم الرجس ، وطهرهم من الزيغ ، قال تعالى :
    ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، ويطهركم تطهيرا ) (1).
    كما فرض تعالى مودتهم على جميع أبناء الاسلام ، قال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (2).
    وقرنهم جدهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بمحكم التنزيل ، فقد قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .. (3).



1 ـ سورة الأحزاب / آية 22.
2 ـ سورة آل حم الشورى / آية 23.
3 ـ صحيح الترمذي 2 / 308 أسد الغابة 2 / 12.


(10)

    كما جعلهم ( صلى الله عليه وآله ) سفن نجاة هذه الأمة قال :
    إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وانما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له (1).
    ووجه المأمون سؤالا لعبد الله بن مطر ، وهو من اعلام الفكر والأدب في عمره فقال له : ما تقول في أهل البيت ؟. فأجابه عبد الله بهذه الكلمة المشرقة قائلا :
    ما قولي : في طينة عجنت بماء الرسالة ، وغرست بماء الوحي ، هل ينفح منها إلا مسك الهدى ، وعنبر التقى ...
    وملكت هذه الكلمة الذهبية قلب المأمون ، وكان الإمام الرضا ( عليه السلام ) حاضرا في المجلس ، فأمر المأمون أن يحشى فم عبد الله لؤلؤا (2).
    إن جميع القيم الرفيعة ، والمبادئ الأصيلة التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني الانسان كلها ماثلة في أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهي من عناصرهم ومن ذاتياتهم.
    (2) أما نزعات الإمام الرضا ( عليه السلام ) وعناصره النفسية فهي كنزعات آبائه الأئمة العظام تجردا عن الدنيا ، وزهدا في مباهجها ، واعراضا عن زينتها ، واقبالا على الله ، وانقطاعا إليه ، وتمسكا بطاعته ، وعلما بأحكام الدين ، وإحاطة شاملة بشريعة سيد المرسلين ، وعونا للضعفاء ، وغوثا للمحرومين ، وسعيا لقضاء حاجات المحتاجين ، إلى غير ذلك من الصفات الكريمة التي جعلتهم في قمة الشرف والمجد في دنيا العرب والاسلام. وملك الإمام الرضا ( عليه السلام ) هذه القيم الأصيلة بجميع صورها وألوانها ، فقد تجرد عن الدنيا تجردا كاملا ، وطلقها ثلاثا كما طلقها جده الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم يحفل بزينتها ومباهجها ، وقد تجلى ذلك ـ بوضوح – حينما



1 ـ مجمع الزوائد 9 / 68 : الحلية 4 / 306 تأريخ بغداد 2 / 19.
2 ـ البحار 12 / 71.


(11)

تقلد ولاية العهد التي هي أعظم مركز في الدولة الاسلامية ، فقد كان الشخصية ؟؟ الثانية بعد المأمون ، فقد رفض جميع مغريات الحكم والسلطان ، وكره كأشد ما تكون الكراهية ما يقيمه الناس لملوكهم وحكامهم من المهرجانات الشعبية ، وصنوف العظمة والتكريم ، وقد أعلن ذلك بقوله :
    إن مشي الرجال خلف الرجال فتنة للمتبوع ، ومذلة للتابع .. (1).
    وكان ـ فيما يقول الرواة ـ يدخل حمام السوق ، وصاحب الحمام لا يعرفه ، وقد اتفق أن جنديا كان في الحمام فطلب منه أن يقوم بتدليكه ، وتنظيفه فانبرى مجيبا لطلبه ، وحينما علم الجندي بذلك استولى عليه الفزع والرعب فهدأ الامام روعه ، وعرفه أنه قام بخدمة انسانية له.
    وكان من معالي أخلاقه أنه كان يأكل مع غلمانه ، وخدمه ، ويكره أن يتميز عليهم إلى غير ذلك من سمو أخلاقه التي ورثها من جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ).
    (3) ولأئمة أهل البيت ( عليه السلام ) سياستهم المشرقة ، ومنهجهم النير في عالم الحكم والسياسة ، فهم يرون أن الحكم يجب أن يكون وسيلة لإقامة العدل الخالص ، والحق المحض ، ونشر المحبة والألفة بين الناس ، ولا بد أن يكون أداة لانعاش الشعوب ، ورفاهيتها وأمنها ورخائها ، ولا قيمة للحكم عندهم إذا لم يحقق هذه الأهداف النبيلة التي تسعد بها الشعوب ، استمعوا إلى ما يقوله سيد العترة الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى وزيره ومستشاره عبد الله بن عباس ، وقد رفع إليه نعله التي كانت من ليف ، فقال له : يا بن عباس ما قيمة هذا النعل ؟ ...
    وسارع ابن عباس قائلا : لا قيمة له يا أمير المؤمنين ...
    فانبرى الامام قائلا : إنه خير من خلافتكم هذه إلا أن أقيم حقا ، وادفع باطلا ...



