الشهيد نزيه ناجي علي الحِجّاج
«مهد الطفولة»
ولد الشهيد أبو محمد القمي عام 1384 هجرية في مدينة القطيف بجزيرة تاروت في قرية الربيعية، وبها نشأ الشهيد نشأته الطيّبة وتربّى في حجر والديه تربية صالحة،فقد عنيا به عناية تامة مما جعل منه شاباً ذكياً وشخصية مهذّبة، فاشبعاه الحبّ والحنان كما يكون طيب النفس رحب الصدر وغذّياه بالصراحة فأصبح صادقاً، مجداً صابراً في الشدائد والصعاب0
نشأ الشهيد في أوساط مجتمع إسلامي شيعي كلّه ولاء لأهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين) وسيرة جدّهم المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا كان له الأثر الأكبر على تربية شهيدنا و سلوكه الحسن0
التحق الشهيد وبعد إكماله السادسة من عمره بالمدارس الحكومية، فكان مثال الطالب المجد والتلميذ المهذّب مع مدرّسيه وزملاءه0
كان شهيدنا (رحمه الله) ومن اول دراسته وحتى آخر ما وصل اليه الأول في كل صف وعندما تخرّج من الثانوية تخرّج وهو يحمل تقديراً ممتازاً
وقد نال المركز الاول بين أقرانه، بل هذا ديدنه في كل سنة وذلك لما كان يتحلّي به من عقل كبير ومثابرة وجد بل وفطنة وبعد نظر وذوق سليم0
«البيت الطيب»
ترّبى الشهيد في اسرة طيبة تعيش التفاهم والاخاء والمحبة والصفاء فيما بينها، فكان والده ولا زال من الآباء الذين يولون اهتماماً كبيراً بتربية أبناءهم من الناحية الدراسية، فتراه يهيئ لهم الأجواء العلمية للدراسة والمطالعة0
والشهيد نزيه (رحمه الله) كان يحظى كسائر اخوانه بحظ وافر من العناية والتربية كما ان حسن معيشة والدهم المالية ساعدت الشهيد واخوانه على ان يصلوا الى مراتب جيدة من الدراسة0
أما والدته: فهي الاخرى التي قامت بتأدية الدور الأكبر في تربية أبناءها وإعدادهم رجالاً للمستقبل بل كانت هي ربّة البيت الوفية والمربّية الصادقة، ولعل دورها في تربية أبناءها كان أكبر بكثير من والدهم الذي كان يقضي نهاره كلّه في العمل خارج المنزل فكانت لأبناءها مثال الامّ الطيبة والوالدة الحنونة0
أما إخوان الشهيد (رحمه الله) والحمد لله فانّهم من خيرة الشباب الملتزمين والمؤمنين الواعين0
«انتصار العقيدة»
لقد كان الشهيد نزيه قوي الارادة صلب الايمان ثابت القدم كبير النفس، وهو بهذا المعنى فهم البطولة والشجاعة، فلم تكن الشجاعة عند شهيدنا(رحمه الله) قوة العضلات ولا فتل السواعد حتى ينهزم امام العواصف، بل كان كالجبل الراسخ لا تهزّه العواصف0
ولذا نراه يسطّر لنا على صفحة التاريخ موقفاً إيمانياً خالداً، فبعد ان أنهى الشهيد دراسته الثانوية التحق بشركة (أرامكو) وواصل دراسته فيها، وبعد مرور ستة شهور من التحاقه قررت الشركة ارساله الى (امريكا) من أجل مواصلة الدراسة هناك لما رأوا فيه من الفطنة والنبوغ، فأرادوا أن يجعلوا منه آلة لخدمة مصالحهم0
ولكن شهيدنا الغالي وبعد ستة أيام من صدور القرار خرج من الحجاز ليلتحق بركب المجاهدين الأبرار تاركاً الدنيا وما فيها تاركاً (أرامكو وأمريكا) معاً، هكذا البطولة وجهاد النفس، وهذا هو الصمود، وهذه هي العقيدة الراسخة الثابتة تاركاً كل زبارج الدنيا وما فيها، وهذه هي النفوس الكبير حقاً0
واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
«عمر الورود»
اياماً وليالي توّجها الشهيد ابو محمد رحمه الله بالصدق والوفاء، بالجد والعمل، بالصراحة والاخلاص، بالسعي والنشاط، بالايمان والمحبة في خدمة المؤمنين والعقيدة هذه هي ايّامه التي عاشها في البلاد قبل ان يلتحق بركب المقاتلين الأخيار.
فحياته في البلاد كلّها نور على نور، لقد كان رحمه الله هو رجل المسجد وهو في الندوة، وكذلك في المدرسة كان مثال الطالب المجد المثابر .
لقد بذل شهيدنا كل وجوده من أجل الدعوة الى خط الامام الخميني (سلام الله عليه) وولاية الفقيه وولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين)، فقد كان في المدرسة وفي العمل كما هو في المسجد حتى في الملعب يُفَهّم هذا ويوضح لذاك ويناقش آخر عن خط ولاية الفقيه طارحاً الفهم الرسالي الصحيح للإسلام والقيادة الإسلامية بروحية بطولية فذّة قل نظيرها، وقبل اتمامه للمرحلة الثانوية سافر للجمهورية الإسلامية في ايران وبقي فيها قرابة اربعة اشهر مردّداً بين الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة وبين معسكر التدريب مما ساعد في ازدياد معارفه وقوة حجّته وشمولية فهمه لقضايا الساعة ومستجداتها وخصوصاً ما استجد في الساحة عن الاحزاب والمنظّمات الإسلامية وغيرها.