1 ـ تأريخ اليعقوبي.


(12)


ولم يحفل قاموس السياسة في تقييم الحكم بكلمة أجل ، ولا أسمى من هذه الكلمة التي أدلى بها عملاق الفكر الاسلامي الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلا قيمة للسلطة ما لم يقم في ظلها الحق والعدل ، ويقصي فيها الباطل والجور.
    إن هذا هو منهج الله تعالى الذي يريده لعباده لتستقيم حياتهم ، وينعمون في ظل حكم لا خداع فيه ، ولا تضليل ، ولا تلاعب بما تملكه الأمة من مقدرات.
    (4) وبرز الإمام الرضا ( عليه السلام ) على مسرح الحياة السياسية في الاسلام كألمع سياسي عرفه التاريخ الاسلامي ، فقد كان صلبا في مواقفه السياسية ، فلم تخدعه الأساليب البراقة ، ولا الأماني المزيفة التي قدمها له الملك العباسي المأمون من تنازله عن العرش ، وترشيحه له ، فلم يكن هذا العرض واقعيا ، ولا صادقا بحال من الأحوال ، وانما كان لأغراض سياسية لعل كان من أهمها القضاء على الثورات الملتهبة التي كادت أن تحرق الحكم العباسي ، وتلف لواءه ، والتي منها ثورة أبي السرايا.
    فقد كان قائدا عسكريا ملهما ، فهو كأبي مسلم الخرساني الذي أطاح بالحكم الأموي ، ومضافا لذلك جلب عواطف الإيرانيين وسائر القوى الموالية لأهل البيت ( عليهم السلام ) الذين جهدت الحكومات العباسية المتعاقبة على ظلمهم ، والتنكيل بهم ، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية.
    ولم تخف على الإمام الرضا ( عليه السلام ) دوافع المأمون السياسية بتنازله عن رئاسة الدولة ، وتقديمها بسخاء له ، فامتنع ( عليه السلام ) امتناعا شديدا من قبولها.
    ولما يئس منه عرض عليه ثانيا ولاية العهد فامتنع كذلك ، إلا أنه تهدده ، وتوعده بالقتل إن لم يستجب لذلك ، فاستجاب على كره ، وقد شرط عليه شروطا ألقت الأضواء على كراهيته وعدم رضاه ، وهي :
    أ ـ لا يأمر ، ولا ينهى.
    ب ـ لا يعزل أحدا عن منصبه.
    ج ـ لا ينصب أحدا في أي منصب من مناصب الدولة.
    ومعنى هذه الشروط أن يكون له مجرد الشكل الظاهري من أنه ولي عهد المأمون ، كما أن معناه ان حكومة المأمون ليست شرعية ، ولو كانت شرعية لما شرط عليه هذه الشروط.