وبعدها كرّ راجعاً للبلاد فبقي في اوساط الشباب ينقل لهم مشاهداته التي تفاعل معها وأنفعل بها في جمهورية ايران الإسلام ملبّياً دعوة الامام القائد في ضرورة تصدير الثورة الإسلامية المجيدة، كما انه اخذ يوضّح لهم ما يلتبس على اذهانهم من قضايا وأفكار جديدة.
ولقد كان (رحمه الله) سريع البديهة قوي الحجّة طلق اللسان لا تأخذه في الله لومة لائم، يعمل على بصيرة من أمره وهدى في دينه.
كما انه عُرِف ومن صغر سنه بين الشباب من اخوانه وأبناء بلده بكبر عقله، فراحوا يعاملونه معاملة الرجل الكبير الواعي لما رأوا فيه من الفكر المتوقّد والرأي الحصيف.
وكان أول ما سعى اليه بعد رجوعه من ايران الإسلام اصلاح بيته وقرابته ومن جهوده المباركة تأثيره على الشهيد السعيد ابي مصطفى (رحمه الله) وهو ابن عمه وابن خالته، وقد كان لشهيدنا الغالي نشاط جيّد في تنظيم رحلات إسلامية يقوم بها الشباب المؤمنون الى البساتين والشواطئ من أجل توطيد روابط الاخوة والمحبّة والتفاهم الايماني الهادف وطرح الفكر الاصيل وجذب عدد آخر من الشباب الى ركب المؤمنين، فكان للشهيد (رحمه الله) دور مميز في تلك الرحلات الايمانية.
وممّا تميّز به الشهيد (رحمه الله) ومن أيام بلوغه الاولى الجرأة في طرح أفكاره بعيداً عن ألوان المصانعة والمجاملة صادعاً بكلمة الحق العليا. فكانت له مناقشات مع أولئك الذين رضوا بالحياة الدنيا وعملوا من الإسلام بما لا يتعارض مع صلاح حياتهم الدنيئة ونفوسهم المساومة، فليست الصلاة عندهم الاّ كتحية الجندي التي تعوّد ان يؤدّيها كل ّيوم لضابطه خالية من كل معنى اولئك الذين يطلبون لانفسهم الرخص والمعاذير كما قال الامام الباقر (عليه الصلاة والسلام): «ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها» ويعني(عليه الصلاة والسلام) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن فامّا الزبد فيذهب جفاءاً وامّا ما ينفع الناس فيمكث في الارض، فيخلد ابو محمد شهيداً الى نعيم الجنان مخدوماً بالحور والولدان ولا زال بعضهم في ضلالهم كالانعام .
كان (رحمه الله) كثيراً ما يردد كلمة سيد الاوصياء أمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام): «ولا تستوحشوا من طريق الحق لقلّة سالكيه» شديداً في الله حتى ان الشباب كانوا يرون فيه جرأة هشام بن الحكم صاحب الامام الصادق (رحمه الله).
كان اذا رأى الامريكان المستعمرين داخل البلاد يسخر منهم ويسفه احلامهم ويتهدّدهم بكل شجاعة واقدام.
عاش (رحمه الله) في مجتمع اقبلت عليه الدنيا بكل زينتها، ولم يكن شهيدنا بمعزل عن ذلك وما كان فقيراً بل هو كذلك ممن فتحت لهم الدنيا بابها على مصراعيه فلم يكترث ولم يعبأ بما فيها، بل راح يسخر بكل مظاهر التجمّل واشكال الموضات التافهة والأزياء المائعة، بل لم يسجّل في برنامجه ما كان يحلم به الكثيرون من البيت الجميل والسيارة الأنيقة والأزياء الفاخرة والمأكولات المنوّعة، همّه ان يحقق من نفسه وشباب مجتمعه شخصية الشاب المسلم البطل والرجل الحرّ الشجاع الذي لا يجعل من نفسه هدفاً لزخارف الدنيا وتوافهها الزائلة، فهو ليس من أولئك الذين تفصّل لهم السوق الاوروبية والشوارع الامريكية ويلبسون.
كيف وأبو محمد اذا جالسته رأيت فيه بطلاً إسلامياً يحمل نفساً كبيرة وطموحات إسلامية صادقة، تراه وكأنه يريد ان يحرّر الانسان كل الانسان من المستعمرين وجور الظالمين.
هذه نبذة قصيرة عن تلك الأيام البيضاء التي قضاها أبو محمد بين أهله وإخوانه، بين اصدقاءه في بلاده التي مرّت وكأنها حلم عابر ولكنها خالدة بخلوده وحاضرة بشهود روحه الزكية، فلا تُنسى وأنّى لي ولمن عاش مع شهيدنا الغالي ان ينسى تلك الشخصية الفذّة وذلك الملاك الذي وهبته السماء جمال الروح وهل الجمال إلاّ جمالها؟
كيف انساه بل وكأنّي أراه وأنا معه في البيت وفي الحسينية وفي المسجد وفي البستان نمشي بين جداوله، وفي السيارة وهو يحدثني واحدثه ينظر لي وأنظر اليه، فمتى اللقاء يا ابا محمد فقد طال الفراق .