(13)

    ولم تمض الأيام حتى استبان للجميع عمق ما ذهب إليه الامام ، وزيف ما عرضه المأمون على الامام ، وانه انما عمد لذلك للعبة سياسية فلما انتهت قام باغتيال الامام ، لأنه لا يمكنه عزله ، وسنوضح جميع هذه البحوث في غضون هذا الكتاب.
    (5) ومن بين بحوث هذا الكتاب التدليل على مدى الثروات العلمية الهائلة التي يملكها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد شملت جميع ألوان العلوم والمعارف من الفلسفة ، وعلم الكلام ، والطب ، والفقه ، وغيرها ، وقد دلت على ذلك بصورة موضوعية ، وواضحة ، مناظراته مع كبار الفلاسفة والعلماء الذين جلبهم المأمون من مختلف أقطار الدنيا وأمصارها إلى خراسان لامتحان الامام.
    وقد عقد مع كل وفد منهم اجتماعا خاصا وسريا ، ووعدهم بالثراء العريض إن أفحموا الامام ، وأعجزوه عن اجابتهم ليتخذ من ذلك وسيلة للطعن والتشهير بما تذهب إليه الشيعة من أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أعلم الأمة وان الله آتاهم من العلم والفضل كما آتي أنبياءهم ، وأوصياءهم.
    واستجاب العلماء لدعوة المأمون فسألوا الامام عن أعقد المسائل ، وأكثرها غموضا ويقول المؤرخون :
    انهم سألوه عن أكثر من عشرين الف مسألة في أبواب متفرقة فأجابهم عنها جواب العالم الخبير المتخصص ، فبهر العلماء من سعة علومه ، ودان الكثيرون منهم بإمامته ، مما اضطر المأمون إلى حجب الامام عن العلماء وغيرهم ، وفرض الرقابة الشديدة عليه لئلا يفتتن الناس به.
    ومن الجدير بالذكر ان تلك المناظرات قد دونها بعض تلامذة الإمام (ع) إلا انا لم نعثر عليها ، ولعلها من جملة المخطوطات التي خسرها العالم العربي والاسلامي.
    وعلى أي حال فقد نقل مؤرخو الشيعة طائفة يسيرة من تلك المناظرات وهي ذات أثر مهم للغاية ، فإنها علي قلتها تكشف عن مدى ثروات الامام العلمية ، وتدلل على أنه من عمالقة الفكر والعلم في دنيا الاسلام.
    (6) وأثرت عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كوكبة من الكتب نص عليها المعنيون بتدوين أسماء الكتب كابن النديم ، والطوسي وغيرهما ، كما نص عليها المترجمون للامام وهي :


(14)

    أ ـ طب الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
    وهي رسالة جليلة ، كتبها الامام للمأمون بطلب منه ، وسميت ب‍ ( الرسالة الذهبية ) لنفاستها ، وقد عرضت بصورة موضوعية وشاملة إلى برامج الأغذية الصحية التي تعتبر الأساس للصحة العامة ، كما عرضت إلى ما يصلح بدن الانسان ، ويقيه من الإصابة بكثير من الأمراض.
    وكان من جملة تلك الوصفات عدم الاسراف في تناول الطعام ، فان الاسراف فيه يعرض الانسان للإصابة بارتفاع الضغط الدموي ، والإصابة بداء السكر ، وتصلب شرايين القلب ، وغير ذلك من الأمراض الخطرة ، ومن المؤكد ان وصايا الامام الصحية لو طبقت على مسرح الحياة لجعلت الطب وقائيا.
    ونظرا لأهمية هذه الرسالة فقد انبرى جمع من الفضلاء إلى شرحها فكان منهم الدكتور السيد صاحب زيني ، فقد شرحها بما يتفق والطب الحديث.
    ب ـ مسند الإمام الرضا :
    أو صحيفة الإمام الرضا ، وقد احتوت على طائفة من الاخبار يروي الإمام ( عليه السلام ) بعضها بسنده عن جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد طبعت في القاهرة ، طبعها ، وعلق عليها العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسمي.
    ج ـ جوامع الشريعة :
    وقد جمعت غرر الأحكام الشرعية ، وأمهات المسائل الفقهية ، وقد أملاها الإمام ( عليه السلام ) على الفضل بن سهل رئيس وزراء المأمون ، وذلك بطلب منه ، وذكرت هذه الرسالة في تحف العقول وغيره من مؤلفات الشيعة ، وقد نقلناها عنهم ، وأثبتناها في غضون هذا الكتاب ، وهذه الكتب انما هي من بعض ثروات الامام العلمية.
    أما فقه الإمام الرضا ، فقد دللنا على أنه ليس من مؤلفاته ، وانما هو لغيره ومنسوب إليه. وعلى أي حال ، فقد ذكر الرواة للامام طائفة كبيرة من غرر الحكم والآداب هي برنامج للحياة المتطورة التي يريدها الاسلام لأبنائه.
    (7) وحفل هذا الكتاب بترجمة طائفة من كبار العلماء والرواة ممن تتلمذ وأشرف على