«الفكر السليم»
الحديث عن ثقافة وفكر الشهيد ابي محمد (رحمه الله) هو في الواقع حديث عن تلك النفس الطيّبة التي ذابت في الإسلام وجسّدت تعاليمه الخالدة وانصهرت في احكامه وتنوّرت بنور وحيه المقدس، فزكت وطابت وطهرت بتلك الأخلاق العظيمة والسنن المحمدية والتربية العلوية.
فالحديث عن فكر شهيدنا الغالي حديث عن فهمه الصحيح لما يعنيه المسلم السائر على خط آل محمد وعلى خط الشهادة الدامي، فلقد كان(رحمه الله) واسع الافق كثير الاطلاع على سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار(صلوات الله عليهم اجمعين) فاذا ما تحدّثت معه تراه كأنه حافظاً وعن ظهر قلب لسيرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وحياة اصحابه وأهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين).
كما كان (رحمه الله) على معرفة جيّدة بتاريخ الدول والثورات ورجالها ورجال العلم والادب عبر التاريخ وبالأخص التاريخ الإسلامي أيام الدولتين الاموية والعباسية وما بعدها، هذا علاوة على ما كان عليه من حسن القراءة للقرآن الكريم من آياته وتفسيرها ومعاني كلماتها وكذلك بالنسبة لأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وبالأخص نهج البلاغة وخطبة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، فقد كان مولعاً بهما حفظاً وقراءةً واستشهاداً في طيّات حديثه، كما كانت له (رحمه الله) كذلك يد طولى في العلوم الحديثة وبالأخص التي درسها كالرياضيات والفيزياء والأحياء وغيرها، كما كان جيّد التحدّث باللغة الانجليزية.
حتى انه عندما كان يتلقّى دورة في المتفجرات، اعجب به الاستاذ وبزميله الشهيد ابي مصطفى وقرّر بعد الانتهاء من الدورة ان يأخذهما معه الى المختبر لإجراء التجارب والمعادلات هناك عارضاً عليهما البقاء وترك الجبهة الاّ انهما رفضا رفضاً باتاً وحبّذا البقاء في الجبهة وبين المجاهدين.
نقل لي احد اصدقائه الذين حضروا معه الدورات الثقافية في المعسكر انه كان كثير المناقشة للمدرّسين في المسائل العلمية والعقائدية وغيرها ممّا جعلهم يحبّونه كثيراً، كما كان (رحمه الله) كثير الولع بكتب الشهيد مطهري والشهيد الصدر و الشهيد دستغيب (رضوان الله عليهم اجمعين) وكتاب الآداب المعنوية للصلاة للامام القائد + وغيرها من الكتب الاخلاقية والعقائدية، الى جانب هذا كان كثير السؤال محبّاً لمجالسة العلماء، فاذا ما عاد من الجبهة الى مدينة قم المقدسة ـ حيث كانت قم مكان استراحته أيام الاجازة ـ يضع في برنامجه زيارة العلماء حتى انه ليودّ ان يقضي ايامه في مجالسة العلماء الكرام هو والشهيد أبو مصطفى .
أما بالنسبة لثقافته الفقهية فحدّث ولا حرج، ولذا كان (رحمه الله) مشتهراً بين أصدقائه وأصحابه بحفظ تحرير الوسيلة في الفقه للامام القائد(رضوان الله عليه) وفي الواقع ما تحرير الوسيلة بالنسبة له الاّ وكأنها مكتوبة على شاشة أمام عينيه حتى لا تكاد تسأله مسألة وفي أي باب من أبواب الفقه الاّ وجوابها حاضر لديه، ولقد ذهبت في إحدى المرّات الى أحد المحافل التأبينية على أرواح الشهداء، فقام أحد السادة العلماء وهو ممن يدرّسون الرسائل والمكاسب في الحوزة متحدّثاً عن المجاهدين وما شاهده منهم، فذكر الشهيدين (أبا محمد وأبا مصطفى) وقال :لقد حفظت كثيراً من المسائل الفقهية منهما وبالأخص مسائل الخمس ثم اثنى عليهما ثناءاً كبيراً من ناحية إيمانهما واطّلاعهما الفقهي، وكان هذا بعد مرور ستة أشهر من شهادتهما (رحمهما الله تعالى).
ولا بد لنا من الإشارة الى فكره العملي وتصوّره للواقع المعاصر اليوم، فقد كان (رحمه الله) مؤمناً كل الايمان بضرورة الانقياد لولاية الفقيه لانها الاطروحة الإسلامية الحقّة مجسداً كل أوامره ونواهيه بعيداً عن كل الرغبات النفسية والأهواء الشخصيّة فلا يقدم رأيه على رأي الإمام ولا يضع له منهجاً مخالفاً لنهج الإمام، حتى إنّي سمعته يقول: (ليس بقائي في الجبهة الاّ تأدية للواجب الشرعي وتلبية لنداء إمام الجبهة، ولو أمرني في الذهاب الى أي جهة اخرى لامتثلت، وليس طاعتي له الاّ طاعة لله الذي أمرني بطاعته والقبول بقيادته عن رضى، والالتفاف تحت رايته فأنا معه، حربه حربي وسلمه سلمي) كما كان (رحمه الله) على بصيرة من أمره ويقين من نهجه وخطّه، وكان كثيراً ما يردد كلمة عمار بن ياسر (رضي الله عنه): «والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعيفات هجر لعلمنا انا على الحق وأنهم على الباطل» وهكذا دائماً رجال الله الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.