(15)

يد الإمام ( عليه السلام ) ، ورووا حديثه ، وقد الف بعضهم نسخا من أحاديثه وحكمه .. ومن المؤكد أن عرض ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بالبحث عن حياته فإنه يكشف عن مدى اهتمام الأوساط العلمية في ذلك العصر بتلقي العلوم والمعارف عنه ، فقد كان باجماع الرواة والمؤرخين عملاق الفكر الاسلامي وكانت علومه امتدادا ذاتيا لعلوم آبائه الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) الذين هم خزنة علوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وورثة حكمته.
    (8) وتناول هذا الكتاب دراسة عصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وعرض ما فيه من الاحداث السياسية ، والاجتماعية والعلمية ، والاقتصادية ، وغير ذلك مما يمس حياة الناس في ذلك العصر.
    ان دراسة مثل هذه الأمور أصبحت من البحوث النهضية التي لا غنى للباحث عنها ، لان مجريات الاحداث في كل عصر لها الدخل المباشر في التأثير على حياة الانسان ، وعلى مكوناته الفكرية ، كما أكدت ذلك بحوث علم النفس ، وعلم الاجتماع.
    وقد حفل عصر الإمام ( عليه السلام ) بكثير من الاحداث الجسام كان من بينها الصراع المسلح بين الأمين والمأمون ، والذي كان سببه الرشيد ، وهو المسؤول عنه ، وقد أدى ذلك الصراع إلى خراب بغداد التي كانت زينة الشرق ، والى قتل طائفة كبيرة من الناس ومن بين تلك الاحداث ثورة القائد الملهم أبي السرايا.
    وغيرها من الثورات الكبرى التي كادت تقضي على الدولة العباسية ، وتلف لواءها إلا أن المأمون قد استطاع بدهائه ، وحنكته السياسية أن يتغلب على جميع الاحداث التي المت به ، فأجبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) الذي هو أمل الأمة الاسلامية على قبول ولاية العهد الامر الذي أدى إلى فشل تلك الثورات ، واخماد نارها ، بالإضافة إلى انشغال الرأي العام بهذا الحادث الخطير.
    ومن بين الاحداث المهمة في ذلك العصر فتنة خلق القرآن وهي مسألة كلامية كانت خفية أو مهملة فأثارها المأمون وقد أدت إلى سفك الدماء بغير حق ، وشيوع الاضطراب والفتنة بين المسلمين.


(16)

    (9) ودرسنا بعمق وشمول سيرة ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد كانت سيرتهم شبيهة إلى حد بعيد بسيرة ملوك الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، وليس في سيرتهم بعد الدراسة الجادة أي جد أو نشاط للعمل الصالح ، وما ينفع المسلمين ، وانما كانت سيرهم غنية بالملذات ، وثرية بالشهوات ، فقد انفقوا علي لياليهم الحمراء ، في بغداد ، الملايين من أموال المسلمين ، وقد حظي بالثراء من قبلهم المغنون والعابثون والماجنون ، في حين أن الفقر والبؤس قد اخذا بخناق الناس.
    وكان من مظاهر حكمهم أن شرعت سياطهم ، وشهرت سيوفهم ، وفتحت أبواب سجونهم للأحرار ، وفي طليعتهم السادة العلويون الذين كانوا يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وقد لاقى الزراع ، وذوو الحرف ، وأرباب الصناعات ضروبا قاسية ومرهقة من المحن والخطوب من الجباة الذين كانوا يجلبون الخراج وسائر الضرائب ، فكانوا يأخذونها بمنتهى الشدة ، والقسوة ، إذ قد الهبت سياطهم أبدان الناس ، وامعنوا في ظلمهم إلى حد بعيد.
    (10) أما دراسة التأريخ الاسلامي فيجب أن تكون موضوعية ونزيهة وبعيدة عن التيارات المذهبية ، والعواطف التقليدية ، فقد خلط التأريخ بكثير من الموضوعات أوجبت خفاء الحق ، وستر الحقائق ، فمن الواجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم ، والحق من الباطل.
    وكان من بين ما مني به التأريخ من الخلط والخبط اضفاء النعوت الكريمة ، والألقاب العظيمة على الكثيرين من ملوك بني أمية وبني العباس ، فقد لقبوا بخلفاء الله في الأرض ، وهذا اللقب الكريم يمثل الحق ، والعدل ، والقانون ، وأعوذ بالله أن يتصف به أمثال يزيد ومروان والوليد ، وأمثالهم من ملوك بني العباس الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.
    إن بعض المؤرخين والكتاب يرون أن المقياس في سمو الشخص وعظيم مكانته استيلاؤه على كرسي الحكم ، وتسلمه لزمام السلطة العامة في البلاد ، وهذا ليس بصحيح اطلاقا ، فان المقياس في الفكر الاسلامي هو ما يسديه الحاكم من