«في ميادين السابقين»
الحديث عن عبادة الشهيد أبي محمد (رحمه الله) حديث انسان ألبسه الله خلع الهداية والصلاح وشملته يد الرحمة بحسن التوفيق فأصبح من السالكين الى الله سبحانه والساعين الى جنانه فورد حياضه المترعة ودخل أبوابه المفتّحة فسرح في ميادين السابقين فأصبحت كل أوقاته بذكر الله معمورة لاسيما اذا وقف بين يدي الله مصلياً والصلاة معراج المؤمن .
فالذي لاحظته في الشهيد (رحمه الله) اذا قام يصلي وهو في العشرين من عمره تراه كأنه شيخ قد أنهكته العبادة بوقار وطمأنينة وسكينة وخشوع وإخلاص وتأني ومحبة وشوق الى الله سبحانه.
حريصاً على أوقات الصلاة وحضور الجمعة والجماعات وكما رأيته(رحمه الله) عندما يجلس لصلاة الصبح ويصلي يبقى مشتغلاً بالدعاء والذكر حتى طلوع الشمس وكان مواظباً على زيارة سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين(عليه الصلاة والسلام) كل يوم ثم يشرع في قراءة ما تيسر من كتاب الله العزيز كما كان (رحمه الله) في أكثر إجازاته وقبل أن يأتي الى قم يذهب الى مدينة مشهد لزيارة الإمام الثامن أبي الحسن علي بن موسى الرضا(عليه الصلاة والسلام) وكان كثير السماع للأدعية وعزاء الإمام الحسين(عليه الصلاة والسلام) وفي كل يوم كان يسمع عزاء الامام الحسين(عليه الصلاة والسلام) ويبكي وذلك من شدة ولاءه وتعلّقه بأئمة الهدى (صلوات الله عليهم اجمعين).
وحري بنا أن نشير هنا الى ان الشهيد (رحمه الله) كان له دفتر خمس وعمره آنذاك ستة عشرة سنة وكان يحاسب نفسه على رأس كل سنة حساباً دقيقاً ويخرج خمس ما فضل عن العام الماضي إن كان، هذا علاوة على ان كل ما كان يملكه (رحمه الله) قبل إنهاء دراسته الثانوية هو من الامور التي لا يجب فيها الخمس.
أما ورعه فقد كان (رحمه الله) ممن روّضوا أنفسهم على طاعة الله سبحانه وتعالى ومحب ته فصقل نفسه وحاسبها قبل أن تُحاسب فعادت تلك النفس المطمئنة الراضية بما قسم الله والمرضية في درجات الكاملين فلا تكاد تراه يخطئ بل كان إذا ما جلس مع إخوانه يتورع عن المبالغة في الكلام وعن الكلام الذي لا فائدة فيه، شديد الحذر من سماع الغيبة، يحدثنا أحد أصدقاءه في الجبهة يقول: اذا جلسنا نحن ودار الحديث بنا عن الحركات والشخصيات الإسلامية وهو معنا نراه سرعان ما يترك الجلسة ويخرج من الخندق لئلا يقع في سماع الغيبة أو الكلام الذي لا فائدة فيه، بل كان يتورع حتى من سماع بعض القصائد الحسينية التي فيها لحن وترجيع، وهذا ما شاهدته منه شخصياً، وقد كنّا معاً في بيت أحد الإخوان فوضعوا في المسجل شريطاً لعزاء حسيني وكان في صوته لحن وترجيع فرفض سماعه.
أما زهده (رحمه الله) فحدّث ولا حرج، فقد كان لا يعبأ بزخارف الدنيا وما فيها، فملبسه ملبساً عادياً ومأكله كذلك لم يفكر يوماً قط فيما كان يفكر فيه شباب عصره من البيت والسيارة والمظاهر التافهة والموضات الغربية والشرقية بل كان كل هدفه ان يجعل من نفسه شخصية إسلامية كما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد فهم الشهيد (رحمه الله) كلمة سيد البلغاء والموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه الصلاة والسلام): «ليس الزهد أن لا تملك شيئاً انما الزهد أن لا يملكك شيء» وهو خير دليل على هذا وقد ذهبت معه في إحدى المرات الى بيت أحد المؤمنين وكان بيته كبيراً وجميلاً وكمالياً فقال (رحمه الله) :لماذا كل هذا ثم رجع وقال: فلربما صاحب هذا البيت هو من خيرة الزاهدين في الدنيا وما فيها.
فهنيئاً لك يا أبا محمد تلك النفس المطمئنة القانعة التي جاهدتها فعادت تحت أوامر عقلك السليم.
«باب الجنة»
(إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أولياه) كثيراً ما كان شهيدنا (رحمه الله) وقبل التحاقه بجبهات النور الرباني يرددها وهو يعيش تلك الطموحات التي تحملها نفسه الكبيرة إذ كان كل همه أن يجعل من نفسه شخصية إسلامية تعيش تعاليم الرسالة وتحقق اهدافها جاعلاً من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار اسوة حسنة له فكان (رحمه الله) معجباً أيما إعجاب باولئك الافذاذ أمثال حجر بن عدي ومالك الأشتر وعمار بن ياسر والمرقال ومصعب وزيد بن علي بن الحسين (صلوات الله عليهم اجمعين) وغيرهم من الشخصيات الرائدة وذوي النفوس العملاقة عبر التاريخ فكان يربّي نفسه ثقافياً ورياضياً وعسكرياً ليعود شخصية إسلامية معدة لتحمل الصعاب.
فلقد كان (رحمه الله) لا يعرف للخوف من سوى الله معنى قط وقد لاحظت هذه الخصلة فيه خلال حياتي معه في البلاد وفي ايران الإسلام بل كان يبعث في نفوس الشباب روح الشجاعة والإقدام وحب الشهادة والتضحية والفداء غير مكترث بارهاب النظام الفاشي وفرعونيته الطاغوتية تاركاً وراءه الدنيا وما فيها مع ان الدنيا فتحت للشهيد الباب على مصراعيه وهو في عمر الورود.
أما جهاده في الجبهة فذاك حديث المجاهدين واغنية الأبطال وانشودة كل حر كريم.
ثلاث سنوات تقريباً قضاها الشهيد (رحمه الله) في الجبهة في مياه الاهوار شارك خلالها في عمليات عاشوراء الرابعة وعمليات القدس الرابعة، وأخيراً في جبال كردستان بروحية عملاقة وشجاعة باسلة وإيمان راسخ والتزام فريد وتواضع قلَّ نظيره ومعاملة مع إخوانه كما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
ثلاث سنوات سجلتها له ملائكة الرحمة بأقلام النور على صفائح الرضوان لتزف مع روحه الطاهرة تيجاناً وأكاليلاً مهدية اليه كواعب الجنان وولدان الفردوس.
فهنيئاً لروحك الطاهرة يا أبا محمد وهي ترفرف بيضاء شفافة وسط جنائن الجنة وأشجارها الدانية القطوف.
أجل لقد قضى الشهيد نزيه الحجاج (رحمه الله) ثلاث سنوات مع الصالحين الأبرار في جبهات الحق ضرب فيها المثل الأعلى للمقاتل الرسالي والبطل الحر، ولقد التقيت بكثير من المجاهدين الذين معه في الجبهة فما رأيتهم إلاّ وكلّهم يحملون الثناء الجميل للشهيد أبي محمد وهم يقولون: ان فقده خسارة جسيمة.
وفي الحقيقة ما حياته في الجبهة إلاّ كربوة ورود لا تدري أي وردة تقطف منها.
كان (رحمه الله) شديد الالتزام بأوامر المسؤولين وقوانين الجبهة العسكرية وغيرها حتى انه وفي احدى المرات درّبوهم تدريبات خاصة، فسألته عن تلك التدريبات فرفض ان يحدّثني عنها، وقال: لقد قالوا لنا لا تخبروا أحداً بنوع التدريب أبداً، وكان لا يتردد في واجب قط، بل كان يعمل أصعب الواجبات ويقول: أنا لها ولا يتأخر في إجازته قط بل يذهب قبل تمامها، بل بلغ الأمر به أنه لم يخبرني وأنا أقرب الناس اليه عن مسؤوليته في الجبهة، وما عرفت انه مسؤول استعلامات الفوج الاّ بعد شهادته، كما انه أسر قاتل قائد جيش علي بن ابي طالب(عليه الصلاة والسلام) ولم يخبرني بذلك، بل قال لي ان قاتل قائد جيش علي بن ابي طالب وقع في الأسر عند جماعتنا واكتفى، وكان كثيراً ما يستشيره قائد الفوج في كثير من الامور العسكرية حتى انه قبل القيام بالهجوم الذي استشهد فيه وهو كربلاء الثانية كان جالساً مع قائد اللواء وقائد الفوج يخطّطون للعمليات، وكان قائد اللواء يسمع قوله وهو يتحدث ويدلي بآراءه، وقد اخذت لهم صورة بالفيديو وهم في جلستهم هذه.
والى هنا انهي حديثي عن حياته في الجبهة لاني لم أصل الى ما وصل اليه فلم أكن معه في الجبهة ولكن أسأل الله ان يحشرني معه تحت راية ابي عبدالله الحسين(عليه الصلاة والسلام) سيد الشهداء وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
«قافلة كربلاء»
إيه يا نزيه أجل يا أبا محمد يا نوراً تلألأ في افق الايمان فأشرقت أشعته شموعاً تضئ لنا طريق الحق الى الله.. يا من لبس أبراد الفضيلة فعاد داعية بغير لسانه وخلقاً عالياً يتحل ى به المتحاب ُون في الله وفي روح الله وصرخة في وجه الشيطان الأكبر محطّمة خيله ورجاله وساحقة كلّ فلوله.. ويا صمصامة الحق الضاربة في سبيل الله قوى الظلم وأصنام الشرك الصليبي الحاقد، ان دمك الطاهر الذي روّى شجرة الإسلام الطيبة في عمليات كربلاء الثانية وعلى مرتفعات حاج عمران في كردستان العراق لا زال يا نور عيني وحبيب فؤادي غضّاً طرياً يشحد الهمم ويبعث فينا روح الشجاعة والإقدام ويخيف عتاة الكفر .
ان دمك الطاهر يا أبا محمد يهيب بأبطال العقيدة ان يواصلوا المسيرة على خط قائدها المفدى الخميني العظيم.