(17)

الخدمات للأمة في عالم الاقتصاد ، والثقافة ، والامن والرخاء ...
    ولو جرد المؤرخون ، والكتاب لقب الخليفة ، وغيره من الألقاب العظيمة ، من هؤلاء الملوك ، وأضفوها على الذين خدموا القضايا العظيمة للأمة ، لأدوا بذلك خدمة كبرى إلى التأريخ الاسلامي.
    فقد تعرض الاسلام لكثير من النقود من المستشرقين وغيرهم من الحاقدين على الاسلام بسبب ما صدر عن بعض هؤلاء الملوك من الأعمال المجافية لروح العدالة والقانون معتقدين بأنهم يمثلون الاسلام في تصرفاتهم واعمالهم ، ولو أن الناقدين راجعوا احكام الاسلام لوجدوها ندية خلاقة تساير العدل ، وتواكب الفطرة ، وليس فيها ـ والحمد لله ـ ما يساير الظلم بل فيها ما يناهضه ويناجزه ، فالتصرفات الشاذة من بعض ملوك المسلمين لا تمت إلى الاسلام بصلة ، ولا يؤاخذ بشئ منها.
    (11) وليس هذا أول كتاب صدر عن حياة الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، فقد صدرت عن حياته عدة دراسات باللغة العربية وغيرها ، ومن أهمها ـ فيما أحسب ـ حياة الإمام الرضا (ع) للسيد جعفر مرتضى ، فقد كان ثريا مع تحقيقاته وبحوثه.
    ولا يحكي ما الف عن هذا الامام العظيم واقع شخصيته ، فذاك أمر بعيد المنال ، فقد كان ( عليه السلام ) يحمل ثراء فكريا لا حدود له ، فهو من أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ، سدنة الاصلاح الاجتماعي ، وورثة علوم النبي ( صلى الله عليه وآله ).
    (12) وقبل أن أفعل هذا التقديم ، وأنهي هذا العرض الموجز لما في هذا الكتاب من بحوث أرى من الحق علي أن ارفع آيات الشكر والامتنان إلى سماحة استاذنا المعظم حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حسين الخليفة على ما أولاني من الرعاية واللطف والمساعدات في طبع بعض كتبي ...
    كما أن من الحق والوفاء أن أشيد بالجهد الخلاق الذي أسداه إلي سماحة الحجة العلامة الكبير أخي الشيخ هادي شريف القرشي من ملاحظاته القيمة على هذا الكتاب ، ومراجعاته لبعض الموسوعات التي استفدت منها



(18)

بالإضافة إلى تشجيعه لي في خدمة أهل البيت ( عليهم السلام ) آملا من الله تعالى ان يجازيه على ذلك كما يجازي الصالحين من عباده ، انه تعالى ولي القصد والتوفيق.


النجف الأشرف
باقر شريف القرشي
سنة 1411 ه‍ 14 شوال


(19)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net