أجل يا أبا محمد وأخيراً سقطت شهيداً وفي مرتفعات حاج عمران في عمليات كربلاء الثانية التي جدّدت لنا كربلاء ثانية، وفي آخر شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وستة هجرية (1406) سقط مخضباً بدم العقيدة الذي تاجرت به مع الله فرضيت بثمنه فعدت الى ربك راضياً مرضياً وسقطت في حجور الحور العين ودخلت في عباد الله فدخلت جنته التي أعدها لعباده الصالحين مطمئنّاً بما حباك الله به من نعيم قربه وسرور لقاءه.
لقد اصيب شهيدنا الغالي برصاصتين إحداهما في صدره والاخرى في حلقه وقال(خذوا سلاحي واذهبوا قاتلوا ودعوني)، وبعد ان توقف الهجوم قال (لهم خذوني للمستشفى فانني لم اقدم للإسلام شيئاً)، فنقل الى المستشفى وهناك عرجت روحه الطاهرة الى لقاء ربها بعد وصوله المستشفى بساعات ومن ثم نقل الى طهران وشيع في ركب الشهادة مع إخوانه الأبرار ثم نقل جثمانه الى مدينة قم المقدسة وتم تشييعه كذلك مع صحبه الذين استشهدوا معه الى حيث مثواه الأخير في مقبرة الشهداء مقبرة علي بن جعفر(عليه الصلاة والسلام) وذلك في اليوم الخامس من شهر محرم لعام 1407هـ .
فسلام الله عليك يا أبا محمد وعلى روحك الطاهرة، وأسأل الله ان يلحقنا بكم سريعا ويحشرنا معكم في مستقر رحمته انه سميع مجيب الدعاء ...
«كلمات للشهيد»
لقد ترك شهيدنا (رحمه الله)أثراً خالداً وكلمات تُنْبِئ عن كبر عقله ونضج فكره لا بد لنا من ذكرها لتبقى شاهدة خالدة والى الأبد.
(الكلمة الاولى)
«الكل يرجع الى السبب الأصلي سبب الأسباب والحقيقة واضحة كالشمس، ولكن النفوس تأباها لا كل النفوس، فالبعض يعشق الحقيقة، والذي يريد النور لا بدّ ان يصل، فالنور والظلام واضحان، الا ترى الفراش ينتشر حول النور ولا يُرجِع الحق الاّ السيف، هكذا اثبت التاريخ والأيام ان الحق يؤخذ بالحجة والبرهان أو بالسيف لكن عند إجتماع الجهل والظلم فالحجة والبرهان ساقطان ويبقى السيف».
(الكلمة الثانية)
«قد تجلّت حقيقة الأشياء ولكل من يريدها على حسب القابلية لكن ليس بتلك البساطة، فالأمر صعب على القلوب القاسية، أما النفوس السامية، فإنها ترى الحقيقة حقيقة الوجود وتنطلق بلا قيود لتكشف الأسرار».
(ابتهال للشهيد)
«اللهم يا عالم كل شئ أشكو اليك حالي، فالرحمة منك وأنت يا رب وسعت كل شئ رحمة، فاليك يا راحم الطفل الصغير وملهمه، يا منزل الغيث من السماء ومحي به الارض الجدباء، يا عالم ما في الصدور انك تعلم اني احبك واريدك ولكني ظالم وجاهل ومسكين فافعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله، فأنت أعلم بي من نفسي وأنت أجلّ واكرم من أن تخيب مَن رجاك وأنت أكرم من أن ترد مَن دعاك وأنت يارب أمرتنا بالدعاء، وإن كنا لا نعرف كيف ندعوك ولكنا نسألك ان تهدينا الى الدعاء المستجاب فاستجب لنا يا رب فليس لنا غيرك يا راحم من لا يرحمه أحد.
يا خالق الأشياء من لا شيء انت حسبي سبحانك حسبي الذي خلقني يا من يقبل من رفضه الناس سبحانك تفضلت على العباد بالمغفرة والتوبة وأمرتهم بعدم اليأس من روحك ومنك الأشياء وإليك تعود. أمرتنا بعدم اليأس من رحمتك لان اليأس هو الضلال. وأمرتنا بالتوبة وأنت سبحانك قابل التوب ولكني جاهل بالتوبة. فأعوذ بك يا رب من الجهل، وأعوذ أن أجهل اني جاهل.
رباه اني نادم على كل ما صدر مني، استغفرك يا رب من كل أعمالي لانها مهما بلغت فهي لا شيء في حقك.
لا حول ولا قوة الا بك لا حول ولا قوة الا بك يا رب لا حول ولا قوة الا بك يا لطيف يا خبير إن لم ألذ بك يا رب فبمن ألوذ. وإن لم أشكو إليك حالي فلمن اشكو، وإن لم تهدني يا رب فمن يهديني، أنت الحق يا رب فعرّفني الحق واهدني الى الداعين اليه.
يا الهي انت حسبي أعترف وأقرّ بأني مذنب، ولكن يارب إذا لم تغفر لي وتهدني فمصيرى الى النار. إلهي سبحانك أنت أعلى من أن أدعوك أن تهديني فلا تفعل لأنك تريد الهداية للناس، وما خلقت البشر يا رب ليدخلوا النار ولكنهم هم الذين اختاروا ذلك. سبحانك يا رباه إجعلني كما تحب بحق من تحب، واخرجني من ذنوبي واجعل أعمالي ووجودي لك يا رب، واخرجني من هذه الدنيا راضياً عني فإني سئمت هذه الحياة لإن الجهل كثير ولا أُحب يا رب أن أرى انك تعصى.
يا رب الى حيث الرحمة المطلقة الى حيث العفو المطلق. الى حيث لا يظلم أحد الى حيث العدالة. لكن يا رب لا تعاملني بعدلك لاني مذنب غارق في الجهل يا من سبقت رحمته غضبه. سبحانك كل نعمة منك والاشياء اليك تعود. والحمد لك ان عرّفتنا بنفسك وجعلتنا من امة رسولك (صلواتك عليه وعلى آل بيته) وجعلت ارزاقنا بيدك وسترت عيوبنا برحمتك في الدنيا، فنسألك ان تسترها يوم الحساب يوم تكشف الأسرار، وأنت الراحم فإليك فوّضت أمري وعليك توكلت فعرفني معنى التوكل وأعوذ بك وألوذ فعرفني معنى الاستعاذة. حسبي فأكفني كل أمرٍ اهمّني في الدنيا والدين واقضي حاجاتي يا رب العالمين. يا ربّ يا ربّ يا ربّ إليك ومنك وعليك تقوم الأشياء. وأنت مُسبّب الأشياء بغير سبب وفّقنا لكل شيء يرضيك ووفّقني لعمل ذلك الشيء. واهدني الى الحق ووفّقني لاتباعه.
الهي اجعلني من المسلّمين وليس من المعاندين. رب لا تجعلني ممن يبغضون النور يا خالق النور وخالق الرسل أدعوك دعاء من لا وسيلة له الاّ الدعاء. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد الهداية واهدنا الى الهداية بحق الرسول الأكرم. يا ربّاه يا ربّاه يا ربّاه سبحانك يا ربّ، أعوذ بك من الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء اللّذان يلاحقاني حيثما أذهب ويتربصان لي في كل الأمور. ولا حول ولا قوة الا بك يا رب، فأعوذ بك منهما فأعذني وأعنّي. يا مجيب المضطر اجب دعائي وابعد عنّي الشيطان والنفس الأمّارة واقبل أعمالي خالصة لك يا رب واقبلها ووفّقني للطاعة يا أكرم الأكرمين. يا قابل السحرة، يا غافر الذنب للمذنبين اليك رجعت وتبت فعرّفني كيف أتوب، حسبي الخالق من المخلوقين.
وقال (رحمه الله) رداً على رسالة كتبها له أحد أصدقاءه هذا نصّها:
بسمه تعالى
ليكن عملك في سبيله سبحانه ولا تفرح، لانك حقّقت ما تريد أو لأنك اشعت بأنك على حق، ولاحظ الحق في كل عملك، وليكن عملك له وحده جلّ شأنه ولا تحكم بالغيب.
وقال (رحمه الله) في رسالة موجّهة لامه وهي من الشعر الحُر:
أُمّاه جال بخاطري ان الفراق غداً قريب
لا بدّ يا أُمّاه من يوم يفارق كل ذي حبٍّ حبيبه
فالصبر يا امّ البسيه ولا تري الأعداء حزناً أو نحيباً
الصبر ثم الصبر مهما كان يا أمّاه صعب
فالحزن لا يمحو القضاء ولن أعود اذا غدا جسمي تريباً
روحي لخدرك يا أُمّاه والثديين والكفين ارفعيها
للدعاء والشعر انثريه
أُمّاه ارفعي كفك للدعاء، فإن ظنّك لن يخيب
قولي إلهي بحمله وخروجه كرهاً وبالاكرام ربّي وبالحليب
بكلّها اقسم عليك، وبالحسين ورضيعه وبنحره
وبجسمه المرمى السليب
ان ابني الراحل قد راح عن الدنيا غريب
فيا الهي بالغريب، ارحم إلهي من عصاك فجسمه
الناحل لا يقوى على النار اللهيبة
اوصيك يا أُمّاه بالكلّ بالأطفال والأولاد خيراً
اوصيك بالنسوان يا أُمّاه لا يكشفن ستراً
فوحقّ فاطمة البتول الفخر كل الفخر ان يلزمن خدراً
ان الحياة وضيعة وإن بدت في أعين الحمقاء جميلة
كذا الذنوب على القلوب تميتها فتغدو خاوية عليلة
وقال في كلام آخر موجّه الى امّه وهو في صورة شعر حُر ايضاً اليك نصّه: ـ
أُمّاه ان قالوا لكِ إن ابنك انتقل
ضاقت به الحياة فارتحل
لا تجزعي أُمّاه إن أنا قتلت لا تجزعي
استغفري لي الإله اني عَبرة في صدرك الحنون
فإن ارادت الخروج اكتميها يا ام واسترجعي
بكائك يحرمني النوم يقضُّ مضجعي
كوني كما كانت بكربلاء زينب العقيلة
بالشام في مجلس الطغاة في العراق في الرحلة الطويلة
حوادث مصائب ثقيلة
تزلزل الجبال تفتّت الصخر الأصم
صامدة واثقة باللّه ثابتة جليلة
الى اللقاء أبي وامي اخوتي الى اللقاء
أقاربي حتى العدى والاصدقاء
الى اللقاء غداً لنا لقاء
يوم يوقف الجميع ويكشف الغطاء
الدماء في الطريق مشاعل الرجال
وروحهم قناديل تضيء درباً اسمه الشهادة
ليفهم الجميع أننا عصابة الحق نعشق الشهادة
نعشق الحروب لانها عبادة
ولا نخاف الموت لأنه هو الذي نريد
قلوبنا أقوى من الحديد
نصارع الكلام بالسيوف ان وجد
وان شحّ السلاح بالجريد
ولا نخاف الأسلحة لانها حديد
نحن عبيد الناصر وهم لمن عبيد؟
عبيد الشيطان لشهوة البشر
عبيد للنفوس انهم يعبدوا الفلوس
ألهتهم الكؤوس
فقد غدت أجسادهم كهيئة البشر وفعلهم وحوش
وكل همّهم كيف تملئ الكروش
استعمروا الأراضي واستعبدوا الأيادي وأنشؤوا العروش
هاهم القرود في البلاد أعلنوا الفساد
هدموا المساجد وفي محلها أنشأوا المعابد
لا لله ..للشيطان أنشأوا المعابد
هيهات ها قد أصبحت على رؤوسهم مقابر
في أفغان في العراق في لبنان دُورهم أصبحت مقابر
واننا للحق اصبحنا عساكر
على مدى التاريخ وفي صراع الحق والظلام هناك للحق عساكر
ليعلم يزيد ان الحسين لم يمت لانه الحق لانها الحقيقة
الحق لا يزول الحق باقٍ باقٍ
ماذا ستفعلوا غير السجن والتعذيب، لن أنثني بالسجن والتعذيب اقتلوا أبي وامي اقتلوا الأقارب
لن يفيد السمّ ايها العقارب
ونظل على الدرب الطويل نحارب
احرقوا بيتي وهجّروني
فكل أرض كربلاء وكربلاء أرض الإباء
أرض الدماء والفداء والسيوف
اقتلوني فكلّنا خلقنا للحتوف
وإن أبت انوف
وإنما نحن في الحياة كالضيوف
والموعد القيامة
ستعلنوا الندامة حيث لا تفيد
ويحمل الحق الجيل الجديد
ويثأر للكرام في دار البلاء
لا استكانة لا سلام لا صلح لا حياة لإبليس وجنده الجبانة لا سلام
«وصية الشهيد»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الغرّ الميامين، وبعد:
هذا ما أوصى به عبدالله وابن عبده نزيه ناجي علي الحجاج بعد الإقرار لله سبحانه وتعالى بالوحدانية والعدالة ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة والخاتمية ولعلي (عليه الصلاة والسلام) وأولاده المعصومين الحسن بن علي والحسين بن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي، وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الحجة المهدي بن الحسن (صلوات الله عليهم اجمعين) بالخلافة والإمامة، وانهم حجج الله على عباده وامناءه في بلاده، وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور واليه المرجع والنشور انه اذا حضرتني الوفاة فليفعل بي ما يفعل بإخواني المؤمنين من واجبات الاحتضار والغسل والتكفين والصلاة والدفن وان يكون دفني في مدينة قم المقدسة، وأن تقام الفاتحة على روحي ثلاثة أيام رجالاً ونساءاً، وأن يتصدّق عني بمائة ريال ليلة الدفن وان يصام عني شهراً، وان يحج عني بيت الله الحرام حجة الإسلام، وعهدت في تنفيذ وصاياي هذه الى…، فإن بقي من الثلث شيء فلينفق في مصالح الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (أدامه الله).
وأخيراً فإني أحمد الله إذ وفقني لهذا الطريق وهو الجهاد في سبيله الذي قال فيه إمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام): «الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أولياءه» وأوصى جميع المؤمنين ونفسي بتقوى الله ونظم أمرهم والسير في خط أهل البيت وخط ولاية الفقيه الذي هو امتداد لولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين) المتمثل في زعيم الامة الإسلامية ومؤسس الجمهورية نائب الإمام الحجة أرواحنا لتراب مقدمه الفداء آية الله العظمى الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (متع الله المسلمين بطول بقاءه الشريف)، واوصي والدتي بأن لا تحزن ولا تبكي اذا أنا حظيت بالشهادة بل تفخر بأنها سقت شجرة الإسلام بدم أحد أبناءها وشاركت نساء بيت النبوة في تقديم أفلاذ اكبادهن ضحايا في سبيل الله ونصرة أبي عبدالله الحسين (عليه الصلاة والسلام).
امي وأبي اغفرا لي تقصيري في حقكما، ان حقكما لا يُوفّى مهما عملت لكما، ووالله ان فراقكما صعب ولكن لا بد من الفراق إن عاجلاً أو آجلاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموصي
نزيه ناجي علي الحجّاج
حرر بتاريخ 27 شوال 1404هـ
وهناك وصية أُخرى كتبها قبل استشهاده بقليل ويتنبأ فيها بذلك وجدت في جيبه بعد استشهاده (رحمه الله) والذي يبدو انه كتبها قبل الهجوم بقليل، واللطيف انه يذكر فيها شهادته اذ يقول فيها: «الحمد لله الذي ختم لنا بالشهادة» وإليك نصّها: ـ
«أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه، وأشهد أن محمداً رسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن علياً وصيه بالحق وأن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين) حجج الله تعالى على الخلائق (صلوات الله عليهم أجمعين) واللعنة على أعدائهم الى يوم الدين.
الحمد لله الذي ختم لنا بالشهادة. إخواني اتقوا الله في كل شيء ينصركم في الدنيا والآخرة، اني مطلوب سنة وشهرين صلاة قضاء وخمسة عشر يوماً صوم قضاء.
الرجاء إبراء الذمة من الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ابو محمد القمي
|